قضية المرأة السعودية

بين أعراف الوهابية وضغوط السياسة

مسألة المرأة وقضاياها في السعودية لا علاقة لها بالدين بقدر ما لها علاقة بالأعراف.

الوهابية جعلت من الأعراف ديناً.

ولكن ما تعارف عليه مجتمع الوهابية النجدية يختلف عن مجتمعات المناطق الأخرى، وهذا يعني تعميم النموذج (العرفي) النجدي، والمؤدلج وهابياً ليشمل كل مناطق المملكة التي لها نظرات مختلفة تجاه المرأة، أكثر تسامحاً وأقرب الى متطلبات الدين، وأجدر بالأخذ لمصلحة الناس، والمرأة في مقدمتهم.

والمسائل ذات الإشكال الوهابي عديدة، وتشمل الكثير من القضايا بدأت بمعارضة الوهابيين مسألة تعليم المرأة، ثم تطور الأمر الى مشاكل في عملها، في نوعه وطريقته، وفي الضمن أُلزم المجتمع برؤية الوهابية فيما يتعلق بالحجاب حيث أّخذ بأشد الفتاوى التي يعتقد بها مشايخ الوهابية، وتدخل الأخيرون في نوعية لباسها، بل في نوعية الحجاب نفسه بل وشكل (العباءة) هذا فضلاً عن الكثير من القضايا المتعلقة بسفر المرأة، وحقوقها الشرعية في الزواج، فصارت تطلق من زوجها بدون أن تعلم، وتزوج بآخر دون أن تعلم، ويتدخل المشايخ الوهابيون بأعرافهم البالية فيفصلون الزوج عن زوجته بحجة عدم الكفاءة النسبية، وكأننا في عصور الجاهلية الأولى قبل الإسلام.

وموضوع سواقة المرأة للسيارة واحدة من تلكم القضايا، ولن نتجاوز الأمر الى مسألة حقوقها المدنية الأخرى، كحق الإنتخاب.. ففي الإنتخابات البلدية الباهتة والفاشلة والأولى من نوعها، لم تُشرك المرأة فيها لا ناخبة ولا مُنتَخَبَة، في حين أصبح هذا الحقّ في كل الدول العربية والإسلامية مسألة لازمة، حتى بين دول الخليج، التي عيّنت وزيرات، وليس فقط عضوات في البرلمانات المنتخبة.

الأمير نايف، وزير الداخلية، والحليف الأساس للمتشددين الوهابيين، قال في مقابلة مع صحيفة الأنباء الكويتية في 16/11/2006، أن المرأة السعودية (قد) تنتخب، ولكنها (لن) تقود السيارة! وللعلم فإن الرجال لم يحصلوا على حق انتخاب برلمانهم، فكيف بالنساء، اللاتي يتوقع نايف أنهن يمكن ان ينتخبن لا أن يقدن السيارة. وإذا كانت آمال الإنتخاب بعيدة كل البعد عن الرجال، فكيف بالنساء. والمعنى هنا أن شيئاً قريباً لن يتغير لا في مجال انتخاب المرأة ولا سواقتها للسيارة.

واستغرب نايف طرح موضوع سواقة المرأة من الأساس كما هي عادته، وقال انه من المؤسف ان الموضوع أصبح قضية وقال أنها لا تستحق ان تكون كذلك، ولا أن يطرح الموضوع مجرد طرح!

والمضحك أن نايف لم يمانع من أن (تمتلك) المرأة سيارة، ولكن عليها أن تجد من يقودها لها، أي استقدام سواق أجنبي، حيث يصل تعداد السواقين الأجانب في المملكة الى نحو 800 ألف سائق. ومع أن الوهابية تتشدد في مسألة (الخلوة) بين الرجل والمرأة، إلا أنها هنا تغض الطرف عن ذاك، مع أن استقدام السواقين الأجانب فيه مفسدة أكبر من مفسدة سواقة المرأة (بمقاييس الوهابيين أنفسهم).

لا قيمة لهن عند الوهابية

يقول نايف، الخبير في الأحكام الإسلامية!: (ملكية المرأة للسيارة، أو لأي شيء، من حقها، ويقر الاسلام ذلك لها.. لكن قيادتها للسيارة في مناطقنا ذات البيئة الصحراوية، والمسافات المتباعدة فيما بين حي وآخر، تعرض حياتها للخطر، وهو ما لا نقبله كولاة أمر). فهو هنا يقول بأن سواقة المرأة غير جائز، ولكن بصورة التفافية، وهو ما لا يقوله كل علماء المسلمين في الدنيا، وحتى في السعودية نفسها، عدا الوهابيين الذين يمثلون أقلية في المملكة ولكنهم يفرضون رأيهم ورؤاهم وفتاواهم بقوة السلطة السياسية التي يسيطر عليها النجديون، ومعتمدين على سيطرتهم غير الشرعية واحتكارهم للفتيا في المؤسسة الدينية التي لا يشارك الوهابيين فيها أحد من المذاهب الإسلامية الأخرى في البلاد.

