(قد) يرغب في تنفيذ بعضها فينوء بها كاهله

مـهـام مـطـلـوبـة مـن الـمـلـك الـجـديـد

بين اليأس والرجاء، الأمل والإحباط، الرغبة والخشية.. تنتثر آمال المواطنين على صفحات الجرائد ومنتديات الإنترنت معبرة عما تنتظره من الملك الجديد، بل من العهد الجديد.

الدعاية للملك الجديد قد تحمّله ما لا طاقة له به من مهام. فإن كان الملك الجديد رجل الإصلاح والتغيير، والملك (الشعبي) الذي يحسّ بمشاكل الطبقات المسحوقة والفقيرة.. وإذا كان كما يقول رجال الدعاية عنه بأنه رجل مرحلة لا ملك عابر بالكاد يذكر إسمه. إذن فليرنا ماذا سيعمل: وهذا هو الميدان يا حميدان! كما يقول المثل الشعبي!

طوابير البطالة: هل يحلّها الملك الجديد؟

بالطبع فإن مطالب المواطنين كثيرة، وأولوياتهم مختلفة، لكنهم يتفقون على الخطوط العامّة المطلوبة لبناء بلد عصري، ومجتمع مسالم موحّد. وليس المطلوب من الملك الجديد إلا أن يتناول الملفات الساخنة، والقضايا الكليّة الجوهرية التي تحدّد مسار البلاد لعقود قادمة، وليس الإنشغال بالتفاصيل الصغيرة والمشاريع المجتزأة والمبتورة التي لا تمثّل استراتيجياً قيمة يعتدّ بها.

على صعيد العائلة المالكة، فإن الملك الجديد مطالب بالتالي:

1) أن يُلجم الجناح السديري ويقطع استفراده بالسلطة. فهذا الإستفراد يمنع التسويات ويشكل عامل قلق في العائلة المالكة ومن ثمّ في استقرار الدولة نفسها. ثم إن الجناح السديري نفسه قد فسد حتى النخاع وأفسد من حوله، وأصبح هذا الجناح برموزه المعروفة وبينها رمزه الأكبر الراحل الملك فهد المثال الأوضح لكل ما هو فاسد وخليع وساقط وهابط. وفوق هذا فإن تعديات هذا الجناح على حقوق المواطنين لم تقف عند حدّ، فصارت أملاكهم وأعراضهم وكراماتهم مستباحة، فصار ضبط عناصر هذا التيار يمثل رغبة شعبية، خاصة وأن السخط المتراكم يتجه نحو رموز الجناح السديري نفسه في أكثر الأحوال.

إن إبقاء الجناح السديري في مراكزه ويتمتع بكامل قواه سيخنق تحركات الملك الجديد، وسيمنع من إحداث أي تغيير وفي أي اتجاه يرغب فيه الملك، وبالتالي سيخنق الدولة نفسها ويمنع تطورها، كون هذا الجناح قد قدّم ما يمكنه تقديمه منذ أن قبض على مفاصل السلطة في الستينيات الميلادية، ولا ينتظر منه إلا الردود السلبية التي تحفظ احتكاره للسلطة والثروة ومنع الآخرين سواء من داخل العائلة المالكة أو من الشعب من المساهمة في صناع القرار الأمني والسياسي والإقتصادي وحتى الديني.

