ســفـيـنـة (المـؤشـر)!

هي موجة لا بد لها أن تنحسر وتمضي وقد لا يسفر عنها إلاّ المزيد من الضحايا.

هي سوق، ولا يمكن أن يكون السوقُ في رواج الى الأبد، لا بدّ من كسادٍ يأتيه من بين يديه، وإن طال السرى!

وهي ملهاة تعودناها منذ الثمانينات، ينفخ فيها الحاكم تعويضاً عن التنازل في المجال السياسي.

هي دولة ريعية تستعيد حواسها العشر، بعد أن فقدت معظمها، وتوظفها بالطريقة الخطأ المتكررة.

وهي أملٌ مشرق لكل الحالمين بالإثراء السريع، ولكل الفقراء الحالمين بغد أفضل لأجيالهم. والأمل قد ينتكس، إذا لم يُبنَ على واقع، ويتحول الى مرارة وقد يفضي الى عنف ودم.

هذه حال سوق الأسهم السعودية.

بل هذه هي حال الطفرة الجديدة.

لقد سيق الناس كالقطعان الى المسلخ، الى حيث الحلم السرمدي بعد سنين عجاف امتدت الى عقدين من الزمان.

وبعد هذه السنين تتفجّر أمام المواطنين ما قيل أنها (ينابيع الخير) وتناديه لكي يغرف منها غرفاً قبل أن تغرق السفينة كما غرقت من قبل.

الجميع يقول بأن الطفرة الجديدة ستصل الى مآلها الحتمي.

ومن لا ينتفع منها اليوم فيبادر بالسرعة المطلوبة فلن يطاله الغنى أبداً. لن يستطيع الزواج أو بناء منزل أو الحصول على وظيفة.

يتكالب الناس على الأسهم، وبالعقلية البدوية المغامرة المقامرة يرتفع المؤشر بلا عقل ويتخطى كل الحسابات حتى عجز المحللون عن التحليل، وتهاوت توقعات الخبراء!

ورم (المؤشر) يتضخّم فيظنّه الجاهلون بأنه دلالة صحّة وعافية!

فيما الطيّبون لا يتوقعون غرق السفينة، وكيف يكون ذلك وهي سفينة يقودها (ابو متعب حفظه الله!)؟!

إذن فلتسيّل الأملاك، ولتصبّ في ماكنة السوق، وليدخل الرأسماليون بشركاتهم العائلية لينفضوا جيوب المواطنين، وليزدادوا غنى على غنى.

أما الحكومة فلسان حالها يقول: الحمد لله، لقد نجحت الملهاة، وخفّت الضغوط، وراحت تنفخ في الإقتصاد العظيم المتنامي، والثراء الذي طاول كل المواطنين. المهم أن يبتعد الناس عن السياسة. اما إذا انهار المؤشر! فهو من فعل الناس أنفسهم، والحكومة لا سلطة لها عليه، وحينها تنجلي المعركة عن خروج الهوامير من السوق رابحين غانمين، فيما يخسر الجهلاء والفقراء من المواطنين معظم مدخراتهم.

ولكن ماذا ستكون الإنعكاسات السياسية والأمنية حينها؟

حينها سيقولون: إذا وقع ما يتوقع، فلكل حادث حديث!

حينها نبحث عن بعض الشياه الضالّة التي لا حامي لها فنحمّلها المسؤولية، ونخرج للناس العصا الغليظة لنخرسهم من جديد كما فعلنا بهم من قبل، وكما فعلنا مع أسلافهم!

امكانية غرق السفينة تتصاعد كلما زادت حمولتها (ارتفع المؤشر) ومن يفرّ منها أولاً يفرّ سالماً!

لكنه الطمع.. قد يذهب ما جمع.

والأيام السود إن أصابت المواطنين، فستجعل ليل آل سعود أسوداً.

ثمانية ملايين مواطن انخرطوا في الأسهم في سابقة لم تحدث في التاريخ (نصف الشعب السعودي!) وحين يصاب هذا العدد أو حتى عشره بالخسارة ويفقد أمواله، فلن تكون هناك حينها سوى لغة الإنتقام .. لغة العنف والدم ضد الدولة والمجتمع معاً.

الصفحة السابقة