متروك الفالح: الإصلاحيون كانوا ولازالوا وسيبقون يدعون الى الإصلاح السياسي السلمي

تصرفات الداخلية تناقض جوهر الإسلام والمواثيق التي وقعتها الحكومة

الرسالة التي وجهها الدكتور متروك الفالح، الوجه الإصلاحي المعروف، الى المنظمات الحقوقية والإنسانية في العالم، والتي تذكّر بمعاناة الإصلاحيين في المملكة ومحاصرتهم من قبل السلطات السعودية.. كشفت أمرين أساسيين:

الأول ـ أن الدعوة للإصلاح السياسي لاتزال قائمة رغم القمع المسلط على دعاته من قبل السلطات السعودية خاصة من وزارة الداخلية. فرغم الإعتقالات، وتزييف الوعي، ومحاصرة المواطنين في معاشهم اليومي، وكبت الأصوات، وتخفيض مستوى الحريات العامة، خاصة ما يتعلق منها بحرية التعبير.. رغم ذلك، فإن الحاجة للإصلاح السياسي، والدعوة اليه، والإستعداد لتحمل ردود فعل السلطة، حتى من قبل اولئك الذين اعتقلوا لمدة غير قليلة، لاتزال قائمة، بالنظر للحاجة الماسة للتغيير، رغم الطفرة المالية التي تحصلت عليها الحكومة السعودية وبدأت العائلة المالكة بتبديدها كما كانت تفعل كل مرة، ضاربة عرض الحائط حاجات المواطنين الأساسية التي لم تستطع تلبيتها.

الثاني ـ إن مسألة الاصلاح عملية تراكمية، لا بدّ لكي تؤتي ثمارها أن تتواصل، ولا يمكن لها أن تتواصل بدون ثمن. فلا يمكن تخيّل إصلاح بدون دفع ثمن. فلا الحاكم المستبد، ولا العائلة المالكة المستبدة، قادران على إصلاح ذاتهما بدون ضغط وفعل وطني داخلي مستمر، تتخلله دائماً ـ كما يعلمنا التاريخ في كل بلدان العالم ـ نوبات قمع واضطهاد. ولا يمكن تخيّل الإصلاح السياسي (والإجتماعي عامة) أن يأتي بتبرع من آل سعود، أو طواعية، وعليه فإن (رجال الإصلاح) لا بدّ أن يضعوا نصب أعينهم أن هناك ثمناً يجب أن يدفع. صحيح أن العائلة المالكة تريد أن يكون الثمن غالياً، وتمارس عملية التضليل والإلهاء لحرف توجهات المواطنين لمسائل أخرى لا علاقة لها بالسياسة، ولكن رسالة الدكتور متروك الفالح تؤكد من جديد أنه ما ضاع حق وراءه مطالب.

لقد كشفت رسالة الدكتور الفالح، طبيعة استراتيجية وزارة الداخلية في تعاطيها مع ملف الإصلاح. فهي تتراوح حتى الآن بين: الطرد من الوظيفة، خاصة اذا كانت حكومية، والضغط على المؤسسات الإقتصادية الخاصة لطرد الإصلاحي إن كان يعمل لديها. ويأتي بعد الطرد من الوظيفة المنع من حرية التعبير، فلا يستطيع الإصلاحي أن يتواصل مع جمهوره عبر كتاب أو مقالة في صحيفة محلية وأحياناً يمنع حتى من استقبال المواطنين في ديوانيته. ويتدرج الأمر ليصل الى المنع من السفر، وقد كانت عادة الحكومة أن تسحب جوازات السفر، ثم اكتشفت وزارة الداخلية ان هناك تكنولوجيا تغنيها عن سحب الجواز، الذي يصبح مجرد اوراق لا قيمة لها في حال اراد المواطن مغادرة الحدود، حيث يبلغ بالمنع من السفر. ويتطور الأمر الى السجن لمدد غير محددة بلا محاكمة، او بمحاكمة صورية، وباتهامات باطلة شديدة الوضوح في بطلانها، ولعلنا نشهد في المستقبل إذا ما تواصل النشاط الإصلاحي عمليات اغتيال أو قتل داخل السجون وتحت وطأة التعذيب.

