عريضة نسائية تطالب بقيادة السيارة

تحدّي التغيير في بلد يقوده رجال!

فائزة محسن

(بادرة سوء) كما وصفها المفتي العام السابق الشيخ عبد العزيز بن باز، حين بلغه خبر خروج مجموعة من النساء والفتيات بالسيارات في شوارع الرياض في السابع من ديسمبر 1990، وكنّ يوزعن منشورات تطالب بقيادة السيارة، أصبحت بعد أكثر من عقد ونصف أمراً مقبولاً، وتحوّلت البادرة السيئة الى تورخة يحال إليها وتمثل إنطلاقة حركة نسائية مطلبية في بلد يسطو فيه التسلط الذكوري، ويدرج المرأة ضمن قائمة (تابوات) يحظر التفكير في شؤونها بصورة مستقلة عن سلطة الذكور. في تلك السنة، أصدرت وزارة الداخلية بيانها البائس بـ (عدم جواز قيادة النساء للسيارات، ووجوب معاقبة من يقوم منهن بذلك بالعقوبة، ومنع بوادر الشر..) على أساس أن (قيادة المرأة للسيارة تتنافى مع السلوك الإسلامي القويم) بحسب بيان وزارة الداخلية، رائدة الإصلاح المزعوم بحسب أحد الأقلام المقرّبة منها. الأمير نايف الذي تمسّك بموقف متشدد من مسألة قيادة المرأة للسيارات عبر تصريحات تذكيرية خلال السنوات الفائتة لا شك أنه سيجد في الأحكام النهائية التي أطلقتها وزارته، والتدابير القمعية التي أصابت بها عشرات النساء اللاتي فصلن من أعمالهم ومعاقبة أزواجهن بعقوبات مماثلة بتهمة التحريض، هذا بجانب حملة تشهير واسعة ومنظّمة قادها الديني والسياسي/الأمني، ضد المشاركات في المسيرة السلمية المطلبية، بالرغم من أنهن كنّ متسترات ولم تكن متبرّجات ومتنقبّات ولم تكن متهتّكات كما أفرطت بيانات الديني المتشدد في توصيف التظاهرة النسائية من منطلق غير أخلاقي وأحياناً غير شرعي، بل يعتصم بأعراف إجتماعية خاصة.

تقود سيارتها ولكن في الصحراء!

كانت أوضاع المنطقة حينذاك سانحة، وخصوصاً غزو العراق للكويت وقدّوم القوات الأميركية للمنطقة وانطلاق حركة نقدية ومطلبية في الداخل، حيث خرجت 47 ناشطة حقوقية وإجتماعية وأكاديمية في مسيرة مطلبية سلمية للمطالبة بحق قيادة السيارة، وقد استقلّت النساء 15 سيارة جبن عدداً من شوارع العاصمة الرياض. تم اعتقالهن لفترة قصيرة ومنعن من السفر، وفصلن من أعمالهم، كما جرت مقاطعتهن من قبل عوائلهن ومعارفهن.

بعد مرور سبعة عشر عاماً على تلك المظاهرة النسائية المطالبة بقيادة السيارة، إنطلقت حركة نسائية أكثر نضحاً وأشدّ عزماً وأكبر حجماً في حملة للمطالبة بحق قيادة السيارة في سياق تطوّرات محلية إجتماعية وسياسية وتجاذبات أيديولوجية، وفي بلد لا يزال رجال دولته منقسمين حقيقة وافتعالاً حول هذه القضية. نشير هنا الى أن السعودية هي الدولة الوحيدة التي يحظر فيها على النساء قيادة السيارة، وهي جزء من قائمة محظورات مفتوحة.

لجأت قيادات الحركة المطلبية الى التكنولوجيا الاتصالية، حيث قمن بتعميم فكرة عريضة مطلبية الى الملك عبد الله الى أكبر عدد ممكن من النساء عن طريق رسائل الجوّال والرسائل الإلكترونية، وتمكّنت قيادات الحركة من جمع أكثر من ألف ومائة توقيع على عريضة مثبّتة على شبكة الانترنت، وكذلك في مراكز التسوّق، وأرسلت العريضة الى الملك عبد الله.

تقول الناشطة الحقوقية وجيهة الحويدر (لا نتوقع رداً سريعاً، ولكننا لن نوقف حملتنا حتى نحصل على حق قيادة السيارة).

