معضلة المشروعية الدينية

الإنشقاقات المتناسلة من ثنائية السلطة

عمر المالكي

فتح العدوان الإسرائيلي على غزة في 27 ديسمبر الماضي الباب مرة أخرى على بنية العلاقة المأزومة بين الديني والسياسي في السعودية، بعد استعلان التباينات الحادة بين رجال دين سلفيين عبّروا عن مواقف ثورية وأقطاب كبار في المؤسسة الدينية مثل المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ورئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح اللحيدان اللذين
ابن باز
أفتيا بحرمة التظاهر للتضامن مع أهالي قطاع غزة، ووصفا المظاهرات بأنها (استنكار غوائي)، فيما كانت القيادة السياسية السعودية منغمسة بصورة تامة في تعطيل أي تحرّك عربي رسمي لعقد قمة طارئة للضغط على المجتمع الدولي لوقف المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة.

وقد دفعت ردود الفعل المتباينة داخل المجتمع الديني السلفي بشأن الموقف من محرقة غزة، إلى إعادة طرح مصادر الفتوى، لناحية حصر نطاق المشروعية الدينية في جهة تحقق في نفسها التمثيل الأقرب لمواقف الدولة. قضية تعدّد مصادر الفتوى لا تقف عند حد التفسير التقليدي، أي باعتبار أن باب الإجتهاد مفتوح لكل من يرى في نفسه الأهلية العلمية في استنباط الحكم في المسائل الحادثة، بل تعكس وبدرجة كبيرة الإنشعاب الحاصل في المجتمع السلفي في موضوعات ليست فقهية بالمعنى الحرفي للكلمة، وإنما في مسائل ذات صلة بالشأن العام، وبالخصوص السياسي.

بعد اختتام أعمال (المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها) الذي عقد في مكة المكرمة في الفترة ما بين 15 ـ 20 من يناير الماضي، طالب الملك عبد الله لدى استقباله المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وأمين عام رابطة العالم الإسلامي عبد الله بن عبد المحسن التركي، بضرورة (تأهيل العلماء والمفتين) وطالب وسائل الإعلام (ألا تفتح الباب على مصراعيه للإفتاء لغير العلماء الثقاة)(1). دعوات تكررت على مدى عقد كامل، ولكن الإستجابة كانت سلبية غالباً، ومحايدة أحياناً، وإيجابية نادراً.

والسؤال: هل مايجري من تعدّد في مصادر الإفتاء، هي ثنائية السلطة تعبّر عن نفسها بطريقة خاصة، أم أن ثمة تبادل أدوار بين الديني والسياسي، أم أن حقيقة الأمر غير ذلك، فهناك انقسام حاد داخل المجتمع الديني بشقيّه الرسمي والشعبي، وتقاطب بين المؤسستين الدينية والسياسية؟ وهل أن مجرد تواري المظاهر الإحتجاجية على قاعدة دينية تشي بتراجع الديني عن رؤيته حول السياسة الشرعية المراد إلزام الدولة بها، أم أنها تمارس فعلاً تراكمياً لانشقاقات متناسلة مرشحة لحالة فراق تام بين الديني والسياسي في لحظة تاريخية ما، قد تسفر عن معركة وجود حاسمة؟

عائض القرني

البناء الديني لمرجعية الدولة

حاول الملك عبد العزيز قبل قيام الدولة السعودية بسنوات أن يرسّخ مرجعية آل الشيخ، بوصفها إمتداداً رمزياً للتحالف التاريخي بين الأمير والشيخ، ووحدها المؤهّلة لضبط علاقة العلماء بالدولة. فبعد ضرب الإخوان بفتوى من العلماء سنة 1927، وقرار عبد العزيز بتعطيل الجهاد، ووقف الهجمات، والقبول بالنظام الدولي، كان بحاجة الى مرجعية دينية تشرعن كيانه السياسي الجديد، بعد أن كان الجهاد بحد ذاته بديلاً عن شرعية العلماء..إذ كان يعتمد على شرعية الإنجاز العسكري بطابعه الديني. وكان لابد للدولة من مرجعية دينية، على الأقل في بداية قيامها، من أجل إرساء المشروعية الدينية للدولة، التي تبقى الضمانة الوحيدة لبقاء تماسك السلطة ووحدة المجتمع.

كان عبد العزيز بارعاً في إدارة خلافاته مع العلماء، في الموضوعات ذات الحساسية السلفية العالية، فكان يستجيب لاعتراضاتهم حين يرى بأنها جزء من عملية التسوية، ما يمنحه صفة الملتزم بمبدأ النصيحة، ويتجاوزهم حين لا يجد بدّاً من ثبيت هيمنة الدولة. وبقيت العلاقة بين العلماء والأمراء ضمن حدود هذا الهامش من المناورة. وقبل العلماء بشروط اللعبة أحياناً، وإن كان انخراطهم في العمل السياسي لا يخلو من نكهة دينية خاصة. فقد اختاروا الوقوف مع الجناح المناوىء للملك سعود، رغم أن الأخير كان يقتفي وصية والده في المحافظة على علاقته مع العلماء ومجالستهم ومناصحتهم، وقد التزم الملوك السعوديون هذه العادة حتى اليوم. والسبب في ذلك أن العلماء اختاروا الموقف الذي ينسجم ليس ورؤيتهم العقدية فحسب، بل ومصالح مرجوّة يحققونها.

على أية حال، لم يكن آل الشيخ محبوبين في عهد فيصل، وقد يعود ذلك إلى الإحساس المبالغ فيه بالتميّز، وما يمليه من نزعة سلطوية لدى أفراد هذه العائلة، يضاف إليه تماهي أفرادها مع السلطة بصورة مفرطة. وبالرغم من احتجاجات الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، المفتي العام السابق في المملكة، الذي مثّل آخر الرموز التاريخيين في سلالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكان يحوز على سلطات واسعة ومتعدّدة منها: المفتي العام، ورئيس القضاة، ورئيس الجامعة الإسلامية والمعاهد والكليات الدينية. وجمع وظائف دينية وقضائية منذ أواخر عهد الملك عبد العزيز (توفي سنة 1953)، وحتى رحيله سنة 1969، باستثناء رئاسة القضاء في القطاع الغربي من المملكة، الذي كان يشرف عليه إبن عمه الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ إلى أن توفي سنة 1959، وأصدر الملك سعود قراراً بتوحيد رئاستي القضاء تحت إشراف الشيخ محمد بن ابراهيم.

سلمان العودة

كانت للشيخ بن ابراهيم، تجربة خاصة في إطار المرجعية الدينية للدولة، ووضع رسالة بعنوان (تحكيم القوانين)، عارض فيها إزدواجية القضاء، وكتب خطاباً، بعثه إلى أمير الرياض، يتعلق بموضوع إنشاء غرفة تجارية، لها قوانينها الخاصة غير المستمدة من مصدري الكتاب والسنة، لحل الخلافات بين المتنازعين من التجار. وجاء في الخطاب: (إنتهى إلينا نسخةٌ عنوانها «نظام المحكمة التجارية للمملكة العربية السعودية» المطبوع بمطبعة الحكومة، بمكة عام 1369 للمرة الثانية، ودرسنا قريباً نصفها فوجدنا ما فيها نظماً وضعية قانونية لا شرعية، فتحققنا بذلك أنه حيث كانت تلك الغرفة هي المرجع عند النزاع، أنه سيكون فيها محكمة، وأن الحكام غير شرعيين، بل نظاميون قانونيون، ولا ريب أن هذه مصادمة لما بعث اللَّه به رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الشرع الذي هو وحده المتعين للحكم به بين الناس...).

وفي سياق تطوير مؤسساتها وتشريعاتها ذات الصلة بالبناء البيروقراطي للدولة، حاولت العائلة المالكة تفادي الوقوع في جدل المصطلحات الشرعية، فأوجدت قائمة من المفردات ذات الطبيعة المحايدة، أي تلك التي لا تحمل دلالات دينية أو حتى قانونية صريحة مثل (مراسيم)، (تعليمات)، (لوائح)، (أوامر)، (توجيهات)، (أنظمة)، في مقابل (تشريعات)، (أحكام)، (قوانين). فثمة مشكلة تواجه المشرّع الحكومي في التعامل مع القضايا التي تتطلب نصوصاً قانونية واضحة. وكيما ينأى المشرّع عن الإصطدام بما يعتبره العلماء مجالاً سيادياً خاصاً بهم، يسعى لصك مصطلحات ذات طبيعة هادئة وغير ملزمة دينياً. فالسعودية، من بين كل دول العالم تقريباً، تواجه إشكالية العلاقة بين ماهو ديني ووضعي في سن القوانين، في سياق التجاذب المزمن بين مرجعيتي الدين والدولة في الحقل التشريعي الدولتي. قائمة مخالفات شرعية يرصدها المعارضون السلفيون في مسائل شتى أصدرت فيها الدولة تشريعات منها: إحياء الأرض، الزواج، البنوك والمصارف، الضرائب (وتدعى رسوم)، مسائل متعلقة بالجيش السعودي، القوانين التجارية..وغيرها

