اليمن: حرب قد تلد انقلاباً!

القاعدة بضاعة سعودية ترد اليها

قد يكون الصيف السعودي قاعدياً حارقاً وليس ساخناً فقط!

عمر المالكي

في مثل هذا الوقت من العام الماضي كانت (الحجاز) تتحدث عن صيف سعودي ساخن!

والسخونة المتوقعة كان مفترضاً ـ وهو ما حدث ـ أن تأتي من اليمن.

لم يتأخر الوقت.. أشعل تحريض السعودية حروب اليمن الست كلها، ثم اقتحمت عجاج السادسة منها قبيل شهر رمضان الكريم الماضي، واستمرت الحرب ضارية لبضعة أشهر، خسرت السعودية خلالها سمعتها و48 موقعاً عسكرياً (داخل أراضيها)! فيما كان الرئيس اليمني يسخر وهو يتناول القات في (مقيله) ويضحك مع ندمائه مردداً قول السعوديين له: (يالله يا عبدالله)! أي احسم المعركة مع الحوثيين بسرعة!

لم ينته ذلك الصيف إلا والسعودية منغمسة حتى الأعماق في حرب الحوثيين، ولم تنته ذيول الحرب إلا قبل أن يحدث عمل كبير (يصرّ كثيرون على أنه مفتعل) وهو محاولة اغتيال رجل الداخلية القوي والأول: الأمير محمد بن نايف من قبل قاعدي سعودي جاء من اليمن!

انتهت الحرب مع الحوثيين بهزيمة مؤلمة ومذلّة للسعوديين.. معنوياً على الأقل.

فالجيش السعودي المظفّر، الذي كان يقوده القائد المزمجز خالد بن سلطان، والذي ابتنيت عليه آمالٌ عريضة من قبل جمهور سلفي طائفي ظنّ أنه سينهي الحرب خلال أيام، كشف عن ضعفه وهزاله وضعف العقيدة القتالية لديه.

سمعة السعودية كدولة معتدية؛ والجيش السعودي كجيش فاشل؛ والعائلة المالكة التي كانت تتصارع وزارة داخليتها مع وزارة دفاعها للحصول على الصفقات والإمتيازات ومواقع النفوذ.. تلك السمعة أقنعت أكثر الأمراء بأن رجلهم: علي عبدالله صالح قد نصب لهم فخّاً، وورطهم في الحرب. وطفق كتاب السلاطين السعوديين يتحدثون عن الخديعة المرّة فيما كان كتاب الإنترنت السعوديين يتحدثون عن سذاجة حكامهم.

خالد بن سلطان: نصر مبين من خلف الجبهة!

انتهت الحرب، ولكن بدون نصر عسكري، ولا نصر سياسي، مع أن خالد بن سلطان تحدث بجهالته عن (نصر مبين)!!

انتهت الحرب في فبراير الماضي، ولكن لم يسقط الحوثيون، ولم يهجّر شعبهم عشرة كيلومترات الى داخل الحدود ـ كما كان يطالب جنرال آل سعود، بل الذي تمّ تهجيره حقاً وبدون مبرر مئات الألوف من المواطنين السعوديين من قرى منطقة جازان، بلا هدف اللهم إلا أن تمتليء جيوب الأمراء بالأموال. فحتى الآن لازال هؤلاء يعيشون ـ شأنهم شأن ضحايا القصف السعودي من اليمنيين ـ في المخيمات (بالطبع فإن مخيمات السعوديين هي من نوع خمس نجوم قياساً مع حال الحوثيين اليمنيين)!

انتهت الحرب، والسعودية مرغمة على ذلك..

فالغرب تدخّل، وحدد الهدف: (إنه القاعدة)! ومحاربة الحراك الجنوبي أو الحوثيين في صعدة يعني تقوية القاعدة ورجالها.

لم يقبل السعوديون بهذا المنطق، ولا علي عبدالله صالح ورجاله. فقد اعتاد هؤلاء على استخدام القاعدة ضد خصومهم المحليين، كل بطريقته ولغرضه.

ولكن اجتماع لندن حسم الأمر، وغضبت الجامعة العربية والسعودية!

الأخيرة تم استرضاؤها بأن يعقد اجتماع في الرياض لإصلاح ما هدمته حروب السعودية في اليمن: من الأولى الى السادسة!

