رسالة تحريضية عن جامعة الامام محمد بن سعود

التكفير بمرتبة الشرف الأولى!!

درجة دكتوراه مع مرتبة الشرف الاولى.. كانت تلك المكافأة الاكاديمية التي حصل عليها الطالب سعيد بن ناصر الغامدي من جامعة الامام محمد بن سعود بعد أن إجتاز بتفوق مناقشة رسالته المعنوّنة (الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها.. دراسة نقدية شرعية) تمت في تاريخ 26/1/1420هـ ( 2000م)، وطبعت الرسالة عام 2003 في ثلاثة مجلدات مكوّنة من 2315 صفحة، صدرت عن دار الأندلس الخضراء للنشر والتوزيع، جدة، ط1ـ 1424هـ، ديسمبر 2003م، وتم توزيعه مؤخراً، وهو في الأصل رسالة مقدمة إلى كلية أصول الدين ـ قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لنيل درجة الدكتوراه. وتناقش الرسالة ما أسماه الغامدي بالانحراف العقدي للمبدعين العرب المعاصرين. وقد أشرف على الرسالة مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، فيما تألفت لجنة المناقشة من: الشيخ أ . د صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئةِ كبارِ العلماءِ ، ورئيس مجلس الشورى، الشيخ أ . د ناصر بن عبد الكريم العقل ، عضو هيئة التدريس في كلية أصول الدين في الرياض، الدكتور حسن بن فهد الهويمل، عضو هيئةِ التدريس في كلية اللغةِ العربيةِ في القصيم ورئيس نادي القصيم الأدبي.

هذا الكتاب من حيث مضمونه التحريضي ومادته السجالية يأتي بعد كتاب (الحداثة في ميزان الاسلام) للدكتور عوض القرني الصادر في الثمانينات والذي لم يختلف كثيراً في مضمون الاضبارة الاتهامية الواردة فيه والاحكام العقدية الصادرة عن مؤلفه، سوى أن رسالة الغامدي تأتي في إطار أشمل وفي ظروف أسوأ وتحت رعاية شخصيات دينية أبرز مثل مفتي الدولة ورئيس مجلس الشورى، الذي يتناقض مضمون الكتاب مع المقاصد الكبرى من مبدأ الشورى.

يتألف الكتاب ـ الرسالة من مقدمة وأربعة أبواب وخاتمة، والباب الاول بعنوان (الانحرافات المتعلّقة بالله سبحانه وتعالى) ويشتمل على ثلاثه فصول يرصد فيها الانحرافات المتعلقة بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات بحسب التقسيم الوارد في البناء العقدي الوهابي، فيما يناقش في الباب الثاني الانحرافات المتعلقة بالملائكة والكتب المنزلة ويضم ثلاثة فصول، والباب الثالث بعنوان الانحرافات المتعلقة باليوم الآخر والقدر ويتضمن ثلاثة فصول أيضاً، أما الباب الرابع بعنوان (الانحرافات المتعلقة بالأحكام والسلوك ونظام الحكام) في خمسة فصول يرصد فيه الانحراف العقائدي من خلال: العبث بالمصطلحات الشرعية والشعائر الاسلامية ومحاربة الحكم الاسلامي والدعوة الى تحكيم غيره، والسخرية من الأخلاق والاسلامية والدعوة الى الانحلال والفوضى الخلقية، والانحرافات في القضايا الاجتماعية والنفسية والسياسية والاقتصادية. وفي الخاتمة يلخّص صاحب الرسالة أسباب الانحراف العقدي في الأدب العربي الحديث، ويقدّم مقترحات لمواجهة الانحراف العقدي في الادب العربي الحديث.

