المجتمع المدني في السعودية.. تحديّات وتطلّعات

عمر المالكي

التحديات التي تواجه منظمات المجتمع المدني في السعودية بالغة التعقيد، بالرغم من الإصرار المتعاظم لدى ناشطي هذه المنظمات على النضال من أجل حشد الزخم الممكن من أجل تطوير وسائل المجتمع المدني كيما تصبح لاعباً مؤثراً في حاضر ومستقبل البلاد. ولكن السؤال هنا ماهي التحديات التي تواجه دعاة المجتمع المدني، وماهي أيضاً تطلعاتهم؟ تخبرنا الحكمة البالغة التي ولدت من رحم المعاناة الإنسانية على امتداد عدّة قرون بأن الضمانة الوحيدة المتوفّرة من أجل نحاح أية تجربة ديمقراطية في أي بلد تتوقف على حجم وفعالية منظمات المجتمع المدني. فالأخيرة تمكّن المجتمع من إعادة تنظيم نفسه في مؤسسات حديثة تتجاوز الإنتماءات التقليدية.

من المؤسف القول، أن هذا التحوّل لم يتم حتى الآن في السعودية بالصورة التي يمكن من خلالها رؤية مجتمع حديث يناضل من أجل مطالب معاصرة، ويتأسس على اعتبارات تتجاوز خطوط الانتماءات الفرعية والخاصة. ويلزم القول في هذا السياق، أن النظرة النمطية في الغرب كانت تقوم على اعتبار أن المجتمع السعودي غير مؤهل حتى الآن للإصلاح. لقد نجحت العائلة المالكة في إنتاج وتعزيز هذه النظرة بهدف قمع المطلب المتزايد للإصلاح داخل السعودية.

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا: لماذا خاضت بلدان مجاورة مثل اليمن، والكويت، والبحرين، وقطر تحولات سياسية هامة، فيما السعودية لم تخضع لهذا القانون؟.

هيئة خاضعة للحكومة

في سنة 2003، تأسس عدد من الجمعيات، من بينها (الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان)، تألفت من 42 عضواً، من بينهم 9 نساء. وبحسب البيان التأسيسي للجمعية فإن الأخيرة تهدف الى حماية حقوق الإنسان بما يتطابق مع النظام الأسياسي المستمد من الكتاب والسنة، وكذلك قوانين ومعاهدات حقوق الإنسان، والتي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية وبالتعاون مع المنظمات الدولية.

على أية حال، فإن التحفّظ المبدئي والأساسي الذي يمكن تسجيله هنا يتعلق بالعلاقة بين الجمعية والحكومة، الأمر الذي يثير شكوكاً جديّة ومشروعة حول استقلالها. وهو ما نبّه الحكومة التي أقدمت على إزالة مصطلح (مدنية) واستبدلتها بمصطلح (وطنية)، بما تنطوي على معان مختطلة ومواربة في الثثقافة السياسية الرسمية.

يقال الشيء ذاته عن منظمات أخرى مثل (لجنة العمل والعمال)، و(هيئة الصحافيين السعوديين)، وهما خاضعتان بصورة شبه كاملة للحكومة من خلال وزارة العمل ووزارة الإعلام على التوالي. والأخطر من ذلك، أن وزارة الداخلية تعيّن أعضاء هاتين الجمعيتين، وترسم سياساتهما، وتراقب نشاطاتهما.

يتوقف التأهل لنيل العضوية في هذه الجمعيات على الولاء للعائلة المالكة وخلو ملف العضو من تجارب سياسية سابقة. لهذا السبب، واجهت الطلبات التي تقدّم بها إصلاحيون سنة 2003 للحصول على رخص لتأسيس منظمات مجتمع مدني قراراً بالرفض القاطع. بل إن مقدّمي الطلبات تعرّضوا إما للإعتقال أو التحقيق أو المنع من السفر، ووجّهت إليهم إتهامات بتهديد الوحدة الوطنية والخضوع تحت تأثير قوى أجنبية. على الرغم من ذلك، يبدو أن ثمة إجماعاً صلباً على أهمية منظمات المجتمع المدنى.

