درس وهابي في الوطنية

هذه السعودية لن تفيق حتى بعد مائة عام، إن طال أمدها الى ذلك الحين، لا قدّر الله!

هذه مزرعة تحكمها عصابة، شديدة المناطقية، شديدة الطائفية، لا تفهم معنى الدولة ولا الإنتماء ولا المواطنة ولا أبسط الحريات الواجب احترام الناس وخياراتهم فيها.

هذه مزرعة تحكمها أقليّة وهّابية، ترى أنها أرقى عرقاً، وأصفى ديناً في الكون كلّه.

هذه مزرعة تنهب خيراتها أقليّة، ويتآمر فيها الديني والسياسي على إخضاع الناس للباطل، ويتم شرعنة ذلك باسم الدين.

وهذه مزرعة، يتقاسمها مناصبها وخيراتها آل سعود والنجديون (وهابيون ومثقفون) وما تبقى من فتات يعطى لمعظم الشعب المقتول بالبطالة والغلاء وقلة الخدمات، فضلاً عن أمراض السكر وضغط الدم والقلب والسرطان!!

التفت الأفّاقون اللصوص من بريدة ونواحيها، وبعض أحياء الرياض وتوابعها، الى موضوع الوطنية والوطن، وقد كانا ينعتان بالوثنية والوثن. فحين واجههم المصلحون بهذه المفاهيم طلباً لإصلاحهم، وفتح آفاق أذهانهم المغلقة، استحوذوا على تلك المفاهيم وحرّفوها، وتاجروا بها، وتصدّوا كذباً للدفاع عنها. فصارت الوطنية والإنتماء الوطني والمواطنة تتلخص في أن يكون المواطن عبداً لآل سعود والوهابية والنجدية المقيتة.

وبدل أن يتعلّموا هم وطواغيتهم وأفراخ العنف التي خرّجوها الى كل العالم تقتل وتذبح باسم الله، جاؤوا لينظروا على المواطنين المبتلين بأمثالهم كيف تكون الوطنية.

عقد بداية الشهر الجاري، في المنطقة الشرقية ندوة أو دورة استمرت عدّة أيام، تحت عنوان (فقه الإنتماء والمواطنة).. خصصت للدفاع عن النظام السعودي الفاسد ومهاجمة اعدائه المحليين والخارجيين. والمدهش في كل هذا، أن معظم المحاضرين اخترقوا حقوق المواطنة والإنتماء في كل ما يدعون اليه، ما يشير الى أن هؤلاء الوهابية والمتنجدون المخمليون لا يفقهون من مفرادات الوطنية سوى الإنصياع لحكم (عبيد العبيد) آل سعود.

كمثال على ذلك، شخص اسمه عبدالرحمن الحجي، حصل على الدكتوراة من جامعة وهابية جاهلة، ودرس فيها وهي جامعة محمد بن سعود، جاء ليكفر المواطنين والمسلمين جملة باعتبارهم مشركين. ثم انثنى على الحركات الإسلامية: الإخوان في مصر، وحماس في فلسطين، وحركات اسلامية اخرى في العراق ولبنان، ليرى أنها تعبد الأوثان، وليختم مقالته بأنه لا توجد دولة موحّدة (دولة توحيد) قمعت الأوثان!! سوى السعودية، ثم عدد ما هي الأوثان، ما ينم عن جهل وتطرّف ديني لا علاقة له بعلم او دين.

ومما قاله الوهابي المتطرف، عن تلك الجماعات الإسلامية هو أنها: (تمكنت من الحكم، أو بعضه، لكنها أبقت على الشركيات من الأوثان والأصنام). وأضاف خلال محاضرته التي حملت عنوان: (تأصيل فقه الإنتماء والمواطنة)، بأنها (تشتكي من اغتصاب الأرض والظلم، لكنهم يسكتون عن حق الله) أي أنهم لم يحاربوا الشرك من المنظور الوهابي، وكأنه مدافع عن الله وحقوقه، وأما حقوق عباده، فلربما سيقوم آل سعود وأمثاله يوماً باسترجاعها من يد الصهاينة.