وحاول الغامدي في منهجية علمية مفتعلة تقفّي جذور الانحراف العقدي بالعودة الى الحملة الفرنسية على مصر في القرن الثامن عشر الميلادي ثم متعقباً الشخصيات الادبية والفكرية التي برزت خلال هذه الفترة وما بعدها مثل الشيخ رفاعة الطهطاوي والشيخ محمد عبده والسيد جمال الدين الافغاني وقاسم أمين مروراً بالجيل اللاحق من الادباء والمفكرين مثل جبران وميخائيل نعيمة والرصافي والزهاوي وطه حسين ولطفي السيد وشبلي شميل، وصولاً الى الجيل المعاصر امثال حسن حنفي وعزيز العظمة ومحمد عابد الجابري ومحمد أركون والصادق النيهوم، وعبده الخال، وجبرا، وأنسي الحاج، وأدونيس، وجابر عصفور وصلاح فضل، والغذامي وبنيس، وأضاف الى القائمة بعض القادة السياسيين مثل محمد علي باشا وعبدالناصر الذي قال عنه بأنه (عدو للاسلام والمسلمين)! والحبيب بورقيبة.. قائمة مفتوحة على أفق واسع وقابلة للزيادة، فالغامدي حشر كل المنحرفين عقدياً من أول الخلق الى يوم ختم رسالته، وألمّ بكل حقول العلم حتى بات قادراً على الحكم على أصحابها بالايمان أو الكفر.

محمد اركون

مشكلة الكتاب ليس في كونه تجاوز بمسافة ضوئية محددات البحث العلمي وأولها الحيادية التامة والموضوعية في تناول الموضوعات المراد مناقشتها في الرسالة، ولكنه هبط الى مستوى الخوض في تفاصيل مخلّة وبطريقة مبتذلة، فقد تجاوز الكتاب الرسالة العلمية الى المنشور الدعوي المطوّل المشحون بأحكام نهائية قاطعة تسلب حيادية الباحث، فقد امتلئت الرسالة بأحكام (التكفير) و(الالحاد) و(الوثنية) (ومعاداة الاسلام)، الأمر الذي يسقط علمية الرسالة، التي تقوم على التجرّد والنزاهة، ومما يثير الدهشة أن يعدّ صاحب هذه الرسالة الحيادية عيباً في عرضه لمصادر البحث التي رجع اليها ومن بينها كتاب (الصراع بين القديم والجديد في الأدب العربي الحديث) للباحث المغربي محمد الكتّاني، حيث وصف حياديته بأنها معيبة! كونه لم يقتفِ أثر القاضي الشرعي الذي يصدر الاحكام في حق من وصفهم بالحداثيين، ولو فعل الكتّاني ذلك لنال شهادة تقديرية من الغامدي ولجعل من كتابه ذا قيمة!.

لو اكتفى الغامدي بتحليل الخطاب الادبي الحديث، وانشغل بدرجة عميقة في تفكيك نظريات القراءة والتأويل والمناهج النقدية والفلسفية الحديثة لكان ذلك جديراً بأن يحافظ على علمية الرسالة، ولكنه جاء بمسبقات ذهنية او مشاعة في الادبيات السلفية وبخاصة الشعبية منها، ونقلها مع استفاضة في حشد معلومات أخرى عن الحياة الخاصة للادباء الحداثيين!! فيما يشبه بوثيقة إتهام تعقبها أحكام، حيث رصد الغامدي 25 إنحرافاً سلوكياً لأدباء الحداثة وهي كافية لرفع عصمة الدم عنهم!. فالرسالة تنطلق من رؤية ايديولوجية كونية تصنيفية، تؤسس لقسمة العالم الى معسكرين: معسكر الايمان ومعسكر الكفر، ولذلك فإن انشغال الباحث بصانعي الخطاب وليس بالخطاب نفسه يكفي لتوجيه الرسالة الى مقصد قارٍّ في ذهن الباحث قبل الشروع في اعداد الرسالة الجامعية.