وبعد رحيل الشيخ ابن ابراهيم، الذي أبدى معارضة شديدة للقوانين التجارية خصوصاً التي وضعتها الدولة في عهده، إقتفى أثره طلاّبه وهم في الغالب من خارج أسرة آل الشيخ، وتسنّموا مناصب دينية وقضائية عليا. وكان إبنه إبراهيم أقد فاد من تراث والده في تولي منصب وزارة العدل، خلفاً للشيخ محمد علي الحركان، ورئاسة القضاء ورئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، ليخلفه من بعده الشيخ عبد العزيز بن باز. وكان الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ ترك الوزارة سنة 1410/1989. وقد وصفت فترته
سفر الحوالي
بالترهّل واللامبالاة وعدم الإكتراث لشؤون الوزارة، وبلغت مرحلة من الجمود شبه التام. وكان الشيخ ابراهيم قد أوكل مهماته الى وكلاء الوزارة، وبقي معارضاً لفكرة تنظيم القضاء، وتدوين الأحكام القضائية وتوثيقها. وبالرغم من أنه كان موضع ثقة الملك فهد شخصياً، الذي عيّنه في اللجنة المكلّفة بكتابة النظام الأساسي للحكم سنة 1991، إلا أن الأوضاع السائدة في وزارة العدل التي كان يرأسها آنذاك شكّلت دافعاً قوياً لتنحيته من منصبه (بناء على طلبه)، وتعيين شخصية قوية ومؤهّلة للإضطلاع بإعادة ضبط الوزارة وتنظيم شؤونها. فصدر قرار ملكي بتعيين الشيخ محمد بن جبير وزيراً للعدل، وكان معروفاً بحزمه، وفي نفس الوقت بآرائه المباينة مع لدّاته من العلماء.

وكان بروز شخصيات دينية جديدة من داخل المجتمع الديني الوهابي قد أفضى إلى تآكل سلطة ورمزية آل الشيخ، التي خسرت تدريجاً مواقعها في الدولة ورمزيتها الإجتماعية. وكان نفوذ الشيخ محمد بن ابراهيم في عهد الملك فيصل دافعاً وجيهاً لدى الملوك اللاحقين لتعديل النظام الديني الهرمي بما يتناسب وسياسات الدولة. فبعد وفاة االشيخ إبن إبراهيم في 18 رمضان 1389هـ/27 ديسمبر 1969، صدر مرسوم ملكي رقم (أ/137) في 8 رجب 1391 هـ/28 سبتمبر 1971 بتشكيل هيئة كبار العلماء، من المختصّين في الشريعة الإسلامية من السعوديين، ونصّ المرسوم على اختيار أعضاء الهيئة بأمر ملكي. وبحسب المرسوم: تتولى الهيئة إبداء الرأي فيما يحال إليها من لي الأمر من أجل بحثه وتكوين الرأي المستند إلى الأدلة الشرعية فيه، كما تقدّم الهيئة توصيات في القضايا الدينية المتعلّقة بتقرير أحكام عامة، ليسترشد بها ولي الأمر، بناء على بحوث يجرى تهيئتها وإعدادها. وشمل المرسوم الملكي تشكيل لجنة دائمة متفرّعة عن هيئة كبار العلماء، يتم اختيار أعضائها من بين أعضاء الهيئة بأمر ملكي، وتكون مهمتها: إعداد البحوث وتهيئتها للمناقشة من قبل الهيئة، وإصدار الفتاوى في الشؤون الفردية، وذلك بالإجابة عن أسئلة المستفتين في شؤون العقائد والعبادات والمعاملات الشخصية، وتسمّى (اللجنة الدائمة للبحوث والفتوى) ويلحق بها عدد من الجان. ونص المرسوم أيضاً على أن يعين بقرار من مجلس الوزراء أمين عام للهيئة يتولى الإشراف على جهاز الأمانة، ويكون الصلة بينها وبين رئاسة البحوث العلمية والإفتاء. وقد صدر الأمر الملكي بتعيين سبعة عشر عضواً في هيئة كبار العلماء، كان من بينهم عضو واحد فقط من أسرة آل الشيخ، وهو الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ، إبن المفتي السابق. وصدر بنفس التاريخ أمر ملكي آخر رقم (أ/139) بتعيين الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ رئيساً لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

وكان إتفاق جرى بين الملك فيصل وعمه الأمير مساعد بن عبد الرحمن، وزير المالية الأسبق، على تعيين هيئة من العلماء غير المتجانسين من أجل إضعاف موقع آل الشيخ والعلماء الوهابيين بصورة عامة. وقام الملك فيصل باستبعاد آل الشيخ، واكتفى بتعيين حسن آل الشيخ، ذي الميول الليبرالية، وزيراً للمعارف،
ناصر العمر
فيما استبعدهم من مناصب دينية هامة. وأثار تعيين الشيخ محمد علي الحركان، وهو خضيري، وزيراً للعدل سنة 1391هـ/1970 حفيظة المجتمع الديني السلفي الذي اعتبره إهانة لأهل نجد، وللمؤسسة الدينية الوهابية. وبعد موت الملك فيصل في 13 ربيع الأول 1395/ 25 مارس 1975، أقيل الحركان من وزارة العدل بقرار من ولي العهد فهد، الحاكم الفعلي في عهد الملك خالد (حكم في الفترة ما بين 1975 ـ 1982)، وتم تعيين الحركان أميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي، وبقي في هذا المنصب حتى وفاته سنة 1403هـ. وصدر أمر ملكي برقم (أ/247) في 14 شوال سنة 1395هـ/19 أكتوبر 1975 بتعيين الشيخ عبد العزيز بن باز رئيساً لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ليخرج آل الشيخ بصورة كاملة من معادلة السلطة الدينية.

ما يبعث على السخرية أن ربيع المجتمع السلفي بدأ مع أشد الناس عداوة لعلماء الدين، فكثيراً ما عبّر الملك فهد عن امتعاضه إزاء السياسة الناعمة التي اتّبعها الملك فيصل مع رجال الدين، وكان يحثّه على تسديد ضربات قاصمة لهم كيما لا يجرأوا على تبني مواقف متشدّدة إزاء العائلة المالكة وسياساتها. ولكن شاءت الأقدار أن يكون الإنفجار السلفي على يد الملك فهد الذي أفسح في المجال أمام التيار السلفي كيما يتمدّد كونياً في رد فعل، أولاً على المد الشيعي الذي تدّفق بعد الثورة الإيرانية سنة 1979، وثانياً من أجل تثمير رجال الدين في دعم سياسات الدولة في مرحلة كانت فيها بحاجة إلى جرعة عالية من الشرعنة، بفعل تطوّرات سياسية خطيرة شهدتها المنطقة بصورة متوالية. لم يكن فهد ليفعل ذلك من وحي اليقين الديني أو الإعتقاد بضرورة إعادة إحياء فحوى الحلف التاريخي بين آل الشيخ وآل سعود، والقائم على تقاسم السلطتين الزمنية والدينية، ولكن ثمة فلسفة دسائسية خاصة تفسرّ توجّه الملك فهد في جلب العلماء الى داخل الدولة، يمكن إختصارها في كلمات قلائل: أن إشراك العلماء في لعبة السلطة يؤدي الى ترويضهم، وإخضاعهم، كما أن إدماجهم في بيروقراطية الدولة سيؤول إلى انغماسهم في مفاسدها.

أعاد الملك فهد بعض الهيبة إلى آل الشيخ، في محاولة لإعادة ترسيخ المشروعية الدينية للدولة، وعيّن منهم وزراء مثل: عبد الرحمن آل الشيخ، في وزارة الزراعة، والشيخ إبراهيم بن محمد بن ابراهيم وزيراً للعدل (ت سنة 2007)، وكان من ذوي الميول الصوفية، وعرف عنه جرأته في مجلس الوزراء، وتبنيه مواقف فكرية معتدلة في موضوعات خلافية مثل المولد النبوي. وتولى الشيخ إبراهيم رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وكلّف أيضاً رئاسة مجلس القضاء الأعلى، إلى جانب عضوية هيئة كبار العلماء.

وصدر أمر ملكي رقم (أ/441) وتاريخ 19 شوال 1407هـ/16 يونيو 1987 بتعيين الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ عضواً في هيئة كبار العلماء. وفي رد فعل على الإنشقاق العمودي في المجتمع السلفي، وبروز تيار صحوي خارج مظلة نفوذ كبار العلماء في المؤسسة الدينية الرسمية، أعيد إحياء موقع المفتي العام، في محاولة لإعادة بناء الرمزية الدينية الرسمية، وصدر أمر ملكي في شهر يوليو 1993 رقم (أ/4) بتعيين الشيخ عبد العزيز بن باز مفتياً عاماً للملكة ورئيساً لهيئة كبار العلماء وإدارة البحوث
الشيخ ابن عثيمين
العلمية والإفتاء. وصدر الأمر السامي برقم (38) بتاريخ 8 شعبان 1416/ 30 ديسمبر 1995 بتعيين الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ في وظيفة نائب المفتي العام لشؤون الإفتاء، وفي 29 محرم سنة 1420/ 15 مايو 1999 صدر أمر ملكي رقم (أ/20) بتعيينه مفتياً عاماً للمملكة، ورئيساً لهيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، بعد يومين من رحيل المفتي السابق الشيخ عبد العزيز بن باز.

