السعودية في مؤخرة سلم الحرية الصحافية

مـمـلـكـة الـقـمـع

سعيد الشريف

بتنا نشهد حالة ـ وليس تحولاً ـ تلفت الى امتلاك الصحافيين السعوديين الشجاعة في طرح الأسئلة المثارة في الشارع من أجل تقديم إجابات عنها ولكن بطريقة خائبة. وتكاد تقدّم في الغالب شهادة براءة للسلطة، وتلقي باللائمة على الذات، كونها أخفقت في ممارسة الحرية التي وهبتها إياها السلطة.

تأتي هذه الاجابات في سياق ردود فعل على تقارير دولية تناولت موضوع الحريات الاعلامية، بعد أن أخفقت السعودية في تحسين شروط حرية الصحافة، ومازالت تحتل مرتبة متدنية للغاية في سلم الدول التي تتمتع بحرية الصحافة.

فقد نشرت منظمة مراسلون بلا حدود في يناير الحالي الترتيب العالمي الخامس لحرية الصحافة للعام 2006 الذي يشهد تصدّر بعض الدول النامية الترتيب متقدّمةً على الديمقراطيات الغربية فيما لا تزال الدول الأكثر قمعية على حالها.

إلا أن كل دول الجزيرة العربية قد تقدّمت في الترتيب باستثناء اليمن والمملكة العربية السعودية (المرتبة 161). أما الكويت (المرتبة 73) فما زالت تحافظ على الصدارة في العالم العربي تليها الإمارات العربية المتحدة (المرتبة 77) وقطر (المرتبة 80).

ويضيف التقرير بأنه لا تزال الدول نفسها صامدة في آخر الترتيب. ففي المملكة العربية السعودية (المرتبة 161)، وسوريا (المرتبة 153)، وإيران (المرتبة 162)، لا تزال الصحافة المستقلة غائبة تماماً في حين أن وسائل الإعلام المرخص لها تشكل أجهزة للبروبغاندا وأن القادة يمارسون نفوذاً لا مثيل له على الإعلام عبر تحديد خطوط حمراء ينبغي عدم تخطّيها. فلا تزال الرقابة الذاتية الوسيلة الأمضى لحماية العاملين المحترفين في القطاع الإعلامي مع الإشارة إلى أنه نادراً ما يحصل الصحافيون الأجانب على تأشيرات سفر.

وكانت لجنة حماية الصحافيين نشرت تقريراً في مايو 2006 ورد فيه بأن اللجنة أجرت لقاءات مع أكثر من 80 مراسلاً وكاتباً ورئيس تحرير ومثقفاً في الرياض وجدة والظهران والدمام والقطيف، والتقت بمسؤولين من وزارتي الإعلام والداخلية خلال مهمتين لها لتقصي الحقائق في تموز/يوليو عام 2005 وفي شباط/فبراير من العام2006. ويعتقد الكثير من الصحفيين السعوديين ذوي العقلية الإصلاحية بأنه يمكن القيام بقدر أكبر بكثير من العمل لكي تعكس وسائل الإعلام الوطنية النقاش الصريح والأصوات المتنوعة. وهم يحاججون بأن الإصلاحات الخاصة بالصحافة تصب في مصلحة البلاد على المدى الطويل، وذلك كوسيلة لمواجهة القضايا الداخلية الخطيرة كالفقر والفساد وكوسيلة لتهميش التطرف الديني العنيف.

ويعلّق تقرير اللجنة: على الرغم من أن الصحف مملوكة للقطاع الخاص إلا أن الدولة تمارس تأثيراً هائلاً على ما يتم نشره. إذ توافق الحكومة على تعيين رؤساء التحرير، وهي عملية يقول الصحفيون إنها تتم خلف أبواب مغلقة بإشراف من الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية القوي. وفي الواقع العملي ـ ولكن ليس بموجب القانون ـ تحتاج الصحف إلى الدعم المالي والسياسي لأحد أفراد العائلة المالكة. وعلى العكس من أجزاء أخرى من هذه المنطقة، لا توجد 'صحافة معارضةب في المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من أن بعض كتاب الأعمدة الصحفية انتقدوا وزراء من المستوى الأقل شأناً وموظفين حكوميين أو مؤسسات الصحة العامة، إلا أن التغطية الصحفية تخلو من أي شيء ينعكس سلباً على العائلة المالكة والمسؤولين رفيعي المستوى ورجال الدين والمؤسسات الدينية في البلاد.

