جريمة (هيئة القتل) تهزّ مكة المكرمة

مقتل سعيد محمد علي فراش بعد ساعات من اعتقاله

ليست قضية سلمان الحريصي وأحمد البلوي والمرأة الآسيوية أول من قتلهم وحوش هيئة المنكر، ولن يكونوا آخر ضحايا همجيتهم، فمن الضحايا السابقين قصة مقتل الشاب سعيد محمد علي الفراش في نوفمبر 1990، في جريمة تواطأ فيها المسؤول السياسي مع الأمني مع الديني (وكلهم نجديون من أهل التوحيد!). تبدأ القصة بإشارة الى أن عائلة الضحية التي تسكن مكة، تجاور عائلة أخرى (المزين) والتي كان لها عدة أبناء طفلان منهما في صفوف الدراسة، ولأن رب الأسرة لا يستطيع أن يعيد إبنيه من المدرسة يومياً، تكفّل جارهم الشاب سعيد بإعادتهما أيام الأسبوع.

في منتصف نوفمبر 1990 صادف أن ذهب أحد أبناء المزين مع جاره سعيد الى المدرسة لإعادة الطفلين، وعند باب المدرسة كان هناك أحد رجال الهيئة، الذي سأل الشاب سعيد عن سبب مجيئة للمدرسة، فأجابه بأنه جاء من أجل طفلي جيرانه، وعلى الفور استدعى رجل الهيئة آخرين من زملائه، واقتادا الشاب الى مركزهم، فحاول مرافقه إبن المزين الكبير الدفاع عن الجار سعيد، فما كان من الأخير الا أن طمأن ابن الجار بأن لا مشكلة كبيرة وسيعود، وطلب منه ألا يبلغ عائلته بما جرى، لكن ابن المزين الذي رافقه لجلب أخويه، وعده بأن يعود اليه في مركز الهيئة بعد أن يوصل أخويه الطفلين الى المنزل.

عاد ابن المزين الى مركز الهيئة، وسأل عن صاحبه وجاره فلم يجبه أحد، ولم يسمح له أحد بأن يراه، كما لم يقل له أحد ما هي التهمة الموجهة إليه، وبعد فترة انتظار، حان وقت صلاة العصر، فخرج ابن المزين الى مسجد قريب وصلى ثم عاد الى مركز الهيئة ثانية، وفي لحظة من اللحظات حانت منه التفاتة فرأى جاره سعيد الفراس مقيد اليدين، وآثار التعذيب والإنهاك بادية على محياه، فارتعب مما رأى، وغادر مركز الهيئة ليبلغ أب الضحية بالقصة.

ذهب الأب الى مركز الهيئة قبيل صلاة المغرب من ذلك اليوم المشؤوم، وطلب لقاء مسؤول المركز مانع العنزي الذي رفض لقاءه بحجة أنه مشغول. سأل الوالد هناك من يقابله عن حال ابنه، وعن التهمة الموجهة اليه وسبب اعتقاله، وعن امكانية رؤيته، ولكنه لم يحصل على إجابة، بل لم يعترف أحد بأن ابنه موجود في مركز الهيئة.

خرج الاب لأداء صلاة المغرب في مسجد مجاور ثم عاد الى المركز مرة أخرى، مؤملاً حلحلة المشكلة، ولكن انتظاره طال حتى حان وقت صلاة العشاء، فخرج من مركز الهيئة ليصلي ويعود اليها مجدداً. امتعض أحد رجال الهيئة من بقائه، وحاول إقناع الأب بأن الإنتظار غير مفيد له، ولكن الأب أصر على الإنتظار، وشعر بأن هناك أمراً ما يدبر.

حوالى الساعة التاسعة والنصف مساءً، والوالد ينتظر، سمع صوت سيارة اسعاف تقترب من مركز الهيئة، ودخل طبيب ومسعفين اثنين على عجل، فشعر بأن هناك خطراً قريباً، وبعد نصف ساعة خرج المسعفون ليدخل أحد الضباط بسرعة الى الداخل ومعه أحد المصورين، لم يستطع الأب ايقاف الضابط لمساعدته في حل لغز ابنه، وحينما خرج الضابط وهو من أهل مكة تلقاه الأب طالباً المساعدة لحل لغز اعتقال ابنه وراح يسرد قصته من البداية، وحين فرغ قال له الضابط أنه قام للتو بتحرير محضر وفاة ابنه الشاب وهو مسجى في الداخل وقد التقطت له بعض الصور!

