تواطأ القضاء وآل سعود في تبرئة وحوش الهيئة

هيئة القتل بالمنكر

وحوش ينتزعون (عين) مواطن ويسقطون دماغه أرضاً

سامي فطاني

كما كان متوقعاً، فقد برأت المحكمة العامة بالرياض عنصرين من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سيئة الصيت، من تهمة قتل المواطن سلمان الحريصي، الذي اعتقلته الهيئة على خلفية عنصرية ضيّقة، بحجة ترويجه الخمور، حيث لم يمض سوى برهة من الزمن من اعتقاله بعد اقتحام منزله حتى مات تحت يد وحوش الوهابية المتطرفة في أحد مراكز الهيئة.

وكان مبرر تبرئة أولئك الوحوش هو (عدم كفاية الأدلة)! في حين أن أولئك الوحوش يزعمون امتلاك (كل الأدلة) في التعدي على المواطنين، وانتهاك حرمات المنازل بدون إذن قضائي، ومحاكمة النوايا، وإلا فكيف يعتقلون الحريصي بدون إذن قضائي؟ وكيف يمارسون بحقه التعذيب بمجرد أن سقط بيدهم، مع أنهم لا يمتلكون أية دليل على مزاعمهم؟!

وكان مقتل الحريصي قد أشعل غضباً شعبياً عارماً ضد الهيئة وضد آل سعود، حيث بادر كبار الأمراء الى الدفاع عن الهيئة مثل الأمير نايف والأمير سلمان وغيرهما، مؤكدين على أهمية الهيئة ودعمها بالمال والرجال. وكان المدعي بالحق الخاص وهو شقيق الضحية قد طالب بالقصاص من عضوي الهيئة، ولم تقبل المحكمة بالشهود بحجة أنهم متهمون أيضاً في مقاومتهم لوحوش الهيئة. زد على ذلك ـ وحسب قول المحامي ـ فإن المحكمة المتواطئة رفضت الأخذ بتقرير الطب الشرعي الذي يثبت تعرض المتوفي للضرب المبرح (التعذيب) الذي أدى الى وفاته، أو كدليل على القتل العمد الذي تسبب به عضوا الهيئة.

والغريب أن المحامي نفسه بدا وكأنه قد استميل لصالح الهيئة، وقيل أنه تعرض لضغوط عليا، وتهديد، وإلا هل يمكن لمحامي جيء به للدفاع عن الضحية ليدافع عن الهيئة نفسها، يقول المحامي مبرراً تبرئة رجال الهيئة: (لا يمكن الجزم بأن ضرب رجال الهيئة للحريصي الذي كان هدفه السيطرة عليه، هو السبب المباشر في موته، فلربما جاءته ضربة من أحد أفراد عائلته كانت هي السبب المباشر في وفاته). هذا كلام محام يدافع عن الضحية في مملكة العبيد! فإذا به ينقلب للدفاع عن وحوش الهيئة. وهذا هو القضاء العجيب في مملكة آل سعود والوهابية!

ووصف أفراد عائلة الحريصي كيف داهم أكثر من عشرين من أفراد الهيئة منزلهم في أحد الأحياء الفقيرة بالرياض، فقال خالد الكعبي (24 عاما) وهو واحد من 12 شخصا ألقي القبض عليهم في تلك الليلة: (ضربة واحدة جاءت بالعصا، وبعدين صار الضرب بالرجل وباليد.. أكيد أنهم هايجين .. هذا مو طبيعي .. صاروا يضربون عشوائيا والضرب أكثر شيء على سلمان). وأضاف بأن رجال الهيئة قالوا لهم: (أنتم مخانيث .. عبيد ـ إشارة الى انهم سود البشرة ـ هذا مستواكم). وتابع الكعبي بأنه شاهد لاحقا اثنين من أفراد هيئة المنكر يضربون سلمان لنحو ساعة في أحد مكاتب الهيئة. أما والد سلمان محمد الحريصي، 73 عاماً، فطالب بالقصاص، وأنه شخصياً احتجز لعدة أيام بعد وفاة إبنه، وتابع: (شعوري اتكدر.. الناس ما عندهم ضمير.. لو كان عندهم ضمير ما سووا ـ ما تصرفوا ـ بالطريقة دي. اذا عندهم استدعاء يطرقون الباب ويطلبوا أبوه ويقولوا لأبوه سلمه لنا).

أما علي الحريصي أخ الضحية فقال بأن أخاه تعرض للضرب من وقت اعتقاله وحتى وفاته، مؤكدا أن أفراد الهيئة نقلوا شقيقه وهو ينزف من المنزل إلى مركز الهيئة وأنه لفظ آخر أنفاسه داخل المركز بعد تعرضه لمزيد من الضرب. وأوضح: (داهمت فرقة الهيئة منزل أسرتي الكائن بحي العريجاء وقامت بتكسير عدد من أبواب المنزل والقبض على أخي سلمان، ومن ثم قاموا بضربه ضربا مبرحا، وقبضوا أيضا على بعض الموجودين بالبيت، من بينهم نساء بتهمة ترويج الخمور).