بدا الشيخ عبد العزيز آل الشيخ أشد التصاقاً بمضمون العلاقة التقليدية التي قام عليها التحالف بين أسرتي آل الشيخ وآل سعود، في ظروف بدا فيها الإختلال اللافت في ميزان السلطة لصالح آل سعود، وفي ظل اشتداد حدّة الإستقطاب داخل المجتمع السلفي. وبالرغم من زيادة حصة آل الشيخ في الجهاز البيروقراطي للدولة، حيث تولي الشيخ صالح آل الشيخ وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، والشيخ الدكتور عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وزارة العدل، إلى جانب تولي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ منصب المفتي العام ورئاسة هيئة كبار العلماء، إضافة إلى الشيخ الدكتور محمد بن حسن آل الشيخ في عضوية مجلس هيئة كبار العلماء، إلا أن الرمزية التاريخية لآل الشيخ لم تكن قابلة للترميم بصورة كاملة، في ظل بروز أقطاب دينية ذات تأثير ملحوظ في الحياة العامة، وكذلك تنامي سلطة الدولة واكتساحها للمجال العام. ويمكن أن نخلص مما سبق، أن ثنائية السلطة في بعدها التاريخي تآكلت بفعل آلية الدولة التي لا تقبل الإ الهيمنة وسيلة للتعاطي مع أي قوة أخرى تنافسها بل وتهدّدها أحياناً. ولكن تلك الثنائية إذا ما تفسّخت بفعل عوامل بيولوجية وثقافية واجتماعية وسياسية، فإنها فتحت الباب امام ثنائيات متسلسلة.

تعدّد مصادر الفتوى..تآكل المشروعية

تعرّف الفتوى بأنها (بيان الحكم الشرعي في المسألة)، فردية كانت أم جماعية، خاصة أم عامة. ومهمة استنباط الأحكام ليست حكراً على فرد بعينه دون آخر، بل مرتبطة بالشروط التأهيلية التي تجعل من شخص ما قادراً على استنباط الحكم الشرعي استناداً على مصادر الاستدلال الواردة في الكتاب والسنة. إن مجرد فتح باب الإجتهاد أمام العلماء يعني شرعنة الإختلاف والتنوع.

وتعود مسألة تعدّد مصادر الفتوى إلى ما قبل نشأة الدولة، ما خلق صعوبة بالغة لتأسيس مرجعية دينية تابعة للدولة تقطع الطريق على بروز مرجعيات موازية أو حتى متعارضة. وبدا واضحاً، حينذاك، أن بعض العلماء من خارج خط آل الشيخ بدأوا، خصوصاً بعد موت الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، بالتأسيس لمرجعية دينية منافسة، وتنطوي على إشارات لافتة إلى محاولات رفض الإنضواء تحت مظلة مشروعية الدولة بمرجعية دينية تحت أسرة آل الشيخ. وكان موقف هؤلاء العلماء يحظى بقبول لدى أوساط إجتماعية معينة، كما يظهر ذلك في رسالة رفعها مجموعة علماء وهابيين كبار الى علماء نجد كافة سنة 1339هـ/1921م، والتي سوّغت للملك عبد العزيز
المفتي عبدالعزيز آل الشيخ
تسديد ضربة قاصمة لهم. وجاء في رسالة العلماء: حسن بن حسين، وسعد بن عتيف، وسليمان بن سحمان وصالح بن عبد العزيز، وعبد الرحمن بن عبد اللطيف، وعمر بن عبد اللطيف، وعبد الله بن حسن، ومحمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف، وكافة آل الشيخ: (ولا ينبغي لأحد من الناس العدول عن طريقة آل الشيخ، رحمة الله عليهم، ومخالفة ما استمروا عليه في أصول الدين، فإنه الصراط المستقيم، الذي من حاد عنه فقد سلك طريق أصحاب الجحيم). وجاء أيضاً (وكذلك في مسائل الأحكام والفتوى، لا ينبغي العدول عما استقاموا عليه، واستمرت عليه الفتوى منهم، فمن خالف في شيء من ذلك، واتخذ سبيلاً يخالف ما كان معلوماً عندهم، ومفتى به عندهم، مستقرة به الفتوى بينهم، فهو أهل للإنكار عليه والرد لقوله). وقالوا (ونحن نعلم: أن المسائل العلمية، والأحكام التي يُحكم بها الناس، والفتاوى التي يُفتَون بها لا تخلو من الخلاف، وهذا أمر يعرفه من له أدنى معرفة، لكن الإختلاف بين الناس خصوصاً في جهة نجد، لا بد ان يكون سبب شر وفساد وفتنة، وسد باب الشر والفتن والفساد، أمر مطلوب في الشريعة)(2).

وردّ الملك عبد العزيز بالتأييد لكل ما جاء في رسالة العلماء، وكتب إلى علماء نجد كافة يذكّرهم بمرجعية آل الشيخ، وتعرّض للعلماء المخالفين بالقول ( ثم بعد ذلك تفهمون: أن أسباب الشر كثيرة، ولا بد أن يحصل من الناس بعض شوفات: أحدٍ يدوّر المخالفة، وأحدٍ يدوّر التروّس (=الترؤس/الرئاسة)، وأحدٍ جاهل يريد الحق، ولكن خفي عليه سبيل الحق، فاتبع هواه، وهذا أمر كله مخالف للشرع). واستعرض طويلاً منجزات الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآله من بعده في نشر الدعوة، وهداية الناس، في سياق تأكيد المرجعية الدينية للدولة الناشئة، وقال (ويتعيّن علينا أن نقتدي بما اقتدوا به). ثم أضاف (ولهوب خافيكم: حال هذا الزمان، وكثرة الطالب والسائل، وقلة البصيرة والفهم. وأيضاً مهوب خافيكم: إختلاف العلماء في أمور الفروع؛ فلابد أن كل إنسان يدّعي المعرفة على جهل: إما أحدٍ يسمع حديثاً، أو قولاً من أقوال العلماء، لا يعرف حقيقته، فيفتي به، أو يكون أحدٍ له مقصد، يدوّر الأقوال المخالفة؛ مقصوده الخلاف، إما مخالفة أحدٍ من علماء المسلمين، أو يبـي يقال: هذا فلان! يدوّر بذلك رياسة، أو شيئاً من أمور الدنيا..). وأعقب ذلك بتوجيه تحذير شديدة اللهجة (فالآن يكون الأمر على ما ذكر المشايخ..، فمن أفتى أو تكلم بكلام مخالف لما عليه الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وأولاده: عبدالله، وعبدالرحمن، وعبداللطيف، وعبدالله بن عبداللطيف، فهو متعرض للخطر؛ لأننا نعرف أنه ما يخالفهم إلا إنسان مراوز للشر والفتنة بين المسلمين.) وأوصى العلماء بالقول (فأنتم ـ إن شاء الله ـ يا جميع علماء المسلمين التزموا بهذا الأمر، وقوموا على من خالفه، ومن سمعتم منه مخالفة في قليل أو كثير، ما قدرتم عليه نفذوه، وما لم تقدروا عليه ارفعوه إلينا..)(3).

وكان يمكن لمرجعية آل الشيخ أن تحافظ على زخمها التاريخي والروحي، لولا أن اختفاء رموز كبار من أسرة آل الشيخ عن المسرح، ومضاعفات برامج التحديث التي شهدتها البلاد منذ السبعينيات من القرن الماضي، في تكسير خطوط التحالفات التاريخية، وكذلك الإحتكار الإجتماعي للمعرفة الدينية، وهذا ما شعرت به أسرة آل الشيخ دون غيرها من بقية الأسر العلمية، كونها لحظت بملء عيونها زوال مجد تقاسم الغنيمة، فيما بدأت مصادر جديدة للإفتاء تبرز في السعودية، وينخرط أصحابها في مناقشات عميقة في شؤون الدولة. وفيما نعثر على أمثلة ضئيلة وغير مشجّعة على تنوّع مصادر الإفتاء في السبعينيات والثمانينات، أي في مرحلة ما بعد رحيل المفتي
عبدالله عبدالمحسن التركي
الأسبق الشيخ محمد بن إبراهيم، فإن مرحلة الشيخ عبد العزيز بن باز ومن لحق به شهدت تسالماً غير مسبوق بين أعلى سلطة دينية مع رأس السلطة السياسية.

وفي التسعينيات من القرن الماضي تفجّرت ظاهرة تعدد مصادر الفتوى، بشكل مثير للقلق، بعد أن تسببت في انفراط عقد النظام الديني الرسمي، وظهر كثير من المشايخ من الطبقة الثانية والثالثة يدلون بفتاوى في موضوعات ذات صلة بالشؤون الخاصة والعامة، ما أدى إلى تصديع المكانة الروحية والرمزية لطبقة كبار العلماء. يمكن القول، أن مرحلة التسعينيات شكّلت قطيعة شبه تامة مع تجربة سابقة، استطاعت الدولة خلالها أن تحتكر عبر الهيئة الدينية الرسمية السلطة الروحية على المجتمع النجدي.

