ابن باز أفتى بهدم الحرم! والأحمد كرر الفتوى بهدمه! العبيكان: الأحمد استعجل!!

التيار السلفي يسير الى حتفه

فتوى وهّابية بهدم المسجد الحرام!

محمد الأنصاري

معارك الشيخ يوسف الأحمد إنتهت بأم الفتاوى، فكانت فتوى هدم المسجد الحرام المسمار الأخير في النعش، والقشّة التي قصمت ظهر البعير. صولات برع الأحمد في الشهور الماضية في أن يحقق فيها ذروة الإثارة الجماهيرية والاعلامية، ولكنها تحوّلت إلى ما يشبه عملية استدراج ممنهج وصولاً إلى المنحدر السحيق الذي هوى فيه بفتوى الهدم.

تميّز الأحمد بنزعة راديكالية منفلتة، ووجد في قنوات التعبير السلفية مجالاً رحباً كيما يخوض معاركه مع خصومه الليبراليين، ولكّنه وجد نفسه في مواجهة مع علية القوم. ربما كان اطمئنانه للدعم المعنوي الذي يمنحه وزير الداخلية الأمير نايف لمجموعة المشايخ المتشدّدين أو بالأحرى الصحويين السابقين والحاليين هو ما دفع به إلى السير نحو حافات المواجهة، وتلك كانت مغامرة غير محسوبة، كونه وجد نفسه وحيداً في الميدان.

من بين المعارك التي خاضها الأحمد كانت مع مشروع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، حين شنّ انتقادات شديدة اللهجة على الجامعة في لقاء جرى في 28 فبراير الماضي مع قناة (بداية) الفضائية ذات التوجّه الصحوي، وقال فيها:( لما جاءت جامعة كاوست وصار فيها الكلام، واستنزفت فيها الأموال، وصار فيه يعني من يريد أن يبرر الإختلاط الموجود، لكن سبحان الله سقط المشروع مرة وتهتّكت وتكشّفت، لأن ثبت إن فيه مرقص، وفيه مركـز، صالة لتعلّم الرقص، وصالة لتعلم الـ "كذا"، وظهر التعري والخلاعة والألبسة الضيقة وكشف الشـُـ.. هل هذا يقول أحد بجوازه؟) ويضيف (ولذلك، لا بد أن ندرك المشروع الضخم القائم الآن لإبعاد شريعة الله، من خلال هؤلاء المنافقين وتنفّذِهم وسيطرتهم على الإعلام).

أشعلت التصريحات النارية التي أطلقها الأحمد معركة على صفحات الجرائد، وبدأ مشهد الإصطفافات يبرز مجدداً، حيث دافع المشايخ عن موقف الأحمد، فيما وجد الكتّاب الليبراليون في تصريحاته فرصة لتصفية الحساب مع التيار الديني المتشدّد. ولم يتردد بعض الكتّاب في الردّ بقسوة على مشايخ الصحوة وبإسم الملك ومشروعه الجامعي، والذي استعملوه درعاً في حربهم ضد التيار السلفي المتشدّد.

غياب ملكة الدبلوماسية لدى الشيخ يوسف الأحمد هو ما جعله طعماً سهلاً، هكذا ينظر بعض المشفقين عليه من تياره السلفي، ولكّن ثمة ما يتجاوز الملكة الى غريزة حب الظهور والشهرة التي ربما تساهم في استدراجه الى اعتماد طريقة حرق المراكب دونما التفكير في طريق رجعة ولو على قاعدة تباين حسابات الأرباح والخسائر.

في جولة حامية أخرى، دخل الشيخ الأحمد على خط المواجهة المتجدّدة في معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي أنهى أعماله في 12 مارس الماضي، فقام بما يشبه عملية استعراض (فتوة الحارة) وكان برفقته 9 شبان، وراح يوزّع عبارات الوعد والوعيد على النساء ودور النشر المشاركة في المعرض، كما اعترض طريق كاميرات بعض المصوّرين الذين كانوا يبثّون تقارير لتغطية فعاليات المعرض، فكان يخاطب المراسلات التلفزيونيات والمذيعات بتغطية الوجه وستر الأيدي.

