الملف الأمني بين الرياض وبغداد

هل بدأت مرحلة كشف الأوراق؟

سعد الشريف

لا شك أن وزير الداخلية الأمير نايف قد أسهب في تذكير الوفد العراقي الأمني والدبلوماسي الذي وصل الى جدة في العاشر من يوليو بتصريحات كان قد أدلى بها قبل أيام من وصول الوفد تتضمن إنكاراً شديداً لدور المقاتلين السعوديين في العراق، ولا شك أيضاً أن الوزير قد شدّد على التفريق بين الحكومة والتيار الديني المتشدد بشفاعة التصريحات ذاتها، التي تطلق بقدر كبير من الشفافية والشدّة على غير عادة الأمير نايف نفسه المعروف بتسامحه ودعمه المطلق للمؤسسة الدينية المتطرّفة فكراً وسلوكاً.

يدرك الأمير نايف بأن ضيوفه جاءوا محمّلين بملفات ضخمة حول الضلوع السعودي في دوّامة المجازر الدموية اليومية، وقد أشار الأمير نفسه في خطبته أمام جمع كبير من الدعاة ورجال الدين وأئمة المساجد الى أن مسؤولين عراقيين قد أبلغوه بالدور الدموي الذي يمارسه سلفيون سعوديون في العراق، فهم على حد قوله معدّون للتفجير فحسب.

زيارة الوفد العراقي الأمني والدبلوماسي الى المملكة في هذا الوقت بالتحديد يثير تساؤلاً، خصوصاً وأنها تأتي بعد زيارة ملغاة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للقاء الملك عبد الله قبل شهرين، وهل للزيارة علاقة بتطوّرات محلية وإقليمية ودولية؟

على الساحة العراقية، تصاعد الغضب الشعبي في الشهور الأخيرة إزاء ضلوع مقاتلين ورجال دين وأمراء سعوديين في الدم العراقي، وهذا ما تكشف عنه تواصل الاعتصامات الإحتجاجية في أوروبا والولايات المتحدة، وهناك ضغوطات متزايدة على الحكومة العراقية من الداخل الشعبي من أجل إيصال رسالة واضحة للحكومة السعودية بقطع الطريق على مقاتليها الذين يتقاطرون عبر الحدود البرية الغربية والشرقية لشن عمليات إنتحارية تودي بحياة العشرات والمئات من الأبرياء والمدنيين.

وإقليمياً، يبدو الدور السعودي السلبي في قضايا المنطقة من العراق الى فلسطين ولبنان مروراً بكل الترتيبات الإقليمية في بعديها الأمني والسياسي وكأنه مصمم في المرحلة الراهنة لضرب الإستقرار في المنطقة تلبية لمنطق الفوضى الخلاّقة التي يمثّل الأمير بندر بن سلطان الوكيل الإقليمي لها.

وعلى المستوى الدولي، فإن الحوادث الأمنية التي تقترفها عناصر سلفية سعودية في مناطق متفرّقة من أوروبا تسمح بتصعيد حملات الإحتجاج ضد الحكومة السعودية على المستوى الدولي وقد تتظافر جهود المنظمات الأهلية والحقوقية والدولية بالضغط على حلفاء السعودية في الغرب من أجل رفع الغطاء عنها والمطالبة بفرض عقوبات عليها من أجل وقف دعم الإرهاب الأصولي السلفي المنطلق من أراضيها.

ما رشح عن لقاءات مستشار الأمن القومي العراقي في جدة مع الأمير نايف وفي الرياض مع وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل والأمين العام لمجلس الأمن القومي الأمير بندر بن سلطان ورئيس جهاز الاستخبارات الأمير مقرن بن عبد العزيز يلمح الى تطوّر أمني بالغة الحساسية، خصوصاً وأن المسؤولين العراقيين طالما حذّروا لسنوات القيادة السعودية من مغبة تورّط عناصر سلفية سعودية في زعزعة الإستقرار داخل العراق عبر عمليات التفجير، والقتل الجماعي، والسيارات المفخخة، والأحزمة الناسفة، والعمليات الانتحارية. وقد ذكر رئيس الوزراء العراقي السابق إبراهيم الجعفري في تصريحات له بلندن قبل سنتين بأنه وضع الملك عبد الله في صورة ما تقوم به عناصر سلفية سعودية داخل العراق وما تخطط له في المرحلة القادمة، وهو ما كشفت عنه الوثائق التي عثر عليها بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي.

الوفد الأمني العراقي برئاسة مستشار الأمن القومي موفق الربيعي نقل ملفاً ضخماً من الوثائق للأمراء السعوديين يثبت فيه ما حذّر منه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من أن العنف الذي يعصف بالعراق حالياً مرشح للإنتقال الى دول الجوار، وهي رسالة التقطها الأمراء السعوديون بما تطلّب مباحثات جادة بين الجانبين السعودي والعراقي من أجل الإتفاق على سبل التعاون الأمني والتنسيق الإستخباري لمواجهة خطر الجماعات المتطرفة في الأيام القادمة.

