كبارٌ قبل الأوان***

لا يشمل نظام العدالة الجنائية السعودي أي قانون عقوبات مٌقنن، وهو يمنح الادعاء والقضاة سلطات واسعة من حيث اتهام الأشخاص والحُكم عليهم في جرائم لا تتمتع بتعريفات جيدة أو محددة. وأسفر عن هذا نتائج تعسفية تخل بالمعايير الدولية لإجراءات التقاضي السليمة، ولها آثار مُضاعفة بسبب تطبيق المملكة العربية السعودية لعقوبة الإعدام وغيرها من أشكال العقاب الجسدي كعقوبات جنائية، بما في ذلك الجلد والبتر. وبالنسبة للأطفال الذين يخالفون القانون، فإن السعودية فيها محاكم أحداث ومراكز احتجاز للأحداث، لكن لا يوجد بها تشريع أو إطار عمل شامل يتصدى لكيفية معاملة هؤلاء الأطفال. وهذا يعني أن الأطفال يعانون في ظل نظام يفشل بالأساس في الحفاظ على حقوق كافة الأطفال في الحماية من الانتهاكات والمعاملة السيئة والحق في إجراءات التقاضي السليمة، مع التمييز ضد الفتيات والأطفال الأجانب. ويتعرض الأطفال على الأخص للضرر في ظل نظام عدالة جنائية لا يأخذ في اعتباره إلا القليل من احتياجاتهم الخاصة.

الإساءة إلى الأطفال المخالفين للقانون

قليلة للغاية هي الأنظمة أو اللوائح السعودية التي تعالج حقوق المعتدين جنائياً من الأطفال، أو كيفية التعامل في قضاياهم، تاركة مسؤولي إنفاذ القانون والقضاة ومحققي الادعاء يتمتعون بسلطات واسعة من حيث تحديد متى يتم اعتقال الأطفال ومدة احتجازهم، والعقوبات المفروضة ضد من خالف القانون منهم. ويفاقم من حرية تصرف القضاء إزاء الأطفال، غياب حد أدنى للسن في القانون، وتحت هذه السن يجب ألا يُحاكم الطفل باعتباره شخصاً بالغاً. وبالنتيجة، فإن القضاة عادة ما يعاملون الأشخاص تحت سن 18 عاماً وقت ارتكاب الجريمة المزعومة، على أنهم من البالغين. ويمكن أن يحكم القضاة بالإعدام أو البتر أو الجلد على أطفال ما زالوا تحت سن 18 عاماً وكذلك على من هم فوق 18 عاماً لكنهم ارتكبوا الجريمة وهم تحت سن 18 عاماً. وعادة ما يتم فرض هذه الأحكام إثر محاكمات لا يحظى فيها الأفراد بمشاورة الدفاع وبأقل القليل من القدرة على الدفاع أو التمكن من الدفاع عن أنفسهم. فضلاً عن أن السلطات تعامل الأطفال الأجانب الذين يقعون ضحايا للإتجار بالبشر باعتبارهم أذنبوا بارتكاب جرائم ويمكن أن يتعرضوا للاعتقال والاحتجاز والترحيل جراء التسول أو لعدم التمتع بالإقامة القانونية. والعديد من الأطفال الذين تم ترحيلهم في هذه الظروف هم عرضة لخطر العودة لأماكن يواجهون فيها ضرر لا يمكن إصلاحه. ومانعت الحكومة في الاعتراف بهذه الثغرات الهائلة في حماية الأطفال، وكذلك في التصدي لها؛ تاركة الأطفال عرضة للضرر في نظام لا يتمتع بما يكفي من آليات مناسبة ومستقلة لحماية الأطفال.

وتدرك هيومن رايتس ووتش بأن ثمة 12 قضية على الأقل حُكم فيها على أشخاص بالإعدام جراء ارتكاب جرائم وهم تحت سن 18 عاماً، ومنها 3 حالات تم إعدامهم عام 2007. ومن المرجح أن العدد الحقيقي لمثل هذه الأحكام أكبر. فبينما السلطات السعودية لا تنشر إحصائيات رسمية عن أحكام الإعدام بحق المجرمين من الأحداث، فإن إحصاءات وزارة الشؤون الاجتماعية الأحدث المتوافرة علناً (لعام 2003) جاء فيها احتجاز 126 شخصاً (تحت سن 18 عاماً) جراء ارتكاب جرائم قتل، وهي جريمة كبرى. ولا يبدو أن الرقم المذكور يشمل الفتيات السعوديات أو الأجنبيات المتهمات بارتكاب القتل، ولا يشمل الأشخاص فوق سن 18 عاماً الذين تم الحُكم عليهم بالإعدام جرّاء جرائم اقترفوها وهم تحت سن 18 عاماً.

