أمرت الحكومة بسحبه من الأسواق لتعريضه بهدم آثار النبوة

الكوكب الدرّي

دار سعد بن خيثمه أول الدور التي سكن بها النبي

مازالت ثلة من الحريصين على تخليد آثار الاسلام التي تعرضت لعملية تخريب منظمة على أيدي المتشددين وأصحاب الاطماع المادية من داخل مؤسسة الحكم وخارجها، بالرغم من محاولات الطمس المتعمّدة التي تحاول إخفاء آثار الدمار الذي لحق بكل أثر إسلامي خالد. فقد نهض المخلصون في ديار الحجاز من أجل توثيق تلك الآثار وتدوين مآثر المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين. وكان من بين تلك الجهود الطيبة، كتاب (الكوكب الدري.. الحجرات بيوت النبي عليه الصلاة والسلام) الصادر هذا العام 1426 ـ 2005 وهو من إعداد الدكتور المهندس حاتم عمر طه، وشاركه في الاعداد المهندس فريد عبد الستار ميمني، الى جانب ثلة من المخلصين الذين ساهموا في جمع المعلومات ومراجعتها والترجمة مثل المهندس رشاد الحمالي والشيخ عبد الرحمن عبد الإله خاشقجي وعبد الله عبد الوهاب العباسي وشيخ الأغوات الشيخ سعيد آدم عمرأغا وصادق بن هاشم العيطه وزين العابدين رضا وأمل احسان سندي.

دار كلثوم بن هدم قبل أزالته وبناء مدرسة قباء في موقعه

والحجرات كما ينبىء عنوان الكتاب هي البقعة الطاهرة التي إختارها الله تعالى من دون سواها لأن تكون داراً للنبوة ومركزاً لاشعاع رسالته ومهبطاً لوحيه الأمين على مر أحد عشر عاماً، ثم أصبحت محط انظار العالم ومبلغ منى المسلمين حكاماً ومحكومين لخدمة هذه البقعة المباركة.

لقد اجتهد معدو الكتاب في أن يجعلوا منه جامعاً مختصراً لما حصلوا عليه من معلومات وخرائط ومخططات وصور وكل ما أمكن من رواية أو بحث عن الحجرات رجاء تحديد صياغة ميسرة لتاريخها تجمع بين الكلمة والصورة وتوضحها الرسومات والمخططات لتكون مرجعاً للباحثين والراغبين في الاطلاع على مجمل ماكانت عليه الحجرات وما أصبحت فيه الآن، في إشارة ضمنية الى حسرة في القلب يعكسها معدو الكتاب في عقد المقارنة بين الحجرات والذخائر النبوية في سابقها وكيف تعرّضت للتخريب والعبث والمحو المتعمد.

إزالة كامل الدور حول مسجد قباء

لم يرق الكتاب لأولئك المتورطين في عمليات التخريب التي طالت الآثار الاسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولذلك صدر القرار الغاشم في الثالث من شوال الماضي بسحب الكتاب من الاسواق على خلفية أن الكتاب يحتوي على شركيات وبدع، فيما يحاول الكبار إخفاء حقائق الطمس والتدمير التي لحقت بتراث الاسلام ومآثر المصطفى عليه الصلاة والسلام بمعاول التشدد والجهل.

يفتتح الكتاب بسؤال: لماذا المدينة المنورة؟ ليجيب عن ذلك من خلال طائفة من الاحاديث النبوية الشريفة وإستناداً على سيرة المدينة المنورة، وخصائصها التاريخية والطبوغرافية والاجتماعية وسر اختيارها كموطن للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم وأن تكون قاعدة لانطلاق رسالة الاسلام الخالدة، حيث صدر أمر الهجرة اليها.