الإصلاحيون جربت بحقهم كل الوسائل، عدا القتل، فطردوا من وظائفهم في الجامعات والمؤسسات الإقتصادية الأهلية، ومنعوا من إقامة ديوانياتهم او المواصلة فيها كما حصل لأكثر من شخصية كالأستاذ المحامي محمد سعيد طيب وغيره، وحرموا حق التعبير عن آرائهم في وسائل الإعلام الأهلية والحكومية، وشددت الرقابة الأمنية عليهم كي لا يتصلوا بالإعلام العربي والعالمي في الخارج، وكذلك الإتصال بالمنظمات الحقوقية الدولية، تحت طائلة العقاب، كما وأودعوا السجن لفترة طويلة، ولمرات عديدة.

هذه كوابح سلطة آل سعود. ولكن لكل شيء حدود. وإن تمادي وزارة الداخلية في انتهاك أبسط حقوق المواطنين ورفضها المتكرر لرفع قيودها المشددة عن الإصلاحيين من خلال استخدام الوسائل التي تعترف بها السلطات نفسها، دفعت وستدفع بهم مجدداً لميدان المطالبة ليس فقط بحقوقهم الخاصة كمواطنين، بل بحقوق المواطنين جميعاً وتطلعاتهم في التغيير السياسي الذي لن يقدم عليه آل سعود في المستقبل المنظور بدون ضغوط.

ورسالة الدكتور متروك الفالح تحمل قدراً كبيراً من التحدّي لوزير الداخلية، الذي قد يقدم على تهور جديد فيعتقله، بحجة من حججه المعروفة، وسيعضده دعاة الإستبداد السياسي والديني من مشايخ الوهابية وغيرهم ممن التحق بسلك جهاز المباحث. لكن ليس كل مرة تسلم الجرّة. والأفضل لوزير الداخلية أن يتنازل قبل أن تتصاعد الإحتجاجات وتتطور من جديد، خاصة وأنه يعلم بأن موقعه كملك قادم بدأ بالإهتزاز، وأن تحالفه مع مشايخ الوهابية لن يكون ضمانة لبقاء سلطة آل سعود، وإن رأى هو ذلك.

لقد طفح الكيل، فأعاد الدكتور الفالح الإعتبار لدعوات الإصلاح، وذكر بضرورة قيام (الملكية الدستورية) وأوضح للعالم بمنظماته الحقوقية ووسائل الإعلام بمحاولة استعادة حقوقه كمواطن محروم من السفر والوظيفة وحق التعبير. ويفترض أن تتداعى القوى الإصلاحية من جديد فتستعد للجولة القادمة.

أما ما قاله الدكتور الفالح في رسالته أو بيانه الذي أصدره يوم 8/11/2006، والذي حمل عنوان (إلى جميع المنظمات والجمعيات المدنية في أنحاء العالم المعنية بحقوق الإنسان.. الحاجة ماسة إلى عمل منسق استجابة لاستفهامات من العديد من منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية حول أوضاع حقوق الإنسان بالنسبة لـ الإصلاحيين السعوديين والنشطين في المجتمع المدني) فهو التالي:

أوضح الفالح أولاً أن وزارة الداخلية السعودية تحظر سفر الاصلاحيين، الذين كانوا اعتقلوا بسبب دعوتهم السلمية ومطالبتهم بإصلاح دستوري في المملكة، وبينهم د. عبد الله الحامد، علي الدميني، د. متروك الفالح، عبد الرحمن اللاحم، محمد سعيد طيب، الشيخ سليمان الرشودي، نجيب الخنيزي، وثلاثة أشخاص آخرين اعتقلوا في 16 مارس 2004 بسبب دعوتهم السلمية ومطالبتهم بإصلاح دستوري. وفي غضون يوم إلى أربعة عشر يوماً أطلق سراحهم تباعاً عدا ثلاثة منهم (هم د. عبد الله الحامد، علي الدميني ود. متروك الفالح) وذلك بعد أن وقعوا على تعهد بالتوقف مستقبلاً عن أي مطالب إصلاحية و/أو أية اتصالات مع وسائط الإعلام داخلية أو خارجية.

