مشروع عريضة إصلاحية جديدة:

معالم في طريق الملكية الدستورية

دولة الدستور الإسلامي/ دولة العدل والشورى

تداعت مجموعة من الإصلاحيين بلغ عدد أفرادها العشرة الى إحياء الحركة الإصلاحية المطالبة بالإصلاحات الشاملة السياسية والمالية والقضائية والإدارية وغيرها، فأعدّت مسوّدة عريضة بهذا الصدد، وبدأ أفرادها بالتحرّك من أجل عرضها على الإصلاحيين الآخرين في مناطق مختلفة من المملكة.. وفيما كان إثنان من معدّي العريضة يجتمعان بإصلاحيين آخرين من مشارب ومناطق أخرى، اعتقلتهم السلطات السعودية، ووجهت لهم تهمة (تمويل الإرهاب) مذكرة الجميع بالتهم الفارغة الغبيّة التي وجهتها سابقاً للإصلاحيين الذين اعتقلوا في منتصف مارس 2003 وهي (دعم الإرهاب). ومع أن العريضة لم تُرسل الى الملك، إلا أنها نشرت على الملأ، لتفنيد مزاعم وزارة الداخلية القمعية، ففضلاً عن أن المعتقلين معروفون بتوجهاتهم ودعواتهم الإصلاحية، فإن محتوى العريضة وأهدافها ومطالبها تكشف الكذب الصريح لأجهزة الأمن التي تريد تسويق تهم (تمويل الأرهاب) الى المعتقلين، متصورة أنه في خضم الحملة العالمية على العنف والإرهاب يمكن ضرب كل التوجهات الإصلاحية بنفس الحجّة، وبالتالي تضيع المسألة، وتغطّى بالذرائع الكاذبة.

فيما يلي نص مسودة العريضة التي يحتمل إرسالها الى الملك عبدالله، حتى مع اعتقال الإصلاحيين في جدّة، مع ان أحد أهم استهدافات الإعتقال المشين الأخير هو منع إرسالها و(دفن) مطالبها. وسواء أرسلت العريضة الى الملك رسمياً أم لا، فإن نصّها وصل الى المسؤول ووصل الى المواطن.

نصّ العريضة


بسم الله الرحمن الرحيم

معالم في طريق الملكية الدستورية:

دولة الدستورالإسلامي/ دولة العدل والشورى


إنا الموقعين على هذا البيان، من دعاة المجتمع المدني: العدل والشورى، في المملكة العربية السعودية نشكر للقيادة، ممثلة بخادم الحرمين الشريفين وولي عهده، حديثهما مرارا عن الرغبة في إصلاح البيت الداخلي، وبناء دولة العدل والشورى، وورود مصطلحاتها كالعدالة والمشاركة الشعبية في كلام عدد من أركان القيادة. ونثني الشكر على ما تم من خطوات، ذكرها عدد منهم في خطاب شكر خادم الحرمين الشريفين المرسل إليه، (بتاريخ12/5/1427هـ الموافق7/6/2006م).

ونذكر في ذلك السياق شعار (المشاركة الشعبية)، الذي أعلنه خادم الحرمين الشريفين، عندما كان وليا للعهد، وقولته لدعاة العدل والشورى الأربعين، من موقعي خطاب (الرؤية)، الذين التقى بهم في شوال 1423هـ، (رؤيتكم هي مشروعي).

ونثمن قولته في خطاب البيعة: (أعاهد الله ثم أعاهدكم أن أتخذ القرآن دستوراً والإسلام منهجا، وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق، وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة).

وهذه الكلمات والمواقف المضيئة، تجسد أولا: إدراكا من المسؤول الأول في الدولة، بأن العدل والشورى هما أساس الحكم الناجح الصالح، وأنه لا عدل مع الاستبداد، ولا ظلم مع الشورى.

وتجسد ثانيا: وعداً من القيادة عامة، وخادم الحرمين خاصة، بالسير الحثيث لبناء دولة العدل والشورى.

وتجسد ثالثا: إدراكاً من خادم الحرمين، بأن مقتضى البيعة على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، هو لزوم العدل والشورى.