إزالة دار أبي زيد الانصاري مع باقي الدور والمباني المحيطة
بالمسجد النبوي الشريف

فالمدينة المنورة قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم اليها كانت مجموعة من القرى والمنازل البدائية البسيطة المتناثرة غير المحكومة بنظام معين، وكانت تحيط بها المزارع والحقول حيث كان أهلها يعتمدون على الزراعة. وللمدينة أسماء كثيرة أوصلها صاحب كتاب وفاء الوفاء السيد السمهودي الى أكثر من تسعين إسماً وأشهر هذه الاسماء ما جاء في القرآن والسنة، فالقرآن سمّاها المدينة قال تعالى (يقولون لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذلَ), وسماها القرآن أيضاً يثرب وهو إسمها القديم قبل الهجرة، قال تعالى (وإذ قالت طائفة منهم يأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا). وقد أورد الدكتور عبد الباسط بدر في الجزء الاول من كتابه التاريخ الشامل للمدينة المنورة ملخصاً لجميع ما كتب عن التسمية والتأسيس. وعن جابر بن سمرة قال: كانوا يقولون يثرب والمدينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى سماها طيبة. وعن زيد بن ثابت رضى الله تعالى عنه ـ في قصة رجوع بعض الناس يوم أحد ـ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (إنها طيبة تنفي الذنوب كما ينفي الكير خبث الفضة).

موقع دار أبي أيوب الأنصاري

مخطط المقصورة الشريفة قبل عام 886 هجرية

وتحتفظ مصادر التاريخ الاسلامي قصة هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة والتي أرست بداية بزوغ فجر الاسلام من هذه البقعة الطاهرة لتعم بنورها أرجاء المعمورة. فقد جاء في مسند الامام أحمد عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثم أُمر بالهجرة وأُنزل عليه: (وقُل ربِّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً)

قال إبن شهاب قال عروة قالت عائشة فبينما نحن يوماً جلوس في بيت أبي بكر في نحو الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متورفاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فداء له أبي وأمي والله ماجاء به في هذه الساعة الا أمر قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يارسول الله قال فإني قد أذن لي في الخروج فقال أبو بكر الصحابة بأبي أنت يارسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال أبو بكر فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالثمن قالت عائشة فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين قالت ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبكر بغار في جبل ثور فأقمنا فيه ثلاثة ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيره مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيعها حتى ينعق بها عامر بن فهيره بفلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هادياً خرتياً والخريت الماهر بالهداية وقد غمس حلفاً في آل العاضي ابن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا اليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيره والدليل فأخذ بهم طريق السواحل.


قال ابن شهاب وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن مالك بن جعشم أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم يقول جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكره دية كل واحد منهما من قتله أو أسره فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قوم بني مدلج أقبل رجل منهم قام علينا ونحن جلوس فقال يا سراقة إني قد رأيت أنفاً أسوده بالساحل أراها محمد وأصحابه قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً انطلقوا بأعيننننا ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فحططت بزجه الى الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت يدي الى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستعسمت بها أضرهم أم لا فخرج الذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الارض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما أستوت قائمة إذ لا أثر بها عثان ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت مالقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار مايريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسآلاني إلى أن قال أخف عنه فسألته أن يكتب لي كتاب أمنٍ فأمر عامر بن فهيره فكتب في رقعة من أديم ثم مرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

البردة النبوية ملفوفة في بقشة من القماش الحرير المطرزة بخيوط الذهب والفضة

وفور وصول ركب المصطفى صلى الله عليه وسلم الى مشارف طيبة بدأ التاريخ يدوّن فصلاً ذهبياً في تاريخ البشرية، فقد إستقبل المسلمون في المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولبث عليه الصلاة والسلام في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وبنى المسجد الذي أسس على التقوى المعروف بـ (مسجد قباء)، حيث صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلي فيه يؤمئد رجال من المسلمين وكان مربداً للتمر لسهيل وسهلٍ غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته هذا إن شاء الله المنزل. ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً فقالا لا بل نهبه لك يارسول الله فأبى رسول الله أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجداً وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنيانه.