هوى الأب على كرسي بجانبه، وبعد دقائق صرخ في وجه رجال الهيئة طالباً لقاء مدير المركز مانع العنزي الذي علم بأن الخبر تسرب الى اب الضحية، فخرج واقتاده الى غرفة اعتقال داخلية، وعلى الأرض كانت هناك جثة هامدة ممددة مغطاة ببطانية رثّة، بعدها تقدم المانع وكشف عن وجه الضحية! سأل الأب عن سبب الوفاة، فأجابه بما معناه: إنه قضاء وقدر، وأنه مات حتف أنفه، وحبّب اليه أن يدفن ابنه بالسرعة الممكنة، لأن إكرام الميت دفنه بسرعة!!

رفض الأب استلام جثة ابنه، وما أن أطل صباح اليوم التالي حتى بادر الى ارسال برقيات الى الملك فهد ووزير الداخلية والجهات الدينية العليا تشرح الجريمة، وزاد الأب بأن نشر الخبر بين جيرانه ومعارفه وفي كل مكان حل فيه وارتحل اليه، فأرسل الأهالي من جانبهم برقيات جماعية الى وزارة الداخلية تطالب بتشكيل لجنة تحقيق في وفاة سعيد الفراش، وتؤكد على ضرورة معاقبة الجناة، وأهمية إقرار العدالة، والحفاظ على أرواح المواطنين، مشيرين الى أن القضية نشرت الرعب والإستياء بين أهالي مكة.

لم تستجب وزارة الداخلية المسؤولة بشكل مباشر إلا بعد تكاثر عدد المبرقين، ووافقت على تشكيل لجنة تحقيق، أصرت هيئة الأمر بالمعروف (المتهمة في القضية) أن تكون ممثلة فيها، وهكذا كان، حيث ضمت اللجنة مندوباً عن امارة مكة، ومندوباً عن الشرطة، ومندوباً ثالثاً عن هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكل هذه الجهات تصب في المحصلة النهائية في جيب وزارة الداخلية.

طلبت اللجنة تقريراً طبياً، وتم فحص الجثة من قبل أحد الأطباء في مستشفيات مكة، وقرر أن الجمجمة تعرضت لضربات قوية بآلة حادة، مما نتج عنها كسوراً واضحة في أجزاء متعددة منها. ولكن ممثل الهيئة أبدى عدم اقتناعه بالتقرير الطبي، فتقرر استقدام طبيب من جدة والذي أقرّ بما وجده سلفه. أيضاً لم يعجب التقرير ممثل الهيئة، فاستدعي طبيب من الرياض (من ديار التوحيد!) فقرر أن (هناك شحوماً متزايدة تحيط بالقلب، لعلها كانت سبب الوفاة المفاجئة)! هذا مع العلم ان أهل الضحية أكدوا للجنة بان ابنهم لم يراجع يوماً الأطباء، وأنه شاب رياضي من حملة الأثقال، وهو لا يدخن، فكيف داهمته السكتة القلبية، وبالذات لدى مركز الهيئة؟!

بعد مماطلات استمرت خمسة وأربعين يوماً من قبل مندوب الهيئة المدعومة من آل سعود، تسلم الأب جثة ابنه ليدفنها، في حين قررت اللجنة رفع القضية للمحكمة الشرعية (التي يسيطر عليها نظراء وحوش هيئة المنكر) لتبت في الأمر وفق النتائج التي توصل اليها الأطباء. ولكن الملك فهد أراد تجميد الموضوع، وإبعاد القضية عن الهيئة المدللة! فطلب ملف القضية لدراسته. وفعلا استلم الملك فهد الملف يوم الأربعاء الموافق للتاسع عشر من ديسمبر 1990، ومنذئذ تمّ دفن القضية الى هذا اليوم! وراح دم المواطن الضحية هدراً على يد دعاة القتل في هيئة المنكر.

لم يعتقل أحد من رجال الهيئة، ممن مارسوا التعذيب، ولم يكشف عن سبب ذي معنى لاعتقال الشاب سعيد فراش، ولم يتم التطرق حول تهمة الإعتقال. كل ما فعله آل سعود ورجال هيئتهم، هو أن مانع العنزي نقل من مكة الى منصب آخر رفيع في الرياض، وهو ينكر أن الضحية تعرض للتعذيب، وأن وفاته قضاء وقدر، وأن اخبارية جاءت رجال الهيئة تقول بأن سعيد جاء الى المدرسة لخطف أطفال! مع ان سعيد الفراش مشهور عنه بالتدين والصلاة جماعة في المسجد حتى صلاة الفجر.

هذه هي هيئة المنكر، تصر على الغي، ولا تعترف بالخطيئة، وتحاول تلبيس الضحية التهم في نفس الوقت!

قبح الله آل سعود وقبح هيأتهم وقضاءهم.



الصفحة السابقة