أما عن الإنتخابات البلدية الفاشلة والتي لا تتمتع بأية صلاحيات كما هو واضح، والتي لم تنجز شيئاً حتى وإن كان تافهاً حتى الآن، حيث لا تعدو المجالس البلدية ديكورات فارغة بلا قرار أو سلطة حتى على تنظيف شارع.. عن الإنتخابات والتي لم يعدنا أحد من الأمراء انها ستقوم في الوقت القريب (ونقصد انتخابات المناطق ومجلس الشورى) يقول نايف: (سننظر في امكانية مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية خلال الفترة المقبلة.. وهو ما يعزز دورها الاجتماعي في القدرة على مناقشة مشاكلها وايجاد حلول لها من خلال مشاركتها في الانتخاب والترشيح لتمثل أخواتها في المجالس البلدية).

يقول الأمير أنه (سينظر) وهذا لن يكون قبل الإنتخابات القادمة، أي بعد سنوات، وكأنه يتفضل على الشعب بشيء مفرغ من جوهره وقيمته. ومن المتوقع حين تحين الإنتخابات التي لن يشارك فيها سوى القليل جداً، أي أقل مما جرى في الماضي، حينها وبشكل شبه يقيني، لن يسمح للمرأة بأن تكون مرشحة ومنتخبة. الحجة في الانتخابات الماضية كانت (الوقت) الذي تذرع به آل سعود!، وفي المرة القادمة سيبحثون عن حجة أخرى، والأقرب انها ستأتي على خلفية دينية بحسب التفسير الوهابي.

تشتري السيارة ويقودها أجنبي

ومن سخرية الأقدار، وعلى ذات الصعيد الإجتماعي، وحق المرأة في مجرد (سواقة السيارة) أشارت وكالات الأنباء الى احصائيات حكومية نشرت مؤخراً تفيد بأن السلطات السعودية سمحت للمرأة بأن (تبيع) السيارة لبنات جنسها، بحيث أصبحت تعمل في محل يتيم لبيع السيارات للنساء في معرض سيارات بالرياض!

انجاز عظيم للمرأة! وتسامح كبير من قبل الوهابية وآل سعود! الخبر يقول بأن الشركة مالكة معرض السيارات ذاك بدأت العمل منذ عام 2001 بموظفتين فقط، وتطور العدد خلال السنوات الماضية ليصل العدد الى سبع نساء! وهو قابل للزيادة!

في أي عصر نتحدث فيه وعنه وأمامنا توظيف سبع نساء في محل يبيع سيارات يعدّ من أكبر الإنجازات.. سبع نساء فقط، بعضهن يعملن في قسم الادارة والتسويق، وأخريات في قسم المبيعات، والائتمان، والتحصيل وخدمات العملاء. وتقول الشركة أن البداية كانت صعبة، بالرغم من أن القسم النسائي منفصل، وأن الحاجة ماسّة لتقديم الخدمات للنساء الراغبات في شراء سيارات لهن (دون أن يكون لهن حق قيادتها).

وصدرت منذ عامين دراسة أوضحت أن 47% من السيدات السعوديات يملكن السيارات. وقالت إحدى العاملات في الشركة اليتيمة لبيع السيارات للنساء في الرياض، أن شهر يناير الحالي سيشهد افتتاحاً رسمياً للصالة النسائية لعرض السيارات موضحة أن الدافع وراء افتتاحها، هو أن تتوفر للمرأة الخصوصية التامة عند شرائها لسيارتها، وتعاملها مع موظفة امرأة مثلها، اضافة الى كسر الحاجز الاجتماعي بالنسبة للمرأة السعودية في عملية شراء السيارة، لأن المتعارف عليه أن من يشتري السيارة عمليا هو قريب للمرأة، بالرغم من أنها هي التي تدفع المال.

ووفق احصائية صادرة من ادارة المرور منذ عام ونصف أن عدد المركبات المسجلة بأسماء السيدات في السعودية بلغ 98 ألف مركبة، وبلغ عدد السيدات اللاتي يمتلكن هذه المركبات نحو 62 ألف سيدة. وكانت أول سيارة امتلكتها سيدة قبل حوالي 26 عاما، وقدر استطلاع محلي متوسط حجم بيع السيارات للسيدات في الوكالات في الرياض بما يقارب 25% من حجم المبيعات.

الأفضل أن تركب جملاً!

بطالة مرتفعة بين النساء

ونظراً للقيود الكثيرة على عمل المرأة السعودية، وحصرها بين مهنة التعليم والتطبيب، ووضع العقبات أمام استقلاليتها في إنشاء مؤسستها التجارية الخاصة بها، فإن البطالة بين النساء تصل الى 70% من مجموع القوى النسائية العاملة، فحتى خريجات الجامعات لا يحصلن على وظائف، ويتساءلن: لماذا سمحتم لنا بالتعليم إن كنتم لا تريدون لنا العمل؟!