بقي المصطفى صلى الله عليه وسلم بضع أيام وليالي في قباء ووضع لبنات البناء الشامخ، وفي أول يوم جمعة بعد وصوله صلى الله عليه وسلم لقباء سار الركب متجهاً للمدينة المنورة محاطاً بالانصار المتقلدين لسيوفهم كل يسعى لأن يكون صاحب الحظوة في إستضافته وضمه لحيهم. لقد تركت حركة المصطفى صلى الله عليه وسلم منذ أن وطأت قدماه الكريمتان أرض المدينة المنورة آثاراً مشعة، فكانت أول صلاة جمعة أقامها على شط وادي رانوناء الذي يبعد خمسمائة متر تقريباً عن مسجد قباء من جهة الشمال، وقد تحولت الى مسجد الجمعة حتى أصبح من المعالم البارزة في الطريق من قباء الى المدينة. وحين انطلقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر من السماء فكانت تمر بأحياء المدينة وكلما وصلت داراً قال صاحبه للمصطفى صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هلم إلينا الى العدد والعدة والمنعة، فكان عليه الصلاة والسلام يقول: (خلوا سبيلها فإنها مأمورة)، حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار بركت الناقه واستقرت. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من على ناقته وحمل أبو أيوب بن زيد الانصاري متاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه في بيته ونزل عليه ضيفاً، وسأل صلوات الله وسلامه عليه عن المكان الذي بركت في الناقه فأمر ببناء المسجد النبوي فيه، وشارك في بنائه المهاجرين والانصار. وإرتجز المسلمون وهم يقومون ببناء المسجد:

لا عيش الا عيش الأخرة

اللهم إرحم الأنصار والمهاجرة

ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار أبي ايوب الانصاري رضى الله عنه ضيفاً عزيزاً من شهر ربيع الاول الى شهر صفر حتى بنى مسجده ومسكنه. ومن المؤلم أن تضيع آثار تلك الدار التي استضافت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقام مكانها مبنى سكني ومحلات تجارية. في تلك الدار كان يضع الصحابي الجليل الطعام ويرسله الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الدار المجاورة للأرض التي اختارها الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم لتكون مقراً لداره ومسجده.

صورة للرسالة النبوية للمنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين

وقد تزامن مع بناء المسجد النبوي الشريف بناء أولى البيوت النبوية وهو بيت السيدة سودة بنت زمعة رضي الله عنها وبيت السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها، وقد كان بناء البيتين من نفس مواد بناء المسجد النبوي الشريف فكانت الحوائط من اللبن والجريد وأسقفها من الجريد غير مرتفعة يطالها الرجل طويل القامة بيده وداخل كل بيت كانت هناك حجرة واحدة فقط مبنية من الجريد وعليها أكسية من الشعر وهذا الوصف للبيوت والحجرات وكان لجميع بيوت النبي صلى الله عليه وسلم والتي تم بناؤها تباعاً كلما زاد عدد زوجاته صلى الله عليه وسلم.

أما عن موقع البيوت فقد اختلفت الروايات في دقة تحديدها ولكنها أجمعت بأنها في الجهة الشرقية من المسجد وبعضها يصل الى الجنوب الشرقي منه. وحتى نصل لتصور عام من مواقع هذه البيوت، هناك روايات وأحاديث تصف الحجرات ومواقعها وردت في كتب السيرة النبوية الشريفة مثل كتاب خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى صلى الله عليه وسلم للسمهودي، والتي تتضمن توصيفاً لبيوت النبي وأهل بيته وفضل الصلاة فيها.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بنى الحجرات حسب دخوله بزوجاته، حيث أنه صلى الله عليه وسلم كان يعد بيتاً لكل زوجة قادمة عنده بالترتيب حسب قدومها وهن:

ـ السيدة سودة بنت زمعة رضى الله عنها

ـ السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضى الله عنها

ـ السيدة زينت بنت خزيمة رضي الله عنها

ـ السيدة رملة بنت أبي سفيان أم حبيبة رضى الله عنها

ـ السيدة هند بنت أبي أمية المخزومية أم سلمه رضي الله عنها

ـ السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها

ـ السيدة جويرية بنت الحارث رضي الله عنها

ـ السيدة صفية بنت حي بن أحطب رضي الله عنها

وكانت جميع الحجرات من الجهة الشرقية من المسجد النبوي الشريف مساحة كل منها لا تزيد عن 3.5 متراً طولاً و3.5 متراً عرضاً وبارتفاع حوالي 3 أمتار. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الاسراف في البناء فقال للسيدة أم سلمه رضي الله عنها حين أبدلت مكان جريد النخل في حجرتها لبناً وكانت موسرة ـ ذات مال فقال: ماهذا؟ فقال أردت أن أكف أبصار الناس، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أم سلمة إن شر ما يذهب فيه مال المرء البنيان.