رجال الدين الرسميين والشعبيين في المجتمع السلفي مازالوا متمسّكين بموقف عقدي متشدد في موضوع قيادة المرأة للسيارة، على أساس أن ذلك سيكون باباً للفتنة، ومورداً من موارد الشر، في وقت يوجد فيه ما يقرب من مليون سائق أجنبي في السعودية، وأغلبهم من جنسيات أجنبية وفي الغالب من الفليبين وشبه القارة الهندية.

وبالرغم مما يقال عن أن هؤلاء لا يشكّلون مصدر تهديد أخلاقي وإجتماعي ولا يتوقّع تطويرهم لعلاقات خاصة وسريّة مع النساء، الا أن كثيراً من النساء يرفضن مثل هذه المقاربة. وبحسب الناشطة الحقوقية فوزية العيوني فإن (النساء وأطفالهن تحت رحمة المضايقات الجنسية من قبل هؤلاء السوّاق الأجانب، ونحن نعرف حالات عديدة لما يحدث، ولذلك فإن قيادة المرأة للسيارة واصطحاب أطفالها يعتبر أكثر أمناً وصحة).

وبالرغم من عدم وجود قوانين صريحة تحظر على الناس جمع توقيعات أو تعميم عرائض فإن النشاط السياسي والاجتماعي المستقل محظورة في السعودية وأن الناشطين الحقوقين غالباً ما ينتهي بهم نشاطهم الى السجن. وكما جرى في السابق، فإن قيادات الحركة المطلبية الجديدة تتوقع إحدى الإجراءات الروتينية المعروفة: الإعتقال، الفصل من الوظيفة، أو المنع من السفر. ولكن هؤلاء الناشطات على استعداد لتحمّل تلك الكلفة إذا كانت النتيجة إنتزاع حق مشروع لهن، أي قيادة السيارة.

العريضة التي حظيت باهتمام خارجي أكبر من الداخلي، حيث أن وسائل الاعلام خاضعة في الغالب تحت سيطرة وزارة الداخلية وتعتبر ذلك من الموضوعات المحظور تداولها منذ سنوات قليلة، ولكن هذا البلد الذي ناضل الاصلاحيون ذكوراً وإناثاً من أجل فك عقده الوهمية والحقيقة من أجل الانتقال به الى اللحظة المعاشة وحاجات العصر، أصبح في مواجهة واقع جديد يملي على الماسكين بزمام أمره القبول شاؤوا أم أبوا بحقائق التحوّل الداخلي والخارجي، فقد فرضت حوادث الحادي عشر من سبتمبر والتداعيات اللاحقة معادلة جديدة، فهذا البلد لم يعد هو ذاته القديم والمغلق بعد الحادي عشر من سبتمبر، فقد فتحت هجمات نيويورك وواشنطن أبواب السعودية، وأن الهزّة العنيفة التي ضربت التحصينات الثقافية والاجتماعية والأمنية والسياسية أجبرت البلد على خوض عملية مراجعة واسعة النطاق وناشطة من أجل إعادة تقييم الدولة السعودية بكل حمولتها السياسية والاجتماعية والثقافية والأيديولوجية، فقد انكسر (المحرّم) الاجتماعي والسياسي والعقدي وخرجت النقاشات الى الهواء الطلق بعيداً عن السلطات الدينية والاجتماعية، ولم يعد سوى العقل والجدل المنطقي وإرادة التغيير أدوات حاكمة في نقاشات محمومة تسرّبت الى وسائل الإعلام: الصحف، الانترنت، التلفزيون الفضائي.

لم تعد قضية مثل قيادة السيارة من المحرمات كما كانت سابقاً، وعلى الاقل ليس هناك سلطة عليا دينية أو سياسية قادرة على أن تلجم النقاش بفتوى دينية أو تدابير أمنية، بل هناك من يسعى الآن لتوظيف النشاط النسائي في حال بلوغ لحظة الإنجاز لصالح الجلاْد الذي رفض لسنوات طويلة مجرد القبول بمناقشة الأمر فضلاً عن القبول به، بل كان يطلق التصريحات الصارمة والنهائية لإرضاء التيار المتشدد، الحليف لسلطته، ولكن قد يأتي في يوم ما ويصبح هو رائد تحرير المرأة!