عند هذا المفترق، من المفيد تسليط الضوء على العوامل التي تشرح طبيعة التحديات التي تواجه منظمات المجتمع المدني في السعودية. وتلتقي هذه العوامل عند نقطة بالغة الحطورة تتمثل في التماهي بين المجالين العام والخاص في البلاد. فسيطرة الدولة تستوعب كل جوانب الحياة تقريباً، والتي تجعل من المستحيل بالنسبة لمنظمة أهلية مستقلة أن ترى النور.

يضاف الى ما سبق، أن اختراق الدولة للمضمار الحيوي للمجتمع يعكس النزعة المتزايدة لدى الحكام السعوديين من أجل فبركة آليات لإجهاض المبادرات الوطنية الحقيقية التي تبناها الإصلاحيون والهادفة الى تطوير أداء كل من المجتمع والدولة.

إن النتيجة المباشرة لوضع كهذا يمكن شرحها على هذا النحو: أن المسعى الهادف لتشكيل منظمات مجتمع مدني سيتم تفسيره على أنه تعدٍ موجّه ضد الدولة، وأن أولئك المتورّطين في نشاطات كهذه، سيتتم تصنيفهم على أنهم معارضون وخصوم وقد يخضعوا للتحقيق او الاعتقال، وهو ما تم عملياً في مناسبات عدّة خلال الأربع سنوات الماضية.

وفي مارس 2003، قدّم عدد من ناشطي حقوق الإنسان عريضة الى الأمير (الملك حالياً) عبد الله، يذكّروه فيها بطلب سابق تقدّموا به الى وزير العمل والشؤون الإجتماعية في فبراير 2002 لإصدار ترخيص يسمح بتأسيس (اللجنة الأهلية السعودية لحقوق الإنسان) ولكن الوزراة تجاهلت الطلب، في الوقت الذي أصدرت تراخيص لعدد من الطلبات التي جاءت متأخرة على الطلب سالف الذكر. الجدير بالذكر، أن هذه العريضة التذكيرية لم يتم الكشف عنها سوى بعد عامين من رفعها الى الملك عبد الله، وتحديداً بعد اعتقال الإصلاحيين في مارس 2004.

وفي بلد يتم فيه حظر الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني المستقلة، فإن الجماعات تلجأ الى الإنترنت كبديل للتعبيرات الجماعية عن المظالم، والمصالح، والأهداف ضمن نطاق المجتمع المدني. في واقع الأمر، أن ثمة عدداً كبيراً من المواقع السعودية الأهلية على شبكة الإنترنت تخفي وراءها نزوعات وتطلعات جماعية وتمارس دوراً مشابهاً لعمل المجتمع المدني في محاولة للهروب من ضغوطات الحظر المفروض على دعاة المجتمع المدني.

أدركت السلطات السعودية هذه الحقيقة في مرحلة مبكّرة وأقدمت على فرض قيود صارمة وغالباً قمعية ضد من يقف وراء تلك المواقع الإلكترونية، التي تدار الى حد كبير من قبل عدد كبير نسبياً من الأفراد وتسلّط الضوء على جوانب محددة من القضايا الجارية. مواقع ذات شهرة عالية مثل (طوى)، و(دار الندوة)، و(طومار)، و(منتدياتنا)، و(منبر الحوار)، و(راصد) و(هجر) وغيرها الكثير تعرض إما للإغلاق التام من قبل السلطات السعودية أو الحجب الكلي من قبل هيئة الرقابة على المواقع الالكترونية التابع لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم التقنية في جدة. وفي بعض الحالات يتم اعتقال المشرفين على المواقع، أو مصادرة محتوياتها، أو المقايضة عليها في مقابل تجنيب المشرفين العقوبة.

هيئة أخرى تخضع للحكومة مباشرة

وبصورة عامة، في الفترة ما بين 1998 ـ 2001، تم حجب ما يقرب من 200 ألف موقع على شبكة الإنترنت، أي بمعدل 250 موقع يومياً. وقد تضاعف عدد المواقع الحجوبة سنة 2006. التقارير الرسمية تزعم بأن 95 بالمئة من هذه المواقع تعرض مواد إباحية، فيما تحتوي بقية المواقع المحجوبة على مواد سياسية وإجتماعية تخالف قوانين البلاد الدينية والوطنية. وهذا يدلل على أن 20 ألف موقعاً لا صلة لها من قريب أو بعيد بموضوع الجنس. على أية حال، فإن مدير مدينة الملك عبد العزيز للعلوم التقنية يصوّر الرقابة على أنها (عمل حسن)، لأن ذلك حسب قوله (يضع قيوداً على الانترنت كيما لا يساء إستعماله).

