مساهمة آل الحريري مهمّة ولكن في الفساد!

عبدالحميد قدس

إذا سألت السعوديين عن رأيهم في الحريري وآله، فستكتشف أن هناك إجماعاً شعبياً على كرههم. ستجد ذلك عند المواطن العادي، وعند كثير من المسؤولين، وعند الأغلبية الساحقة من رجال الأعمال المحليين. ستسمع أقوالاً لا يليق بنشرها هنا، ولكن أهونها ما قاله مسؤول نجدي (ليس من الأمراء) بأنه: (لم يبق إلا أن يشاركنا في نسائنا)!

وقد انعكست حالة الكره على اللبنانيين عامة، ولا يوجد ما يستثير السعوديين بأكثر من التبرعات الى لبنان، خاصة لدى التيار السلفي الوهابي الذي يريد أن تذهب التبرعات (الى أهل السنّة مباشرة، والى بؤر الجماعات السلفيّة بالتحديد) والتي تعتبر من أفقر مناطق لبنان.

فساد الأمراء السعوديين المتناغم مع فساد آل الحريري: متعدد الأوجه، ففي كل مجال هناك فساد، بل أن الفساد طابع عام لا يشذّ منه إلا القليل من الممارسات. ولعلنا نذكّر بأن فساد صفقة اليمامة التسليحية مع بريطانيا يوجد بين حلقاتها وسطاء لبنانيون يعملون أو مقربون من الحريري، وقد نشرت الصحافة البريطانية أسماء بعضهم، وهم سياسيون لامعون جداً (مثل الصفدي)!!

ويتذكر السعوديون مئات المليارات من الدولارات (وليس الريالات) التي نهبتها سعودي أوجيه مع عبدالعزيز بن فهد تحت غطاء مشاريع عديدة، بينها تطوير الحرمين الشريفين (وخدمتهما!!). وقد حاول الحريري أن يخطف مناقصة الشركة الثالثة للإتصالات، بالإتفاق طبعاً مع الأمراء، ولكنّ ضغوطاً من أمراء آخرين منافسين غيّرت الوجهة.

ليست المشكلة أن هناك فساداً في السعودية. المشكلة تكمن في أنه فساد فاق كل حدود الوصف، وتخطّى كل الأطر الإقتصادية والأخلاقية الحمراء والزرقاء وكل الألوان! ولأن الفساد مثل السرطان، إن لم يجرِ احتواءه يتوسع ويقضي على المصاب، لهذا فإن أخطر ما في الفساد السعودي أنه خرج عن إطار السيطرة، لأن المفسدين هم الأغلبية الساحقة من مسؤولي الدولة وكبار إدارييها. ومعنى خروجه عن السيطرة، أن الدولة ـ ومهما كانت إيراداتها ـ لا تستطيع أن تؤدي الحدّ الأدنى من واجباتها تجاه مواطنيها، حيث يلتهم الفساد معظم المال والإمكانات. لذا لا نعجب أن يتحول ربع المواطنين السعوديين الى فقراء، بل تحت خط الفقر، وهناك ما لا يقل عن ربع آخر يعيش فقيراً، في حين خفّف وزير الشؤون الإجتماعية المشكلة وقال بأن هناك مجرد (مليوني مواطن) يعيش تحت خط الفقر! هذا يحدث في أحد أغنى بلاد العالم، فأين الأموال إذن؟

في المقالة التالية توضيح لأحد مسارب النهب والفساد، وهناك عشرات بل مئات من الطرق الأخرى:

بين الضحك والبكاء

د. عبدالعزيز الصويغ

ضحكتُ في سرّي وأنا أقرأ عن موظفة شركة الإتصالات في دولة الإمارات التي تمكنت من اختلاس 27 مليون درهم على مدى سنتين، دون أن يتنبّه أحد في الشركة. فقد كانت الموظفة التي أُنيطت بها مهمة إدارة الموارد البشرية لشركة الإتصالات الإماراتية تقوم بتحويل دفعات منتظمة من حسابات الرواتب الى حسابها الشخصي في أحد البنوك المحلية، وبواقع مليوني درهم لكل دفعة، لأكثر من عامين. وقد لاحظ البنك تضخم حسابها في فترات وجيزة، وأرسل خطاباً الى الشركة التي تعمل فيها، يتساءل فيه عن حقيقة المبالغ المودعة، وهو ما جعل إدارة الشركة تكتشف أن الموظفة اختلست مبلغ 27 مليون درهم من أموال الشركة، فأجبرتها على تقديم استقالتها، وإعادة المبلغ كاملاً. وهكذا كانت الصدفة وحدها وراء الكشف عن السرقة، بينما كانت الشركة ومسؤولها نائمين في العسل.