ولا توجد أنظمة أو لوائح تطالب القضاة بتقييم حالة الطفل العقلية أو العاطفية أو نضوجه الفكري لدى تحديد ما إذا كان الطفل سيُحاكم باعتباره من البالغين. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش حالات لأطفال حتى سن 13 عاماً وقت ارتكاب الجريمة، كانت المحاكم قد حكمت عليهم بالإعدام نتيجة لتحديد القضاة ـ بناء على النمو الجسدي للطفل فقط ـ أن الطفل بالغ.

ويمكن أن يتعرض الأطفال تحت سن 12 عاماً أيضاً للاعتقال والملاحقة القضائية نتيجة أن الإعلان عن معايير جديدة في عام 2006 ترفع من سن المسؤولية الجنائية من 7 إلى 12 عاماً؛ لم يتم الإعلان عنه كما ينبغي كما لم يتم تطبيقه وإنفاذه. والأنظمة الحاكمة للفتيات المخالفات للقانون لا تحدد سناً دنيا للمسؤولية الجنائية.

وتقوم الشرطة وعناصر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بشكل منهجي، بتوقيف الأطفال في الشوارع واحتجازهم في بعض الأحيان جراء ارتكاب مخالفات صغيرة مثل تبادل أرقام الهواتف مع أشخاص من الجنس الآخر. والفتيات عرضة بشكل خاص للاحتجاز التعسفي والملاحقة القضائية بسبب (الجرائم الأخلاقية) فضفاضة التعريف مثل (الاختلاط) و(الخلوة)، وقد تشمل أن يتم العثور على الفتاة وحدها مع رجل أو فتى ليس من أفراد العائلة. ومنذ عام 2006 أصبح لزاماً على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون عناصرها بصحبة ضابط شرطة لدى إجراء اعتقالات، وحتى يوليو/ تموز 2007 ليس من المفترض أن يحتجزوا الأشخاص في مراكزهم بالمرة، بل أن يسلموهم إلى الشرطة. وليس من الواضح على الإطلاق إن كان هذا يقع فعلياً من حيث الممارسة. وعلى أية حال، فإن الادعاء يمكنه الأمر باحتجاز الأطفال على ذمة التحقيق لمدة قد تصل إلى ستة أشهر دون مراجعة قضائية. وأثناء هذه الفترة نادراً ما يقابل الأطفال المحامين أو يتلقون أي من أشكال المساعدة المطلوبة. وبعيداً عن نظام العدالة الجنائية، فإن وزارة الشؤون الاجتماعية يمكنها احتجاز الفتيان والفتيات لأجل غير مسمى حتى لو لم يكن الطفل متهماً ولا مُداناً في جريمة ما. ولا يحتاج العاملون بوزارة الشؤون الاجتماعية إلا لتقرير إن كان الطفل بحاجة لمزيد من (الإرشاد) أو إذا كان ولي أمره لم يقم بالمطالبة بالطفل. وهذا النوع من الاحتجاز يخضع للمراجعة القضائية بالنسبة للفتيان، ولكن ليست للفتيات.

ويسمح القانون السعودي للمسؤولين في سجون وزارة الداخلية ومراكز احتجاز وزارة الشؤون الاجتماعية باستخدام العقاب الجسدي ضد الأطفال، وعقابهم بعقوبات مثل الحبس الانفرادي والحرمان من الزيارات العائلية. كما يأمر القضاة بشكل منهجي بالعقوبات الجسدية باعتبارها من العقوبات القضائية. وتواجه الفتيات أيضاً التعرض للاختبارات الطبية الإجبارية، وإذا كشفت هذه الاختبارات عن وجود أمراض تنتقل جنسياً لدى الفتاة؛ فإن مسؤولي وزارة الشؤون الاجتماعية يصبح لديهم سلطة وضع الفتيات والنساء الصغيرات تحت سن 30 عاماً في عزلٍ، وهذا ليس بموجب أمر طبي يستلزم هذا، ويتسبب إجراء العزل هذا في وصم الفتيات والنساء بالعار.