ودرجت الحكومة على إعطاء أرقام تضليلية بشأن حجم البطالة بين النساء، فمثلاً أعلنت مصلحة الإحصاءات العامة السعودية مؤخراً أن نسبة البطالة بين السعوديات والبالغ عددهن حوالي ثمانية ملايين سعودية بلغت اكثر من 26 في المئة. وقالت نتائج بحث القوى العاملة الذي أجرته مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في شهر يوليو الماضي ونشر في منتصف الشهر الماضي أن نسبة البطالة بين المواطنين السعوديين بلغت 9.1% للذكور و26.3% للإناث. وهي أرقام لا يثق بها رجال الأعمال والأكاديميون السعوديون، كما أنها تخالف تقديرات الأمم المتحدة، فضلاً عن أنها تتعارض مع احصاءات أخرى قدمتها مؤسسات حكومية في هذا الشأن.

القيود على سفر المرأة

معلوم أن المرأة في المملكة لا يسمح لها السفر بدون محرم، أخ أو زوج أو أب أو إبن، ما لم تبلغ السيدة 50 عاماً من العمر، وقد كانت والى ما قبل فترة وجيزة ممنوعة حتى ولو كان عمرها مائة سنة! المرأة محجور عليها السفر، ونظرة الوهابيين بالخصوص وتبريراتهم في هذا الشأن بهيمية تخرج عن التفكير السوي، ولا علاقة للأمر بدين من قريب أو بعيد. هو تشدد وهابي نجدّي يعمّم على كل المواطنين المخالفين لآراء الوهابية وعُقدها من كل شيء يمت الى (الأنثى).

هناك خبر طريف نُشر في 22/11/2006 يقول بأن الحكومة سمحت للمرأة وغير الراشدين بالسفر الى دول التعاون الخليجي ببطاقة الهوية.

السعودية ترفض استخدام بطاقة الهوية للتنقل بين مواطني دول الخليج بسبب العقد الأمنية المسيطرة على عقول آل سعود، والذين يعتبرون السفر وحرمان الآخرين منه والإعتداء على حقوق المواطنين في هذا المجال، أحد أهم وسائل الضبط، وهم لا يريدون تسريع وتسهيل التنقل، فقد يفرّ مطلوب سياسي الى إحدى دول الخليج المجاورة، مع أن هناك اتفاقات أمنية بين السعودية وكل دول الخليج تستطيع ضبط المطلوبين. لكن هوس آل سعود بالأمن، حيث لا يرون أي شيء إلا من منظار أمني، جعلهم يرفضون استخدام البطاقة الشخصية.

هذا دفع بدول الخليج ومنذ سنوات عديدة الى عقد اتفاقات بينها لتسهيل مرور مواطنيها، بحيث لا يشمل ذلك السعوديين!

التطور الجديد حسب اعلان داخلية آل سعود، سمح باستخدام البطاقة لغير الراشدين وللمرأة، لا تكريماً للمرأة وتسهيلاً لها، وإنما لاعتقاد آل سعود بأن المشكلة السياسية تأتي من الرجال!

والخبر كما نشرته الصحافة المحلية يقول بأن مصدراً بالمديرية العامة للجوازات أشار الى ان السلطات سمحت للمرأة السعودية وغير الراشدين بالسفر إلى دول مجلس التعاون الخليجي التي تم توقيع اتفاقيات تنقل بينها وبين المملكة ببطاقة الهوية وفق الضوابط المعمول بها بالمملكة، والتي تشترط الحصول على موافقة ولي الأمر أثناء رغبتهم في عبور المنافذ بين هذه الدول. أي أن المرأة والطفل لا يستطيعان السفر بدون أخذ إجازة رسمية من الأب أو ولي الأمر حيث تعبئ بطاقة خاصة بهذا الشأن وتختم من قبل مديرية الجوازات.

وقال المصدر إن الأسرة لا تستطيع السفر إلى هذه الدول باستخدام وثيقة بطاقة العائلة الحالية وإنما بواسطة جوازات السفر الخاصة بها باستثناء رب الأسرة أو أيا من أفرادها إذا كان حاصلا على بطاقة الهوية الوطنية (الجديدة) . واضاف المصدر، ان سجل الأسرة الذي اعتمدته وزارة الداخلية أخيرا ومن المتوقع أن يري النور قريبا عن طريق إدارات الأحوال المدنية هو البطاقة التي يمكن من خلالها سفر الأسرة دون استخدام جواز السفر.

وكانت السعودية قد وقعت أول اتفاقية للتنقل بالبطاقة الشخصية مع سلطنة عمان وينتظر توقيع اتفاقية مماثلة مع دولة الإمارات العربية المتحدة الشهر المقبل بعد ان حلت المشاكل التقنية التي أخرت موعد توقيع هذه الاتفاقية منذ عامين تقريبا، في حين يتم انتقال المواطنين بين السعودية ودولة البحرين حاليا بواسطة الجواز ومن دون ختمه.

ومن الواضح هنا أن الحكومة السعودية أجبرت وستجبر أكثر على الإنصياع لما اتخذته بقية دول الخليج، بدل أن تكون نافرة في رؤاها الأمنية والسياسية، وفلسفتها التي لم تعد مقبولة او منطقية حتى.

الصفحة السابقة