وينظر كبار رؤساء التحرير ومعظم الصحفيين إلى أنفسهم على أنهم مدافعون عن عائلة آل سعود الحاكمة ويكفل المسؤولون الحكوميون الولاء بممارسة الضغط خلف الكواليس حيث يقومون بإصدار التوجيهات بشأن الأخبار الحسّاسة ويمنعون تغطية موضوعات معينة ويتخذون الإجراءات التأديبية بحق الصحفيين. أظهر البحث الذي أجرته لجنة حماية الصحفيين أن عشرات المحررين والكتاب والأكاديميين وغيرهم من النقاد الإعلاميين تم إيقافهم مؤقتاً عن الكتابة أو فصلهم من أعمالهم أو منعوا من الظهور في الصحافة السعودية خلال العقد الماضي. وقد جاءت هذه الإجراءات بناءً على أوامر من الحكومة أو تدخل من الزعماء الدينيين أو بمبادرة من رؤساء التحرير. كما تعرض صحفيون آخرون للاعتقال، والاستجواب من قبل السلطات الأمنية، والمنع من السفر.

وقد ورد في موقع مراسلون بلا حدود: تخضع المملكة العربية السعودية لسلطة الملك عبدالله الذي استلم مقاليد الحكم رسمياً إثر وفاة الملك فهد في الأول من آب/أغسطس 2005، وتعتبر من بين الدول العشر الأكثر قمعاً في العالم من حيث حرية الصحافة. أما الإصلاحات السياسية التي أدرجت بخجل في العام 2004 فقد تراجعت بسبب تشدّد المحافظين الدينيين، والتصميم على محاربة الإرهاب الإسلامي، والإصرار على بقاء أسرة آل سعود المالكة على رأس الدولة علماً بأنها تمارس نفوذاً لا تشوبه أي شائبة على المعلومات وتفرض خطوطاً حمراء يتوجب على وسائل الإعلام عدم تخطيها. والواقع أن الرقابة الذاتية معممة ونادراً ما يحصل الصحافيون الأجانب على تأشيرات دخول إلى المملكة.

في رد فعل على التقرير، بدأت بعض الاقلام المحلية بالتعليق لجهة تقديم تفسيرات لا تخلو من تلويحات مقصودة يراد منها تبرئة ساحة العائلة المالكة وبصورة محددة وزارة الداخلية بشأن أية قيود مفروضة على الحريات الاعلامية.

وزير القمع

في مقالة للكاتب ناصر الصرامي في الثامن من يناير بعنوان: (مَنْ المسؤول عن التراجع السعودي في سلم الحريات الإعلامية؟)، ثمة رسالة إستياء من قبل عدد من الاعلاميين السعوديين حيال تقرير مراسلون بلا حدود، على أساس دعوى تطور سقف الحريات في الإعلام المحلي. وقد علّق الصرامي على موقف هؤلاء الاعلاميين بالقول: (لم أفهم بعد هل سبب الغضب يكمن في كون التقرير مجحفاً بشأن الحريات الإعلامية في الواقع السعودي، أم أنه يكمن فقط في المقارنة غير المنصفة مع دول أقل! كما لم أجد ـ بحسب استفتاء شخصي لـ15 صحافياً سعودياً - أياً منهم منتسباً لهذه المنظمة!)، وأضاف: (على الإعلاميين السعوديين أن يدركوا أن الدول والمنظمات الدولية لا تلتفت الى مقال أو رؤية محلية للواقع المهني في المجالات المختلفة الإعلامية. وحتى في تلك التي تتعلق بالاستقرار السياسي والاقتصادي ومعدلات الثقة الائتمانية في البلد أي بلد، بل يتجاوز الأمر ذلك الى أساليب منهجية وأخرى علمية وطرق مختلفة ومقارنة لاستقصاء المعلومات وتأكيدها، تتجاوز الاسلوبين التقليدي والرسمي).