بعد شهرين من حادثة قتل المواطن الحريصي، وبعد خمس جلسات في المحكمة، أصبح رجال الهيئة أبرياء، ولم يدن أي من الجلادين، كما هي العادة. حيث كانت ولاتزال جرائم اعضاء الهيئة تغطى ولا تصل الى المحاكم، وحين تصل تسحب أو تحور بالتفاهم مع القضاة (الذين هم من نفس الجنس المتوحش) ويخرج الضحية المقتول أو المعذب مداناً لصالح (متطهري الوهابية)! كما هي الحال هذه المرة، حيث أدين أخوة الحريصي بأنهم (قاوموا) وحوش الهيئة بالسكاكين والسواطير.

من المؤكد أن الضحية الحريصي لو كان من عائلة مرموقة، أو كان من عشيرة قوية، لكان الحكم اختلف ولو قليلاً، ولكان اعتقال الوحشين قد طال، ولكنها العنصرية البغيضة التي تحكم على اللون وعلى المنطقة وعلى المذهب في مملكة (التوحيد الوهابي).

وكان واضحاً أن رجال الهيئة كانوا هم المعتدين، فما أن انفجرت قضية مقتل الحريصي حتى بادرت امارة الرياض بإصدار بيانات توضيحية تقول بأن (عدداً من الأشخاص غير المكلفين شاركوا في المداهمة) أي في مداهمة منزل الحريصي، مستبقة الأمور لتبرئ رجال الهيئة بأنهم لم يقتلوا الحريصي وإنما آخرون! ولكن لماذا انضم متوحشون وهابيون آخرون لرجال الهيئة في مهاجمة بيوت المواطنين؟ هذا ما لم تجب عليه إمارة الرياض، مع أن تلك الأمارة كانت تكذب، وإلا أين هم أولئك المجرمون ليحاكموا بدل أن تلفلف القضية ويبرّأ وحشا الهيئة؟! لقد تم تبرئة 18 منهم من قبل نفس المحكمة!

ومع أن أحد بيانات أمارة الرياض قال: (التحقيقات توصلت الى ان هناك اشخاصا شاركوا في عملية القبض والتفتيش ليسوا من اعضاء الهيئة الذين تم تكليفهم رسميا وليس لهم الحق بالاشتراك في هذه الاعمال.. وقد وجه الاتهام لاحد اولئك الاشخاص بالتسبب في إحداث الوفاة وستتم احالته الى المحكمة موقوفا للنظر في القضية شرعا). والنتيجة هي تطبيق شرع آل سعود الذي يقضي بتبرئة الجميع، وضاع دم الضحية!

وحوش الهيئة مطلقو الأيدي والأرجل، اعتقلوا بعد أيام وجيزة من مقتل الحريصي وفي مدينة أخرى هي تبوك رجلاً يبلغ الخمسين من العمر، وهو أحمد البلوي، وإذا به يخرج على (نقالة) الى ثلاجة الموتى، وأيضاً بعد ساعات من اعتقاله، والحجة كما هي العادة (أزمة قلبية) فيما كشف أهالي الضحية عن تعرضه للتعذيب، وبدأت عائلته في اتخاذ إجراءات قانونية حسب وكالة رويتر (30/6/2007)، ولاتزال جلسات المحكمة تؤجل حتى يتم طبخ القضاء الوهابي العادل بتبرئة المجرمين.

جرائم رجال الهيئة كثيرة، وقد توفي آخرون في المنطقة الشرقية خلال السنوات الماضية وبحجج مختلفة في مقرات اعتقال الهيئة، كما أن سيدة آسيوية ألقيت من الطابق الرابع في يونيو الماضي وتوفيت حين اقتحم منزلها وحوش الهيئة، الأمر الذي دفع بالتحقيق معهم وإخلاء سبيلهم، وهناك عشرات القضايا تتعلق بتعديات الهيئة على مواطنين ومواطنات.

ومن القضايا أن المواطن سلطان الردادي تقدم بشكوى رسمية إلى امارة المدينة المنورة يتهم فيها الهيئة باقتحام منزله واقتياده بالقوة بسبب بلاغ كاذب عن وجود امرأة في بيته اتضح فيما بعد ان الأمر غير صحيح، وأكد الردادي لصحيفة عكاظ أنه تفاجأ بشخص مجهول يتسلق جدار منزله ويفتح الباب من داخل المنزل لزملائه الثمانية الذين قاموا بالدخول الى المنزل ومنعوه من الحركة رغم انه كان بملابسه الداخلية.

ولكن لأن الجميع يدرك بأن آل سعود يقفون خلف وحوش الهيئة بغرض اذلال الشعب واستخدامهم ضد دعاة الإصلاح والمعارضين لحكم آل سعود، لم يكن في الإمكان محاسبة هؤلاء. بيد أن الرأي العام المحلي ضاق ذرعاً بالتجاوزات، وصار هناك ما يشبه الفورة ضد ال سعود وهيئتهم الأمر الذي استدعى (قبول) رفع دعاوى ضد رجال الهيئة ولكن دون إدانتها في المحصلة النهائية، فالقضاء سلك يشغله متواطئون من نفس المدرسة المتشددة، ويأتمرون بأمر السلطات السياسية، وبالتالي لا يتوقع إدانة وحوش الهيئة في أية قضية في المستقبل القريب، خاصة إذا ما كانت متعلقة بقتل مواطنين تحت التعذيب.



الصفحة السابقة