لم تقف إنتقادات الطبقات الجديدة من علماء الوهابية عند مجرد مؤاخذات محدودة مرتبطة بقانون أو تشريع ما، بل طالت موضوعات شيتى شملت عضوية السعودية في المؤسسات والهيئات الدولية مثل هيئة الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، واليونسكو، ومنظمة العمل الدولية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي، وصولاً إلى منظمة التجارة العالمية، كونها تستند على تشريعات غير مستمدّة من الكتاب والسنة. وحتى العضوية في الجامعة العربية بقيت مورد ارتياب علماء سلفيين، على أساس أن ميثاق الجامعة يؤكّد على استقلال الدول وسيادتها، بما يقرّ التجزئة والتقسيم، في مقابل الأمة، بل شملت الإنتقادات كل مجالات الدولة تقريباً.

ويحمل منتقدو الحكومة على العلماء خضوعهم تحت تأثير ضغوط الدولة، كما يظهر في تبدّل فتاوى سابقة للمفتي السابق الشيخ عبد العزيز بن باز في تحريم الصلح مع دولة اليهود(4)، وتحريم الإستعانة بالمشركين مطلقاً، بحسب ما ذكر في كتابه (نقد القومية العربية)(5). وصدرت فتوى لاحقة للشيخ بن باز تجيز الصلح مع اليهود وقال ما نصه (كل دولة تنظر في مصلحتها، فإذا رأت أن من المصلحة للمسلمين في بلادها الصلح مع اليهود في تبادل السفراء والبيع والشراء، وغير ذلك من المعاملات التي يجيزها شرع الله المطهر، فلا بأس في ذلك)(6). وفي مسألة تحريم الاستعانة بالمشركين، أصدر الشيخ بن باز فتوى تجيز الإستعانة بالمشركين إذا كان في المسلمين قلة بحيث تدعو الحاجة الى ذلك، أن يكونوا ممن يوثق بهم في أمر المسلمين(7). وجاء في فتوى مشتركة عن مجلس (هيئة كبار العلماء) برئاسة الشيخ بن باز (أنه لا مانع من الاستعانة ببعض الكفار للجيوش الإسلامية والعربية ولا بأس من الاستعانة لصد عدوان المعتدي الكافر وظلمه والدفاع عن البلاد وعن حرمة الإسلام والمسلمين إذا غلب على الظن حصول المطلوب بذلك ودعت إليه الضرورة)(8).

في ظل انشعاب المجتمع السلفي على وقع تطوّرات سياسية دراماتيكية خلال حرب الخليج الثانية، بدأ ينشق اتجاه راديكالي من داخل المؤسسة الدينية السلفية، عبّر عن نفسه بصورة علنية ولافتة في (مذكرة النصيحة) التي رفعت الى الملك فهد في بداية سنة 1993، بعد مداولات استمرت شهوراً جرى خلالها إطلاع غالبية أعضاء (هيئة كبار العلماء) وحظيت بتأييد كثير منهم. واشتملت على رؤية تقويمية شاملة للدولة السعودية، وتناولت المذكرة: واقع الأنظمة واللوائح، والقضاء والمحاكم، والحقوق، ودور الدعاة، والوضع الإداري، والمال والاقتصاد، والمرافق الاجتماعية، والجيش، والإعلام، والعلاقات الخارجية..). وجاءت ردود فعل العائلة المالكة سريعة وحاسمة، حيث شنّت حملة إعتقالات واسعة في صفوف المشايخ الذين وقّعوا على المذكرة، وأخذت عليهم تعهدات بعدم استئناف النشاط الإحتجاجي ضد الدولة في مقابل الإفراج عنهم. كما صدر قرار من الملك فهد في 2 ديسمبر 1992 بإعفاء سبعة من أعضاء (هيئة كبار العلماء) بحجة (أسباب صحية). وصدر أمر ملكي برقم (أ/138) بتاريخ 6 جمادى الآخر 1413هـ/1 ديسمبر 1992 بتعيين
الملك عبدالعزيز: ترسيخ آل الشيخ
أعضاء هيئة كبار العلماء على خلفية النشاطات الإحتجاجية التي تفجّرت إبان أزمة الخليج الثانية، أدّت إلى اختفاء كثير من الوجوه التقليدية، ودخول أعضاء جدد غير متحدّرين من التراتبية السلفية التقليدية، وضمّت الهيئة عضواً واحداً فقط من آل الشيخ، وهو الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ. وبعد تشكيل هيئة جديدة بزيادة عشرة أعضاء جدد، صرح الملك فهد في 19 ديسمبر 1992 قائلاً (بدأنا نرى أموراً ما كنا نعرفها، ولا كانت موجودة عندنا نهائياً).

وقد فتحت وقائع تلك المرحلة الأبواب على تطوّرات لاحقة أخذ شكلاً عنفياً في تفجيرات الرياض 1995، والخبر 1996، وصولاً الى ولادة تنظيم القاعدة بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر 2001، محمّلاَ بتراث صحوي راديكالي في رد فعل على مسيرة الدولة والمرجعية الدينية التابعة لها.

وكان الإنشقاق العمودي داخل المجتمع السلفي محرّضاً فعالاً على قيام القيادة السعودية بقرارات عاجلة من أجل ترميم مشروعيتها الدينية، بعد أن بدأت الأصوات تتصاعد من داخل المجتمع السلفي بضرورة إدخال إصلاحات جوهرية في بنية الدولة، وذهب بعضها، كما تلفت محتويات (مذكرة النصيحة)، إلى حد المطالبة بإعادة أسلمة الدولة. وكان على الملك إثبات بأنه مازال أميناً على تطبيق الشريعة الإسلامية، وملتزماً بأحكام العلماء، وهذا ما أوجد فرصة استثنائية أمام رجال الدين كيما يفيدوا من حاجة الدولة لهم وتعويض بعض الخسائر التي تكّبدوها في مراحل سابقة..

كان عقد التسعينيات قد انتهى إلى حقيقة دراماتيكية بالنسبة لتحالف الديني والسياسي، ويمكن التعبير عنها بعملية تحرير للفتوى من قبضة طبقة كبار العلماء. فقد نجح مشايخ الصحوة في كسر الإحتكار التاريخي للفتوى من قبل شريحة ذات مواصفات خاصة، تكون في الغالب مقرّبة من القصر، وجاء هؤلاء الصحويون برسالة مفادها أن زمن الوصاية الفقهية قد ولى.

في بداية الألفية الجديدة، حذر المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ من أن (الفتيا بلا علم خطرها عظيم وجرمها كبير) وقال بأن (تنوع الفتوى لعدد من المفتين في الفتوى الواحدة قد يكون ضاراً) لأنه حسب قوله (إن كان هناك كل مفت مستقلاً برأيه لا يهم إصدار فتوى سواء كانت حقا أو مخالفة للحق، فان هذا التنوع بهذا الشكل يجعل الامر غير مستقر). وشدّد على حصر دور الإفتاء في (هيئة كبار العلماء) و(لجنة الإفتاء)(9). ونبّه المفتي الدعاة والقائمين على أمر الدعوة إلى (عدم الفتوى بما لا يعلمون، وإن سئلوا عن ما لا يعملوه عليهم إرجاعه إلى من يعلمه، وسؤال من هو أولى منهم)(10)، في إشارة واضحة إلى إعادة تثبيت مرجعية هيئة كبار علماء ولجنة الإفتاء الرسمية. وطالب بضبط الأئمة والخطباء عبر تكثيف اللقاءات مع مديري فروع وزارة الشؤون الإسلامية وإدارات الأوقاف والمساجد، من أجل (تذكيرهم بما يجب عليهم في توجيههم للأمة التوجيه السليم النافع، فيحرصون على توجيه هؤلاء الخطباء، والتعاون معهم، واصلاح أخطائهم، وازالة ما قد يكون علق بأذهانهم من أمور يظنون أنها صواب، مبينين لهم الخطأ، ويهدونهم الى الطريق المستقيم).

وما إن بدأت دوامة العنف في 12 مايو 2003، تصاعدت الأصوات المطالبة بمجابهة الفتاوى المؤيّدة للعمليات الإنتحارية، مع تزايد أعداد المجنّدين في عمليات مسلّحة في العراق. وشهدت البلاد حملات متبادلة بين كبار العلماء ومشايخ التنظيمات الجهادية استعمل فيها الطرفان كل أنواع الفتوى تقريباً، ووصلت إلى حد صدور فتاوى بالتكفير ضد إبن باز وابن عثيمين، بسبب وقوفهما مع السلطة.

وفي ظل تصاعدة موجة العنف، ولجوء الحكومة الى العلماء لتعزيز الجبهة الدينية للدولة، انتقد عناصر الجماعات الجهادية تصريحات المفتى العام الحالي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ بتجريم من نزع الطاعة من الحكومة السعودية، ووصفه آل سعود بأنهم (سعوا في إصلاح الأمة والدفاع عنها). وكان واضحاً الجرعة الدينية العالية في التصريحات السياسية للعلماء، فقد ذكر المفتي في تصريح له في 25 يونيو 2003 ما نصّه: (من أحدث حدثاً في البلاد لا يجوز التستّر عليه، بل يجب
الشيخ محمد بن جبير
الإبلاغ عنه ورفع أمره مباشرة إلى ولي الأمر بما يتوافق والشريعة الإسلامية). كما اعتبرت هيئة كبار العلماء التفجيرات بأنها (كبيرة من كبائر الذنوب العظام)، وقال الشيخ أسامة عبد الله خياط، إمام وخطيب المسجد الحرام، في 12 يونيو 2003 بأن التفجيرات (عملاً إرهابياً يأباه الله ورسوله وصالح المؤمنين)، فيما قال الشيخ عبد الباري الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النبوي، بأنها (كبيرة من الكبائر ليس لها ما يبرّرها لا شرعاً ولا عقلاً)، وحذر (من الغلو الاعتقادي).