وفي هجوم غير مسبوق، وجّه الأحمد إنتقادات حادّة لبرنامج الإبتعاث الخارجي، ودخل في معركة كلامية مع أحد موظفي جناح وزارة التعليم العالي في المعرض، حيث وصف الوزارة بأنها (وزارة تغريبية وتقود المشروع التغريبي من خلال الابتعاث). وبعد ذلك قام عناصر المجموعة المرافقة للشيخ الأحمد بالإنتشار في أجنحة المعرض لإظهار النكير على الإختلاط والتشديد على الإلتزام بالحجاب، ما أحدث فوضى في بعض أقسام المعرض، قبل أن يتدخل رجال الأمن في المعرض الذين ألقوا القبض على 4 منهم فيما تمّ توجيه تحذيرات للبعض الآخر.

ثقافة الهدم

في مداخلة مع قناة (بداية) الفضائية في 17 مارس الماضي دعا الشيخ يوسف الأحمد، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً، إلى هدم المسجد الحرام بمكة المكرمة وإعادة بنائه على شكل أدوار تجنباً للاختلاط المحرم – على حسب قوله – بدلاً من الحجم الدائري الكبير للمسجد. وقال ما نصّه (وش المانع أن يهدم المسجد كاملاً ويبنى من جديد.. ويكون أضعاف أضعاف الموجود حالياً وبدلاً أن يكون دائريا وضخما وكبيرا فيكون 10 أو 20 أو 30 دورا ويكون هناك وسائل تقنية).

هدم المسجد الحرام، وهدم جزء من المسجد النبوي لإخراج قبر المصطفى منه، بعد سلسلة أعمال هدم طالت الآثار الاسلامية في المدينتين المقدّستين.. مساجد وبيوت النبي وزوجاته وأصحابه، وطمس الآبار والآثار والمعالم التاريخية التي تروي سيرة أعظم دين في تاريخ البشرية..ثقافة هدم طبعت المدرسة الوهابية منذ ظهورها في القرن الثامن عشر، فكانت تبشر منذاك بثقافة هدم ما تعتبره بدعاً، حتى بلغ التطاول إلى حد المطالبة بهدم المسجد الحرام..

لم يكن يوسف الأحمد أول من اعتنق عقيدة الهدم، ولا هو أول من أسّس لفكرة إستباحة المقدّس، فقد أرست المدرسة الوهابية ثقافة خرق كل المحرمات، بحجج واهية..ولذلك، لم يعد مستغرباً أن ينبري شيخ صغير هنا أو هناك ليفتي بهدم مساجد تاريخية شامخة، ويدعو الى إخراج قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم من مسجده..

ماقاله الأحمد حول هدم المسجد الحرام ليس رأياً ناشزاً في المدرسة الوهابية، فهو إنما جهر بما ضمره علماء كبار في هذه المدرسة، ولذلك لحظنا الصمت المريع من هؤلاء العلماء الذين يفتون في كل شؤون الخلق، ولكنهم في هذا الموضوع الخطير غابوا عن السمع والبصر. بل لم نسمع من يصحّح له إحالته على المفتي السابق الشيخ بن باز حين قال بأن رأيه يستند إلى مقولة سابقة للشيخ بن باز. ما غاب، ربما، عن أذهان الكثيرين أن الذين أبدوا تحفاظاً على تصريحات الأحمد حول هدم الحرم المكي لم ينقدوا الدعوة وإنما عارضوا توقيتها والأسلوب الذي اتّبعه في التعبير عن دعوته، ولذلك اعتمدوا عبارات مواربة مثل (متسرّع) كما قال المستشار في الشؤون الدينية في الديوان الملكي الشيخ عبد المحسن العبيكاني و(متعجّل) كما قال المستشار القضائي الشيخ صالح اللحيدان.

نعم، وحده القاضي في المحكمة الجزئية في الرياض الدكتور عيسى الغيث الذي عبّر عن موقف صريح برفضه دعوة الشيخ الأحمد بهدم المسجد الإحرام دفعاً للإختلاط بين الجنسين، وطالب (بوضع حد لمثل هذه الآراء، ووقف أصحابها عند حدهم) حسب صحيفة (الوطن) في 19 مارس الماضي، وقال (لم أكن أتوقّع أن يصل الأمر إلى هذا الحد فهذا يعني أننا وصلنا إلى مراحل خطيرة لم يتوقعها أحد ولو من أكثر المتشائمين، ولكن للأسف ثبت هذا بالمقطع الذي رأيته، وعليه يجب أخذ موضوع الغلو والتنطع بكل جدية).