الأمير نايف طالب الوفد الأمني العراقي تزويده بمعلومات حول السعوديين المعتقلين لدى أجهزة الأمن العراقية، وتجنّب الأمير طلب تسليمهم للسلطات السعودية بخلاف الحال بالنسبة للمقاتلين السعوديين في نهر البارد في الشمال اللبناني، ولكّنه بالتأكيد حصل على معلومات وافية عن طبيعة الأدوار التي يقوم بها المقاتلون السعوديون في العراق. وقد أعدّ الأمير قبل وصول الوفد حملة مرافعة عن تورّط أي من المسؤولين السعوديين أو رجال الدين الكبار في حوادث العنف سواء داخل المملكة أو العراق أو أي منطقة أخرى، وكان متمسّكاً خلال اللقاء مع الوفد العراقي بأن هؤلاء المقاتلين هم (فئة ضالة) قد تم التغرير بهم عن طريق فكر خارجي لا ينتمي لعقيدة هذا البلد. الغريب في الأمر، أن الأمير أخذ موقفاً هجومياً، فقد رمى بالكرة في ملعب الوفد العراقي حين قال بأن هؤلاء السعوديين قد تربوا على العنف والتطرف في العراق وقد يعودون إلى المملكة بأفكار متطرفة وأعمال عنف، وهو ما أثار استغراب أعضاء الوفد العراقي الذي يمسك بأدلة دامغة على أن المقاتلين السلفيين جاءوا بأفكار متطرّفة من ديارهم وطبّقوها عملياً وبصورة دامية في العراق والعراقيين.

وبحسب مصادر عراقية، فإن الوفد الأمني والدبلوماسي سعى الى تصحيح الصورة المشوّهة عن العملية السياسية الدائرة في العراق، حيث اضطلع الوفد الدبلوماسي المؤلف من ثلاثة مستشارين لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بتوفير كمية معلومات كافية للملك عبد الله وكبار الأمراء تكون عوناً لهم على فهم الواقع العراقي بخلاف الصورة التي تشكّلت لديهم من خلال مصادر أخرى.

مصدر قلق الأمراء في الوقت الراهن ينبع مما حذّر منه المسؤولون العراقيون من أن انفلات الوضع الأمني في العراق سيصيب المنطقة برمتها وسيكون الجميع شركاء في الغرم. وهذا يلتقي مع ما نقلته مصادر أخرى من أن الأميركيين طالبوا حكومة المالكي بوضع ترتيبات أمنية لضمان الإستقرار في المنطقة مع بدء إستعدادات القوات الأميركية بجدولة الإنسحاب في الشهور القادمة، حيث أن هذا الإنسحاب منوط بتوصّل حكومات المنطقة إلى صيغة أمنية توافقية تحول دون انفراط العملية السياسية في العراق، وكذلك ضمان أمن الدول المجاورة ومنها الخليجية تحديداً من أجل تأمين خطوط تصدير النفط إلى الأسواق الأميركية والأوروبية والعالمية.

تطوّر كهذا يأتي في سباق مع الزمن يخوضه كثير من اللاعبين الأقليميين والدوليين من أجل تثبيت معادلة جديدة تتوافق مع مصالحهم، فبينما لا يزال يسعى الأمير بندر وجهات عراقية وأردنية ومصرية من أجل إطاحة حكومة المالكي وإقامة حكومة عراقية جديدة تكون أبعد عن طهران وأقرب الى الرياض وواشنطن، وهو ما ظهر في عقد لقاءات تشاورية وتنسيقية موسّعة مع قيادات سياسية عراقية ناقمة على العملية السياسية الحالية مثل إياد علاوي وطارق الهاشمي وجبهة التوافق بزعامة عدنان الدليمي وتمويل عشائر سنيّة وتسليح جيش الإسلام المؤلف من عناصر بعثية سابقة، هناك في الإتجاه المقابل تحرّك عراقي عبّر عنه التحالف السياسي الموسّع لأكبر مكوّنين شعبيين في العراق لتأييد حكومة المالكي، وكذلك وقوف دوائر سياسية في واشنطن تميل الى تثبيت المعادلة السياسية القائمة عبر عقد مصالحات داخلية وتوافقات أمنية تحفظ توازن الدولة العراقية الجديدة في علاقاتها الإقليمية، يضاف إليه تحرّك رئيس الجمهورية العراقي جلال طالباني من أجل إقناع الوزراء والنواب السنة بإنهاء مقاطعتهم لجلسات مجلسي الوزراء والنواب، لجهة إعادة تعزيز العملية السياسية مع توسيع قاعدة المشاركة السياسية، وتصحيح مواد الدستور ومعالجة المشكلات العالقة بخصوص النفط والمحاصصة وغيرها، مشدّداً على أهمية مشاركة الشيعة والسنة والأكراد في رسم السياسات العامة للدولة وفي صنع القرارات المصيرية. وفي الوقت نفسه، أكّد طالباني على ضرورة إشراك إيران لحفظ الأمن ومكافحة الإرهاب وتعزيز العلاقات الثنائية بين العراق وإيران من أجل استتباب الأمن في البلاد.