وفي رد فعل على الإنقسام الحاد الذي حصل في المجتمع السلفي، بتأثير من ظاهرة الجماعات المسلّحة التي حظيت بشعبية لافتة، أعلنت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية في 27 مايو 2003م طي قيد وإعادة تأهيل 1710 من الأئمة والخطباء والمؤذّنين في المساجد في مناطق مختلفة من السعودية. وقال الوزارة بأنها تلقّّت توصيات رسمية بطي قيد 353 شخصاً من العاملين في المساجد هم 44 خطيب جمعة و160 إمام مسجد و149 مؤذناً، وذلك بعد التأكد من عدم صلاحيتهم للعمل في المساجد، في حين ألحقت بدورات شرعية 517 إماماً و950 خطيباً و750 مؤذناً.

وبرز في هذا المناخ الملتهب، الشيخ سفر الحوالي، أحد أبرز رموز الظاهرة الصحوية في السعودية منذ التسعينيات من القرن الماضي، وقد ألمح في مقابلة تلفزيونية إلى وقوع الدولة في مطب الكفر وطالبها بأن (تلغي كل القوانين الوضعية، وتتحاكم فعلاً إلى الشريعة، وتعدِّل نظام القضاء، وتلغي المعاهدات والولاءات غير الشرعية، وتزيل المنكرات التي تستفز هؤلاء، وتمنع الكُتَّاب الذين يكتبون بعض الكلام الذي فيه إلحاد وسخرية بالدين في الإعلام وغيره)(11).

لا ريب أن مثل هذه الأراء ذات الطبيعة الإفتائية تمثّل محرّضاً فعالاً لتنظيمات جهادية تتوسل السلاح خياراً لتغيير الوضع القائم، وإعادة أسلمة الدولة، ووضع حد للمخالفات التي وقعت في مجال تطبيق أحكام الشريعة في هذا البلد.

وقد روى بعض السعوديين العائدين من العراق سنة 2005 قصص تجنيدهم لجهة تنفيذ عمليات إنتحارية في العراق. ونقلت صحيفة (الوطن) السعودية في 18 مايو 2005، قصص أربع سعوديين عادوا من العراق الى منطقة القصيم، قالوا أنهم (تعرضوا لإقناع من بعض المتحمّسين لفكرة الجهاد، الذين ركّزوا خلال أحاديثهم على أن الجهاد فريضة على المسلم). نقل هؤلاء بأن قرار العودة من الجهاد في العراق جاء بناء على (صدور فتوى من بعض العلماء في هذا الشأن). وكما يظهر، فإن الفتاوى الدينية كانت مسؤولة عن تحريض عناصر دينية سلفية على الخروج للقتال في أفغانستان والعراق والشيشان وغيرها، كما كانت مسؤولة عن عودتهم الى الديار، ما يعني أن الفتاوى الدينية تبقى مصدراً توجيهياً أساسياً في مواقف العناصر الجهادية في المجتمع السلفي.

وفي 17 نوفمبر 2003، بثّ التلفزيون السعودي ـ القناة الأولى مقابلة مع الشيخ علي بن خضير، أحد منظّري نظيم الجهاد في الجزيرة العربية الذين ألقي القبض عليه في إحدى المواجهات في مايو 2003، بحسب تصريحات الأمير نايف في مؤتمر صحافي في 28 مايو 2003. وكان الداعية عايض القرني، من أبرز مشايخ الصحوة الذين برزوا خلال أزمة الخليج الثانية، من أجرى المقابلة مع الشيخ الخضير، وكانت تدور حول فتاوى الأخير في الجهاد، والتي شكّلت المستند الشرعي لتنظيم القاعدة في تنفيذ عمليات عسكرية داخل السعودية. وكان واضحاً من طبيعة الأسئلة التي وجّهها الشيخ القرني أنها كانت تنصب على فتوى تكفير الدولة، وكما قال في سؤال (هل ترى دولتنا أنها دولة إسلامية ومن ينتسب إليها من العلماء والوزراء والدعاة والعسكر؟) فأكّد الخضير ذلك، وأعلن برائته من تكفير الدولة ووزرائها والعلماء والمجتمع. كما سئل عن البيعة لولي الأمر، فأكد الخضير على البيعة والإلتزام بها والطاعة. وأعلن عن خطأ فتاوى مثل مقاتلة رجل الأمن، كما أعلن معارضته لكتاب محمد المقدسي بعنوان (عسكر السلطان) والذي أفتى فيه بأن أفراد العسكر أو الجيش وكل من انتسب إلى الأمن، فإنه ينطبق عليهم حكم الحاكم الطاغية، فهم طغاة مثله، فشجب الخضير الفتوى وقال (أن هذه الفتيا خطأ ولا ينبغي للشباب أن يقرأوها). وشدّد على مرجعية ولي الأمر في موضوع الجهاد، وقال لا جهاد إلا بإذن ولي الأمر.

الملك فيصل: شق المشايخ

وأثار الشيخ القرني سؤالاً مفاده: هل أن ما عندنا من أخطاء فى مجتمعنا توجب التكفير ومن ثم الخروج على ولى الامر؟ فأجاب الخضير بأن ذلك أمر مرفوض، حتى مع وجود الأخطاء، ولكن لا تبرر التكفير أو الخرج أو نزع اليد من الطاعة لولي الأمر. وأثار الشيخ القرني مسألة الفتاوى الصادرة من الخضير وكثر من طلبة العلم جرى استغلالها، حسب قوله، في شرعنة العمل الجهادي أو اغتيال بعض الكتّاب والصحافيين، والتي أصدرها الخضير نفسه فقال (وهذه كلها فتاوى اصدرتها وأعتبر نفسى راجع عنها لانها تحتاج الى تبيين). ولفت الشيخ القرني الى تشوّه صورة العلماء إبان فورة النشاط الجهادي داخل السعودية وبروز طبقة من المشايخ الداعمين له. بل وعارض الهجرة الى افغانستان.

وحاول الشيخ القرني إستعادة مرجعية الشيخين بن باز وإبن عثيمين، وهي مرجعية كانت موضع ارتياب بالنسبة للشيخ عايض القرني نفسه في التسعينيات، حين برز كأحد رموز الصحوة، وكان يزاول مع مجايليه نشاطاً إحتجاجياً ضد الدولة. مرجعية ابن باز وابن عثميمين التي تهدّدت في التسعينيات وتآكلت مع بروز تنظيم القاعدة في العقد الأخير، لابد أن تتطلب إعادة تأهيلها عملاً شاقاً خصوصاً في ظل أوضاع شهدت اندحار المرجعيات التقليدية، وانتقال مراكز التوجيه الإجتماعي والديني الى طبقة ذات قاعدة شعبية وتتمتع بحضور إجتماعي كثيف، بالرغم من محاولة كبار العلماء والمقرّبين منهم من مشايخ الصحوة السابقين اختراق المجتمع السلفي عبر اعتماد ذات الوسيلة، من خلال القاء محاضرات عامة، وأداء صلوات الجمعة والجماعة، وعقد الدروس الدينية.

إن استخدام شيخ صحوي مثل القرني لإجراء المقابلة مع الشيخ الخضير تنطوي على رسالة واضحة، بأن مصير الجماعة الجديدة سينتهي الى نفس مآل الجماعات السابقة، والتي كان الشيخ القرني جزءً منها. وفي كل الأحوال يحقق البرنامج بضيفه ومشرفه فرصة ضرب الفريقين ببعضهما.

بالرغم من ذلك، لم يضع توجيه ضربات قاصمة للجماعات العنفية نهاية حاسمة لمعركة الفتوى، فقد بقي الجدل محتدماً بين علماء المؤسسة الدينية الرسمية ورجال الدين المستقلين، على قاعدة الفتاوى المحرّضة على الجهاد في العراق وغيرها. فقد وجّه وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ انتقاداً في 8 يوليو 2004 لخطباء المساجد الذين وصفهم بـ (المؤيّدين) للإسلاميين المتطرفين، ودعا إلى عدم تحويل المساجد الى وسيلة للشحن والحماس). وقال أن (بعض خطباء المساجد والجوامع فى السعودية يؤيدون منهج وافكار الفئات الضآلة والمنحرفة..).

وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى، الشيخ صالح اللحيدان قد حذّر من الفتاوى الداعية الى سفر الشباب للعراق تحت عنوان الجهاد. وقال في مقابلة مع جريدة (عكاظ) في 20 نوفمبر 2004 بأن (أي شاب يخرج من بلادنا للذهاب للعراق مسيء إلى نفسه ولأسرته ولبلاده و هذا ليس من الجهاد).