هذا التصور الواعي لطبيعة التعاقد السياسي بين الشعب والقيادة، أكده شيوخ الإسلام في مواقفهم ومقولاتهم، فقهاء العهد الأموي كالحسن البصري وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، وأئمة المذاهب الفقهية الأربعة: مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل، وفقهاء العصر العباسي، كالغزالي والجويني والقرطبي، وابن عطية وابن حزم، ولا سيما فقهاء ما بعد العباسي، الذين أدركوا أسباب انهيار الأمة، كابن تيمية وابن القيم، والعز بن عبد السلام والشاطبي وابن خلدون، وكل من له موقف أو كلام في هذه المسألة.

وبمناسبة مرور قرابة عامين على البيعة، نود أن نسهم من خلال هذا البيان، بما لدينا من جهد ورأي، في التذكير بمعالم (العقيدة السياسية)، لسلفنا الصالح من خلفاء وأمراء وعلماء، للتواصي بالحق والعدل والشورى، استجابة لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى)، وقوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر). فقد أكد العلماء أن خيرية الأمة، مشروطة بتواصيها بالحق والعدل، وتناهيها عن المنكر، و العدل أعظم المعروفات، والظلم أعظم المنكرات.

ونذكربأن العدل لا يستقر إلا بالشورى، والشورى والعدل لا يستقران إلا بأمرين معا:

الأول: وسائل وإجراءات وآليات مؤسسية في الحكومة والدولة، يتوافر فيها الوضوح والدقة في تحديد المسؤوليات والصلاحيات والمساءلة، وتشكل ضمانات لالتزام العدل في الأنظمة والقرارات والتطبيق.

الثاني: مشاركة شعبية، عبر المؤسسات الأهلية، التي تشكل بلورة للرأي العام الأصوب، وقنطرة حضارية لتوصيله رأس هرم الدولة.

ونرى أن أهم معالم العدل والشورى، وأعمقها وأوسعها أثراً على مستقبل البلاد ما يلي:


أولا ـ إصدار أنظمة تضمن مكافحة الفقر والعدل في قسمة المال والأراضي،

لأن أهم ما تعانيه البلاد هو التفاوت الفاحش في قسمة الثروة، حيث إن البلاد ذات وفر كثير، ومع ذلك فإن مساحة الفقر تزداد اتساعاً، لأن معالجات الفقر، تحتاج إلى تركيز على الإصلاح المؤسسي، ومن أهم معالم الإصلاح المؤسسي:

(1) إصدار نظام (عطاء) شهري لكل عاطل عن العمل، يفي بالحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة، حتى يجد عملاً مناسبا.

(2) إصدار نظام (عطاء) فردي شهري للعلاج، يضمن لكل مواطن، موظفا أو غير موظف، أن يحصل على القدر الوافي من الرعاية الصحية والعلاج، ليتاح للناس أن يتساووا في فرص العلاج، ولتتنافس المشافي الخاصة في تقديم خدمات متميزة، ولكي لا تصبح العناية الطبية وقفا على الكبراء وأصحاب الواسطات.

(3) إصدار نظام (عطاء) أسري شهري لكل مولود، وفي ذلك ما يحفظ كرامة الأسر الفقيرة، من غوائل الفقر والمهانة والإذلال. وفي ذلك إحياء لسنن الخلفاء الراشدين، كعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

(4) وفي مجال حفظ الثروة المالية والعقارية للأمة، ينبغي إصدار أنظمة تضمن عدم استئثار الكبار بلباب أراضي الشعب، كي لا تزداد أعداد الأسر الفقيرة، التي لاتجد مسكنا كريما، ونطالب بإصدار أنظمة تمنع هذا الاختلال.

ونقترح لمعالجة الخلل الواقع في توزيع الأراضي أمرين:

أولهما: أن تحدد مساحة أي منحة سكنية لأي أسرة ، كأن تعطى مرة واحدة في العمر، وفق ضوابط وآليات موضوعية، تضمن التطبيق الفعال لمبدأ العدل والمساواة بين الفقراء والكبراء. وأن تحدد مساحة أي منحة زراعية لأي مستثمر، بضوابط وآليات موضوعية، تضمن التطبيق الفعال لمبدأ حصر المنح الزراعية بالقادرين المنتجين، مع إيثار الأسر الأفقر.