ومن أجل الوصول الى فهم دقيق لتحديات المجتمع المدني في السعودية، نحن بحاجة الى تسليط الضوء على معوّقات تقدّمه:

1 ـ العائلة المالكة:

ونقصد بصورة محدّدة الجيل القديم في العائلة المالكة، لا على سبيل تبرئة من يلي هذا الجيل من إثم تعويق المنظمات الأهلية المستقلة، وإنما لكون الجيل القديم يؤسس سلوكه على رؤية تقليدية تشرعن الممارسات القمعية ضد المنظمات الأهلية. إضافة الى ذلك، فأعضاء الجيل القديم يمسك بالمواقع الحيوية في الجهاز البيروقراطي للدولة وفي الوقت نفسه يرفض التغيير الذي يفضي الى تآكل قبضته المحكمة على السلطة. ولذلك، فهو غير قادر على الإستجابة بصورة فورية ومؤثّرة لمنطق العصر والمسائل الملّحة الاجتماعية ـ السياسية، وكذلك في التنمية الشاملة الاجتماعية والإقتصادية والسياسية.

وفيما تتمسّك العائلة المالكة بالتقاليد القديمة التي تعود الى شروط وأوضاع ما قبل الدولة، ومن بينها ما تطلق عليه (المجالس المفتوحة)، فإن هذا الأسلوب يؤسس لترسيخ فكرة إعتماد الناس على العائلة المالكة كمصدر حماية ورعاية وإنقاذ. ولهذا السبب يمكن أن ندرك خلفية حظر منظمات المجتمع المدني، كونها تطيح قيماً تقليدية طالما أراد الأمراء فرضها عنوة لتأكيد مفاهيم الهيمنة والخضوع والإستتباع.

معارضة الأمراء بصورة عامة لنشاطات الجميعات الأهلية المستقلة تنبع بدرجة أساسية من خوف متخيّل، حيث تصوّرها العائلة المالكة بوصفها وسائط تخصيب عالية الكفاءة لنشاطات سياسية إعتراضية قد تهدد النظام.

ومن المفيد التذكير مجدداً بأن الإصلاحيين الوطنيين من خلفيات أيديولوجية متنوّعة الذين ناضلوا لتأسيس منظمة حقوقية قد جرى اعتقالهم بناء على أوامر صادرة من الأمير نايف بند عبد العزيز، وأجبروا على التعهّد بوقف كل الأنشطة السياسية. ونتيجة ذلك، تم منعهم من السفر، وسحبت جوازات سفرهم جميعاً، فيما حرم بعضهم من وظيفته. وكانت التهمّة الموجّهة إليهم: تهديد الوحدة الوطنية، والتعاون مع قوى أجنبية.

في كلمته أمام مدراء هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في 20 سبتمبر 2006، زعم الأمير نايف بأن هناك أشخاصاً (لديهم إرتباطات مع جهات خارجية)، وعلّق بعدها بالقول (سنقطع ألسنتهم). ودعى من أسماهم بـ (المتغربين)، قائلاً (كل من يرى في الغرب خيراً كثيراً، فعليه أن يعيش معهم ويتّبع طرقهم).

وفي رده على مطالب المرأة في السعودية، دافع الأمير نايف عن وضع المرأة في بلاده مدّعياً بأن المتغرّبين (يريدون أن يدفعوا بها الى المراقص والملاهي).

جدير بالذكر أن المرأة السعودية لا يمكنها السفر بدون محرم، وتمنع من قيادة السيارة، فضلاً عن تولي مناصب وزارية أو مواقع علياً في الجهاز الحكومي. ولا يسمح للنساء من المشاركة في النشاطات العامة، أو إدارة منظمات أهلية. وشهدت السنوات الثلاث الأخيرة حالات إضطهاد لنساء على أساس تهمة مخالفة القوانين والتعليمات الخاصة بالدولة فيما يرتبط بقيادة السيارة أو تأسيس منظمات مهتمة بالحقوق السياسية والإجتماعية للمرأة. وجيهة الحويدر، من بين ناشطات حقوقيات أخريات، خضعت للإعتقال والتحقيق لمطالبتها بحق المرأة بقيادة السيارة.