وكان المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حذّر من (التسرّع في الفتوى)، ولفت إلى نوعين من الفتاوى، الأولى فتاوى متعلّقة بالأفراد، وأخرى (تتعلق بمصالح الأمة عامة دينياً أو سياسياً أو اقتصادياً او عسكرياً او غير ذلك مما يكون تأثيره عاماً)(12)، على أساس أن ذلك إمتياز خاص بهيئة كبار العلماء أو المجامع الفقهية. نشير إلى أن اختلافاً وقع بين هيئة كبار العلماء ومجمع الفقه في مسألة عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، حيث أفتى مجلس هيئة كبار العلماء بتحريمه، فيما أجاز مجمع الفقه العقد بضوابط.

ويتصاعد الجدل داخل المجتمع السلفي حول مصادر الإفتاء، حيث شكّك وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صالح آل الشيخ في نوايا من يضطلعون بالإفتاء من خارج إطار الدولة، وقال (أن الفتوى في هذه الأيام أصبحت مفخرة لدى البعض)، واعتبر ان بعض الفتاوى قد تخضع تحت تأثير ست طرق للهوى منها: حب استدامة الرئاسة والإمارة(13). وفي وفي 31 مايو 2007 أعاد المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ التأكيد على مرجعية هيئة كبار العلماء والمجامع الفقهية في الأمور المتعلق بمصالح الأمة عامة دينياً أو سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً(14).

وبدت هذه المواقف المتزامنة وكأنها جزء من حملة مشتركة يقودها الديني والسياسي معاً. فبعد أسبوعين على تصريح المفتي، هاجم الملك عبد الله في 11 يونيو 2007 ما اعتبره (عدم ضبط الفتوى)، ووصف بعض المفتين بـ (المتلّبسين بالشيطان)، في لهجة موتورة واضحة، كما نعتهم بالتضليل. وقال (لقد سرني عزم الرابطة ـ رابطة العالم الإسلامي ـ على عقد مؤتمر للفتوى لمعالجة الخلل المترتب على عدم ضبط الفتوى والجرأة في القول على الله بغير علم). وأبدى ارتياحاً واضحاً من موقف الرابطة من (الفئة الضالة وتصديها للإنحراف الفكري الشاذ، وتقديمها لشباب الأمة ثقافة معاصرة تلبّي حاجتهم، وتقوم على الاعتدال والتوسط وتسهم في مكافحة الآفات الدخيلة
علي بن خضير: إرهابي!
على المجتمع الإسلامي وفي مقدمتها آفة الإرهاب). إذن، ثمة ما يربط بين توحيد مصدر الإفتاء وموضوع الإرهاب، أو بالأحرى الفتاوى الجهادية التي انطلقت منذ شهدت البلاد موجة تفجيرات في مايو 2003. وأوضح الملك ذلك في كلمة له بحضور اعضاء الرابطة وقال (إن هذا الاجتماع المؤسسي خير برهان ينبغي دعمه من أجل أن نقطع طريق أصحاب الفتوى الذين تصدروا الفضائيات ومواقع الإنترنت فضلوا وأضلوا فهم عاطلون عن أدوات الفتيا وعن أدوات الاستنباط فأوقعوا الأمة في حرج عظيم قتلاً وتفجيراً وانتحارا وتكفيرا وتضليلاً)(15).

بالرغم من تحذيرات صدرت من كبار العلماء الرسميين، إلا أن تصريحات علماء آخرين تلفت إلى أن فتاوى وتحذيرات العلماء فقدت قدراً كبيراً من نفوذها في الشارع السلفي. ففي 28 نوفمبر 2008، إنتقد الشيخ صالح بن غانم السدلان، الأستاذ في كلية الشريعة في الرياض، من يتعرّضون للعلماء ووصفهم بالمساكين، وشمل نقده من (يغتاب الحكام أو المسؤوليين في الدولة صغاراً أو كباراً)، حسب قوله(16). وطالب بتوحيد الفتوى (يجب ألا تتعدد مصادر الفتوى في البلد الواحد وأن يكون مصدرها واحدا وألا تختلف هذه الفتاوى في الأمور العامة حتى المفتي الواحد لا يستقل برأيه فيما تعم به البلوى والنوازل المعاصرة وغير ذلك)، وألمح الى الفتاوى من مصادر مجهولة أو وسائل غير رسمية كالفضائيات أو الهاتف..وقال بأنه لا يجب معارضة الفتوى الرسمية وقال بوجوب (احترام الفتوى الرسمية وعدم معارضتها)، حتى لو تبيّن صحة فتاوى مجتهدين آخرين، واشترط صحة الفتوى بكونها صادرة عن (جهّة مخوّلة من قبل ولي الأمر).

كما جرى نقاش عريض على مستويين رسمي وأهلي حول مسألة تعدّد مصادر الإفتاء في المملكة السعودية. ويميل الشيخ الدكتور محمد القري، الى تعدّدية الآراء وقال (يجب ان لا نتخوف من كثرة الآراء والفتاوى لأن عندنا الميزان الذي نعرف به الصواب والخطأ)(17). وتبعه في ذلك الشيخ الدكتور عبد الله المطلق، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، وقال (فرأي الفقيه لا يكون حاكماً على فقيه آخر، فهذه اجتهادات، وكل واحد من الفقهاء يجب عليه أن يجتهد في بيان حكم الواقعة من أدلة مستنبطة من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم)(18). وفي جوابه عن مسألة توحيد الفتوى قال بأن (توحيد جهة الفتوى من مسائل السياسة الشرعية المنوطة بولي الأمر، وقد أصدر مجلس هيئة كبار العلماء قرارا يمنع فيه الفتوى في وسائل الإعلام إلا من المخولين بإجازة من سماحة المفتي العام للمملكة). وعلّق قائلاً أن (الذين يدعون إلى توحيد الفتوى بحرارة هم الذين يضيقون ذرعا بالخلاف ويظنون أنه نشاز في حياة المسلمين، ويرون انه يجب على علماء المسلمين أن يتحدوا في الفتوى، وفي الواقع أن هؤلاء من حيث لا يشعرون يدعون إلى أن يفقد الفقه الإسلامي ميزة من أعظم الميزات التي هي حرية الاجتهاد والبحث في الوصول إلى المعلومة الصحيحة، وألا تكون المسائل مسائل إجماع يؤخذ فيها رأي الأغلبية ويمنع غيرهم من الاجتهاد، فهؤلاء ينظرون بمنظار يفرق الناس في المجالس أو في طبيعة عملهم، ممن يأخذ بهذا الرأي وآخر يأخذ بهذا الرأي، يعتبرون هذا العمل من الأشياء المشينة التي لا يجوز أن تنسب إلى الإسلام ..).

وعلّق الشيخ محمد القري على دور المجامع الفقهية وهيئة كبار العلماء بأنها (إنما أسست لكي تكون هيئات للاجتهاد الجماعي وليس لاحتكار الاجتهاد، وهذا خلط في أذهان كثير من الناس)(19). وفرّق الشيخ يوسف الشبيلي بين احتكار الفتوى وضبط الفتوى وقال (فأنا لا أؤيد الدعوة إلى توحيد الفتوى، إذا كان القصد من ذلك أن يسند الإفتاء في جميع القضايا
عبدالله المطلق
أو بعضها إلى جهة بعينها أو شخص بعينه ويمنع الآخرون من الإفتاء بما يخالف ما يصدر عن تلك الجهة، وذلك فيما أرى مخالف لسنة الله الكونية وسنته الشرعية). وقال بأن توحيد الفتوى يكاد يكون مستحيلاً في هذا العصر التي تطوّرت فيه وسائل الإعلام (فالناس يتلقون الفتاوى عبر وسائل الإعلام من علماء بلدهم ومن غيرهم، فإذا أسند الحاكم في بلد أمر الإفتاء إلى جهة بعينها ومنع العلماء الآخرين من مخالفتها، فغاية ما في الأمر أنه منع علماء بلده، أما المفتون من البلدان الأخرى فلن يمتنعوا عن الإفتاء لأهل تلك البلاد ولغيرهم ولو كان رأيهم مخالفاً لتلك الجهة التي يفترض فيها أن تحتكر الفتوى).

ومع اختلاف الفتوى، يرى الشيخ عبد الله المطلق بأن يأخذ المسلم (بما يعتقد أنه أقرب إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم)، وعارضه في ذلك الشيخ محمد القري الذي اعتبر اتباع من نثق في دينه وأمانته وديانته وعلمه في الافتاء (فهذا من المسلمات)، ويضيف (ولكن فيما يتعلق بالمعاملات المالية من المهم أيضاً ان نتأكد من فهم المفتي للمسألة محل الفتوى)(20). وجاء ذلك، بعد أن شكى كثير من الخبراء الإقتصاديين من فتاوى متضاربة صدرت من رجال دين غير متخصّصين في القضايا الإقتصادية(21).