ويسهب الصرامي في شرح هذه النقطة بالقول: (العالم ينظر بعضه الى بعضه اليوم من خلال المنظمات غير الربحية ذات الطابع الدولي، ليس لصحيفة محلية أو خبر نفي أو قلق أو عدم ارتياح يمكن أن يتدخل في هذا النوع من التصنيف. الأهم هو التعاطي الإيجابي مع هذه المنظمات من دون خلق فراغات يمكن أن تُسد من مصادر غير جديرة). ويعلّق قائلاً: (لا بد أن ندرك أننا في عصر شبكة من المنظمات غير الحكومية وهي تمثل قوة كبيرة ومؤثرة تتناول أكثر من موضوع وقضية، قد لا تكون أحياناً كثيرة في أجندة الحكومات المحلية، ولا قطاعها الخاص، وتحديداً في دول العالم الثالث وتصدر عنها تقارير ودراسات وتصنيفات يأخذها العالم بعين الاعتبار والاهتمام. وتكون مصادر أكثر اعتمادية والوحدية ـ أيضاً ـ وحين تكون الدول ومنظماتها الداخلية لا تمتلك إحصاءات أو دراسات أو تقارير أو معلومات تقدّمها للعالم، وحين يكون الإتصال غائباً بين الدول ومؤسساتها المهنية الاخرى مع هذا النوع من المنظمات والمؤسسات الدولية).

ورغم أن الصرامي يقدّم رؤية مختلفة حول كيفية التعاطي مع تقرير مراسلون بلا حدود تقوم على أساس القيام بحملة علاقات عامة مع المؤسسات الدولية المتعلقة بالحريات العامة وحقوق الانسان من أجل تعديل الصورة، فإنه يمرر بعض مرارة الشكوى لدى الصحافيين منها الحاجة الى وجود مرجعية قانونية لما تنشره الصحف، إذ سبق أن رفعت أكثر من دعوى على كاتب وصحافي في محاكم شرعية لديها وجهات نظر مشوهة ومسبقة عن الإعلام واهله.

الصرامي الذي يحاول تخفيف دور الرقابة الرسمية على الاعلام، ودور وزارة الداخلية بوجه خاص يوجّه لوماً كبيراً على الصحافيين أنفسهم، من خلال دعم توجهات مطبوعاتهم. ويتحدث عن الخطوط الحمراء بقوله: (إننا ولدنا والخطوط الحمراء تتقاطع من حولنا... والخطوط الحمراء لا بد منها في كل مكان وزمان وبلد!).

من جهة ثانية، عبّرت منظمة هيومان رايتس وواتش عن اعتراضها على نقض الحكومة السعودية لوعودها بالسماح لأعضاء المنظمة بزيارة السجون. وعلّقت المنظمة بالقول: يسرّنا أن المسؤولين السعوديين قد تحدثوا إلينا بصراحة حول أوضاع حقوق الإنسان في المملكة، ولكننا نشعر بالخيبة لأنهم لم يفوا بالتزاماتهم في السماح لنا بزيارة مراكز الاحتجاز. وأصدرت المنظمة بياناً في الثامن عشر من ديسمبر الماضي ورد فيه أن الحكومة السعودية ترفض السماح لوفدها بالدخول إلى مراكز الاحتجاز رغم التأكيدات المتكررة على لسان مسؤولين حكوميين كبار بامكانية حصول مثل هذه الزيارات.

وكانت هيومن رايتس ووتش، وقبل زيارتها الحالية للمملكة وهي الأولى منذ حوالي أربع سنوات، قد أعلمت السلطات السعودية في 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بالمراكز التي ترغب بزيارتها، كما وقامت باجراء اتصالات مع الحكومة السعودية لمنح وفدها تسهيلات كاملة لزيارة السجون، ومراكز احتجاز النساء والأحداث، وملاجئ النساء الأجنبيات في كل من البريدة، والدمّام، وجدّة، ونجران، والرياض.

وقال كينيث روث، المدير التنفيذي لهيومن رايتس ووتش والذي ترأس وفدها الى السعودية: (يسرّنا أن المسؤولين السعوديين قد تحدثوا إلينا بصراحة حول أوضاع حقوق الإنسان في المملكة، ولكننا نشعر بالخيبة لأنهم لم يفوا بالتزاماتهم في السماح لنا بزيارة مراكز الاحتجاز).