ولا تقوم السلطات بالتقسيم والفصل المطلوبين للمحتجزين من الأطفال، وتخلط بشكل متكرر بين الأطفال المُدانين والأطفال الخاضعين للتحقيق، وفي بعض الحالات تخلط الأطفال بالبالغين. وفي مركز لاحتجاز الفتيان تفقدته هيومن رايتس ووتش، لم يكن هناك غير مسؤول واحد عن جناح للمحتجزين في سن 17 إلى 18 عاماً وهو يضم 90 سريراً... وهو موقف يزيد من خطر تعرض الأطفال للإساءة من قبل المحتجزين الآخرين. وفي مركز لاحتجاز الفتيات، وجدنا أجنحة أصغر، لكن عددها كان أقل من المطلوب للفصل بين الأطفال تبعاً للفئة العمرية ولفصلهم بعيداً عن البالغين، وكذلك لفصل المحتجزين المدانين عن المحتجزين على ذمة قضايا، وفصل المحتجزين المتهمين بجرائم خطيرة عن المتهمين بجرائم صغيرة.

والأطفال سواء أثناء الاستجواب في مركز الاحتجاز أو لدى المثول في المحكمة، لا يقابلون الدفاع وغيرها من سبل المساعدة إلا قليلاً، حتى في حالة وجود اتهامات خطيرة. وفيما يسمح القانون السعودي للمشتبهين الجنائيين بالحق في طلب مساعدة محامي أو وكيل، فهو لا يطالب المحققين بإيقاف استجواب الأطفال حتى يصل ولي الأمر أو المحامي، ولا يوفر محامين مجانيين لمن لا يقدرون على تحمل الأتعاب. وطبقاً للقانون فإن العاملين بوزارة الشؤون الاجتماعية يجب أن يحضروا الاستجوابات التي تجري في مراكز احتجاز الأطفال، لكن حين راقبت هيومن رايتس ووتش استجواب أحد الأطفال وبعض الأطفال الآخرين ينتظرون استجوابهم في دار الملاحظة الاجتماعية بالرياض، كان العاملون يجلسون في حجرة منفصلة بعيدة عن مرمى السمع ولا يمكن بتواجدهم فيها أن يقدموا المساعدة، ولم يكن أي من أولي أمر الأطفال موجودين.

وفي عام 2006 عرضت الحكومة تحديث الأنظمة القائمة بحيث تزيد من عدد هيئات إنفاذ القانون المخولة استجواب الأطفال في مقارها بدلاً من مراكز احتجاز الأحداث، وللسماح لهذه الهيئات باتخاذ خطوات غير محددة نحو (حل) القضايا. والأطفال الخاضعين للاستجواب في مراكز الشرطة وغيرها من هيئات إنفاذ القانون يتمتعون بقدر أقل من الحماية ضد الإكراه، أقل من نظرائهم الذين يخضعون للاستجواب في مراكز احتجاز الأحداث وإذا تم التوصل إلى 'حلب، فهو لا يخضع للمراجعة القضائية.