لكن الحقيقة بقيت غير ذلك.

فخلال الأشهر الماضية تبين التالي:

■ أن السعودية أجبرت على إيقاف الحرب، لفشلها أولاً، وللضغط الغربي ثانياً.

■ أن السعودية بعد الحرب أخذت تحرّض المسؤولين اليمنيين عليها من جديد وترفض أن تقوم تسوية بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح. يلحظ ذلك من خلال إعلامها ووعاظها وسياساتها العامة.

■ ان السعودية في سبيل ذلك، رفضت تمويل إعادة البناء والمساعدة في التئام ما خلفته الحروب الماضية من جروح.

أما الرئيس اليمني، وبمساعدة بقية تجار الحروب من حوله، فإنه فشل في: بناء سلم حقيقي مع الحوثيين، ولازال يراوغ ويستعد لحرب أخرى؛ وهو قد فشل أيضاً في إعادة الهدوء لليمن، حيث اشتعلت الجبهة الجنوبية (الحراك الجنوبي الذي لم يعد سلمياً بل عنفياً) بعد توقف الجبهة الشمالية؛ كما تصاعدت حمّى المواجهة مع القاعديين الذين كان يستخدمهم سابقاً ضد الزيديين وضد الجنوبيين الملاحدة، كما اعتاد ان يصمهم!!

صيف سعودي حارق!!

خلال عام، اشتعلت وتوقفت حروب، لم تحقق منجزاتها بنظر السعوديين.

المخاطر لاتزال قائمة. الحوثيون لازالوا أقوياء، و(قاعدة الجزيرة العربية) التي تتخذ من اليمن ملجأ ومقراً ومقاماً! تتصاعد قوتها؛ وكذلك قوة الحراك الجنوبي الإنفصالي.

كل ذلك لازال يجري على الحدود من السعودية، فماذا تصنع الأخيرة.

ابتداء، فإن وزارة الداخلية السعودية تعتقد بأن القاعدة في جزيرة العرب تستهدف بالدرجة الأولى الحكم في السعودية.

وهي تعتقد ثانياً بأن عدد الإنتحاريين القاعديين في اليمن أكبر بكثير مما يعلن، وهم بالمئات.

وثالثاً، فإن مسؤولي الأمن السعوديين يعتقدون بأن الصيف السعودي قد يكون حارقاً. فالحرب الماضية مع الحوثيين لم تمنع الإختراقات والتسللات القاعدية الى الأراضي السعودية.

كانت السعودية تزعم بأن الخطر هو حوثي، وأن التسلل الى الأراضي السعودية (حوثية) الطابع، وأن الحرب التي أشعلتها ومولتها وقتلت آلاف المدنيين بسببها واعتقلت آلاف اليمنيين على الحدود بحججها، إنما كان من أجل منع التسلل والأخطار المحدقة بأمن السعودية!

ولكن لم يثبت لا فيما سبق الحرب السعودية السادسة في اليمن، ولا بعد توقفها أن الحوثيين لهم علاقة بالشأن الأمني السعودي عامة. على العكس من ذلك، كان بإمكان السعودية الإطمئنان الى حقيقة أن الحوثيين قوة يمكن لها وتستطيع أن تمنع التسلل الأمني القاعدي الى أراضيها، بدل اتهامها بأنه مصدر تهديد أمني.

قاعدة جزيرة العرب في اليمن

الورقة الجنوبية الإنفصالية لازالت في كثير منها بيد السعودية.. فالاخيرة ومن الناحية الاستراتيجية ليست مع وحدة اليمن؛ لكنها في هذه الفترة وهي إذ تحتضن قيادات جنوبية كبيرة في اراضيها (العطاس نموذجاً) لا ترى أولوية للإنفصال، بل هي لم تكن والى ما قبل بضعة أشهر ترى أولوية لمواجهة القاعدة (وهذا هو رأي الحكم في صنعاء).. بل كانت الأولوية هي القضاء على الحوثيين.. غير أن عظم الحوثيين صعب الكسر، فتوقفت الحرب على مضض، بانتظار جولة حرب أخرى، سابعة!