إن زيادة عدد أعضاء مجلس الشورى من 60 عضواً سنة 1992 الى 150 عضواً في 2004 لم يؤد الى استيعاب المرأة داخل المجلس. المثير للسخرية، أن عضواً في المجلس صرّح بأن المرأة السعودية ستكون قادرة على المساهمة في المجلس، كونها حاضرة للاستماع للمناقشات الجارية داخل المجلس. فما يبديه تصريح عضو مجلس شورى يفترض فيه تبنيّه لفكرة إدماج المرأة، أن الأخيرة ليست مخوّلة بأن تكون عضواً في المجلس وإنما مجرد مستمعة، تماماً كما هو حال المراة في وزارة الخارجية السعودية التي يمثّل وجودها جزءً من الديكور السياسي المملكة السعودية في الخارج.

2 ـ المؤسسة الدينية الرسمية:

إن الدور الفارط والنزوع المتعاظم نحو احتكار مجال التوجيه الروحي والتربوي لرجال الدين في المؤسسة الدينية الرسمية يجعل أصل نشأة منظمات أهلية فضلاً عن نشاطها خاضعاً لمسألة عويصة ترتبط بالمشروعية الدينية بحسب تفسير أقطاب المؤسسة، الذين يقفون من الناحية الأيديولوجية على النقيض من التغيير مهما كان شكله. وهذا يمثل بحد ذاته تحديّاً حقيقياً للمجتمع المدني في السعودية.

واحد من 200 ألف موقع محجوب

من وجهة نظر النخبة الدينية الرسمية، فإن المنظمات المدنية ستفضي الى تخفيض سلطتها السيادية وحصتها في كل من المجتمع والدولة معاً. ثانياً، أن هذه المنظمات ستؤدي بصورة غير قابلة للشك تغيير طبيعة الدولة، الأمر الذي يعني في حاصل العملية النهائي أن السيادة الدينية في فضاء الدولة ستنكمش بصورة دراماتيكية، وثالثاً: أن هذه المنظمات ستؤدي إلى إزالة التوجيه التسلطي الواحدي للمؤسسة والذي كان على الدوام تحت سيطرة المؤسسة الدينية بما يؤدي الى دخول مصادر توجيه جديدة، وذلك يؤسس للتنوع والتعددية وبالتالي سيخلق مناخاً جديداً يكون فيه التعايش، وحق الإختلاف، وحرية الرأي، قوانين جديدة. وهذا ما يفسر معارضة المؤسسة الدينية للإصلاح، بوصفها الخاسر الرئيسي.

وعلى الضد من الطلب المتزايد لدور فعّال للمرأة في الشؤون العامة، فإن وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح آل الشيخ يحصر دور المرأة في واجبات محددة. وبالرغم من زعمه بأنه من دعاة الحقوق المتساوية لكل البشر، إلا أنه يرسم خطاً فاصلاً بين الحقوق والواجبات لكل من الرجل والمرأة. ويقول بأن (للمرأة حقوقاً، ولكنها تقوم على رؤيتنا لواجباتها في الحياة). وبالرغم من الغموض المحيط بعبارات من هذا القبيل، وهي جزء من قانون التعميم المتبع في تصريحات الأمراء ومسؤولي الدولة، إلا أنه يكشف بوضوح أن ليس هناك حقوق مفتوحة للمرأة، بل إن الواجبات مقدّمة وحاكمة على الحقوق.

3 ـ إنعدام ثقافة المجتمع المدني:

حتى بداية الألفية الثالثة، كانت غالبية السكان في السعودية تملك قدراً متواضعاً من المعلومات والمتابعات الجديّة لنشاطات المنظمات الأهلية في العالم . ونحن هنا لا نتحدث عن عمل الجمعيات الأهلية التي تمارس أعمالاً خيرية محددة مرتبطة بالمرضى أو ذوي الاحتياجات الخاصة، أو مساعدة الفقراء، بالرغم من أهميتها الكبيرة، ولكن نتحدث عن الجمعيات ذات الأهداف المشتركة والعامة والتي تعمل في الفضاء الممتد من جدار بيت المواطن الى جدار قصر الحاكم، بما يجعل المنظمات الأهلية وسائط نقل نموذجية لرسالة المجتمع ومطالبه المشروعة الى الدولة. وهذا يعود إلى عدة أسباب، من بينها الميول التقليدية القائمة على إنتماءات قبلية، ومناطقية، ودينية/مذهبية. بالرغم من أن ذلك يعكس فشل الدولة السعودية في أن تتحول الى دولة مدنية أو وطنية.