في واقع الأمر، إن الكثير من الفتاوى الصادمة يروج في الوسط الوهابي، ولكنها تبدو مجهولة لدى كثيرين في الداخل، دع عنك الخارج، بل هناك تأييدات رسمية ومن أعلى المستويات والمقامات، ولكن حين تترك ردود فعل غاضبة يتنصّل الداعمون لها، ويبدون وكأنهم لم يسمعوا بها أو لم يهبوها دعماً وتأييداً..

مسألة الإختلاط، العنوان العريض للتجاذب الداخلي إعلامياً وثقافياً وحتى دينياً في الوقت الراهن، لم تكن مقتصرة على الوسط الوهابي بل كان للرسمي دور محوري فيها، وصدرت فيها أوامر ملكية وسامية، من قبل أكثر الملوك تهتّكاً، أي الملك فهد..فلماذا يقتصر المعترضون على فتاوى تحريم الإختلاط على المشايخ، وهناك من كبار الأمراء من يقف وراءهم وأبرزهم الأمير نايف الذي رفض حتى مجرد السماح للمرأة بقيادة السيارة.

على أية حال، فإن الأحمد أراد الشهرة فأصبح كبش فداء للتشدّد الديني، فأصابته سهام القوم، ولكنه في الوقت نفسه وجّه سهاماً من نار الى الذين وضعوا رهانهم على الملك عبد الله بإحداث التغييرات الكبرى في البلاد. ومن طرائف القدر أن يأتي اقتراح الشيخ يوسف الأحمد بهدم المسجد الحرام متزامناً مع احتفالية الجنادرية لتفسد أجواءها، وتقلب أفراحها إلى حزن عميق. ويصوّر الكاتب د. حمود بو طالب المشهد في مقالة له في 20 مارس الماضي جريدة (عكاظ) بعنوان (من القتل إلى الهدم..ياقلب لا تحزن)، أن ثمة أجواء فرح عمّت أجواء الجنادرية، ولكن حسب قوله (يافرحة ما تمّت..فجأة بدأ أحد الزملاء يدور على الموائد سائلاً: هل سمعتم عن آخر إصدار من الآراء المخيفة؟) فراح ينقل اليهم دعوة الشيخ الأحمد إلى هدم المسجد الحرام كاملاً وإعادة بنائه من جديد ليمنع الاختلاط بين الرجال والنساء. وبدا بو طالب شديد الغضب مما سمع، كما يظهر من عباراته (إن الأمر تجاوز كل الحدود، ولم يعد ممكنا أخذه على محمل الرأي الذي يقبل أو يرفض حين تصدر دعوة إلى هدم المسجد الحرام.. ولم يعد مستوعبا أن يستمر هذا المسلسل العبثي الذي لم يراع حرمة المسلم ولا أمنه ولا مقدساته، فماذا نحن فاعلون؟).

وفيما خرج العريفي والبرّاك من دائرة الضوء، دخل الأحمد المسلخ الصحافي كيما يحظى بحفلة انتقادات واسعة النطاق لقاء ما اقترفه من فتاوى سابقة، وآخرها أم الفتاوى (هدم المسجد الحرام)..الأحمد لن يجد معيناً كما حصل للبرّاك والعريفي، لأن القضية تجاوزت الحدود، كما يقول بو طالب، فهذه قضية إسلامية وإنسانية كبرى، والتي ستبعث غضباً في العالم بأسره، ولربما قد نجد تفسيراً لصمت هيئة كبار العلماء عن دعوة الأحمد، وإن كانت تؤيّد ما قاله ضمنياً، خوفاً من ثورة غضب عارمة.

في تعليق غاضب على رأي الشيخ الأحمد في صحيفة (الوطن) السعودية نُشر في 19 مارس الماضي جاء:(يجب حلّ هيئة كبار الجهلاء، و تحرير الناس من وصايتهم الكهنوتية، و إرسال مرضاهم إلى مصحّات علم النفس و الطب البديل، حتى يرتاح العالم أجمع من علوّهم و تشددهم المقيت، و حتى لا يأتي يوم ( أراه قريب).. ينقلب فيه أبناء الإسلام على عقبيهم (هكذا)، بسبب هؤلاء الجهلة الغلاة، أعداء الحياة!)