لم تعد مقولات من قبيل أن السماح للمرأة بقيادة السيارة سيجلب الآثام، وأن الشرور جميعها كامنة في جواز هذا الأمر، من قبيل اختلاط الأجناس، والاغراءات، وإفساد سمعة المرأة المسلمة المتلزمة، تحسم مسار المناظرة الأيديولوجية في شكلها الإجتماعي، فهناك أوضاع جديدة تطيح بمقولات كهذه، وهناك مقولات مضادة تنضح جرأة وجدارة، وبلا شك فإن الشجاعة التي تتحلى بها النسوة المشاركات في لجنة المطالبات بإعطاء المرأة حق قيادة السيارة تبعث على الإعجاب وتحرّض على جلب الدعم المادي والمعنوي.

لابد أننا نتذكر شجاعة رائدات في النشاط النسائي الحقوقي اللاتي قدن سياراتهن في الرياض قبل سبعة عشر عاماً، وقد أفاضوا على من يليهن من الناشطات من الشجاعة ما دفع بالعضو المؤسس للجنة الجديدة وجيهة الحويدر لأن تقف على جسر البحرين خلال الحرب الصهيونية على لبنان في تموز 2006، وأن ترفع لائحة كتب عليها (أعطوا المرأة حقوقها)، وقد تم اعتقالها بعد ذلك والتحقيق معها وإجبارها على توقيع تعهّد خطي بعدم التظاهر، ولكن مثل هذه الاجراءات القهرية بات ينظر اليها الناشطون الحقوقين والاصلاحيون على أنها غير ملزمة، وهو ما دفع بالحويدر، شأن زميلات وزملاء لها في العمل الاصلاحي والحقوقي، الى استئناف نشاطها الحقوقي عبر كتابة المقالات حول حقوق المرأة، وتنظيم النشاطات المطلبية بمشاركة رفيقات معها في درب النضال الحقوقي والاصلاحي.

عقدت الحويدر لقاءً نسوياً في منزلها في منتصف سبتمبر الماضي، وضمّ أعضاء لجنة حماية والدفاع عن حقوق المرأة في السعودية، حيث انطلقت حملة مطلبية تؤكّد القائمات عليها بأنها لن تتوقف حتى تلبية مطالبها. وتقول فوزية العيوني، عضو مؤسس وناشطة حقوقية، بأن (الأمر ليس ترفاً بل هو ضرورة، وهناك نساء كثيرات ينفقون على عوائلهن بصورة كاملة ولا يمكنهن دفع نصف مرتباتهن للسائق). وتقول العيوني بأن مجموعتها قد كسرت حاجز الخوف، وباتت قادرة الآن على المطالب بحقوقها. واعتبرت العيوني بأن ذلك يعتبر إنجازاً، وعلى السلطات السعودية أن تدرك حقيقة الكيانية النسائية المستقلة، وأحد مفرداتها حق قيادة السيارة.

الحويدر دعت بنت الملك عبد الله الأميرة عادلة وباقي الأميرات الأخريات الى الإنضمام الى العريضة واللجنة لدعم حق المرأة في قيادة السيارة. وقالت الحويدر بأن ثمة إقبالاً كبيراً على العريضة في الداخل والخارج، وذكرت بأن عضوات من اللجنة ستقوم بالتنقل بين المرافق العامة والأسواق لجمع أسماء مؤيدين للحملة، رغم ما قد يعترض حركتهن أعمال عنف من قبل رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إشارة سيئة عن هيئة حقوق الانسان الرسمية: نقلت وجيهة الحويدر لموقع (آفاق) على شكة الانترنت أن الدكتور تركي السديري رئيس هيئة حقوق الانسان في السعودية اتصل بالأستاذة فوزية العيوني، وأعلن إستياءه وغضبه من الحملة، والذي كان من المتوقع منه ان يقوم بدور المساند والداعم بحكم منصبه. الباعث على الضحك والشفقة في موقف السديري أن سبب استياءه هو أن الحملة ستعيق بعض الدراسات التي تقوم بها مؤسسته من أجل أن تثبت ان قيادة المرأة للسيارة مهمة، لأن السائقين الأجانب يسببون أذى وضررا للأسر خاصة للاطفال). يذكّرنا هذا المواقف بمواقف سابقة لرجال مقرّبين من الحكومة حين يستاؤون من نشاط مطلبي أو حقوقي ما تحت ذريعة أن هذا النشاط سيعطّل قراراً وشيكاً صدوره من الملك أو ولي العهد أو وزير الداخلية لصالح القضية المراد طرحها بصورة علنية أو تقديمها في الاعلام. وحسناً فعلت العيوني حين ردّت على السديري بالقول (إن ما نقوم به داعم لدراستكم، ونحن معكم ونضم اصواتنا اليكم، وسنواصل حملتنا..).