الآن تبدو القضايا الثلاث تتسابق في الأهمية بالنسبة للسعودية والحكم في اليمن.. حتى أن علي عبدالله صالح كما آل سعود لا يعرفون أي الأخطار أشد، وأيها يبدأ به. فقد انفجرت القضيتان الجنوبية والقاعدية وتصاعدتا خلال الأشهر الماضية التي أعقبت توقف الحرب مع صعدة دون أن يعني توقف الحرب التوصل الى حل سياسي هو بحق لازال في رحم الغيب ومن الصعب ولادته في المستقبل القريب.

لا تدري السعودية أيها تواجه أولاً!

كأنها وعلي عبدالله صالح يريدان الحرب على الجبهتين الحوثية والقاعدية معاً على الأقل. ولربما كان شاويش صنعاء يبحث عن حرب متعددة الجبهات تشمل الجنوب.

لكن لا يستطيع الشاويش ولو وقفت معه السعودية وأمريكا أن ينتصر في أي حرب من الحروب الثلاثة، إذ لكل واحدة منها خاصية من نوع ما يكاد يستحيل ـ ضمن المعطيات القائمة ـ أن تنتهي بسهولة لصالح صنعاء أو السعودية.

فحرب الانفصال في الجنوب كما حرب الشمال في صعدة، يمكن حلهما سياسياً فقط وذلك بإعادة صياغة نظام الحكم اليمني من جديد، ما يعني تقديم تنازلات هائلة من اجل ديمومة الوحدة، وصناعة الإستقرار عبر اشراك القوى السياسية والإجتماعية الزيدية والجنوبية. مثل هذا الحل الذي اقترحه الغربيون لا توافق عليه السعودية، ولا يقبل به علي عبدالله صالح، فهذا الأخير بتركيبته النفسية وغروره السياسي ـ لا يقبل بأن يقدم تنازلات حتى لشركائه في الوحدة الذين ارسلهم الى المنفى، ما يعني أن عودة الحرب في صعدة قد تعود قريباً، وان الوضع الجنوبي آخذ بالتوتر اكثر، وأن مواجهة القاعدة بعد ان تم استخدامها لن يفضي الى نهاية حسنة بالضرورة. القتال على جبهات ثلاث او حتى جبهتين (فضلاً عن جبهة اللقاء المشترك البرلمانية!) صعب للغاية. والحل السياسي متعسر لاستبداد علي عبدالله صالح، فلا يبقى الا استمرار الحرب وتفكيك الدولة، وهو الخيار الراجح حتى الان.

الحرب السابعة

مؤشرات عديدة تفيد بأن اليمن تتجه الى حرب سابعة. اعتماداً أولاً على تجربة العلاقة مع علي عبدالله صالح، والذي كان هو يفجر الحرب بين الفينة والأخرى، اعتماداً على التمويل السعودي. والآن، هناك من المسؤولين اليمنيين من تجار الحروب من يطالب علناً بتمويل سعودي. وثانياً هناك من يريد الضغط على السعودية كي تدفع وإلا تم التوجه الى قطر التي احتضنت اتفاقاً سابقاً بين الحوثيين وصنعاء أفشلته الرياض، والأخيرة تريد أن تدفع للحرب، لا لإعادة البناء. وثالثاً، حتى الآن لم يف نظام صنعاء بمتطلبات السلام مع الحوثيين، فالأخيرون أطلقوا سراح المعتقلين بالالاف من الجيش، وازالوا الألغام وسلموا المواقع للقوات الحكومية. لكن علي صالح لم يطلق سراح أحد من المعتقلين، ولم يعوض الضحايا، بل اراد الدخول فاتحاً وفي كل يوم يقدم المزيد من المزاعم عن انتهاكات يقوم بها الحوثيون، وهو الان يضغط على نزع سلاحهم خدمة للقوى الوهابية، وهذا مستحيل الحدوث، ولكنه إذا ما قرر الحرب فسيجد له الأعذار.

لن يدخل صالح حرباً جديدة إلا بغطاء مالي سعودي.

ولكن السعودية لن تدخل الحرب برجالها وطيرانها كما فعلت من قبل. لقد تعلمت الدرس!