فقد توسلت إطروحة الغامدي بالقراءة العقدية للخطاب الادبي، فكانت النتيجة قائمة أحكام عقدية تتراوح بين التكفير والتخوين. فالصبغة الايديولوجية للرسالة ليست خافية، بل إن اللغة التي اعتمدها الباحث تزج بالرسالة في خضم القراءات السجالية التي لا ترى ضيراً بل ولا مناص من ربط النص بصاحبه، تمهيداً لاصدار الحكم عليه. إن حشد المعلومات وضخامة البحث لا تكسبه صفة العلمية، ما لم يحقق الطالب شروط البحث العلمي في رسالته. وفيما يظهر فإن الباحث توغل في رصد المعلومات المعروفة والملفّقة والتي لا صلة لها بالقضية العلمية ليقيم عليها أساس بحثه، حيث لم يجر التعامل مع نصوص بقدر ما كان يجري التعامل مع أشخاص، يحتفظ الباحث بمواقف مسبقة عقدية ومسلّمات ذهنية عنهم، فالرسالة من حيث قيمتها العلمية غير جديرة، فهي لم تأت بجديد يستحق التقدير، وما صدر فيها من أحكام عقدية ماهي الا إجترار لأحكام سابقة كان صاحب الرسالة والمنتمين لذات المدرسة الفكرية قد أصدروها في محاضرات وكتيبات، اللهم الا أن الرسالة جاءت بمزيد من المعلومات لتأكيد ما سبق الحكم عليه.

ليس من العلمية في شيء أن ينطلق الباحث من رؤية تقسيمية في إعداد رسالة علمية يفترض التزامها بالشروط الاكاديمية المعروفة عالمياً، وكان ذلك معيباً في حق جامعة الامام محمد بن سعود! وبطبيعة الحال، فإن هذه الرسالة ليست الاولى التي تصدر عن هذه الجامعة، فهناك الكثير من الرسائل المماثلة التي حصل معدوّها على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الاولى من جامعة الامام، ويكفي مراجعة قوائم الرسائل الصادرة عنها منذ تأسيسها الرسمي عام 1974، حيث غلب على رسائل الدكتوراه لطلاب كلية أصول الدين ـ قسم العقيدة الطابع الايديولوجي الجانح الى إصدار الاحكام وتقسيم الناس على اساس إنتماءاتهم المذهبية.

نازك الملائكة

هذا النزوع المذهبي لدى الدكتور الغامدي يملي عليه الانحباس في منهجية غير نزيهة، تنتصر للذات وتغالب حد الاستماتة في تجريد الآخر من حق التعبير، فضلاً عن الافادة منه. فتعريف الأدباء والشعراء من خلال أصولهم العقدية كالنصرانية والرافضية والنصيرية والدرزية والاعتزالية!!، والتي لا يقرّونها كمحدد لأدبهم وشعرهم، تنم عن نزعة مذهبية ضارية لدى صاحب الرسالة، لاصلة لها بنصوص أدبية يراد قراءتها ونقدها. فقد انتقل صاحب الرسالة ـ الكتاب من تحديد الانحراف العقائدي في أدب الحداثة وفكرها الى توصيم الادباء والمفكرين، بما يخرق حدود عنوان البحث نفسه، بل ويطيح بأصل الغرض من الرسالة مع كل ما فيها من نضوحات معيبة.

كون معدّ الرسالة لا يرى ثمرة في المنتج الادبي الحديث فذلك مدرك، على الاقل يلبي الشعور بالاعتزاز بالذات، ولكن ما لا يدرك هو الطريقة التي تناول فيها تقييم الاشخاص أنفسهم والتي تنضح بالشوفينية المقيته والتي تصل الى حد التعريض بخلقة الله سبحانه وتعالى، بما في ذلك من إسفاف وجنوح الى الاطاحة بقيمة الوجود ذاته، بمعنى أن الباحث لم يكتف بنبذ النص بل ونفي حق الحياة لصانعه، من خلال توصيفه بطريقة تشنيعية وعنصرية، الى جانب ذلك فقد تحوّل الباحث الى قاضي أول في محكمة تفتيش العقائد والنوايا، وأصدر أحكامه النهائية والحاسمة على كثير من الادباء في القديم والحديث.

يمتلىء الكتاب بقائمة مكتظة بالاسماء والاحكام العقدية التقويضية، مستعملاً مؤلفه لغة دينية تحريضية شديدة الصرامة، ولا يكاد يسلم أديب أو شاعر الا وأصابه واحداً أو أكثر من تلك الاحكام. ومن نماذج ما ورد في الرسالة: الشيخ رفاعة الطهاوي، حيث ذكر في (هامش صفحة 69) في سيرته بأنه إنسلخ من عقيدته، لا لشيء سوى لأنه سافر الى باريس واطلع هناك على الفكر الاوروبي الحديث.