في ظل هذا التشابك المحتدم بين مصادر الإفتاء على المستويين الرسمي والأهلي، كانت المحاولات تتجه إلى ترشيد العملية الإفتائية، من خلال تصنيع قنوات استيعاب للنشاطات الفقهية. ويمثّل إنطلاق قناة (فتوى) التي يشرف عليها الشيخ سلمان بن فهد العودة، أحد رموز الصحوة البارزين في التسعينيات، إحدى المحاولات لناحية وضع حد للتوترات الدينية على قاعدة تعدّدية مصادر الفتوى. وكانت القناة قد أعلنت عن أحداف محدّدة منها: تأكيد المرجعية للكتاب والسنة، تثبيت المحكمات ومعاقد الإجماع، إشاعة التعامل الشرعي مع الخلاف في موارد النزاع، تيسير وصول المستفتي إلى المفتي، السعي إلى أن تتبوأ الفتوى مكانها اللائق بها في توجيه الطاقات نحو التقدم والتطور والبناء الحضاري، التعريف بالمجامع الفقهية ودور الفتوى والتواصل بين فقهاء العالم الإسلامي، الرقي بمستوى المستفتي في تفكيره . ووعيه بذاته ودينه ومجتمعه، تطوير الرؤية الفقهية ، وإثراء البحث في فقه النوازل والقضايا المعاصرة(22).

وقد استطلعت القناة آراء كثير من العلماء داخل وخارج السعودية واستثنت بطبيعة الحال آراء علماء من المذاهب الأخرى داخل المملكة، الصوفية، والشيعة، والاسماعيلية وغيرهم..بالرغم من أن فتاوى كثيرة صدرت بتكفيرهم من علماء سلفيين، من بينهم المشرف على القناة.

وفي أبريل 2008، شهدت البلاد جدلاً واسعاً حول توسعة المسعى بين الصفا والمروة في الحرم المكي، وبالرغم من قرار الملك عبد الله بإمضاء مشروع التوسعة، إلا أن أغلبية أعضاء في هيئة كبار العلماء عارضوا القرار. ومن أجل التعويض عن تلك المعارضة نقلت صحيفة (الشرق الأوسط) في 26 أبريل 2008 آراء عدد من الفقهاء والمراجع السنة والشيعة المؤيدين لتوسعة المسعى من منطلق (فقه التيسير والرحمة)، من بينهم الشيخ يوسف القرضاوي والمرجعين الشيعيين علي الخامنائي ومحمد حسين فضل الله. يأتي هذا الإستدراج للتأييد في ظل موقف سعودي ثابت برفض التدخل الخارجي في شؤون إدارة مناسك الحج.

وعلى مستوى علماء المؤسسة الدينية الرسمية، أصدر الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء، بياناً في 14 أبريل 2008، عبّر فيه عن رفضه لفكرة التوسعة وقال (لا مجال للاجتهاد في العبادات، فلا يزاد في مكان العبادة الذي حدده الله لها. ومكان السعي بين الصفا والمروة كما أن مكان الطواف هو بالبيت العتيق). كما عارض رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح اللحيدان، المقرّب من ولي العهد الأمير سلطان ووزير الداخلية الأمير نايف، التوسعة الجديدة، وقال (ومن اعتمر الآن فعليه أن يترك السعي). وكان بعض أعضاء هيئة كبار العلماء قد عارض قراراً مماثلاً في عهد الملك خالد في مسألة التوسعة في منى.

صالح الفوزان

فتاوى أخرى ذات طبيعة حكمية صدرت أيضاً من قبل علماء دين محسوبين على الخط المتشدد في المدرسة السلفية، منها فتوى الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، الأستاذ السابق بقسم العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بردّة الكاتبين في جريدة (الرياض) يوسف أبا الخيل وعبد الله بن بجاد العتيبي في سياق رده على مقالتيهما بتاريخ 7 يناير 2008 بعنوان (إسلام النص وإسلام الصراع) للعتيبي و(الآخر في ميزان الإسلام) لأبي الخيل. وطالب البراك الكاتبين بالتوبة. وقال البراك عن كل كاتب على حده (يجب أن يحاكم ليرجع عن ذلك. فإن تابَ ورجع، وإلا وجب قتله مرتداً عن دين الإسلام، فلا يغسَّل ولا يكفَّن ، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون)(23). وصدر بيان في تأييد فتوى الشيخ البرّاك من قبل مجموعة مؤلفة من واحد وعشرين عالماً وأستاذاً جامعياً في كليات الشريعة والعقيدة في السعودية(24). و

كان رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح اللهحيدان قد أصدر فتوى في 12 سبتمبر 2008 أجاز فيها قتل أصحاب القنوات الفضائية العربية واصفاً إياهم بالمفسدين الذين يعملون على نشر الفساد والإفساد. وجاء في نص الفتوى التي أعلنها في إذاعة رسمية محلية (إن من يدعو إلى الفتن، إذا قُدر على منعه ولم يمتنع قد يحل قتله، (...) إذا لم يندفع شرهم بعقوبات دون القتل، جاز قتلهم قضاء. (...) إن الأمر خطير (...) لأن إفساد الأخلاق والدعوة لذلك نوع من الفساد العريض في الأرض). وأصدرت منظمة (مراسلون بلا حدود) بياناً أشارت فيه إلى أن الفتاوى الصادرة بحق محترفي الاعلام (باتت عملة رائجة)(25). من جهة ثانية، اعتبر المستشار في وزارة العدل الشيخ عبد المحسن العبيكان الفتوى بأنها تدعم (الإرهاب والفئة الضالة). وقال في بيان صحافي أن الفتوى وصلت الى أفراد هذه الفئة (على طبق من ذهب ليستغلونها استغلالا سريعا والتحرك لتجنيد شبابنا لازهاق الانفس وتفجير المحطات ومواقع ملاك هذه القنوات)(26).

ومن الفتاوى اللافتة، ما دعا إليه الشيخ محمد الهبدان خلال برنامج (ليالي رمضان) على قناة (المجد) العلمية في 25 سبتمبر 2008 بأن النقاب الموجود في الأسواق لا يصح ارتداؤه، وأن النقاب المشروع هو أن تلبس نقاباً بعين واحدة، وطالب بعدم خروج النساء إلى الأسواق دون محرم.

وتناول الشيخ محمد صالح المنجد، الذي بات يعرف بفتوى قتل ميكي ماوس، في خطبتي الجمعة في 8 أكتوبر 2008، خطورة التصدي للفتوى، ما لم يكن صاحبها مؤهلاً علمياً بدرجة كافية. وأشار إلى ظواهر جديدة في الوقت الراهن حدّدها في عناوين من قبيل: العبث في الفتوى، المؤامرة على الفتوى، تضييع الفتوى، تمييع الفتوى، فضائيات ومواقع لها تروج الفتاوى الباطلة، وتستفتي من هو حقيق بأن يسجن(27).

وكان الموقف العقدي من العدوان الاسرائيلي على غزة آخر جولات تعدّدية مصادر الفتوى، حيث أفتى رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح اللحيدان بأن المظاهرات لمؤازارة سكّان قطاع غزة تعتبر من قبيل (الفساد في الأرض، وليست من الصلاح والإصلاح)، وزاد على ذلك (أن المظاهرات حتى إذا لم تشهد أعمالاً تخريبية فهي تصد الناس عن ذكر الله، وربما اضطروا إلى أن يحصل منهم عمل تخريبي لم يقصدوه). وتساءل (متى كانت المظاهرات والتجمعات تصلح؟). وقال اللحيدان خلال محاضرة عامة بعنوان (أثر العقيدة في محاربة الإرهاب والانحراف الفكري) إن أول مظاهرة شهدها الإسلام في عهد الصحابي الجليل عثمان بن عفان (كانت شراً وبلاء على الأمة الإسلامية)،
محمد الهبدان
واصفاً تعبير الجماهير عن مواقفها عبر التظاهر بأنه (إستنكار غوغائي)!. وشدّد على ضرورة (التقيد بما يصدره ولي الأمر فيه) وحذّر من أخذ العلم عبر (كل من هب ودب، أو العلماء الذين يدخلون الناس في الأمور السياسية، لاسيما الشباب الذين يعشقون الطموح ويفكرون في المناصب)(28).

جاءت هذه الفتاوى شديدة اللهجة للرد على فتاوى صدرت عن مشايخ آخرين تدعم خيار المقاومة وتدعو لضرب المصالح الإسرائيلية في كل مكان. فبعد يوم من بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أي 28 ديسمبر الماضي، أفتى الشيخ الدكتور عوض القرني باستهداف المصالح الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم، للرد على المجازر ضد قطاع غزة. وأشار القرني إلى وجود ما أسماه (مؤامرة عربية) ساهمت في تجرؤ (الصهاينة على القيام بهذه المجزرة). وقال القرني في فتواه (أنا هنا أفتي فتوى شرعية بأن المصالح وكل ما له صلة بإسرائيل هو هدف مشروع للمسلمين في كل مكان، وأن المسلمين يدفع بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم)(29). وألمح الشيخ عوض القرني إلى ضغوطات يتعرّض لها العلماء بعد إصاره الفتوى بضرب المصالح الإسرائيلية، وقال (لكن العلماء يجب أن يقولوا كلمة الحق، وأن يبينوا للناس ما يجب عليهم)(30).

من جانبه رأى عبد المحسن هلال وآخرين مثل رئيس جامعة مكة المفتوحة علي العمري، أصل الإباحة في المظاهرات والمسيرات السلمية، هي كما يبدو أحد الدوافع التي حرّكت الأمراء لتوجيه المفتي لوضع حد للجدل حول المشروعية الدينية للمظاهرات. وفي 10 يناير 2009، نشرت صحيفة (عكاظ) السعودية رأياً شرعياً لمفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبد العزيز آل الشيخ بأن تظاهرات نصرة غزة هي أعمال (غوغائية). ووصف التظاهرات التي انطلقت في العديد من الدول العربية والإسلامية لنصرة الفلسطينيين في قطاع غزة، في ما عرف بـ (يوم الغضب)، بأنها (أعمال غوغائية وضوضاء لا خير منها).