والحرب القادمة ان وقعت، لن تحوز دعماً داخلياً، ولا التعاطف حتى من دائرة النظام نفسه. لقد وعد علي صالح الجميع بأن الحرب الأخيرة ـ السادسة لن تتوقف إلا بنهاية الحوثيين، وحين أوقفها قبل ان يتحقق ما أراد خسر الكثير من سمعته ومكانته. هناك قناعة قارة بأن القضية الحوثية سياسية لن يفيد معها إلا الحل السياسي. وأي حرب جديدة يقدم عليها صالح فهي لغرض الابتزاز المالي ولخدمة أجندة سعودية.

أيضاً لن تحوز الحرب القادمة دعماً قوياً إقليمياً عربياً أو خليجياً أو حتى دولياً (غربياً أميركياً). ويمكن أن تؤدي الى يأس الأميركيين من قدرة النظام في صنعاء على منع تفكك الدولة وتوفير الاستقرار السياسي اللازم.

ومن المرجح أن مجرد اشعال الحرب السابعة، يفرز القناعة بأن على علي عبدالله صالح ونظامه أن يرحلا!

الحرب السابعة ان اشتعلت ستكون ـ على الأرجح ـ آخر الحروب، وستكون نهاية النظام القائم عبر انقلاب عسكري ربما!

معركة السلاح الزيدي/ الحوثي!

هو ضرب من الجنون أن يفكر الحوثيون أو الجنوبيون بتسليم أسلحتهم الى نظام صنعاء. اليمن بلد يتواجد فيه السلاح بكثرة، ويقدر عدد قطع السلاح بـ 25 مليون قطعة، ناهيك عن الأسلحة المتوسطة وحتى الثقيلة، الى حد أن البعض يمتلك دبابات!

هناك أحزاب مسلحة كحزب الإصلاح الموالي للسعودية ولنظام صنعاء، والذي شارك في حرب 1994 الى جانب النظام.

ومعلوم أن كل القبائل مسلحة، وبعضها مسلح حتى الأسنان.

وهناك جماعات مسلحة كالقاعدة والسلفيين وجماعة أبين، وغيرها.

لكن السعودية ورجلها في صنعاء يصرّان على تسليم الحوثيين بالذات لأسلحتهم.

من الناحية النظرية، فإن السلاح الخفيف متوافر في كل أنحاء اليمن، فلماذا يمثل عقدة لدى الحكومة إن كان بيد الحوثيين؟

ويفترض أن تتسلم الحكومة لو كانت هذه الأخيرة عادلة غير متحيزة وتحت قيادة غير هذا الرئيس، أن تتسلم السلاح المتوسط والثقيل أولاً من أتباع النظام، من مدافع هاون وناقلات جند ومدرعات ومدافع بعيدة المدى، وغيرها. وهي أسلحة لم يستخدمها الجيشان السعودي واليمني ضد الحوثيين ومدنيي صعدة فحسب، بل استخدمتها قبائل وميليشيات حكومية وقاعدية ضد الحوثيين أيضاً.

فكيف يفترض بالقوى الحوثية ان تسلم سلاحها لوحدها؟

الحوثيون: غنائم أسلحة سعودية

إن الأجواء غير مهيئة لتسليم السلاح، حتى مع التدخل القطري. السلاح يمكن ان يسلم ولكن بعد سنوات أي الى أن يشيع الإطمئنان، مثلما كان الحال في ايرلندا. أما تسليمه الآن وفي هذه الظروف، وبعد أن أجج النظامان السعودي واليمني القبائل واشتراها للعمل ضدهم فهذا لن ينجح. ليس من مصلحة الحوثيين أن يسلموا سلاحهم الآن. وهم إن فعلوا يكونوا قد انتحروا جماعياً، ولا يستبعد أن تقام لهم المذابح من قبل القبائل ووهابيي آل سعود.

الحوثيون يتساءلون: هل علينا لوحدنا أن نسلم السلاح لنذبح، كما ذبح الصرب الآلاف من شعب البوسنة بيسر وسهولة؟ ويعدون طلب تسليم السلاح من المعايير المزدوجة الظالمة. ويضيف الحوثيون بأنه ليس لديهم سلاح إلا ما اكتسبوه من الغنائم بقتالهم ودمائهم وعرقهم، ولم يستخدموه ضد أحد إلا للدفاع عن أنفسهم، فهم يتعاملون مع السلاح بكامل المسئولية بخلاف غيرهم، وهم يعتقدون بأن اصرار نظامي صنعاء والرياض على تسليم السلاح أمرٌ يثير الإستغراب.