تراجع الأحمد عن الكلمات الإستفزازية مثل (هدم)، لم يغيّر من حقيقة دعوته، وتمسّكه بموقفه وإن استبدل الكلمة بأخرى محببة للنفس لدى علية القوم مثل (توسعة)، ومع ذلك لم يتردد في توجيه النقد لمشروع التوسعة الذي تنفّذه الحكومة حيث (لم تظهر فيه الرؤية متكاملة ومتجانسة من حيث توسعة المسجد الحرام..). وأما بالنسبة للنساء فقال الأحمد مستدركاً (لا أعتقد أن أحداً يوافق أن تعرك زوجته أو قريبته بين الرجال في المطاف، فحفاظاً على حقوق المرأة وإكراماً لها لتأخذ راحتها في العبادة وأداء الصلاة طالبت بتوسعة المطاف وإنشاء مواقع مخصصة لهن).

في مقالة بعنوان (بين الأمير والأحمد) تساءل خالد المشوح في صحيفة (الوطن) في 19 مارس الماضي: لا أعرف كيف فاتت هذه الاستنباطات الكبيرة علماء الإسلام على مدى ألف وأربعمئة سنة ولم يتم التنبه لها إلا من قبل الأستاذ الكبير يوسف الأحمد، أم كيف فاتت على نبي الرحمة في حجة الوداع أن ينطلقوا إلى مكة رجالا ونساء؟!

وكيف استطاعت امرأة في الحج الوصول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ترفع صبيها وتقول ألهذا حج؟!

لكن يبدو أن رمزية الصراع أنست الطرفين عن أي شيء يتحدثون ولا كيف يتحدثون، كما أن الاصطفاف الحزبي بين الأطراف جعلها معركة استقطاب على حساب النصوص والثوابت.

وعلّق تركي الدخيل في مقالته (أهدموا الحرم لتمنعوا الاختلاط) في صحيفة (الوطن) في 19 مارس الماضي على فتوى الأحمد بما نصه (إن هذا المقترح، أوضح مثال، وأبرز دليل على (اختباص) الأولويات، و(لخبطة) الموضوعات، وتحول القضايا في أذهان البعض من قضايا ثانوية إلى قضايا أصلية، تحت تأثير فوران في دماغ هؤلاء، وافتراض أن كل أحد غيرهم، يصل الليل بالنهار وهو يخطط لمهاجمة الدين الذي لا يمثله إلا هذا المسكين وبعض من يرى رأيه، دون اعتبار لمخالفة غيره. أصلاً من غيره؟!).

علي سعد الموسى علّق على كلام الأحمد في مقالة بعنوان (الفتوى: كم مرة سمعتم من قبل هدم المسجد الحرام) نشرت في (الوطن) في 20 مارس الماضي، حيث أضاء على الواقع التاريخي للمسجد الحرام، وكتب (قبل يوسف الأحمد، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام سابقاً، مرَّ هذا المسجد الحرام، بوصفه للطائفين والعاكفين، على سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام، وعلى أم المؤمنين عائشة وعلى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. قبل يوسف الأحمد كان في قلب هذا المسجد الحرام معاوية كاتب الوحي وعمر بن عبدالعزيز، وقبله كان هناك أئمة المذاهب الأربعة. قبل يوسف الأحمد حج وطاف الأوزاعي وابن القيم والحسن البصري وابن حزم والطبري والطبراني والنووي وابن قدامة وابن عبدالبر وابن حجر والقرطبي وابن كثير. قبل يوسف الأحمد، حج وطاف الإمامان محمد بن سعود وابن عبدالوهاب، وقبله أيضاً كان في هذا البيت الحرام محمد بن إبراهيم وابن حميد وابن باز وابن عثيمين والغزالي والقرضاوي وسلالة العلماء من صلب ابن عبدالوهاب ومن قبله حج وطاف آل الفوزان وابن جبرين وسماحة المفتي، ومع يوسف الأحمد، قبله أو بعده، حج وطاف علماء وأساتذة سبع كليات للشريعة. وأنا لم أسرد كل هذه الأسماء العظمى إلا لأطرح على يوسف الأحمد هذا السؤال: هل كان كل هؤلاء بدءاً من – حديث الركبان – حتى جمعة الأمس على خطأ وأنت المصيب وهل سكت كل هؤلاء 1430 عاماً متتالية وهم يأتون للبيت الحرام من كل فج عن الخطأ الذي لا يقوم صوابه إلا بفتواك الأخيرة؟ وحتى إن قال يوسف الأحمد إنه لم يقل بهذا تحديداً فمازال – اليوتيوب – شاهد التقنية على حرفية الفتوى وحروف الكلمة). ثم ختم بالسؤال: كم مرة في التاريخ سمعتم بهدم المسجد الحرام، وكم هم آلاف العلماء الذين دخلوه قبل يوسف الأحمد.

