الشيخ ناصر العمر وبيان جديد حول معرض الكتاب

الحرية الفكرية تشجع على الإرهاب!

خالد شبكشي

كما جرت العادة، فإن بياناً سلفياً جماعياً يتربّص بمعرض الكتاب الدولي في الرياض والذي يبدأ في مطلع شهر مارس من كل عام. موقف ثابت يتردد: الترويج للكفر والإلحاد والبدع، عبر السماح للكتب اليهودية والنصرانيةوالبوذية والصوفية والإسماعيلية والصوفية والشيعية والأباضية والدرزية.

ناصر العمر

وكانت فعاليات المعرض الدولي للكتاب انطلقت في الرياض بمشاركة ما يربو عن (600) دار نشر عربية وأجنبية، تعرض ما يزيد على 250 ألف ألف عنوان عربي وأجنبي، وينظر كثيرون الى المعرض بكونها فرصة إستثنائية لمن أراد الحصول على آخر المنتجات الثقافية في العالم، حيث يغطي المعرض حقولاً معرفية وفنية متنوّعة وتشكّل ملتقى ثقافياً دولياً في بلد ينقطع عن العالم طيلة شهور السنة بفعل الهيمنة الثقافية المحافظة.

في موقعه (المسلم) على شبكة الإنترنت، طالب الشيخ المتشدد ناصر العمر بمحاكمة المشرفين على معرض الرياض الدولي للكتاب، بدعوى السماح لعقائد الكفّار والمبتدعة بالرواج في بلاد التوحيد. وساوى العمر بين الإساءة للمقدسّات الإسلامية في أوروبا وبيع كتب بدعية في المعرض، واعتبر ذلك سبباً لتبدّل عقيدة بعض الناس، من مذهب أهل السنة والجماعة إلى مذهب آخر. كما انتقد العمر ظاهرة (الإختلاط) بين الجنسين في المعرض، وطالب بمحاكمة المشرفين على المعرض بدعوى دعم (الإرهاب)، لأنهم يمنحون الشباب المبرر والتربة الخصبة لنمو الفكر المغالي. وقال بأن (بلادنا تعاني من مشكلات بعضها يتعلق بالغلو بما يقوده من تفجيرات والذي يقتات على مثل هذه التجاوزات الخطيرة)، وأضاف (أصارحكم بأن هذه الكتب التي فيها محادة لله ورسوله هي أقوى مسوغات (الإرهاب). وطالب أنصاره بمقاطعة المعرض (إلا لمن أراد أن يذهب للاحتساب والإنكار)، وخاطب المسؤولين بمنع المعرض والذي وصفه بـ (بؤرة فساد فكري). وأنحى باللائمة على (السلبية القاتلة) التي تقابل بها تحذيراته للجمهور من جراء مثل هذه المناشط الثقافية التي تجري كل عام، وتأخذ أبعاداً إجتماعية وفكرية لا يرتضيها العمر.

منطق التهويل الذي اعتاده الشيخ العمر كلما اقترب موعد انطلاق فعاليات معرض الكتاب، ليس جديداً أو مجدياً في ظل الانفتاح المتزايد على الخارج، ونزوع الدولة نفسها الى اختراق الحدود التقليدية على المستوى الثقافي الإتصالي، بما يجعل الإصرار على إغلاق الحدود الثقافية على الخارج، وممارسة ما يشبه (البيوت المحميّة) من أجل إبقاء المجتمع محصّناً أمام المؤثرات الخارجية خياراً عقيماً، وأن مجرد الكلام عن تداعيات أمنية على خلفية الإنفتاح الثقافي لن يوقف مسار المجتمع والدولة معاً، ما لم يبدّل الإتجاه السلفي من تكتياته الثقافية، وقد فعل بعضهم الذي كان متمسّكاً حتى وقت قريب بالوسائل التقليدية للدعوة، فيما هو اليوم يتحوّل الى نجم القنوات الفضائية.

وفي تعليق له على بيان الشيخ العمر، كتب خالد الغنامي مقالاً في صحيفة (الوطن) في 6 مارس جاء فيه: إطلعت على البيان الذي أصدره الدكتور ناصر العمر حول معرض الكتاب الذي يقام الآن في مدينة الرياض والذي جاءت فيه صنوف التحذير التي اعتدناها من الدكتور ناصر والتخويف من الكتاب على غرار ما حدث في المعارض السابقة وموقفه الرافض لفكرة (معرض بلا رقابة)، وعلى غرار الإرعاب من (الدشوش) في منتصف التسعينات حتى تخيلنا أنه سيكون هناك إنزال مظلي لغزاة متوحشين من كوكب المريخ على طريقة ستيفن سبيلبيرغ فوق سطوح منازلنا. أوضح الدكتور أنه يرفض أن تقوم أي دار ببيع أي كتاب يتعارض مع قيمنا وسياسة الدولة. أما الدولة فهي أعرف بسياستها ولست ولا الدكتور ناصر من المخولين رسمياً بالنطق باسمها، وأما قيمنا، فلي أن أتساءل: قيم من؟ القيم السلفية فقط، أم قيم كل المذاهب الإسلامية الموجودة في المملكة؟ فقد جاء في تحذير الدكتور ناصر أن في المعرض كتبا شيعية وصوفية، والمجتمع السعودي ثوب يشكل صوفية الحجاز وشيعة الشرقية والمدينة والجنوب ألواناً في رقعته لا يمكن تجاهلها أو التظاهر أنها لا تعيش معنا، مع التحفظ على الكتب البذيئة التي يرد فيها السب والتجريح الشخصي لرموزنا الدينية. لا بد أن تتوسع الأذهان بحيث تدرك أن هذا الخوف من الكتاب غير مبرر، وإذا كان المسلم سيفقد إسلامه بمجرد أنه قرأ كتاباً بعد أن رفعنا يد الوصاية عن عقله فإنه لا يستحق نعمة الإسلام.

كل ما سبق ليس بجديد وقد اعتدناه واعتدنا معاركه، لكن الشيء الذي لم أكن أنتظره من الدكتور ناصر هو ربط فكرة (معرض بلا رقابة) بمشكلة الإرهاب، هذا الجرح الدامي من جسد الوطن ومحاولة لي الأيدي وراء الظهور بالقول إن المعرض يشكل (أقوى مسوغات الإرهاب) وإن القائمين على المعرض يدعمون الإرهاب ويفسدون جهود الدكتور ناصر الساعية إلى إقناع الشباب وحملهم على الحكمة ونهيه لهم ألا يقعوا في الأخطاء، ثم مطالبته بمحاكمة القائمين على المعرض. الدكتور ناصر رجل له احترامه ومكانته الإجتماعية التي لا تنكر وهذا يجعل الواجب عليه يتضاعف والغلطة منه تستكبر، فإن كان الدكتور ناصر يعرف أحداً من الإرهابيين فواجبه تجاه وطنه أن يبلغ الجهات الأمنية عنه، وإن كان يقصد أن معرض الكتاب سيحول الشاب المتدين العادي إلى إرهابي فأعتقد أن هذا الأسلوب يدخل في منطقة تأجيج مشاعر الشباب وتحريضهم ولا علاقة له بالتهدئة التي زعم الدكتور ناصر أنه يمارسها وتشغل باله، ولن أعجب بعد هذا البيان إن رأيت الشباب في المعرض وهم يكسرون الأرفف ويمزقون الكتب ويتعاركون مع رجال الأمن في المعرض.

الصفحة السابقة