2) والمهام المطلوبة في هذا الصدد تستدعي وضع قانون واضح في مجال الوراثة يضع النقاط على الحروف وعدم الإكتفاء بمفردات عامة من قبيل (يتولى الأصلح الحكم)! فكل أمير يرى نفسه الأصلح! ويتطلب التغيير هذا أن يصادق عليه شعبياً ضمن دستور مكتوب، يحدد ما للعائلة المالكة وما للشعب من صلاحيات ومن حقوق. ما هو مطلوب من الملك اليوم هو ان يخفف من احتكار السلطة من قبل الأمراء وكذلك احتكارهم للثروة، وأن يجدد شباب القائمين على الدولة منهم. الملك عبد الله مطالب بأن يكون هو (آخر) أعضاء اللجنة المركزية من كبار الأمراء الذين يتولون الحكم. يجب أن تنتقل السلطة الى جيل شاب فهرم الدولة صار مسألة مقلقة للمواطن قبل المسؤول. المسؤول يستطيع أن يحزم حقائبه ويعيش في أي بلد! أما المواطن فلا بديل له عن وطنه، ولا إمكانية له للفرار إن تعرّض الوطن للشروخ والتصدع والحروب الأهلية والتقسيم.

3) المملكة اليوم بحاجة الى ملك قوي يضبط تسيّب العائلة المالكة ويوقف استهتارها كيما تحفظ البقية الباقية من مكانتها، وحتى لا تنزلق البلاد الى عنف أكبر، ومحاولة للتغيير عبر استخدام السلاح بدل الكلمة الطيبة والحوار والشفافية. فهل الملك

عبدالله هو ذلك الرجل الذي ينقذ العائلة المالكة من غلواء جشعها واستبدادها، وينقذ معها مكانتها ويحفظ للبلاد استقرارها وأمنها وسيادة قانونها ونظامها؟

على صعيد الحكومة، الملك الجديد تنتظره المهمّات التالية:

(1) حصر حصّة العائلة المالكة في رئاسة مجلس الوزراء، ويمكن التمهيد لذلك بأن تعطى للعائلة المالكة وزارتا الدفاع والداخلية فحسب، دون وزارة الخارجية، وبحيث لا يتولى أحد من أفرادها مناصب وكيل وزارة او ما أشبه، كما هو الحال الآن.

الفقر في مملكة النفط بلا حدود

(2) التخفيف من ـ إن لم يكن ممكناً القضاء على ـ الإحتكار النجدي للسلطة، ومحاباة العائلة المالكة للنجديين حتى أصبحت الدولة في معظمها بيدهم. أكثر من ثمانين بالمائة من المسؤولين هم من نجد، ومن مقاطعتين من نجد فحسب: القصيم والرياض، وهما لا تمثلان ـ إذا ما أزحنا المهاجرين الى الرياض ـ سوى 15% من مجمل سكان المملكة. إن التواطؤ النجدي مع العائلة المالكة النجدية هي الأخرى، وانحياز الأخيرة لحريمها الإجتماعي أحدث ارتباكاً في السلطة نفسها، وبذر بذور الصراع المناطقي، وأصبح اليوم عامل تهديد لوحدة الدولة، حيث عدّ ذلك الإحتكار الديني والثقافي والمالي والسياسي والأمني والعسكري والقضائي لصالح نجد أكبر دافع باتجاه تحقيق تقسيم البلاد وعودتها الى مكوناتها التاريخية. إن الإحتكار النجدي للسلطة، والإقصاء المتعمّد لباقي السكان أو معظمهم وعدم تمثيلهم فيها، أدى الى خلل في التنمية الإقتصادية والإجتماعية من جهة عدم توازنها، وأشعل المرارة في النفوس، وزاد الأحقاد على الأمراء ومشايخ الوهابية الذين ينتمون الى نفس المنطقة الحاكمة. ومما لا شك فيه أن البلاد رهينة اليوم بيد فئة، ورهينة مرة أخرى لمشاعر التفتيت والتقسيم، حيث يعدّ الإحتكار النجدي أكبر مولّداته. ولهذا فهناك من بين المواطنين من ينتظر تشكيل الوزارة الجديدة ليرى ما إذا كان الملك الجديد سيبعث برسالة مفادها بأنه سيخفف من محاباة العائلة المالكة للنجديين، ويقوم بإشراك الفئات المهمّشة في الشمال والجنوب والشرق والغرب في ماكنة السلطة.