أما صالح محمد الشيحي، فحذّر الأحمد من أن يتحوّل الى أبرهة العصر، كما جاء في مقالته التي نشرتها صحيفة (الوطن) في 20 مارس الماضي بعنوان (حتى لا يسموك أبرهة عصره)، وجّه فيها نقداً للتسيّب في اصدار الفتاوى من قبل رجال الدين، وكتب ما نصه: (في بلادنا جملتان لا يمكن أن تسمعهما مهما أوتيت من قوة السمع.. لا يمكن أن تسمع مفتيا يقول على الهواء:"لا أعلم".. فالكل يعلم.. والكل يوقّع عن رب العالمين، بجرأة لم تحدث على مر التاريخ.

والأخرى أنك لن تسمع عالما أو مفتيا ـ صغر أو كبر ـ يخرج للملأ ويقول :"أعتذر..لقد أخطأت"..لا أحد يعتذر صراحة!

ولا غرو ولا غرابة؛ فالعلماء والفقهاء هنا لا يخطؤون..نحن الذين نسيء فهمهم..نحن وحدنا الذين يُقصر فهمنا عما يعنيه أصحاب الفضيلة..نحن وحدنا الذين نخطئ في فهم السياقات النصية.. نحن وحدنا الذين تعجز أفهامنا البسيطة عن استنباط الأحكام والمقاصد! أمس قرأت هنا أن عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً الدكتور يوسف الأحمد قال في إحدى القنوات بـ"هدم" المسجد الحرام وإعادة بنائه مرة أخرى!

وفي ردّه على إعادة تفسير الأحمد لكلامه الذي حمّل فيه منتقديه إساءة مقصده، قال الشيحي (والغريب أن الأحمد لم يتراجع ويعتذر.. بل أخذته العزة بالإثم حيث قال: "عبارة هدم "التقطت عنوة" ولم أقصد بها المعنى الذي تم تداوله بشكل موسع"! أي أننا نحن الذين يجب أن نعتذر لفضيلته لأن أفهامنا قاصرة عن الوصول للمعنى الذي يريد أن يوصله لنا! ما رأيكم لو أن القائل بـ"هدم الحرم" كان حمزة المزيني أو خالد الغنامي؟! سينادي البعض بـ"استتابته أو يقتل"!

الخلاصة: يقول زهير:(ومن لا يتق الشتم يشتم.. والمؤكد يقيناً، أن الأحمد جعل نفسه عرضة للشتم الذي لن ينتهي لسنوات طويلة، في كل أنحاء العالم..وليت الأمر يقتصر عليه..لكن الأذى يمتد لنا نحن حيث أصبحنا بفعل هذه الفتاوى المتطايرة عنوانا للتشدد والتخلف).

ما يمكن قوله بعد استعراض كلام الأحمد وردود الفعل التي أحدثته فتوى الهدم، أن التيار السلفي يخوض معركة وجود حقيقية في المرحلة الراهنة، في ظل تصعيدات تأتي في الغالب من جانب رموز التيار الذي رغم الارتكاسات التي تعرّض لها بفعل فتاوى تكفيرية أو محرّضة على القتل، يجد نفسه مدفوعاً ذاتياً أو من جهة ما كيما يواصل معاركه التي يرى فيها بعض المراقبين بأنها محاولة للدفاع عن وجوده المهدّد وإيصال رسالة الى الداخل بأنه مازال الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه أو تغييره.

وفيما يحاول بعض رموز التيار السلفي القيام بإعادة تموضع لدرء خطر الانعزال والتهميش في ظل تسارع وتيرة التحوّلات الإجتماعية والثقافية، فإن ثمة طبقة من المشايخ السلفيين مازالت تتمسك بمواقفها التقليدية المتطرّفة التي يحسبونها التزاماً أميناً بالعقيدة السلفية النقيّة، ويغمزون من طرف خفي من قناة الذين أقلعوا عن مواقفهم المبدئية لناحية تقديم آراء تتناسب مع ذوق الشارع الذي بات في مقلب آخر غير الذي أراده له التيار السلفي.

الصفحة السابقة