ثانيهما: إن النظام الذي حظر إحياء الموات - بعد عام1387هـ - إلا بإذن مسبق من الحكومة، نظام أدت تطبيقاته إلى الإضرار بالناس على العموم، وبالفقراء والمساكين على الخصوص، ولا سيما في أطراف المدن والبادية والريف، إذ حابى - في أحسن تطبيقاته - الخاصة على العامة، وفي غالبها سلب الساكنين والمزارعين الضعاف والمهمشين، وأعطى الأقوياء والكبراء، وشجع المرتشين والمحتالين، ودفع الناس إلى الخصومات والتباغض، وأشغل وزارة الزراعة والبلديات والمحاكم بالقضايا المعقدة، وأفرز من المفاسد أضعاف أضعاف ما له من مصالح. من أجل ذلك نطالب بإلغاء هذا النظام، الذي يخالف القانون الشرعي: الذي صرح به الحديث الصحيح: (من أحيا أرضا ميتة فهي له). ونطالب بنظام يقرر شرعية تملك الأرض المحياة لمن أحياها، ولا سيما للساكنين فيها والفلاحين، من حيث الأصل نقترح الاكتفاء بوضع شروط تضبط شرعية الإحياء وتمنع الاحتيال، كأن يكون قدر الأرض محدودا، وأن يتاح للحكومة التصرف في ما يحتاج إليه التخطيط من مرافق وطرق منها، بغير عوض.

(5) تعزيز الأنظمة والآليات التي تضمن المساواة في توزيع الثروة وكافة الخدمات والوظائف بين الأقاليم والمناطق والطوائف، مع العناية بالأقاليم والمناطق والفئات المهمشة.


ثانياً ـ إنشاء مجلس لنواب الأمة (أهل الحل والعقد):

إن أي دولة إنما تستمد مشروعيتها من قيامها بمصالح الناس، وإن صحة تصرف أي حاكم منوطة بمراعاة المصلحة، وتقرير مصالح العباد والبلاد منوط برؤية أهل العقل والرأي والخبرة، الذين تثق الأمة بخبرتهم وسداد رأيهم، وبأمانتهم وقوتهم فتنتخبهم ليكونوا نوابها (عرفاءها) في الحل والعقد، لأنهم يجسدون نبض قلبها وومض عينيها.

ولا يمكن ضمان تحري المصالح العامة للشعب في أي دولة، من دون وجود مجلس نواب منتخب يقرر المبادئ والقوانين الأساسية للمصالح، ويفوض الحكومة في تنفيذ المصالح والوسائل والتنظيم.

من أجل ذلك ننتظر أن تبادر الحكومة بإنشاء مجلس نواب للشعب، يشترك في انتخابه جميع الراشدين رجالاً ونساءاً. وهذا هو أهم ضامن لحفظ البلاد والعباد، وحفظ المال العام، واستنباط القرارات الصائبة، في مجال التربية والتعليم، والإعلام والإدارة والاقتصاد، والشئون الداخلية والخارجية عامة.ومن معالم الطريق إلى هذا الهدف، أن تبادر الحكومة، إلى تعديل نظام الشورى الحالي، بأن يكون نصف أعضائه منتخبين.


ثالثا: أن تبادر الدولة بإصدار نظام (مدونة) تعترف بالحقوق التي قررتها الشريعة التي كفلت حرية الرأي والتعبير والتجمع:

إن حرمان المواطنين من مشروعية التعبير الفردي والجماعي، عن العواطف والمصالح المشتركة، في الصحف والقنوات الفضائية والمنتديات والتجمعات، يؤدي أولا: إلى مزيد من الفساد في قسمة المال، وهدر المال العام، وتكاثر العاطلين والفقراء، وسوء الإدارة،

ويؤدي ثانياً: إلى مزيد من إفرازات الاحتقان إفرازات الاستياء العام وانسداد الأفق: كفشو السرقات والرشوة والفواحش والمخدرات، والأمراض الجسدية والنفسية والانتحار وحوادث السيارات.

وليس العنف إلا الجزء الظاهر من الجبل الثلجي الذي يخفي أكثر مما يبدي من إفرازات الاحتقان والاستياء العام.

وقد صدرت من الدولة قرارات وتصرفات تنتهك هذه الحقوق المقدسة، منها:

(1) تجاهل الحكومة خطاب إنشاء مجموعة الأولى (الثلاثين) من دعاة المجتمع المدني لجنة لحقوق الإنسان، في خطابها المرسل من الرياض إلى وزير الشؤون الاجتماعية 1426هـ/ 2005م، والمجموعة الأخرى في خطابها المرسل من جدة وغيرهم.