(3) المؤسسة الدينية كجزء من الحكومة تغوّلت في عهد فهد تغوّلاً مخيفاً، أدّى في بعض أضراره الى التطرف والعنف وتوريط البلاد في معارك مع دول العالم، واستعداء الاخرين من المسلمين ضد البلاد وأهلها، فضلاً عن آثار التطرف المحليّة من انغلاق ذهني وثقافي وجمود يخنق المجتمع والدولة. إن احتكار الفتيا لمذهب ولمدرسة واحدة يقيّد الدولة، وإن عدم كبح جماح تطرف المؤسسة الدينية الرسمية (الوهابية) لم يؤدي فقط الى تفكيك أواصر المواطنة والأخوة بين المواطنين كما هو واضح بسبب الفتاوى المكفرة والمتطرفة، ليس هذا فحسب، بل أدّى الى محاولة تجريد الدولة من شرعيتها، وتهديد القائمين عليها بإخراجهم من الملّة.

لقد كان الملك فهد ينتقد الملك فيصل في حياته من أنه لم يقم بتقليم أظافر المؤسسة الدينية ورجالها بما فيه الكفاية، ولكنه حين جاء منح رجال (الوهابية) أضعاف السلطات والصلاحيات التي منحها لهم فيصل، مع أن فهد لم يعرف التديّن في حياته، ولكنك بالكاد تجد من يترحّم على فيصل! الذي كان واعياً بحق لخطورة التطرف الديني وارتهان الدولة لمجموعة من المشايخ الذين لا يقدرون ولا يعون الأمور. فما عسى الملك الجديد أن يفعل تجاه هذه المؤسسة؟ هل يطعمها بعلماء من خارج محيطها الطائفي؟ أم هل ينأى بالدولة عنها شيئاً فشيئاً ويحولها الى مؤسسة أهلية؟ أم هل يسمح لأتباع المذاهب الأخرى بتشكيل مؤسسات خاصة بهم موازية، فتقوم الدولة بدور الحياد الديني كما دعا عدد من الكتاب السعوديين والأمراء (طلال)؟

على صعيد الإصلاحات السياسية، فإن المهمّات التالية تنتظر الملك الجديد:

أ) إعلان صريح من الملك الجديد بأن الإصلاحات السياسية تدخل في صلب مشروعه السياسي؛ بحيث يوضح الإعلان ماهيّة هذه الإصلاحات، وما المقصود منها بالضبط، فالكلام في الفضاء ـ كما جرى خلال السنوات الماضية لم يعد مفيداً، بل كان للأسف أداة تضليل، حيث الحديث العام عن إصلاحات لا لون لها ولا رائحة ولا أجندة ولا تحديد ما هي تلك الإصلاحات في الأساس. المطلوب حين يعلن الملك تبنّيه للإصلاحات أن يحددها بالضبط ما هي، ثم يحدّد المدّة المطلوبة التي ستستغرق تطبيقها حتى لا تتيه في مسالك النسيان، وحتى لا تصبح الوعود جوفاء بدون تطبيق، فيما المواطنون ينتظرون تحققها الى أن يصيبهم اليأس كما حدث في السنوات الأخيرة، بل طيلة العقود منذ الستينيات الميلادية الماضية حتى الآن، حيث الوعود الملكية عديدة وفارغة، وهدفها التهدئة أو المرور من أزمة، أو التمهيد لحكم جديد كما هي العادة. بحيث يعلن الملك الجديد نيّته الإصلاحات بدون تحديد ماهيتها ولا موعد تنفيذها.

ب) الإصلاحات السياسية التي ينتظرها المواطنون ونخب البلاد الإصلاحية تختلف كثيراً أو قليلاً عن تلك التي في ذهن الأمراء، والمدّة التي يتوقعون استغراق تنفيذها أقصر بكثير من تلك التي يريدها الأمراء. الإصلاحات السياسية وحسب ما جاء في عرائض الإصلاحيين، خاصة تلك التي قال الملك عبد الله أنها تمثّل مشروعه، ونعني بها عريضة الرؤية، تتضمن التالي:

- وضع دستور للبلاد خلال فترة وجيزة من قبل فئة منتخبة ومتخصصة، ثم مطالبة المواطنين بالتصويت عليه.

