20 عاماً لتطهير شواطئها

جدة: المدينة الغارقة في التلوث والمرض

هي المدينة الثانية بعد الرياض.

وهي العاصمة الدبلوماسية للدولة السعودية الحديثة حتى عام 1986.

وهي، أو كانت بشكل أصحّ، عروس البحر الأحمر، فأضحت شمطاء تعصف بها القذارة والأمراض وتتسابق اليها عوارض الشيخوخة.

هل ما جرى ويجري لجدّة أمرٌ مخطط له؟!

هل هو من الإهمال الذي يطبع الحياة العامة السعودية، ام هناك من يتقصد إيذاء المدينة العريقة وأهلها؟

لماذا جدة وليس الرياض أو عاصمة الفضيلة الوهابية (بريدة)؟!

ولماذا تتفاقم المشاكل في السنوات الأخيرة دون غيرها؟

ولماذا لا نرى أُذناً تسمع من آل سعود؟

هل فعل الحجازيون أمراً يعاقبون عليه؟ أم هي رسالة من الطاقم النجدي الحاكم الى أهل الحجاز لإخضاعهم وعدم المطالبة بحقوقهم؟

منذ سنوات والحديث يتواصل عن مشاكل الصرف الصحي والبحيرات من المخلفات التي يمكن أن تغرق المدينة في أية لحظة، فضلاً عن الأمراض المتزايدة والمتنوعة والتي لاتزال تثير الكثير من الألم بعد أن خلفت مئات الضحايا كحمى الضنك (آخر الإحصائيات تقول بان عدد المصابين في محافظة جدة بحمى الضنك 960 مواطناً وان هناك 1700 حالة اخرى مشكوك فيها ـ البلاد، 28/5/2006).

لم يسمع أحد ولم تتخذ الخطوات المناسبة لإنشاء بنية تحتية غائبة أو عفى عليها الزمن في بعض أحيائها.

الدكتور أحمد عاشور، مدير مستشفى الملك فهد سابقاً، ونائب رئيس هيئة مصلحة البيئة قرع ناقوس الخطر في منتديات جدة، مستعيناً بالأرقام والشواهد. وقد نشرت البلاد (28/5/2006) بعضا مما قاله، وأغضت عن الكثير مما لا يسمح ال سعود بنشره.

يقول الدكتور عاشور بان مداخن التحلية تساهم في التلوث بنسبة 30% لتطايرها لمسافات بعيدة خاصة وأن الوقود المستخدم في التشغيل من النوع السيء الضار، والذي يؤثر على الجهاز التنفسي بصورة بالغة الخطورة. واوضح ان مياه الصرف تشكل مشكلة معقدة وخطيرة وقد تم حجز مياه الصرف في منطقة محددة بشكل يمنع تسربها، وقال ان هذه طريقة غير علمية لمعالجة مياه الصرف، كونها تشكل بحيرات ملوثة للبيئة يتوالد منها الحشرات الضارة. وهناك أيضاً تصريف مجاري المطار، الى البحر، ورفض المسؤولين إبعاده عن المدينة وعن الشاطئ بالتحديد، خاصة وأن الصحراء هي المكان المناسب، ولكن قيل بأن أنابيب الصرف لا بدّ وأن تمرّ في أراض شاسعة استولى عليها أمراء، رفض هؤلاء مد الأنابيب الى الصحراء بدون أن تكون هناك تعويضات مالية كبيرة! فكان حل المسؤولين أن يدفع المواطن الثمن، وتدفع شواطئ جدة الثمن.

والشواطئ في جدة ملوثة بالكثير من النفايات وقد فاقم الأمراء المشكلة حين عمدوا الى دفن البحر من أجل المال (اراضٍ تباع) الأمر الذي قضى على كثير من الحياة البحرية والطيور. وقال الدكتور عاشور أن شواطئ جدة تحتاج الى 20 عاماً قادمة مع الحماية للإنتهاء من تطهيرها وتجهيزها وإعدادها كي تكون صالحة للناس والأسماك وليستفاد منها بطرق جيدة بعيدة عن خطر التلوث، هذا إن بدئ بالأمر الآن. والمعلوم أن البحر الأحمر من أجمل بحار العالم، ويحتوي على 400 نوع من الشعب المرجانية وبسبب التلوث وتسرب الزيوت والنفايات تم القضاء على هذه الشعب، بل أن البحر أصبح يشكل خطورة على الأسماك وعلى الراغبين في السباحة لتلوثه الشديد خاصة بالقرب من الشاطئ. وينبغي التذكير أن الحكومة السعودية متساهلة في منع السفن التي تتسرب منها الزيوت، وبسبب ذلك امتدت بقعة الزيت لمسافات في البحر مسببة اضراراً لا يقدر حجمها.

ومن المدهش أن أحياءً كثيرة في جدة لا توجد بها شبكة تصريف للمجاري، ولا تصريف لمياه الأمطار، الأمر الذي جعل الأحياء القديمة خاصة تعاني من التلوث والأمراض. زد على ذلك أن شبكة مواسير المياه قديمة ومهترئة وقد تسربت اليها مياه الصرف، في وقت يستخدمها المواطنون في الشرب والطبخ وغيرها، مما زاد من حالات المرض.

وفوق هذا هناك المخلفات الصناعية وما تبثه من اشعاعات ضارة بخلايا الإنسان، وهناك مرادم النفايات التي صارت هي الأخرى مصدراً للأوبئة بسبب عدم معالجتها علمياً أو الإستفادة منها بإعادة تصنيعها، مثلما هو الحال غياب إعادة تنقية مياه الصرف وتحويلها الى مياه نقية، كما هو موجود في كثير من بلدان العالم.

وملخص القول أن العائلة المالكة ـ ورغم الفورة المالية الحالية ـ مشغولة بسرقة الأموال ونهب ما هو ممكن من الإيرادات. وفي حين تعد الثروة حلاً لكثير من المشكلات القائمة، فإن الأمراء يريدون استخدامها في عقاب هذا الطرف أو ذاك ممن لا يعجبهم. متناسين أن الخدمات العامة للدولة حق لكل مواطن، وأن المواطنين لن يسامحوا آل سعود إن لم يجدوا في الثروة الحالية حلاً لمشكلاتهم.

الصفحة السابقة