(2) التعسف في المنع من السفر الذي حرم كثيرا من دعاة المجتمع المدني من حقوقهم الطبيعية، ولا سيما الثلاثة عشر إصلاحيا، الذين أوقفوا يوم 25/1/1425هـ (16/3/2005م)، وليست قضيتهم إلا نموذجا صغيرا ـ وإن كان مشهورا ـ للتعسف.

(3) إغلاق عديد من الديوانيات والمنتديات الخاصة، وعدد من الساحات في الإنترنت، واعتقال وتخويف من يجرؤ على التعبير.

(4) مضايقة دعاة المجتمع المدني (الثلاثين)، الذين قدموا للمقام السامي خطابا بإنشاء جمعية (دعاة المجتمع المدني الإسلامي)، في14/3/1427هـ/ الموافق 12/4/2006م، فضلا عن تجاهل خطابهم.

(5) منع عديد من الكتاب والخطباء من الكلام.

(6) منع الشعب من حقه الطبيعي في المسيرة والتظاهر والاعتصام، كما في خطاب بعض دعاة المجتمع المدني المرسل إلى خادم الحرمين: الثلاثاء 29/6/1427هـ/ الموافق 25/7/2006م، الذين طلبوا الإذن لهم باعتصام محدود، أو بمهرجان لإعلان تضامنهم مع إخوانهم المجاهدين والمضطهدين في فلسطين ولبنان، وقد استدعاهم وزير الداخلية، وطلب منهم أن يتركوا الشأن العام، إلى أمورهم الخاصة وهددهم.

(7) إصدار الحكومة قراراً غريباً يهدد الموظف المهتم بالشأن العام، بفصله من وظيفته، إن عبّر في بيان أو قناة، عن رأي يخالف سياسة الحكومة أو ينتقدها.


رابعا: إصدار نظام يقرر مشروعية تجمعات المجتمع المدني الأهلية واستقلالها عن الحكومة، وإنشاء مجلس أعلى أو وزارة خاصة بها لتنظيم إجراءات التسجيل:

لا يمكن بناء معالم دولة العدل والشورى على المؤسسات الحكومية وحدها، بل لا بد من مؤسسات الأفراد(التجمعات الأهلية)، سواء أكانت معنية بالشأن العام، كجمعيات حقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني، وهيئات الأمر بالمعروفات والنهي عن المنكرات، روحية ومدنية، أو مؤسسات مصالح خاصة بفئة من الناس، كنقابات الفلاحين والقضاة والفقهاء والمدرسين والطلاب.

إن أي دولة لا توجد فيها مؤسسات الأفراد (التجمعات الأهلية) لا تعد دولة طبيعية، بل هي دولة ناقصة التكوين، لأن التجمعات الأهلية المدنية جزء لا يتجزأ من مفهوم الدولة. وما تصدره الحكومة من تنظيمات ينبغي أن ينحصر هدفه ووسائله بتنظيم نيل الحقوق والحريات والتنسيق، لا القوامة والوصاية، من أجل ذلك ننتظر ما يلي:

1ـ المبادرة بإصدار نظام فعال للجمعيات الأهلية:

إن المجالس والأندية والمساجد، ومؤسسات الصحافة الإعلام والتوجيه والتعليم والبحث، من تكوينات المجتمع الأهلي المشروعة، ولا ينبغي أن تمارس الحكومة عليها الوصاية أوالقوامة، فتحولها نفسها إلى توابع، فتشل حركتها، وتعوقها عن أداء رسالتها، فقيامها برسالتها لا يكون إلا باستقلالها النسبي عن الحكومة. من أجل ذلك ينبغي أن تخفف وزارات الداخلية والإعلام والأوقاف والتعليم العالي، من القوامة عليها، وأن تترك القوامة عليها للمستفيدين من خدماتها، وللرأي العام والإعلام، وإنما ينبغي أن ينحصر دور الحكومة بالتنظيم، وأن يكون التدخل في أضيق الحدود. ويكون القضاء لا وزارات الداخلية والإعلام والأوقاف، هو المخول بالعقوبات.

