مؤتمر مدريد والتسامح السعودي المزعوم

خالد شبكشـي

بمن ستحاورون، ومن تحاورون، ولماذا؟

أمرٌ مضحك أن تدعو السعودية لحوار الأديان، ولكن ليس على أراضيها، وليس في عاصمتها، وإنما في مدريد!

يا له من تسامح ديني وهابي عجيب!

آل سعود يريدون أن يقنعوا العالم المسيحي بالذات بتسامحهم، وأنهم ليسوا القاعدة، وأن فكرهم لم يفرخها ويفرخ أمثالها!

ولكن كيف تقنعهم، إن كان رجال الدين الرسميين لا يقبلون ولا يريدون أن يجري حوار الأديان في الأراضي السعودية، فضلاً عن أن يقبلوا بالمشاركة فيه؟!

إن مجرد عقد اللقاء في مدريد يثبت بطلان دعاوى التسامح الوهابي السعودي.

كيف يتسامح الوهابيون مع الأديان الأخرى، في حين أنهم لا يتسامحون مع المسلمين المختلفين معهم في الرأي، فعليهم أولاً أن يتصالحوا ويتسامحوا مع غالبية المسلمين حتى يثبتوا مزاعمهم في التسامح الداخلي بين الطوائف والمذاهب الإسلامية. ولكنهم بمؤسستهم الدينية يرفضون لقاء الأغلبية المسلمة، باعتبارها مشركة كافرة، فما بالك بأتباع الديانات الأخرى.

مشكلة آل سعود هي أنهم يريدون أن يقنعوا حلفاءهم الصهاينة والأميركان بأنهم قوة اعتدال، وأنهم لا يدعمون التطرف، وأن مؤسستهم الوهابية التي لا يريدون التخلي عنها هي قوة اعتدال وتسامح.

لكن الآلة المذهبية الوهابية غير مطواعة لتمثيل دور المتسامح لا فكراً ولا فعلاً وممارسة. وبالتالي كان لا بدّ من تمييز فعل الحكومة، أو على الأقل إبعاد نشاطها الدعائي للوهابية ولنفسها الى بلد آخر مثل اسبانيا.

ليست القاعدة فحسب هي من يرفض حوار الأديان والمذاهب، حتى وإن كان المتمذهبون مواطنين سعوديين. بل هي المؤسسة الدينية الرسمية، التي وضعت قبالة القاعدة ومعارضة لها، أيضاً.. لا فرق بين التيارات السلفية عنفيها أو سلميها، متطرفها أو الأكثر تطرفاً فيها (حيث لا يوجد معتدلون وهابيون). الجميع يستقي من المعين الفكري المشترك.

لهذا لن تشارك المؤسسة الرسمية (مزعومة الإعتدال) بمن فيهم المفتي في اجتماع مدريد المقرر بين 16-18 هذا الشهر. ومن سيشارك هم من المسيّسين من الدرجة الثالثة أو الرابعة في سلم الوظيفة الدينية، ممن اقتربوا أكثر من اللازم من الموضوع السياسي، ولم يعد أمامهم ما يخسرونه. وحتى الآن لم يعرف من سيشارك، ولكن أنى كانوا فستكون مشاركتهم هزيلة من حيث الرتبة والأداء.

يتأسف أحد الكتاب السعوديين (سلطان القحطاني) لأن المؤسسة الدينية الوهابية الرسمية اقلّ مطواعية لآل سعود من مطواعية الأزهر للنظام المصري، يقول: (إنه لو خلعت المؤسسة الدينية السعودية عنها رداء التردد لأمكنها أن تلعب أدواراً تحتاجها المملكة على الصعيد الدولي على غرار ما يفعله الأزهر المصري الذي تجاوز نظيره السعودي بسنوات، رغم مؤهلات الأولى الأكثر، ما جعله أمام الغرب ممثل المؤسسة السنية الأكبر رغم أنه لا يملك كعبة الإسلام ولا قبر نبيّه)!

فكعبة الإسلام وقبر النبي ملكاً للوهابية وآل سعود، وأداة للمنافسة مع الأزهر في تمثيل السنّة!

ولكن لماذا يريد السعوديون حوار الأديان، وهم الطارئون على كل حوار.. لماذا يدعون لحوار الآن، وليس قبل سنة أو خمس سنوات أو حتى عشر سنوات أو حتى عشرين أو ثلاثين سنة؟! باختصار لأنهم بحاجة الى تلميع وجوههم الكالحة عند أسيادهم الغربيين!

قد يقولون بأن شرائط الحوار توفرت اليوم أكثر!