مصادر مقربة من الحوثيين أشارت الى أنه ليس في نية الحوثيين تسليم أسلحتهم مهما كان الثمن. ويعللون ذلك بأن النظام اليمني وخلال السنوات الماضية أجج نزاعاً طائفياً بين السلفيين الداعمين للنظام وبين الزيديين الذين يمثلهم الحوثييون في محاولة منه لكسر شوكة الأخيرين. وقد استخدم نظاما صنعاء والرياض الفتاوى التكفيرية الوهابية التي تقضي بقتل الزيديين ووجوب سحقهم وإبادتهم، وانتقل عدد من مشايخ السعودية الى اليمن (عائض القرني مثلاً) للخطابة والتحريض والتجييش أثناء الحرب الأخيرة من أجل خلق حالة شعبية مرادفة للجيشين السعودي واليمني اللذين كانا يحاربان الحوثيين ويستخدمان كل ما لديهما من أسلحة وطائرات لقتل الأبرياء.

ان التعبئة والتحريض في خطب الجمعة والبيانات والفتاوى، خلقت مناخاً من عدم الثقة، فإذا ما أضيف الى ذلك مشاركة السلفيين ومشايخ القبائل المدعومين بأموال وأسلحة السعودية في الحروب المتعددة الماضية، الى جانب علي صالح، وكذلك محاولات فرض المذهب الوهابي على الزيديين بالقوة، الى حد مصادرة معظم مساجدهم في صنعاء وذمار وعمران وتسليمها لمشايخ الوهابية. إن هذا كله لا يشجع سكان صعدة بالذات، وعلى رأسهم قيادتهم الحوثية على تسليم السلاح بهكذا بساطة الى عدو الأمس الذي يريد استئصالهم بدون ضمانات.

القاعدة من جهتها شاركت النظام ضد الحوثيين، وهي تعتبرهم خصما لأسباب مذهبية، حتى جماعة عبد النبيء المتمركزة في أبين عدن، شاركت السلطة في قتال الحوثيين ودعت الآخرين إلى قتالهم. ومثلها فعلت الميليشيات القبلية المسلحة سواء المدعومة والمتفرعة من جيش النظام كبعض شيوخ القبائل في عمران وسفيان وصعدة، أو الميليشيات الممتهنة للارتزاق.. وكلها قاتلت الحوثيين إلى جانب قوات علي عبد الله صالح، وحصلت على أموال وأسلحة كثيرة وأصبحت تمتلك حتى الأسلحة المتوسطة والثقيلة، واقرب مثال على ذلك أن الميليشيات التي تجمعت في مديرية مجز وقتلت الحامس، كانت تمتلك مدافع الهاون وكانت تضرب ضحيان بقذائفها، وكذلك الأمر بالنسبة لجماعة صغير بن عزيز في سفيان.

فهل يجوز مع مثل هذا النظام الذي خاض ست حروب غادرة ضد شعبه وقتل آلاف المدنيين وأفسح المجال لجيش آل سعود وطائراته بقصف المدنيين الأبرياء.. هل يجوز مع نظام استخدم القاعدة ومشايخ القبائل ودول الجوار والأميركيين في حروبه أن تُسلم له الأسلحة ليفتك بأعدائه الذين هددهم على الملأ وشنّ عليهم الغارات؟!

بضاعة سعودية ترد اليها

لا يوجد حل سعودي ـ يمني للقاعدة أيضاً. فما نراه مجرد حصاد لمنتج سعودي مرّ.

النظامان في صنعاء والرياض اقترفا خطيئتين مباشرتين:

1 ـ القضاء على التنوع الثقافي والمذهبي، ما جعل التشدد كفكر الوهابية مغلّباً بالقوة على ما عداه. أي أنه تم إضعاف الزيدية المعتدلة لصالح الوهابية المتطرفة التي لا جذور لها في اليمن. وفي السعودية تم إضعاف كل المذاهب الشيعية والسنيّة لصالح الوهابية. فكانت النتيجة سيطرة الفكر التكفيري وجعلها ايديولوجيا للنظام!