والجمعيات الأهلية هي أهم آلية لتنفيذ مبدأ المشاركة الشعبية، لأن وجود هذه المؤسسات هو الضامن الأساسي لبلورة الرأي الأصوب المنظم، وللتعبير السلمي الهاديء العقلاني المشروع عن المشاعر والمصالح التي يؤدي كبتها- ككبت أي غريزة - إلى الاحتقان، الذي لاتؤمن فلتاته. ومن أجل ذلك نشكر مجلس الشورى على رفض المسودة الهزيلة لنظام الجمعيات الذي اقترحته إحدى لجانه، الذي أفرغ مفهوم الجمعيات من وظيفتها وطبيعتها، ومن المعايير الموضوعية المعروفة في الدول الشورية، من أجل ذلك استنكره ـ بالأمس- الكتاب الإصلاحيون ودعاة المجتمع المدني، في مقلاتهم وبياناتهم.

ونعلن ـ اليوم - خشيتنا من أن يوافق مجلس الشورى، على مسودة هزيلة أخرى، والناس عامة ودعاة المجتمع المدني خاصة، يتطلعون إلى نظام فعال للجمعيات الأهلية، ينبثق من تصور صحيح للمعايير الدولية للجمعيات الأهلية التي بينها أكثر من عشرين كاتبا من دعاة المجتمع المدني في الصحف والقنوات، وكما في البيانات المعلنة، كالبيان الذي وقعه أكثر من 150 من دعاة المجتمع المدني، والخطاب المرسل الذي وقعه أكثر من 30 منهم وسلموه لنائب رئيس مجلس الشورى، يوم السبت22/4/1427هـ (20/5/2006م).

2ـ فك ارتباط الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بوزير الداخلية، وربطها بمجلس أعلى للجمعيات الأهلية:

لأن وظيفة الهيئة مراقبة تصرفات الحكومة عموما ووزارة الداخلية خصوصا تجاه حقوق المتهم خاصة وحقوق الإنسان عامة، فكيف يتناسب هدفها ووظيفتها ورقابتها على وزارة الداخلية، مع قوامة وزير الداخلية عليها. وهي - كأي جمعية أهلية - إنما تربط – إجرائيا - بجهة عدلية كوزارة العدل، أو المجلس الأعلى للقضاء، أو ينشأ مجلس أعلى للجمعيات الأهلية وظيفته التنسيق والتنظيم والدعم المالي، لا التحكم والقوامة.


خامساً: توزيع مهام وزارة الداخلية المتضخمة وغير المتجانسة على وزارتين: وزارة للحكم المحلي وأخرى للأمن:

إن وزارة الداخلية تضخمت مسئولياتها، وهيمنت على مرافق وأنشطة متعددة من الدولة، خارج طبيعتها واختصاصاتها، حتى أصبحت مهيمنة على الشأن العام، وامتدت أطراف تدخلاتها في جميع الوزارات، وفوق ذلك صارت غير قادرة على القيام بما أوكل إليها من مهام أساسية. لا سيما أن وزارة الداخلية حملتها سلطتها الواسعة المطلقة - والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة ـ على مزيد من التدخل في شؤون الوزارات الأخرى، وأتاحت لها ظروف الحرب على العنف مزيدا من الحدّة والشدّة والأخذ بالظنّة، فوسّعت مفهوم الحل البوليسي، فانجرّت إلى مزيد من مصادرة الحقوق، والتضييق على الحريات الأساسية للمواطنين، وهذا يتنافى مع مبدأ العدل والشورى، فضلا عن أنه يزيد في تكوين مخزون للعنف.

ولأنه لا وجود في العالم كله، من شرقه إلى غربه، حتى في أفريقيا، لوزارة داخلية تجمع بين هذين الأمرين، اللذين أدى الجمع بينهما إلى النيل من الحقوق الأساسية للمواطنين، وتضخم المركزية والروتين، وجمع وظائف متعددة وغير متجانسة، في وزارة واحدة.

ومن أجل ذلك نقترح توزيع أعباء الوزارة الحالية، بتقسيمها وزارتين:

إحداهما: وزارة تختص بشئون الحكم المحلي. والأخرى: وزارة تختص بالأمن.