تجريم الأطفال الأجانب المحتاجين للحماية

قام المسؤولون السعوديون بتقدير تورط 24000 طفل مُهربين من 18 دولة، في عمليات البيع والتسول في شوارع المملكة العربية السعودية. وبدلاً من معاملة هؤلاء الأطفال كضحايا وإمدادهم بالخدمات من قبيل المآوى الطوعية والرعاية الصحية، فإن السلطات تقوم باعتقالهم جراء التسول والإقامة غير القانونية، وترحلهم إلى بلدانهم الأصلية. والكثير من الأطفال من بلدان أخرى يتعرضون فيها لخطر الإتجار والتجنيد في نزاعات مسلحة وهم بعد تحت السن القانونية، ولهذا فيجب ألا يتم ترحيلهم دون تقييم دقيق لتحديد إن كان الترحيل في صالحهم وإن كانت ثمة إجراءات كافية لحمايتهم. وطبقاً للعاملين بمركز إيواء الأطفال المتسولين في جدة والتابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، فإن العاملين يقدرون احتياجات الأطفال أثناء خمسة أيام من وصولهم، والغالبية العظمى منهم يخضعون للترحيل، حتى في حالة وجود دليل قائم على أنهم عرضة لخطر التهريب إلى خارج بلدهم الأصلي من جديد. وقد تحتجز السلطات الأطفال الأكبر سناً ممن لا تربطهم صلات بأشخاص بالغين في مراكز لترحيل البالغين وفي ظروف مؤسفة، مما يعرضهم لخطر التعرض للعنف، ويشمل الاعتداءات الجنسية. وفي مارس/آذار 2007 وسّع مرسوم صادر عن مجلس الوزراء من سلطات وزارة الشؤون الاجتماعية في اعتقال المتسولين، مما يهدد بزيادة الاعتقالات والترحيلات للأطفال المهربين بغرض التسول، وتجاوز سعة مراكز الأطفال المتسولين القائمة وزيادة احتمال احتجاز السلطات للأطفال في ظروف غير آمنة، ثم ترحيلهم إلى بلدان يتعرضون فيها لخطر الإساءة.

إن على السلطات السعودية أن تصدر وتطبق وتعلن عن قواعد واضحة تخص حماية حقوق الأطفال في كافة مراحل الاعتقال والاستجواب والمحاكمة والاحتجاز. وأول هذه القائمة يجب أن يشمل قوانين تمنع الإعدام وكافة العقوبات الجسدية بحق الأطفال أقل من 18 عاماً وقت ارتكاب الجرائم المزعومة. وعلى السلطات أيضاً أن تمنح الأولوية لوضع حد للقوانين والممارسات التمييزية التي تجعل الفتيات عرضة للاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والقوانين والممارسات التي تُعرِّض الأطفال الأجانب لخطر الاعتقال والاحتجاز والترحيل إلى أماكن وأوضاع يتعرضون فيها للإساءات والانتهاكات.

التوصيات الأساسية

الأطفال المحتجزون: يجب ضمان أن الأطفال لا يتعرضون للاحتجاز إلا كإجراء نهائي لا مفر منه، ولأقصر فترة زمنية ممكنة. كما يجب ضمان أن كل الأطفال المحتجزين تتم حمايتهم من كافة أشكال الاستغلال والإساءة والإهمال. أيضاً يجب وضع حد للعقوبات الجسدية، والحبس الانفرادي، والحرمان من الزيارات العائلية، وغيرها من ضروب المعاملة السيئة للأطفال المجردين من حريتهم. علاوة على ذلك، يجب ضمان أن الأطفال المجردين من حريتهم يمكنهم مقابلة الدفاع على النحو الكافي وكذلك غيرها من أشكال المساعدة المناسبة. وكذلك يجب ضمان أنه لا تتم إعادة أي من الأطفال الأجانب إلى أوضاع يواجهون فيها خطر الضرر الذي لا يمكن إصلاحه.

الأطفال والقانون الجنائي: يجب ضمان أن لا أحد يُحكم عليه بالإعدام أو يُنفذ فيه حكم الإعدام جراء ما اقترف من جرائم وهو أقل من سن 18 عاماً. كما يجب التخفيف من عقوبات الإعدام الصادرة ضد الأشخاص تحت سن 18 عاماً وقت ارتكاب الجريمة، إلى أحكام تتفق مع المعايير الدولية لقضاء الأحداث. ويجب إخطار كل الأشخاص المعنيين، ومنهم الأجانب وسفاراتهم، كتابةً، بالأحكام الجديدة. كما يجب ضمان أن كل الأشخاص تحت 18 عاماً وقت ارتكاب الجرائم المزعومة، سوف يستفيدون من الحقوق والمعايير الدولية الخاصة بالأطفال المخالفين للقانون، وهذا بما يتفق مع وفاء السعودية بالتزاماتها التعاقدية.


*** من تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، صدر في مارس 2008، وحمل عنوان: (كبار قبل الأوان/ الأطفال في نظام العدالة الجنائية السعودي

الصفحة السابقة