وقال بيان الفالح: كان الإصلاحيون الثلاثة (د. عبد الله الحامد، وعلي الدميني ود. متروك الفالح) هم الذين رفضوا التوقيع على هذا الالتزام وحكموا ظلماً في 15/5/2005 بالسجن سبع وتسع وست سنوات على التوالي. وبعد انقضاء أربعين يوماً تأيد الحكم ـ ظلماً مرة أخرى ـ من محكمة أرفع مستوى. وأضاف، بأن جريمة الثلاثة ـ إذا كانت هناك جريمة على الإطلاق ـ هي عمل لا يعاقب عليه في البلدان التي تحترم حقوق الإنسان ـ هي أنهم، بمبادرة داخلية بحتة (نابعة من رؤيتهم للإصلاح من الداخل)، وإلى جانب مئات من المثقفين والأكاديميين، بينهم قضاة ورجال دين وصحافيون ومحامون ورجال أعمال، معروفون من مختلف التيارات والطوائف والمناطق في البلد، وقعوا على وثيقتين إصلاحيتين تدعوان إلى حياة مدنية، وتطالبان بإصلاح سياسي يقيم ويدعم دولة حديثة قادرة على الحياة، يمكنها أن توفر وتؤمّن العدالة والمساواة والمشاركة: دولة لها آليات حديثة للحكم الصالح لمحاربة الفساد وهدر الأموال العامة والخزانة العامة، ولمحاربة سوء توزيع الدخل القومي وفوائد التنمية بين مناطق البلد، ولمكافحة العنف والتطرف الآخذين في التصاعد، إلخ. وكلها أمور تستوجب إقامة حكومة مسؤولة، تخضع للمحاسبة أمام هيئة منتخبة انتخاباً حراً، إلى جانب وجود قانون ومدونة سلوك لحقوق الإنسان، بما في ذلك حق التعبير الحر عن الرأي، وحق تشكيل روابط مدنية نشطة ومستقلة والمشاركة فيها، وكلها أمور تستمد من الإسلام وكذلك من كل المعاهدات الدولية التي وقعت عليها الحكومة السعودية وتعهدت بالالتزام بها.

وأضاف الدميني قائلاً: باختصار فإنه للوصول إلى هذه الأهداف الساعية للإصلاح، ومن أجل رفاهية واستقرار واستمرار الدولة والمجتمع على السواء، بما في ذلك الأسرة المالكة، فإن كل ما يدعو إليه الإصلاحيون السعوديون هو ملكية دستورية في العربية السعودية؛ وبتعبير تقريبي ملكية موازية ـ على سبيل المثال ـ لتلك التي قامت في البحرين أو القائمة في الأردن، أو إلى حد ما في المغرب.

وتابع: بعد انقضاء ثمانية أشهر على اعتقالات مارس 2004، سجن محاميهم السيد عبد الرحمن اللاحم مجدداً، وأودع سجناً انفرادياً في سجن الحاير ولم يقدم للمحاكمة أبداً. كانت جريمته أنه رفض التوقف عن الدفاع عن موكليه (د. عبد الله الحامد، علي الدميني ود. متروك الفالح).