وقال عن بدر شاكر السياب بأنه أصيب بالشلل ومكث يستجدي زملاءه وأصدقاءه فلم يجيبوه حتى مات في الكويت عام 1964، وأن شعره مليء بالرموز الوثنية، والانحرافات الفكرية والسلوكية ص 162. فما علاقة مرضه وماجرى عليه بشعره فضلاً عن انحرافه العقدي.

وفي هامش صفحة 140 نقل دون تحديد المصدر عن سيرة المفكر الجزائري محمد أركون بما نصه: (يقال إنه يهودي الأصل، وأنه كان يُعرف بعركون.. له كتب عديدة تنضح ببغضاء شديدة ضدّ اللغة العربيّة التي ينادي بتفجيرها، ويرى أنّ الله تعالى وتقدّس مشكلة، ويسخر من المؤمنين بأنّ الله خالق العالم، يستخدم مصطلح التاريخيّة والتاريخانيّة بتقديس كامل، ويمجّد كلّ معارض للإسلام مشكّك فيه من مسكويه والتوحيديّ حتى خلف الله، وينتقد من يثني على شيء في الإسلام مثل نقده لموريس بوكاي. وبالجملة فهو من عتاة أعداء الإسلام ومن تولّى كبر المحاربة له). ولا شك أن هذا النص يكشف عن أن الباحث لم يطلع على كتابات أركون، وإن قرأها فقد أخفق بالقطع في إدراك مضامينها، وإن منهجية أركون في البحث لا تنتمي الى القراءات الايديولوجية بقدر انتمائها لمنهج البحث العلمي، وان الباحث اكتفى بترديد ما قيل عن أركون دون قراءة لفكره ونتاجاته.

ادوار خراط

ـ وفي هامش صفحة 175، بالغ في التشنيع على الشاعر المصريّ أمل دنقل، بقوله: (عاش متسكّعًا في المقاهي، متعاطيًا للخمور والحشيش، مقاربًا للموبقات، كان سليط اللسان، شديد القبح في منظره ومخبره، تشتمّ رائحة الشيوعيّة منه عن بعد)! فهذا التوصيف ليس فيه من الأدب شيء، فقد تحوّل الكاتب الى رجل هيئة أو شرطي أداب متخلياً عن البحث ونزاهته. وفوق ذلك، تناسى بعمد وسابق إصرار النص الادبي لدنقل، ويكفيه مقطوعة لا تصالح التي كتبها سنة 1976 أي قبل الصلح بين مصر واسرائيل:

لا تصالح
ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك،
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هى أشياء لاتشترى..

* * *

لاتصالح ولو قيل رأس برأس،
أكل الرؤوس سواء؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟
أعيناه عينا أخيك؟
وهل تتساوى يد.. سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلك؟

فهل يخبرنا صاحب الرسالة ـ الكتاب أين الانحراف العقدي في مثل هذه القصيدة وقصائد أخرى لأمل دنقل، بدل التفتيش في حياته الشخصية بناء على معلومات لا يعلم مصدرها، فضلاً عن كونها خارج نطاق الحدود العلمية للبحث.

ولعل أسوأ ما جنح إليه الكاتب في مسلسل النيل والقدح والتجريح من الاشخاص ما كتبه في تعريف الشاعر محمد الفيتوري في هامش صفحة 231 حيث وصفه بأنه (أسود البَشَرة قصير القامة دميم الوجه... له ديوان شعر حداثيّ مليء بالعنصريّة السوداء، ثم اليساريّة الرعناء..) أليس في ذلك تجاوزاً لخلق الله الذي أحسن كل شيء خلقه، وهو القائل عز وجل (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) فهل بعد ذلك يأتي هذا الكاتب لينال من خلقة الله!! وهل كونه أسوداً وقصير القامة ودميم الوجه يحرمه من كونه إنساناً أو يفقده الكرامة الانسانية، إنه لعجب هذا القول العظيم والخطير لو يعلم صاحب الرسالة ذلك، وعجب أيضاً أن يغفل المشرف وأعضاء اللجنة المشرفة على الرسالة هذا الاقتراف الخطير.