سادسا: إنشاء ديوان للمحاسبة المالية:

وفي مجال تفعيل أجهزة الرقابة القضائية، نطالب بإنشاء ديوان قضائي للمراقبة والمحاسبة المالية، يرتبط بالمجلس الأعلى للقضاء، ويشرف على إيرادات الدولة ومصروفاتها، ويختص بمراقبة أموالها، ويكون مسطرة للتأكد من صحة التعاملات وضبط الحسابات، وسلامة الإجراءات، ويوقف نزيف المال وهدره ، ويقاضي ويحاكم ويحاسب المتهمين بالتقصير، ويعاقب المقصرين. لأن ديوان المراقبة الحالي لا يكفي، لأنه تفتيش إداري، قصير اليدين، محدود الصلاحيات، وليس مؤسسة مستقلة ذات سلطة قضائية، تستطيع أن تطبق مسطرة محاسبة قضائية على الجميع.


لتكون فيصلا في مشروعية جميع الأنظمة والقرارات والقوانين التي تصدرها الدولة، وحكماً عند التنازع، ومرجعية في البت في الطعون.


ثامنا: ربط هيئة التحقيق والإدّعاء العام بالقضاء أو برئيس مجلس الوزراء:

لأن المدعى العام إنما يتكلم باسم العدالة والشعب، وقوامة وزارة الداخلية عليه مخالفة صريحة لطبيعة الهيئة ووظيفتها، والارتباط الطبيعي لهيئة التحقيق والادعاء العام إنما هو بالمجلس الأعلى للقضاء، أو وزارة العدل، أو رئيس مجلس الوزراء، كما هو الحال في الدول الأخرى.


تاسعا: تعزيز استقلال القضاء:

وفي سبيل تعزيز ضمانات عدل القضاء ونزاهته، ننتظر المبادرة بالإجراءات التالية:

(1) أن يبسط القضاء هيمنته على جميع اللجان القضائية التي تجاوزت ثلاثين لجنة منتشرة في الوزارات، فذلك أظهرُ إخلالٍ بمفهوم استقلال القضاء.

(2) تخويل القضاء الإشراف على مدى التزام الجهات الأمنية بالقواعد والإجراءات العدلية التي أصدرتها وزارة العدل في نظام الإجراءات الجزئية، وأهم هذه الأمور: عدم التوقيف إلا على الجرائم العشر المنصوص عليها، وتوفير محام لكل متهم، وانحصار التحقيق بهيئة التحقيق والإدعاء العام، لأن التحقيق عمل من أعمال القضاء، وليس عملاً من أعمال المباحث.

(3) في السجون آلاف الموقوفين الذين تجاوز إيقافهم المدة التي يسمح بها النظام للتوقيف من دون محاكمة، وهي ستة أشهر، وكثير من المتهمين تجاوز الشهور إلى السنين، سواءاً في قضايا العنف وقضايا الرأي والتعبير، ولا سيما الفقهاء والعلماء والكتاب كالشيخ سليمان العلوان، والشيخ وليد السناني. ومقتضى استقلال القضاء: إما إلزام وزارة الداخلية بتقديمهم للمحاكم، وإما إصدار أحكام بإطلاق سراحهم.

(4) لا يمكن تعزيز عدل القضاء ونزاهته من دون توفير احتياجاته، وعدد القضاة اليوم لا يزيد عن عشر العدد الكافي، وينبغي تعزيز استقلاله بدعمه بشريا وماليا بأعداد كثيرة من القضاة، وآخرين من الكتبة، لتمكينه من السرعة في البت، وإنشاء وحدات لقياس الإنجاز والمتابعة.

(5) إعطاء القضاء صلاحيات تنفيذ الأحكام بإيجاد (قاض تنفيذي) في كل محكمة.

(6) الإسراع بتحديد قواعد القضاء وتوحيدها وإعلانها للناس.

(7) التزام القضاة بالمحاكمة العلنية في كافة القضايا، وخاصة التي تكون الحكومة طرفا فيها، والسياسية خاصة.

(8) إصدار نظام قضائي جديد يجسد المعايير العدلية للقضاء الإسلامي، التي من أهمها أن القاضي ليس وكيلا عن الحاكم عندما يصدر حكما قضائيا، بل هو وكيل عن الأمة المؤتمنة على الشريعة، كي تضيق مسارب التأثير على القضاة، الذين لا زالوا يتصورون أنهم وكلاء عن الإمام، وأن من حقه تقرير العقوبة وزيادتها. وذلك انتهاك صريح لحقوق الإنسان عامة والمتهم خاصة، ولا سيما في النزاع بين الحكومة والأفراد والجماعات عامة، والحقوق السياسية خاصة. ومن البدع والمنكرات الفظيعة أن ينسب هذا الجور إلى الشريعة. ولا يمكن ـ في ظل هذه النظرية ـ أن يصبح القضاء سلطة مستقلة، فضلا عن أن ينال القاضي حقه الطبيعي في الحصانة والاستقلال.