آل الحريري: شركاء آل سعود في الفساد والإفساد

غير أنّي عدتُ لأبكي بحرقة، بعد أن قرأتُ عن صدفة أخرى، حدثت هذه المرة لدينا في المملكة. فقد كشفت صحيفة وكاد الإليكترونية ما أسمته (سرقة قانونية) بين شركات سعودية، حيث تعاقدت الدولة مع شركة سعودي أوجيه على تطوير طريق الملك عبدالله في الرياض بعقد قيمته 698 مليون ريال.

سعودي أوجيه من جهتها تعاقدت بالباطن (في السر) وأسندت العمل في المشروع الى شركة الأحدية بقيمة 400 مليون ريال.

شركة الأحدية أسندت العمل في نفس المشروع الى شركة الإسناد بقيمة 75 مليون ريال.

وشركة الإسناد تعاقدت بالباطن وأسندت العمل في المشروع نفسه الى شركة إنجاز السلام بقيمة 18 مليوناً ومئتي ألف ريال!! (وكاد ـ الخميس 18 سبتمبر 2008).

ما حدث ذكّرني بقصة قرأتها قديماً من أن أحد السلاطين أراد زيارة إحدى المدن التابعة لسلطنته، فخصص مبلغ مائة ألف دينار لتزيين المدينة وإنارة طرقها وأزقتها وسلمها الى وزيره الأوّل، الذي استدعى القائم على بيت المال، وقام بتسليمه خمسين ألف دينار للقيام بالمهمّة؛ فقام وزير المال باستدعاء مساعده الأوّل، وسلّمه خمسة وعشرين ألف دينار لإنجاز المهمة، وقام هذا الأخير باستدعاء مدير مالية المدينة المعنية وسلّمه اثني عشر ألفاً وخمسمائة ديناراً لتزيين المدينة احتفاء باستقبال السلطان، فقام مدير المالية باستدعاء عُمَدْ الأحياء، وطلب منهم الأمر على صاحب كل بيت يطلّ على الشوارع التي سيمر منها السلطان بوضع الإنارة والزينة أمام منازلهم، احتفاءً بزيارة السلطان لمدينتهم.

وهكذا انتهى الأمر بأن تحمّل أبناءُ المدينة تكاليف الزيارة السلطانية!!

المهم أن موقع وكاد الإليكتروني يقول إن هذه (السرقة القانونية) تم كشفها بالصدفة (بعد توقف العمل بالمشروع بسبب خلاف بين الشركات المتعاقدة بالباطن).

* وسؤالي هنا: هل مثل هذا التصرّف هو أمرٌ معتاد في المشاريع الحكومية التي نُفذت على مدى العقود السابقة لها؟ وكم هي المشاريع المماثلة التي تمت بنفس الأسلوب؟ وكم من آلاف البلايين ضاعت على الدولة وابتلعتها مثل هذه الشركات؟!

* لكنني أعود وأحمد الله على أن الشركة المعنية لم تجبر السكان الذين تقع بيوتهم أو متاجرهم على الشارع بالقيام بتحمّل تكاليف تطوير طريق الملك عبدالله على حسابهم الخاص!!

* وأخيراً.. لا أتوقع بالطبع أن يتم إعادة فتح التحقيقات في المشاريع الحكومية التي تمت على مدى العقود السابقة، وإعادة ما تم ابتلاعه من أموال، لكنني أتساءل: هل ستتحرك الجهات المسؤولة لتحرّي حقيقة الأمر في هذا المشروع الذي يتم في أحد الطرق الرئيسية في عاصمتنا الحبيبة؟!

المدينة، 21/9/2008

الصفحة السابقة