وبدأ وفد هيومن رايتس ووتش زيارته للمملكة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، وعقد خلال الأيام العشرة الأخيرة لقاءات مع وزراء ومسؤولي إصلاح السجون. وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني سمحت السلطات السعودية للوفد بزيارة عدد قليل من السجناء في جناح واحد فقط في مركز الاصلاح والتأهيل بالحاير جنوب الرياض، لكنها منعته من العودة إلى ذات المركز في 2 ديسمبر/كانون الأول، رغم وعود محمد بن ناصر، معاون رئيس مصلحة السجون في منطقة الرياض بالسماح بزيارات متكررة مع كامل التسهيلات.

وفي 7 ديسمبر/كانون الأول، صرح الأمير تركي الفيصل، السفير السعودي في الولايات المتحدة لصحيفة (ديلي برينسيتونيان) بأن (المملكة قامت مؤخراً بدعوة مجموعة من هيومن رايتس ووتش، وهي منظمة إنسانية تتابع أوضاع حقوق الإنسان، إلى زيارة المملكة وأعطتهم الحرية بمعالجة جميع المواضيع في البلاد بما فيها زيارة السجون والسجناء واللقاء مع من يشاؤون دون قيود أو رقابة).

كما وعد الدكتور عبد المحسن العكّاس، وزير الشؤون الاجتماعية بتسهيل دخول هيومن رايتس ووتش إلى مراكز الاحتجاز. وقدم كل من الأمير محمّد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية والدكتور علي الغامدي، مدير مصلحة السجون تأكيدات لاحقة بهذا الخصوص. لكن هذه التأكيدات لم تتمخض عن زيارة فعلية إلى هذا المركز وغيره من مراكز الاحتجاز التي ذكرتها هيومن رايتس ووتش في رسالتها المؤرخة 3 أكتوبر/تشرين الأول، وفي القائمة التي أرسلتها إلى كل من هيئة حقوق الإنسان، ومدير مصلحة السجون، ومعاون وزير الداخلية في 3 ديسمبر/كانون الأول.

وقد منع باحثو المنظمة أيضاً من لقاء بعض المحتجزين الفرادى في إصلاحيات الأحداث البنين دون الـ 18 سنة من عمرهم والشباب والمعروفة بإسم دورالملاحظة الاجتماعية وبعض المحتجزات المتهمات أو المحكوم عليهن نتيجة أفعال جرمية أو أخلاقية في مؤسسات رعاية الفتيات، حيث ادّعت الحكومة السعودية، رغم تأكيداتها السابقة، بأن أوصياء المحتجزين هم الوحيدون المخوّلون بالسماح بمثل هذه الزيارات. و تحترم هيومن رايتس ووتش رغبة أي محتجز لا يرغب باللقاء معها، وتلتزم بإبقاء هوية من تقابلهم طي الكتمان إذا طلبوا ذلك أو إذا كانوا دون الثامنة عشرة من العمر. ولكن الحكومة السعودية رفضت طلب المنظمة بلقاء المحتجزين أو مقابلة أوصيائهم للتأكد من رغبتهم في إجراء اللقاء.

وقال روث: (لقد أبدى كبار المسؤولين السعوديون سخاء في الوقت الذي خصصوه للقاء هيومن رايتس ووتش، إلا أن المقياس الحقيقي للشفافية هو الرغبة في السماح للباحثين المستقلين بلقاء خصوصي وغير مشروط مع المحتجزين في مجموعة من السجون).

وأعربت هيومن رايتس ووتش أيضاً عن قلقها إزاء الجهود الواضحة التي تبذلها الحكومة السعودية وبشكل غير معلن، لتقييد قدرة باحثيها على التحدث مع الناس تحت رقابة الحكومة. وتشير مصادر السفارات الأجنبية في العربية السعودية إلى أن أحد ملاجيء وزارة الشؤون الاجتماعية والمخصص لعمال المنازل الأجانب يضم عادة المئات من النساء، إلا أن أحد باحثي هيومن رايتس وتش وفي زيارة للملجأ، وجد 60 امرأة فقط فيه. وقام القائمون على الملجأ بنقل أغلبية النسوة فيه، في اليوم الذي سبق زيارة هيومن رايتس ووتش، وأعادوهن بعد هذه الزيارة. وقد تمكن الباحث المذكور من التحدث مع النسوة الباقيات على انفراد.

الصفحة السابقة