حسناً.. إن كان هذا صحيحاً فلم يعقد في مدريد وليس في الرياض؟ ولم لا يحضر المفتي في وقت توجه فيه الدعوة لبابا الفاتيكان؟ بل لم لا يحضر أقل من المفتي من أعضاء هيئة كبار العلماء، بدلاً من وزير الشؤون الإسلامية. يقول الكاتب السعودي آنف الذكر: (ولا تزال المؤسسة الدينية الرسمية مترددة حيال هذا المؤتمر بين فريقين مؤيد لتمثيل رفيع يتمثل في شخصية المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وأعضاء من هيئة كبار العلماء، وبين مقترح آخر يطلب مشاركة أكثر حذراً وأقل تمثيلاًُ. إلا أن الثابت أن وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح آل الشيخ وعددا من شيوخ ما كان يسمى بتيار الصحوة قبلوا الدعوة لتمثيل بلادهم في هذا المؤتمر). لكن الكاتب لم يكشف لنا سراً عن سبب تردد مشايخ الوهابية الكبار، ولماذا وهم المطواعين للحكم، يرفضون هذه المرة الخوض في موضوع الحوار. ببساطة، فإنه وحسب المعتقد الوهابي، يعتبر الحوار خطاً أحمر، لا يجوز التنازل فيه. هو أساس عقدي قائم على تكفير الآخر وإذلاله، لا الحوار معه والتفاهم والإحترام. زد على ذلك فإن المفتي ورجال المؤسسة الدينية الكبار يحرمون السفر لخارج المملكة وهي كلها بلاد كفر، سواء كانت عربية أو إسلامية أو أجنبية!

هناك أخبار وردت من مجلس الشورى تقول بأن مقترحاً سعودياً سيجري تقديمه للهيئة المشرفة على جائزة نوبل، بغية ترشيح الملك عبدالله لها، لمساهمته في الحوار بين الأديان، وهذا أحد أهداف المؤتمر الذي سيحضر جلسته الإفتتاحية الملك عبدالله والملك الأسباني خوان كارلوس. وقالت مصادر سعودية بأن وفداً سعودياً ضخماً يضم شخصيات سياسية ودينية وثقافية وإعلامية يقدر عددها بالمئات سترافق الملك الى مدريد يوم 15 من هذا الشهر. وقالت المصادر نفسها أن عبدالله سيغادر الى المغرب لقضاء اجازته، ومنها سيتجه الى أسبانيا، وبعد الإفتتاح للمؤتمر سيعود الى المغرب ليكمل إجازته في قصره بكازبلانكا (الدار البيضاء).

أما المدعوون لحضور المؤتمر، والذين لم يتأكد حضورهم شخصياً، وقد يحضر مندوبون عنهم: أسقف كانتربيري: روان ويليامز، والأسقف الجنوب أفريقي: ديزموند توتو، وبابا الأقباط شنودة الثالث. وقيل أن البابا وجهت له دعوة لحضور المؤتمر الدعائي السعودي، كما أن السعودية وفي خطوة لافتة في أبعادها السياسية دعت حاخامات يهود من داخل فلسطين المحتلة، ممن يؤيدون الصهيونية، وليس الحاخامات الرافضين لأصل إقامة دولة يهودية، كما هي العادة التي يطبقها الإيرانيون في مشاريع حوارهم. وقد صرح الحاخام ديفيد روسن، رئيس اللجنة اليهودية الدولية الذي يعيش في اسرائيل، صرح لقناة سي إن إن بأنه تلقى دعوة من السعودية لحضور المؤتمر؛ وقيل أنه تمت دعوة حاخامات آخرين يمثلون اليهود الأرثوذكس وغيرهم. وأشير الى أن عدد المدعوين يصل الى مائتي شخصية دينية، ولا يعلم من سيحضر من العالم الإسلامي وهل سيكون اللقاء في معظمه محصوراً بشخصيات سعودية دينية وسياسية وثقافية؟

بقي أن نشير الى أن مؤتمر مدريد سيكون مقدمة لمبادرة سعودية من نوع ما، أي أنها تمهيد لشيء كبير، تنازل كبير من قبل السعودية في المجال السياسي، وعلى حساب القضية الفلسطينية. لا أحد يعلم حتى الآن. ولكن الملك قال بأن مؤتمر مدريد هو مقدمة لمبادرة أكبر من المؤتمر بكثير.

فبماذا سيفاجئنا آل سعود هذه المرة، وما هو موقف الوهابية؟!

الصفحة السابقة