فما هي الشركيات التي خالفتها تلك الجماعات الإسلامية، بنظر الحجّي والوهابية؟ بل ما هي علاقتها بالمواطنة وتأصيل الإنتماء الوطني؟ وهل يريد الحجّي ان يوصل القارئ او المستمع الى أن (من لم يكن وهّابياً، فإنه مشرك، وبالتالي لا يمكن أن يكون وطنيّاً مخلصاً)؟

لقد استشهد الحجي بمسجد الخليل، في مدينة الخليل بفلسطين المحتلة، وسخر من أن الفلسطينيين والمسلمين (يطلقون عليه الحرم الخليلي، وهو لا يعدو كونه مسجداً عادياً، توجد فيه سبعة أوثان).

ما شاء الله! سبعة أوثان في مسجد الخليل المحاط بقطعان المستوطنين! ولم يتم هدمها، مع أن حماس ليست مسيطرة على الوضع في الضفة الغربية! والواضح أن كلّ قبر في مسجد يعتبره الوهابيون (وثناً، أو صنماً) يعبد من دون الله، بل أن قبر النبي نفسه، قال عنه الوهابيون أنه قد يتحول الى وثن لأن عليه بناء، حتى وإن كان في مسجد، ولذا لازالوا يطالبون بهدمه!

مع هذا يتحدث الحجّي، الوهابي المتطرف، بأن السعودية هي (الدولة الوحيدة التي تقيم التوحيد، فلا يوجد فيها مظاهر شركية)!. والدليل على ذلك، حسب قوله (إن المتأمل لهذه البلاد قبل 90 عاماً، يجدها مليئة بالتماثيل، فيوجد في الطائف، وثن عبدالله بن عباس، وفي مكة وثن خديجة، وكانا يعبدان من دون الله، وفي جدة وثن حواء، لكن الملك عبد العزيز أزالها منذ أول يوم سيطر فيها على تلك المدن، وهو ما تميزت به هذه البلاد إلى يومنا الحاضر.. حتى أصبحت مأوى أفئدة الموحدين في كل أنحاء العالم).

هكذا إذن، يتحول قبر حبر الأمة عبدالله بن عباس، وقبر السيدة خديجة زوجة النبي، وقبر أمنا حواء، الى مجرد تماثيل وأوثان تعبد من دون الله!

أليست هذه صفاقة وقلّة ذوق، وغباء وهابي قلّ ان نجد نظيره في الكون كلّه؟

أليس معنى هذا أن من لا يؤمن بما قاله هذا الجاهل، ونظراؤه الوهابيون، يعتبر من (عبدة الأصنام والأوثان والتماثيل، وأنه من المشركين)؟ ترى من من المسلمين يمكن ان يخرج من هذه الدائرة؟ وكيف يمكن ان يكون المشرك بنظر الوهابي المتطرف وطنيّاً وله انتماء وطني، ويتمتع بحقوق المواطنة؟! لا غرو ان معظم المواطنين هم من غير الوهابية وبالتالي من المشركين، وعليه لا بد أن يصبحوا مسلمين وهابيين موحدين على طريقتهم قبل أن يحصلوا على حقوق المواطنة، وقبل أن يعترف بانتمائهم الوطني!

ألا قبحكم الله على هذا الفكر المريض، الذي يخلص صاحبه وأمثاله الى القول: (أي شخص يكنّ العداوة إلى السعودية، فهو بذلك يكنّ عداوة لأهل التوحيد)، وأن الأوطان (تعمر بالتوحيد والسنّة، والمملكة رمز للتوحيد)، مطالباً بـ (التبرؤ من المشركين، ومما يفعلون).

الصفحة السابقة