وفي 21 يناير 2009 صدر بيان عن ما يزيد عن أربعين عالماً وداعية من بينهم الشيخ عبد الله بن جبرين والشيخ ناصر العمر وآخرين اجتمعوا في مكة المكرمة لمناقشة الأوضاع في غزة، جاء فيه (لا خيار للأمة في مواجهة العدوان الصهيوني اليهودي إلا بالجهاد في سبيل الله، دفاعاٌ عن الدين والنفس والعرض والمال)، ونصّ البيان على فتوى (بتحريم مبادرات السلام التي تتضمن الإعتراف بحق اليهود في أرض فلسطين، وتطبيع العلاقات معهم). وانتقدوا وسائل الإعلام السعودية رافضين (لمز المقاومة وانتقاصها) لأن ذلك (من نهج المنافقين وديدنهم)(31).

في بلوغ ذروة المواجهة بين مصادر الفتوى في المملكة، يظهر توصيف حاسم لخطورة موقع المفتي، بحسب الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، المفتي العام ورئيس هيئة كبار العلماء (أن المفتي قائم مقام النبي في الأمة)(32)، بحسب ما جاء في كلمته في مؤتمر الفتوى في مكة في 18 يناير الماضي، في محاولة ليست الأخيرة لتذكير العلماء بخطورة الإفتاء.

خلاصة

ـ إن درجة إنخراط العلماء في الشأن العام يحدد طبيعة الرؤية الشرعية التي يعتنقونها، وبمرور الوقت سينشق نهجان وسط العلماء، حيث يسلك أولئك الذين يعايشوا الواقع بكل جوانبه ومشكلاته وحاجاته منهجاً مبايناً لمنهج العلماء الذين آثروا العزلة والتعاطي مع المجتمع من خلال وسطاء.. لاشك أن فتاوى تحريم إهداء الزهور للمرضى(32)، أو تحريم قيادة السيارة، وغيرها تسبب حرجاً من نوع ما لطبقة المشايخ من ذوي النزعة البراغماتية الذين يرومون نحو الإنفتاح على العصر، وتقديم رؤية معتدلة/واقعية في القضايا الشرعية..

عبدالله بن جبرين

ـ ما يظهر من سياق البحث أن ثنائية السلطة تعتبر مولّداً ناشطاً للإنشقاقات على قاعدة أيديولوجية وإجتماعية، وأن الجماعات المتعاقبة المنشقة من التيار السلفي العام، وإن خسرت بنيتها التنظمية المتماسكة إلا أنها تحتفظ بخاصية المراكمة، فهي ليست مقطوعة الصلة عن تجربتها الماضية، ولا عن خصائصها كجماعات متمايزة عن الطبقة العليا أو القديمة في المجتمع الديني. فكل جيل يجري استيعابه من قبل الدولة لا يعود للإندماج في الطبقة القديمة، إنما يشكّل طبقة جديدة، وفق شروط مختلفة، وتمثّل هذه العملية تطوّراً في وعي التيار السلفي، وإن لم يعكس، بالضرورة، تطلعه التام. والسبب في ذلك ببساطة أنه بات على درجة من التسييس ما يجعله قادراً على الموازنة بين مثله الدينيه ومكاسبه السياسية. ثم يأتي جيل آخر بنزعة مثالية وتطلّع أعلى، ليشكل طبقة جديدة بخصائص مختلفة، وحتى لو جرى احتواؤه من قبل الدولة، فإنه يبقى قادراً على تحقيق عنصر المراكمة، مع تطلّع مؤجل إلى الأجيال اللاحقة، شأن من سبقه من الذين احتفظوا برؤيتهم الثابتة العقدية المناوئة للدولة السعودية ولم يتخلوا عن مواقفهم منها، ولكنهم ارتأوا تجميد الموقف العملي ريثما تحين فرصة التعبير عنها في لحظة ما. والاستثناء الوحيد بين كل أولئك الذين خرجوا من مجال نفوذ الدولة وعادوا للإلتحاق به في وقت لاحق، يتمثّل في الطبقة التي لم تخضع بحال لمعادلة السلطة وتمسّكت بموقف ثابت، فهي تتحرّض عقدياً وإن جاءت النتيجة عكسية في السياسة.


المصادر

(1) صحيفة (الوطن) 22 يناير 2009
(2) الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع عبد الرحمن بن محمد بن فاسم العاصمي النجدي، الجزء الرابع عشر ـ كتاب النصائح، الطبعة الثانية ، 2004، ص ص 375 ـ376
(3) المصدر السابق ص 377 ـ 379
(4) سئل الشيخ بن باز عن سبيل الحل للقضية الفلسطينية فقال (لا يمكن الوصول إلى حل لتلك القضية إلا باعتبار القضية إسلامية، وبالتكاتف بين المسلمين لإنقاذها، وجهاد اليهود جهادًا إسلاميًا حتى تعود الأرض إلى أهلها، وحتى يعود شذاذ اليهود إلى بلادهم). أنظر: فتاوى بن باز، الجزء الأول/ص 281
(5) أنظر نص الكتاب في موقع الشيخ عبد العزيز بن باز على الرابط التالي: http://www.binbaz.org.sa/mat/8191
(6) أنظر نص الفتوى على الموقع الرسمي للشيخ عبد العزيز بن باز على الرابط التالي: http://www.binbaz.org.sa/mat/1950
(7) أنظر الفتوى على موقع الشيخ عبد العزيز بن باز على الرابط التالي: http://www.binbaz.org.sa/mat/8347
(8) أنظر نص الفتوى في موقع الشيخ عبد العزيز بن باز على الرابط التالي: http://www.binbaz.org.sa/mat/8345
(9)صحيفة الشرق الأوسط، 23 يناير 2000
(10) صحيفة (الشرق الأوسط) 31 مارس 2001
(11) مداخلة هاتفية للشيخ سفر الحوالي في برنامج (بلا حدود) على قناة الجزيرة في 5 نوفمبر 2003، أنظر نص المداخلة على موقع الوحدة الاسلامية: http://www.alwihdah.com/view.php?cat=3&id=41
(12) صحيفة (الوطن) السعودية، 7 أكتوبر 2005
(13) مقابلة مع الشيخ صالح آل الشيخ، صحيفة (الشرق الأوسط) بتاريخ 14 يونيو 2006
(14) موقع مجلة (الدعوة) على شبكة الإنترنت ويشرق عليها أ.د. عبد الله بن محمد بن ابراهيم آل الشيخ، العدد 2095، 14 جمادى الأولى 1428/31 مايو 2007 أنظر الرابط: http://www.aldaawah.com/html/?id=112
(15) موقع شبكة البروج الأخبارية، الرابط: http://www.albroge.com/cat2007.php?sid=12814
(16) صحيفة (الإقتصادية)، بتاريخ 28 نوفمبر 2008
(17) موقع (فقه المصارف الإسلامية) على شبكة الإنترنت الرابط: http://www.badlah.com/page-548.html
(18) المصدر السابق
(19) المصدر السابق
(20) ندوة الصيرفة الإسلامية بين الخلاف المذموم والمحمود، التي كان ضيوفها الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد المطلق، عضو هيئة كبار العلماء عضو اللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخ الدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء، والشيخ الدكتور محمد بن علي القري استاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز.
(21) أنظر: الفتاوى المتضاربة أوجدت الإضطراب في الفقه الإقتصادي، صحيفة (الإقتصادية) بتاريخ 10 فبراير 2007
(22) أنظر موقع قناة فتوى على الرابط: http://www.fatwatv.com/index.htm
(23) موقع قناة العربية على شبكة الإنترنت: http://www.alarabiya.net/articles/2008/03/13/46897.html
(24) أنظر نص بيان التأييد في موقع شبكة نور الإسلام على الرابط التالي: http://www.islamlight.net/index.php?option=content&task=view&id=8699&Itemid=0
(25) موقع قناة (العربية) على شبكة الإنترنت بتاريخ 16 سباتمبر 2008
(26) موقع بي بي سي على شبكة الإنترنت http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_7615000/7615801.stm
(27) أنظر الموقع: http://www.ksa-teachers.com/forums/f2/t-28222.html
(28) صحيفة (الحياة) 3 يناير 2009
(29) موقع إسلام أون لاين، بتاريخ 28 ديسمبر 2008
(30) حوار مفتوح مع الشيخ عوض القرني على موقع إسلام أون لاين بتاريخ 13 يناير 2009
(31) http://almoslim.net/node/105726
(32) الإقتصادية الإلكترونية، 19 يناير 2009 (33) أصدرت (هيئة كبار العلماء) برئاسة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ في تاريخ 29 ربيع الأول 1421هـ/1 يوليو 2000م فتوى تحرّم تقديم الزهور للمرضى في المستشفيات لأنه (ليس من هدي المسلمين على مر القرون إهداء الزهور الطبيعية أو المصنوعة للمرضى في المستش فيات.. وإنما هذه عادة وافدة من بلاد الكفار..).

الصفحة السابقة