الحويدر: مستمرون حتى يسمح لنا بالقيادة

اعتراضات وردود

ـ رسالة إعتراضية من الدكتور محمد بن صالح الحمدان جاء فيها:

اللهم إن كنت قد كتبت ما كتبت بثاً للفتنة وعبثاً بالمجتمع، فأسأل الله أن يشل يدك وأن يخرس لسانك..

ـ رد اللجنة:

أولاً: الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء.. الدعاء على الناس بالمرض والسوء في هذا الشهر الكريم وفي غيره أمر لا يقبله الله ولا رسوله..

ثانيا: انت يا سيدي من حقك أن تعارض، كما ربما عارض أجدادك تعليم المرأة، حيث رأوا أن في تعليمها بلاءً للأمة وفتنة، ولم نر سوى الخير والرخاء من تعليم المرأة، فهي التي تعلم بناتك اليوم وتربيهن.

ثالثا: يا دكتور محمد الحمدان، أمك وجدتك وأخواتهن كن يتنقلن من مكان الى مكان بوسائل التنقل المتاحة من غير أن تدور حولهن شكوك، ولم يتهمهن أحد قط بالفتنة، فلماذا تنظر لنساء اليوم بهذه النظرة السيئة، وتظن بهن سوءاً، وتشكك في نواياهن، أو لم يقل الله سبحانه وتعالى في الذكر الحكيم (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم).

رابعاً: إن كنت ممن يتبعون سيرة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) فكلنا نعلم أن نبي الأمة لم يحرم زوجاته ولا بناته ولا نساء المسلمين من وسائل التنقل المتاحة في ذاك الزمان، فمن أنا أو أنت أو أي انسان آخر يأتي ليحرّم ما احله الله ونبيه للبشر اجمعين.. قال الله تعالى :(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).. اليوم في مدننا الحديثة لم تعد تلك الحيوانات صالحة للتنقل، لذلك استبدلت بوسائل جديدة منها السيارة.

من جهة ثانية، كتبت حليمة مظفر في صحيفة (الوطن) مقالاً بعنوان (نعم..لقيادة المرأة للسيارة) في السادس والعشرين من سبتمبر افتتحته بعرض إقتصادي وإجتماعي وأخلاقي لمشكلة السائقين الأجانب، وقالت بأن (وجود ما يزيد عن مليون سائق أجنبي من ديانات ومجتمعات مختلفة، بعضهم تم تصديرهم إلينا للتخلّص منهم كونهم من أصحاب السوابق والسجون ونحن لا نعرف شيئاً عنهم سوى أنهم في مهنة سائق). وهذا المليون سائق أجنبي يستنزف (مليارات الريالات ويصدرونها للخارج، ويتولوا مسؤولية أطفالنا وأسرنا، ويقاسمونا بيوتنا ويتلصصوا على النساء ليتسلوا بأخبارهن في سمرتهم الليلة مع بقية سائقي الحارة، لتجد أن الحارة بكالمها أصبحت تعرف تفاصيل أخبار زوجتك وبناتك). وتخلص في عرض المشكلة الى أن هذا العدد الكبير من السائقين القائدمين من مجتمعات منفتحة إجتماعياً وثقافياً يكون فيها الجنس متاحاً في الطرقات، حيث يقدم الى بيئة مغلقة إجتماعياً ومتدينة (ما يعني أنه سيحاول تفريغ سلوكياته (...) وهذا من الخطورة بمكان على المجتمع، وقد أصبحنا شبه يوميا نسمع ونقرأ في الصحف عن اكتشاف بيوت الدعارة التي تديرها العمالة المتخلفة وروادها من السائقين الأجانب).

هذا العرض الذي أوردته حليمة مظفر كان أشبه بمرافعة مكثقة ولكنها تلامس أبعاد المشكلة، وفي النهاية يبرر قرارها بالتوقيع على عريضة تطالب بقيادة المرأة للسيارة. وخلصت الى نتيجة أن قيادة المرأة للسيارة في مجتمعنا أصبحت من الضروريات وليست رفاهية، وتفعيل هذا القرار سيكون مردوده الإيجابي كبيراً جداً على اقتصادنا ومجتمعنا، خاصة أنه لا يوجد أي نص قانوني.

الصفحة السابقة