كل المعارك يمكن تأجيلها إلا معركة إصلاح النظام

الهيئة التي يبتزّنا بها آل سعود

محمد قستي

كلما أرادت السلطة السعودية إشغال الرأي العام المحلي، حرّكت ملفها القديم/ الجديد المتعلق بالصراع والتنافس بين التيار الوهابي من جهة، والتيارات السياسية الفكرية والمذهبية من جهة أخرى.

في كل مرّة يخرج فيها الصراع ويؤجج، هناك من يحرّكه من الأمراء.

مرة يظهر كصراع بين العلمانية والإسلام.

ومرة بين التقليدية والحداثية.

ومرة بين التعصب الديني والليبرالية.

ومرة بين التسامح والتشدد.

ومرة على شكل إصلاح مقابل جمود.

وهكذا.

تتعدد الأشكال والألوان للصراع على صفحات الجرائد وفي الشارع وفي الفتاوى، وسلطة آل سعود تنظر من الأعلى وتدير الصراع، مرة لصالح هذه الفئة، ومرة لصالح تلك.

إذا رأت موجاً إصلاحياً سياسياً يطالب بالتغيير، حركت الوهابية ومشايخها وأتباعها ليهاجموا الإصلاح الذي هو ضد (الإسلام) وضد (خصوصيتنا!) وهو (يفتح الطريق للغرب الكافر للتدخل في شؤوننا)! وكأن هذا الغرب الكافر لم يحتل سلطة القرار في السعودية بعد!

أما إذا تضخم دور المشايخ، وصاروا يطالبون بحصّة أكبر في السلطة، ورأوا ضرورة تديين وتوهيب المجتمع أكثر مما يتحمل، وإذا ما وجد آل سعود ضغوطاً من الخارج عليهم لكبح جماح التطرف والتكفير وارسال المفجرين الى كل أنحاء العالم.. فإنهم يفتحون الباب لنقد المشايخ وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا ما قضى آل سعود من ذلك وطراً، أعادوا الكرّة بالإتجاه الآخر وهكذا.

ثلاثون عاماً على الأقل ونحن نعيش في هذا الدولاب السعودي.

ممنوع ان يتفق الطرفان، مثلاً على الإصلاحات، وعلى تقليص صلاحيات العائلة المالكة.

ممنوع أن يتفق الطرفان، أو يهدأ الصراع، لأن العائلة المالكة لا تريد أن تكون محور الجدل والنقاش والإتهام.

كل ما في البلد من مشاكل سببها إما (مشايخ الوهابية) أو (مشايخ العلمانية والحداثة والإصلاح)!

كلاهما يجب أن يتشاجرا، بأمر من المتفرج والقاضي معاً، ونقصد آل سعود!

منذ أربعة أعوام على الأقل، تم تناسي الإصلاح السياسي.

لقد مات قبل أن يولد.

حتى الإنتخابات البلدية اليتيمة تمّ تأجيلها لعامين فقط!.

فآل سعود لا يريدون تعويد الشعب على الإنتخاب. هم بالفطرة ضد ذلك. وما قبلوا به إلا تحت الضغط.

والآن يريدون استرجاع الأمانة. العودة الى القديم. لا انتخابات ولا هم يحزنون.

التأجيل لسنتين تنسي نصف الشعب، وقبيل انتهاء المدة، يتم التأجيل بحجة (يعلن عن وقت الانتخابات لاحقاً)، وهكذا تموت المجالس البلدية العجيبة التي لم تدخل فيها امرأة، وكان الإنتخاب للنصف فقط من الأعضاء، والحكومة عيّنت النصف الاخر! اي انها ـ كما قال احد الكتاب ـ (ربع) انتخابات بلدية.

لا أحد من الوهابيين ـ الذين هم بطبعهم ضد الإنتخابات والتمثيل السياسي وضد الإصلاح ـ يسأل عن الفساد وعن الفقر وعن انهيار مؤسسات الدولة.

ومن يقال انهم ليبراليون أو علمانيون أو إصلاحيون يعيشون صراعاً محتدماً: ولكن مع الهيئة وفتاوى المشايخ. لقد نسوا الإصلاحات، فلا تجد مقالاً يتحدث عنها، ولا واحداً يذكرنا بوعود الملك وإخوانه بها.

صارت قضية الإصلاح من الماضي البعيد البعيد.

والتفرّغ اليوم هو للمعارك البينية، بعيداً عن نقد آل سعود وفسادهم ونهبهم لخزينة الدولة التي جعلت اكثر من نصف الشعب فقيراً رغم المدخولات غير المسبوقة في التاريخ السعودي.

الهيئة سيئة ولا شك، والمشايخ الوهابيون متحجرون ولا شك. ولكن أين أولوية المعارك؟

الوهابيون باقون في سيطرتهم الى أن يتغير النظام السياسي بالتدريج أو بالإنقلاب.

لن يستطيع النظام ـ وهو لا يريد ذلك بالطبع ـ أن يخضد شوكتهم. فإضعافهم يعني إضعافه.

هم أداته التي يبطش بها من يدعو الى الإصلاح. وهم أداته في شرعنة حكمه. وهم أداته في حروبه الخارجية. وهم أداته في إدارة بعض مفاصل الدولة.

هو ـ أي نظام آل سعود ـ يريد تطويعهم إذا ما بدرت منهم بوادر طمع في السلطة أكثر مما هو بأيديهم.

من الأداة التي تقوم بذلك؟: إنهم هؤلاء الكتاب الذين هم في معظمهم يستلمون رواتبهم من السلطة السعودية نفسها، وموجودون على قائمة الـPayroll لوزارة الداخلية.

وبمجرد أن يتنفس الإصلاحيون ويطالبون ببعض الإصلاحات، يأتي المشايخ وأتباع التيار الوهابي الأقلوي ليشن الحرب ضدهم، متهماً اياهم بالعمالة، وبالكفر والفسوق.

وهناك فئة ثالثة، وهي الفئة الأكبر من الكتاب والمثقفين، فهؤلاء يدخلون المعركة ضد الطرفين: المشايخ والإصلاحيين، خدمة مباشرة لنظام آل سعود.

في كل يوم نقرأ أخبار تجاوزات الهيئة.

هذا صحيح. ولكن ماذا عن تجاوزات آل سعود؟!

وفي كل يوم نقرأ تفنيداً من المشايخ للآراء الأخرى، ولكن ألا يوجه بعض النقد للعائلة المالكة؟

حين يغيب مشروع الدعوة الى الإصلاح السياسي، يصبح الجميع أدوات في يد آل سعود.

ما يمكن ان يجمع الشعب كل الشعب هو ثقافة وطنية، وإجماعاً على الإصلاح في اطار المشتركات من اجل الضغط على الأمراء لإصلاح وضعهم ووضع البلد والناس.

وبدل أن يتربص كل طرف بالآخر. تربصوا بمن ينهب ويضيع مستقبل البلد والمواطنين. راقبوا تصرفاته، وراجعوا حساباته، وانقدوا تصريحاته ومواقفه.

أما الدخول في معارك النظام، لأسباب شخصية، أو لأسباب صحيحة، وضد قوى المجتمع بعضها مقابل الآخر، فهذا من الحمق.

كل المعارك يمكن تأجيلها إلا معركة إصلاح النظام.

الصفحة السابقة