ملف أمني حافل

غضب عراقي على السعودية

فيما يبدو، فإن قدرة التحمّل العراقي على الضلوع المباشر واليومي لعناصر سلفية سعودية في دوامة العنف داخل العراق قد بدأت في التلاشي، فتصريحات المسؤولين وردود الفعل الشعبية تشي بسورة غضب عراقية مرشّحة للتصاعد في ظل تساقط الأبرياء بصورة يومية بفعل القنابل البشرية السلفية.

فثمة نداءات عراقية تطالب الحكومة السعودية برفض فتاوى التكفير التي صدرت من أعضاء في هيئة كبار العلماء مثل الشيخ عبد الله بن جبرين الذي أفتى بردّة الشيعة بما يجيز قتلهم، إضافة الى فتاوى التكفير الصادرة عن مشايخ سلفيين في السعودية يقول العراقيون بأنها ساهمت في إسباغ شرعية للقتل والإختطاف والتهجير في العراق.

وقال نائب في البرلمان العراقي في تعليق له على إقرار السلطات السعودية بأن مواطنيها الذين قاتلوا في تنظيم فتح الإسلام في نهر البارد إنما تدربوا في العراق وانتقلوا من هناك الى لبنان :(اذا كانت السعودية تعترف بهذه الظاهرة، فيجب عليها الإعتراف بأن المئات من السعوديين أسسوا وأشرفوا على بناء تنظيم القاعدة والتنظيمات التكفيرية الأخرى في العراق وقاموا بتنفيذ عمليات التفجير والقتل التي حصدت أرواح مئات الآلاف من شيعة العراق وأخيراً بدأت تستهدف السنة المخالفين لهم). وتساءل النائب أزهر الخفاجي (..فكم شاب سعودي دخل العراق، ولبس الأحزمة الناسفة وقاد المفخخات ليحصد أرواح المئات من العراقيين؟!! فهل يعقل أن لاتعلم السعودية بأعدادهم؟! خاصة وأن الرجل الثاني في القاعدة قد صرح بأن أكثر من 800 إرهابي من التكفيريين إنتحروا حتى أبريل من العام الماضي في تفجير أنفسهم بأحزمة ناسفة وسيارات مفخخة ، فكم صار عددهم حتى يوم أمس، وكم سعودي كان من بينهم ؟!). وقال بـ (أن المحرّض الأول على هذه الجرائم وعلى تصدير شباب السعودية الى العراق هم علماء المذهب الوهابي المتشددين والذين ينعمون بالإمتيازات والحماية ولايتم مساءلتهم عن فتاواهم التي تسبب قتل الآلاف في العراق، ومن هنا سوف يظل هؤلاء يتوافدون على العراق خاصة وأن علماء فتاوى التكفير ضمنوا لهم الجنة وأن مواقع الإنترنت المتطرفة تقوم بغسل أدمغتهم واستغلال بساطتهم وحبهم للدين الحنيف، لتحولهم إلى قتلة من الطراز الأول باسم الدين). ويتساءل النائب العراقي:(هل تصدير الشباب السعودي للعراق هو نتيجة لقرار إتّخذه الحكم السعودي، يقضي بالتخلص من خطر الشباب السعودي المتطرف لديها ودفعهم الى خارج البلاد، ليأتوا الى العراق ليفجروا أنفسهم في المدنيين العراقيين الآمنين؟ وهل ثمة اتفاق بين الحكم السعودي وكبار علماء الوهابية واساتذة الشريعة في السعودية على أن تصدر مثل تلك الفتوى الجماعية التي حثت على ما أسمته بنصرة سنة العراق ضد الشيعة، ليخرج المئات ممن فيهم المواصفات التي تجعل منهم إرهابيبن، والتغرير بهم بفعل هذه الفتوى والفتاوى السابقة للخروج إلى العراق ويهلكوا في مدنه وقراه؟ تماما كما عملت الولايات المتحدة عندما صرّح وزير دفاعها السابق رامسفيلد قائلا: لقد خططنا لنجعل من العراق مصيدة للإرهابيين يقعون فيها، فنقوم بحصدهم جماعات وفرادى، بدلاً من أن يشكّلوا تهديداً على أمن الولايات المتحدة؟).

أسئلة الخفاجي الغاضبة تمثل صدى لأصوات ترتفع حالياً من داخل العراق وخارجه وتدور كلها حول البحث عن إجابة عن سؤال كبير: هل تغذّي السعودية الإرهاب في العراق؟ كما عنوّن كاتب عراقي مقالته قبل شهر.

الصفحة السابقة