ـ إقرار مبدأ الإنتخابات الكاملة لمجالس تشريعية ومناطقية وبلدية مع صلاحيات كاملة، خاصة للتشريعية (البرلمان).

ـ إطلاق الحريات العامة، وبينها حريّة التعبير والصحافة والنشر، وحرية التجمّع وحرية تشكيل الأحزاب والجمعيات.

ـ رفع اليد الحكومية المانعة لتشكيل مؤسسات المجتمع المدني، بل الحث على تشكيلها والدعوة اليها.

ـ إقرار مبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن خلفياتهم المذهبية والمناطقية والقبلية، وكذلك إقرار مبدأ المساواة بين المناطق من حيث الخدمات العامة.

ـ اعطاء المرأة حقوقها اسوة بالرجل في كافة الميادين السياسية والإجتماعية والإقتصادية.

أما المدّة التي تستغرقها الإصلاحات فإنها لا تزيد عن أربع سنوات، في حين يريد الأمراء تحقيق هذا الأمر خلال عشرين عاماً كما صرحوا مؤخراً. ومن المؤكد أن وضع عشرين عاماً تعني أنهم لن يقوموا بأي إصلاح حتى بعد عشرين عاماً، هذا إذا بقوا في السلطة الى ذلك الحين بدون القيام بإصلاحات! من المؤكد أن عمرهم سيكون أقصر بدون إصلاحات، ولكن الأمراء يعتقدون غير هذا. بل عكسه تماماً.

على صعيد الإصلاحات الإقتصادية، فالمهمات التي يطالب المواطنون الملك الجديد بتنفيذها هي:

ألف) مكافحة الفساد والرشوة ومنع التعدّي على أملاك الدولة من أراض وميزانية وعقود ونفط. وهذا يشمل بالدرجة الأساس الناهبين الكبار من الأمراء؛ وكذلك وضع برنامج لتوزيع المنافع الإقتصادية على عموم المواطنين الضعفاء والفقراء أو من ذوي الدخل المحدود خاصة فيما يتعلق بتوزيع الأراضي الحكومية على المواطنين، كما هو الحال في بلدان خليجية حلّت مشكلات الإسكان.

باء) تحسين وضع الخدمات الصحية والتعليمية، من بناء مستشفيات ومستوصفات ومدارس وجامعات، والتخلص من البيوت المستأجرة التي تشكل نحو 75% من مجمل مدارس الدولة!

جيم) معالجة مشكلة البطالة التي تفاقمت وأصبحت قنبلة موقوتة تفرخ قنابل أخرى منها التطرف والعنف.

دال) مكافحة الفقر، حيث بلغ آفاقاً غير مسبوقة في عهد الملك السابق، وقد قدّرت دراسات محلية نشرت في الصحافة أن 40% من سكان المملكة يعيشون تحت خط الفقر. ولما كان الملك عبد الله هو أول من سمح بالحديث علناً عن الفقر حتى في العاصمة، فإنه مطالب اليوم، طالما وجدت الوفرة المالية، أن يحل أزمة الفقراء في كل مناطق المملكة، ضمن مشاريع طموحة تعالج الجذور ولا تكتفي بالأعراض المرضية.

هذه بعض الآمال ـ المهمات ـ المعلّقة في عنق الملك الجديد ـ الملك عبد الله. فهل يواجهها ويعالجها بشجاعة، أم أن الروتين الذي سارت عليه الدولة باق، وبالتالى لا يجب أن يؤمل الناس في الملك الجديد خيراً؟!

الصفحة السابقة