2 ـ استخدام قوى التطرف والعنف والتكفير الوهابي لضرب الخصوم، أي استخدام القاعدة لضرب الحوثيين والجنوبيين في اليمن. واستخدامهم في ضرب دعاة الإصلاح والمختلفين سياسياً مع النظام في السعودية. وكانت النتيجة ان القاعدة تضخمت بقوة النظامين في صنعاء والرياض، قبل ان تتحول ضدهما. كلا النظامين اعتقدا بأن النار القاعدية قابلة للسيطرة والإستفادة منها ضد الخصم ثم يمكن الإنقلاب عليها. هذا ما أخطأت فيه السعودية واليمن وقبلهما اميركا والباكستان ولازالت السعودية تستخدم القاعدة في هذا البلد أو ذاك (العراق ولبنان وايران).

الآن انقلب السحر على الساحر، وعلى النظام السعودي بالذات ان يقلع الأشواك بنفسه.

لقد صدر السعوديون الوهابية كأيديولوجيا لمحاربة الزيدية في معاقلها باليمن، ونجحوا الى حد ما ثم طمعوا في محاربة الزيدية حتى في معقلها بصعدة بمعاونة الشاويش علي عبدالله صالح، فظهر الحوثيون وخاف السعوديون والشاويش من عودة حكم الإمامة!!

لم يكتف ال سعود بمحاربة التنوع الثقافي والديني داخل مملكتهم وبالتالي أنتجوا ولازالوا عناصر التطرف والعنف والقتل والتكفير فحسب؛ بل أنهم صدروا الفائض الى بلدان عديدة واستثمروا فيها لعقود في بناء وتنمية فكر التطرف كما هو الحال في باكستان واليمن. وكانت النتيجة، أن المنتج العنفي خرّب باكستان وافغانستان واليمن وكل أرض وصل اليها.

لكن اليمن بالذات لها وضع خاص، إذ يمكن منع تسلل المنتج السعودي الوهابي الى السعودية مجدداً، وإن لم يكن بصورة نهائية كما تحكي ذلك قصة القاعدة في السعودية نفسها، حيث تولى رئاستها داخل السعودية شخصيات من المغرب واليمن!

الحدود الطويلة بين اليمن والسعودية، والإستثمار الكبير للفكر والأيديولوجيا الوهابية في اليمن، ومحاولة القضاء على المذهبين السائدين الشافعي والزيدي، اضافة الى الطبيعة الجغرافية اليمنية المواتية لحرب العصابات.. كل ذلك عوامل تفيد بأن وجود القاعدة في اليمن لن يؤثر على استقرار الأخيرة فحسب بل سيكون له أثر سلبي مباشر على الوضع الأمني السعودي.

الحكومة السعودية تقول بأنها قضت على تسعين بالمائة من قوة القاعدة في السعودية. ومع ان هذا الزعم غير صادق تماماً.. الا ان أجهزة الأمن حققت انتصارات على القاعدة في السعودية، ما دفع عناصرها الى البحث عن مكان آمن قريب من ساحة المعركة، ترتب فيه اوراقها وتعيد منه نسج اتصالاتها مع اتباعها. موقع تستطيع فيه أن تستجلب اتباعاً وعناصر وتدربهم ثم تدفع بهم لساحة المعركة مرة أخرى.

هناك تقديرات رسمية بوجود نحو 500 انتحاري قاعدي في اليمن. إذا نجح ربع هؤلاء من تحقيق أهدافهم، فإنهم قادرون على هزّ الأمن داخل السعودية لمدّة طويلة.

من يزرع العنف يحصده!

وكما استمرت مرحلة زراعة أيديولوجيا التطرف فترة طويلة، واختلفت ساحات زراعتها ورعايتها في بلدان عديدة، فإن الحصاد سيستمر، وسيكون متنوعاً. فيوماً يكون الحصاد: (أفغان عرب)؛ ويوماً (قاعدة جزيرة العرب)؛ وثالثاً (قاعديو العراق)؛ ولربما قرر المُنتَجون أن يعودوا الى مصدر الإنتاج ومصانعه في السعودية، باعتبار ان أولوية التغيير تكمن فيها، وليس كما فعل الأميركيون حين جعلوا العراق مركزاً أو منخفضاً جوياً تتجمع فيه فلول الوهابية المتطرفة من كل مناطق الدنيا.

الآن، ربما تكون اليمن المقر الأول للتجمع القاعدي، ومنه يتم الإنطلاق الى (بلاد التوحيد الوهابي!).

الصفحة السابقة