ويورد الدكتور عمر طه شاهداً على أهمية الحفاظ على تلك الحجرات للاعتبار والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ولهذا أراد التابعي سعيد بن المسيب لو أن أولي الأمر تركوا تلك البيوت على حالها ولم يدخلوها في المسجد، كي يعلم الناس كيف كان حال خير الناس فقال (والله لوددت أنهم تركوها على حالها، ينشأ ناشىء من المدينة ويقدم قادم من الآفاق، فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ويكون ذلك مما يزهد الناس في التكاثر والتفاخر بها).

راية رسول الله في فتح خيبر التي سلمها لسيدنا علي بن أبي طالب

وقد ظهر في المدينة المنورة كثير من المعارضين في تاريخ المسلمين لهدم الحجرات، فقد عارض خبيب بن عبد الله بن الزبير قرار الخليفة الوليد بن عبد الملك عام 87هـ هدم الحجرات، ووقف خبيب في وجه عامل الوليد على المدينة عمر بن عبد العزيز وكان يصيح في المسجد والحجرات تهدم فقال نشدتك الله يا عمر أين تذهب بآية من كتاب الله يقول (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات). وقد كانت هذه المعارضة من أهل المدينة بسبب إزالة البيوت الطاهرة وحرمانهم من بقاء هذا الأثر الكريم كما أنهم بسبب كراهيتهم في أن يكون القبر الشريف داخل المسجد ويصلى إليه.

وقد حظيت الحجرات النبوية بإهتمام ورعاية القائمين على خدمة المسجد النبوي الشريف منذ بناء البني صلى الله عليه وسلم في السنة الاولى للهجرة، ثم اعادة بناء الحجرة النبوية الشريفة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وادخالها في بيت السيد عائشة رضي الله عنها باللبن وجعل لها باباً عليه أستار، ثم مشاريع البناء والتعمير في عهد الوليد بن عبد الملك والظاهر بيبرس سنة 668 والسلطان قايتباي سنة 888هـ بعد الحريق الذي اشتعل في المسجد النبوي الشريف سنة 886هـ.

وقد خصص الكتاب باباً لتوصيف الحجرات النبوية من حيث أطوالها وهيئتها الداخلية والمواد المستعملة في بنائها، ثم انتقل للحديث عن الروضة النبوية الشريفة لتوصيف محتوياتها من أساطين وأسمائها مع خلفية تاريخية لكل واحدة منها ودلالاتها كاسطوانة السيد عائشة، واسطوانة التوبة، واسطوانة السرير، واسطوانة الحرس، واسطوانة الوفود واسطوانة مربعة القبر، واسطوانة التهجد.

ختم رسول الله

كما خصص الكتاب باباً حول عمارة المسجد النبوي الشريف وعلاقتها بالحجرات، مع تسليط الضوء على الزيادات التي طرأت على مساحة المسجد النبوي الشريف والتي ارتفعت من 1042 متراً مربعاً حين بناء المسجد أول مرة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم أجمعين الى 82000 في التوسعة السعودية التي تمت في عهد الملك فهد منذ سنة 1405 والتي تسببت بإلحاق أكبر الضرر بمجمل آثار الاسلام في المدينة المنورة، عبر تجريف وتدمير 90 بالمئة حسب المهندس المعماري سامي منقاوي من الآثار الاسلامية.

وقد اختتم الكتاب النفيس بإتحاف القارىء بنبذة رائعة مدعمة بالصور والشروحات حول روائع الذخائر النبوية الشريعة وإهداءات المقصورة وانتقالها عبر الاجيال ومابقي منها حتى اليوم، مشفوعة بطائفة من الاحاديث النبوية والروايات التاريخية حول الاهتمام الخاص الذي أولوه الصحابة لذخائر النبوة كرسائله صلى الله عليه وسلم الى الملوك والحكام، وكذا ملابسه الشريفه ومكحله ومروده ومرآته ومقراضه ومجنه وجعبه وسيفه وقوسه وبساطه وترسه وحربه ودرعه وخاتمه وختمه وعمامته، ورايته التي كان يرفعها في فتح خيبر وحتى شعره الكريم وآثار قدميه الكريمتين ونعله.

الصفحة السابقة