ومن النماذج أيضاً ما جاء في تعريفه لبعض المفكرين والشعراء العرب، مثل جابر عصفور حيث قال عنه (وله في عقله من إسمه نصيب..يتحدث عصفور العقل) ص 1804، ويقول عن نزار قباني بأنه: (يبغض العرب لفرط شعوبيته) ص 145 ، وقال عنه بأنه (خليع سلط سياط ألفاظه النتنه على تاريخ المسلمين وأسلافهم الأخيار) ص 1695، وقال عن أدونيس بأنه (باطني نصيري طائفي حاقد نشأ في جو التشيع المارق) ص 1703، فيما وصف محمد أركون بأنه (متفرنس متغطرس) ص 1897، فميا اعتبر عبد الله الغذامي بأنه (حاخام الحداثة) في السعودية.

إن الوقفات المطلوبة في قراءة الكتاب تكاد تأتي على مجمله، فالتحريضية الصابغة لمحتوياته تجعل من مادة الكتاب متناً وهامشاً قابلة لأن تشعل الكراهية وتحرّض على الآخر وتشيع أجواء التنابذ وتؤسس لمبدأ الاقصاء لكل ماهو مختلف وكل من هو آخر، الذي يصنّف في خانة الكفار وأعداء الاسلام، والذي يضفي عليه الكاتب صفة المؤامرة إيغالاً في تجريم الآخر وتقويضه بصورة نهائية بما لا يترك مجالاً للقارىء أن يعمل العقل في ما يقرأ من الكتاب، فهو مادة تلقينية يقينية تزوّد القارىء بوثيقة أحكام قطعية مستندة بكل براهين الادانة والاتهام.

وشأن آخرين من هم على شاكلة الغامدي، فثمة حياكة متقنة لقصة مؤامرة ينظمها أعداء الدين، ويرومون تقويض أسس الاسلام عن طريق الادب والفكر، وأن معاولهم مازالت تهوي على قلاع الأمة الحصينة، دون أن يكلّف نفسه عناء قراءة النصوص الادبية والفكرية قراءة موضوعية وحيادية، بدلاً من الاسراف في توجيه التهم وتقسيم العالم الى كفر وإيمان، فقد وصم الكاتب بالكفر أكثر من 200 شاعر ومفكر ومثقف عربي، والذين باتوا على قائمة المرشحين للاغتيال وإهدار الدم، كما يكشف عن ذلك بوضوح النص التالي في المجلد الثالث ص 1740 (ومع أن أقوالهم وأعمالهم وعقائدهم التي أذاعوها توجب الحكم عليهم بالردة، وترفع عصمة الدم عنهم إلا أنهم في الأجواء السياسية العلمانية المستوردة من الغرب، أذاعوا كل ما في صدورهم العفنة من كفر وإلحاد، في مراغمة ومعاندة للدين وأحكامه وشرائعه وعلمائه ودعاته).

إن ما نخلص به من قراءة الكتاب في مجلداته الثلاثه، أن الرسالة قدّمت دليلاً جديداً على عقم المنهج الاقصائي الذي ينطلق من تجريد الآخر من حق الحياة، والاستسهال المسرف في إصدار أقصى وأقسى الاحكام ضده وهذا يمثل منقصة وقصوراً في البحث العلمي الاكاديمي، وإن أخطر مافيه صدوره عن جامعة يفترض التزامها بالمعايير العلمية المتفق عليها عالمياً، لا أن يحظى صاحب الرسالة بمكافأة علمية عالية منها، ومن رموز المؤسسة الدينية الذين يفترض فيهم الحرص على مايمنع إثارة الكراهية الدينية والنيل من معتقدات الاشخاص والتعرّيض بهم واستعمال أقذع الالفاظ وأقذرها للحط من سمعتهم. ولعل ما يبعث على الاسى والأسف أن يختم الغامدي رسالته بقائمة توصيات من بينها: استصدار الفتاوى من العلماء ضد الانحرافات الاعتقادية المعاصرة!

الصفحة السابقة