في يوم 8 آب (أغسطس) 2005، أطلق سراح دعاة الإصلاح الدستوري الثلاثة إلى جانب محاميهم بعد صدور مرسوم العفو الملكي من الملك عبد الله. وأضاف البيان أنه نتيجة لمرسوم العفو وما تلاه من إطلاق سراح، توقعنا أن يصبح كل شيء على ما يرام، ولكننا اكتشفنا بمضي الوقت أنه، فيما يخص حقنا في مغادرة البلد ـ وكان الحظر على سفرنا قد صدر أصلاً وقت الاعتقال (16/3/2004) لمدة خمس سنوات ـ لا يزال ساري المفعول. وأنه منذ إطلاق سراحنا نحاول سلمياً وبهدوء أن نحل مسألة السفر مع وزارة الداخلية، ولهذه الغاية أرسلنا ثلاث رسائل جماعية موقعة منا: أرسلت الأولى إلي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية؛ والثانية إلى وزير الداخلية الأمير نايف نفسه، والثالثة إلى السيد تركي خالد السديري رئيس اللجنة الحكومية السعودية لحقوق الإنسان، والذي كان قد وعد في اجتماعين منفصلين مع بعض منا ـ كنت بينهم في الاجتماع الأول ـ بحل المسألة كلفتة منه دالة على الجدية والصدقية وكذلك من اللجنة الوليدة التي يرأسها. حتى أن ما يسمى الجمعية السعودية لحقوق الإنسان وعدت بأن تدرج حالتنا مع حالات أخرى، إنما دون أن تذكر أسماء محددة، باعتبارها انتهاكاً لحقوق إنسان أساسية، في تقريرها لعام 2005 الذي انقضي وقت طويل على موعد نشره ولم ينشر بعد.

والنتيجة ـ كما يقول الدكتور الفالح ـ حتى الآن هي آذان صماء وتجاهل تام من جانب وزارة الداخلية. وحتى وقتنا هذا، فإن كل ما نعرفه هو أن الجميع (عدا اثنين هما د. خالد العجمي ود. توفيق قصيْر) ممن يدعون الإصلاحيين السعوديين، الذين سجنوا (في 16/3/2004) لا يستطيعون مغادرة البلد. وبينما يستمر الحظر على سفرنا، الأمر الذي يحرمنا من حقوقنا الطبيعية، فإنه يوقع عقاباً جماعياً بأسرنا لعجزهم عن التمتع بالسفر دونهم. علاوة على هذا فإن الأمر يظهر بوضوح وبلا غموض أن مثل هذا الفعل من جانب وزارة الداخلية يناقض وينتهك جوهر الإسلام، وكذلك المواثيق الدولية والإقليمية بشأن حقوق الإنسان، بما في ذلك الميثاق العربي الموقع في عام 2004، والتي وافقت عليها الحكومة السعودية، فضلاً عن التشكيك في صدقية اللجنة الحكومية السعودية بشأن حقوق الإنسان، وكذلك ما يسمي بالجمعية السعودية لحقوق الإنسان، وهي هيئات رخّصت بها الحكومة السعودية أو أقامتها.

وختم الفالح بيانه بالتأكيد أن الإصلاحيين السعوديين، بمن فيهم أنا، في دعوتهم للإصلاح، قبل وأثناء وبعد الاعتقال، في الحاضر وفي المستقبل، يؤمنون ويلتزمون بالمقاربة المدنية؛ أي المناقشات المفتوحة، و/أو الحوارات بين أنفسهم ومع الآخرين، بمن فيهم الحكومة؛ إنها دعوة سلمية في جوهرها في التعامل مع مسألة الإصلاح. فهم ليسوا إرهابيين: إنهم لا يرتضون العنف وسيلة لتحقيق الإصلاح؛ ويؤمنون بأنه عن طريق الإصلاح السياسي - بما في ذلك إقامة روابط مدنية وتفعيلها، على النحو الذي أوجزناه آنفاً - يمكن محاربة العنف والتطرف وبالتأكيد إسقاطهما.

الصفحة السابقة