4 ـ العامل الخارجي:

ونتحدث هنا بصورة خاصة عن الدور الأميركي. نشير هنا فحسب الى أن الغرب بصورة عامة والحكومة الأميركية على وجه الخصوص كان حتى هجمات الحادي عشر من سبتمبر متردداً إن لم يكن معارضاً بشدّة فكرة تشجيع الديمقراطية في السعودية. وكان يتم شرح الموقف الأميركي على نحو خوف من اختطاف الديمقراطية من قبل الإسلاميين، الذي سيؤدي في نهاية المطاف الى تهديد المصالح الإستراتيجية الأميركية في المنطقة.

على أية حال، فإن التعديل الحاصل في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بعد الحادي عشر من سبتمبر بقي موارباً حتى سنة 2006، ثم أصبح متواطئاً الى حد كبير مع الشمولية والاستبداد السياسي الذي قبل سنوات قليلة كان يعتبر السكوت عليهما عاراً على السياسة الأميركية. إن التخفيض المفاجىء في اللهجة الديمقراطية من قبل المؤسسة الرسمية الأميركية بعد تحسّن العلاقات السعودية ـ الأميركية ويعود الفضل في ذلك الى صعود نجم النفط في سماء السياسة مجدداً بعد تزايد الطلب عليه عالمياً، وكذلك الحرب على الإرهاب، والقضايا الإقليمية مثل العراق، وعملية السلام في الشرق الأوسط، والمعضلة النووية الإيرانية.

وبإستثناء التصريحات اللفظية المتقطّعة، فإن العامل الأميركي لعب حتى الآن دوراً سلبياً للغاية بل وتعويقياً لأي عملية تحول سياسي نحو الديمقراطي، بل حتى في مجال دعم المنظمات الأهلية، حيث لم يصدر عن الإدارة الأميركية ما يفيد بجدية تبنيّها لفكرة تشجيع منظمات المجتمع المدني في الوقت الذي تصلها تقارير عن اعتقالات لعناصر فاعلة في مجال عمل المجتمع المدني في السعودية. بل يخشى في المرحلة القادمة أن تغطي الولايات المتحدة والغرب عموماً عمليات قمع بالغة القسوة ضد ناشطين حقوقيين وعاملين في حقل المنظمات الأهلية بعد أن نجحت إدارة بوش في العودة الى السعودية من خلال إتفاقيات شديدة التعقيدة وباهظة الكلفة على الإقتصاد الوطني والمصالح الحيوية للمجتمع.

من نافل القول، أن عدداً ضخماً من منظمات المجتمع المدني تعمل بصورة غير قانونية في السنوات الخمس الماضية في هذا البلد، وهذا ملمح شديد الوضوح عن التطلّع المتنامي باتجاه المشاركة الفاعلة في الشؤون العامة.

بصورة عامة، في سنة 2004، تم إغلاق أكثر من 150 منتدى أهلي من قبل السلطات الأمنية السعودية بذريعة أنها تعمل بصورة غير قانونية.

إن ضلوع الأجهزة الأمنية السعودية في الشؤون العامة سيؤدي ليس الى تفجير توترات بين الدولة والمجتمع فحسب ولكن قد يتطوّر الأمر الى إضطرابات إجتماعية وأمنية متنقلة في البلاد. إن إصرار الدولة على استعمال القوة لقمع نشاطات المنظمات الأهلية سيبرر الميول الراديكالية ويغذي النزعات العنفية.

إن المنظمات الدولية مدعوّة لممارسة ضغط متواصل وفاعل على الحكومة السعودية من أجل فتح الباب أمام الشعب لحشد جهوده لتأسيس منظمات مجتمع مدني تساهم في تنظيم نفسه ضمن منظومات فاعلة في مجال خدمة المجتمع ونقل رسالته ومطالبه الى الدولة. ومالم توجّه هذه الجهود ناحية نشاطات سلمية ومثمرة، فإنها قد توظّف من قبل جماعات العنف لخدمة أغراض خاصة، وتهدد الإستقرار الإجتماعي والسلم الأهلي.

الصفحة السابقة