(9) وضع وسائل تضمن استمرار قوة القضاة وحيويتهم، وتجديد الدماء بالعناصر الشابة، ولا سيما رؤساء المحاكم وأعضاء المجالس وكل من يشغل وظيفة ذات طابع قضائي، ومن أهمها تحديد سن تقاعد القضاة بمدة محددة غير قابلة للتجديد والتمديد، ونقترح أن لا تزيد عن 65 عاما. لا سيما وهو يضيق منافذ التدخل والبطء والترهل.

(10) إنشاء أجهزة قياس للإنجاز والمتابعة في المحاكم لمتابعة الالتزام بمعايير استقلال القضاء.

(11) التركيز على إعداد القضاة وتدريبهم وتأهيلهم وتعميق تخصص كل مجموعة، حسب القضايا، جنائية وتجارية واجتماعية وعمالية.

وفي الختام ندعو الله للقيادة والإمام بالسداد والصلاح، وهذا ما نرى أنه معالم في طريق دولة العدل والشورى، أي ذات (الدستورالإسلامي) أو(الملكية الدستورية)، وهي الترجمة الحقيقية للقولة الدقيقة المحددة: الإسلام (أساس) دستورنا، أي (عقيدتنا السياسية)، وللقولة الفضفاضة: (الإسلام دستورنا)، وهو من أهم مبادئ العقيدة السياسية، التي قررها السلف الصالح من الخلفاء والأمراء والعلماء قبل أربعة عشر قرنا من تنادي الأمم وتوافقها، على اعتبارها قيما إنسانية مشتركة عالمية. ويحفزنا على بيان ذلك قولة خادم الحرمين الشريفين في خطاب البيعة (أتوجه إليكم طالبا منكم أن تشدوا أزري وأن تعينوني على حمل الأمانة، وأن لا تبخلوا علي بالنصح والدعاء). وهي قاعدة ثابتة في الأدبيات السياسية الإسلامية، منذ عهد الخليفة الراشد أبي بكر رضي الله عنه القائل: (إن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوموني)، والخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه القائل: (لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها).

وندعو كافة التوجهات الدينية والاجتماعية والثقافية في المجتمع الأهلي والحكومي معاً إلى التواصي والتعاون على هذا البر وهذه التقوى: العدل والشورى، ولا سيما في هذا الوقت العصيب، الذي يستدعي حشد الطاقات، في قضايا الأمة الكبرى، ومراعاة الأولويات، والتركيز على الأساسيات، وفق الله الجميع إلى ما فيه الفلاح والنجاح، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

حرر في الرياض يوم الجمعة 14/محرم/1428هـ(2 /2/2007م)


أسماء الساعين في المبادرة من دعاة المجتمع المدني: العدل والشورى:

1- د/ إبراهيم بن صقر المسلم/ أستاذ جامعي في الوراثة/ الأحساء/ هاتف0505959598.

2- خالد بن سليمان العمير/ إصلاحي/ الرياض/ هاتف 0505492185.

3- سليمان الرشودي/ محام وقاض سابق/ الرياض/ هاتف 0505145796.

4- عبد الرحمن بن حامد الحامد/ محاضر في الاقتصاد الإسلامي/ بريدة/ هاتف 0503774446.

5- د/ عبد الله الحامد/ أستاذ جامعي سابق في جامعة الإمام/ الرياض/ فاكس014961177/ هاتف 0505491177.

6- فهد بن عبد العزيز العريني/ باحث في العلوم الشرعية/ الرياض/ هاتف 0502566678/ فاكس 014272168.

7- مسفر بن علي الميموني/ مهندس/ الرياض/ هاتف 0505954535.

8- مسفر بن صالح الوادعي/ كاتب صحفي/ الرياض/ هاتف 0504822075.

9- محمد بن حديجان الحربي/ كاتب/ الرياض/ هاتف 0507708320.

10- د/ موسى بن محمد القرني/ محام وأستاذ جامعي سابق/ المدينة/ هاتف 0505665100.

الصفحة السابقة