من تقرير (هامش أوسع ومكاسب غير مؤكدة)

إصلاح حقوق الإنسان في السعودية.. نقطة جدل

كريستوفر ويلكي

(باحث في هيومان رايتس ووتش)

يمكن القول أن قبل عشرة أعوام لم يكن هناك أي مدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية بالمعنى الصحيح للكلمة. لكن اليوم هناك الكثيرين، منهم نشطاء مستقلين لديهم أجندات متنوعة، بل وحتى أقسام حكومية لحقوق الإنسان. حقوق الإنسان الدولية، التي كانت تُرى على أنها تختلف مع الإسلام – أو الشريعة – أصبحت مقبولة بشكل عام في الوقت الحالي على أنها تتفق معه. لكن بينما كان معدل ازدهار وقبول حقوق الإنسان الدولية في السعودية جيداً، فإن الحكومة مستمرة في قمع النشطاء المستقلين، مُفضلة أن تدمج أجندة حقوق الإنسان بمبادرات تقودها الحكومة، ولا تتناول ممارسات حساسة أو تدعو للمحاسبة لصالح ضحايا انتهاكات الحقوق.

ومنذ عام 2005، أصبح للسعودية قيود خارجية قليلة على أجندتها الداخلية. فالضغط الأمريكي للتحول الديمقراطي تراجع بعد عام 2007، ومنذ اليوم الأول لحُكمه، نظر الملك عبد الله إلى ما وراء تحالفه مع الولايات المتحدة وبدأ في مبادرات للشراكة مع الصين والهند، وهما لا تطالبان بالكثير من الإصلاحات الحقوقية، إن كانت لهما مطالب من الأساس. كما أن لدى السعودية موارد مالية كافية لاختيار أولوياتها التنموية. فأرباح النفط العالية أسهمت في زيادة الميزانيات المتعاقبة حتى عام 2010، وما زال الاحتياطي السعودي كافياً لتغطية أي عجز مؤقت.

الأعمال الإرهابية للقاعدة في الجزيرة العربية في عامي 2003 و2004، وكانت تستهدف بالأساس الغربيين في المملكة، مثلت أكبر تحدي للاستقرار الداخلي في المملكة، لكنها أخفقت في حشد الدعم الشعبي ضد النظام الحاكم. الإصلاحيون السلميون الذين ادعوا بوجود علاقة بين الحكومة القمعية وظهور المعارضة العنيفة تعرضوا لنفس مصير المتطرفين: الاعتقالات التعسفية، والاحتجاز لمدد مطولة، والمحاكمات غير الصحيحة، والحظر على السفر إلى الخارج. لكن هؤلاء الإصلاحيون بدورهم، أخفقوا في تحويل أفكارهم المحددة الخاصة بمجتمع عادل ومفتوح، إلى مطالب شعبية.

نمو حركة حقوق الإنسان السعودية

بين عامي 2003 و2004، ظهرت أصوات داخلية منظمة تطالب بالتغيير، وتلتها حملة قمعية، إلى أن وصل الملك عبد الله إلى العرش في عام 2005، جالباً معه فترة إرجاء قصيرة. نشطاء المطالبة بالإصلاح الذين تحدثوا عن حقوق الإنسان، مثل الأكاديميين متروك الفالح وعبد الله الحامد، والشاعر علي الدوميني والقاضي السابق سليمان الرشودي، ضمن آخرين، دفعوا ثمناً باهظاً لنشاطهم الإصلاحي. فالسلطات عرضتهم للمضايقات في أماكن عملهم، والاعتقالات والإدانة والحبس والحظر على السفر للخارج، وأغلب هذه العقوبات ما زالت سارية.

تحالف الإصلاحيين في عامي 2003 و2004 ضم ليبراليين وإسلاميين. وطالبوا بدستور وبالعدالة والشفافية في النظام القضائي وميزانية الحكومة، وتجديد التعليم والخطاب الديني من أجل مكافحة التطرف، وبمشاركة المواطنين في الشؤون العامة، بما في ذلك عبر الانتخابات وتشريع دستور، والمساواة في الحقوق للمرأة

إبداء مجموعة الإصلاحيين لمطالبهم في عامي 2003 و2004 أدى لخلق مساحة عامة في المجتمع السعودي لتقييم الحكومة بعين انتقادية. وبالأخص، فإن مبادرتهم وتضحياتهم أدت إلى نمو النشاط الحقوقي في المملكة، والذي انعكس بدوره في الإعلام. ردت الحكومة، وفي عام 2004 وافقت على إنشاء أول منظمة حقوق إنسان في السعودية، وهي الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وقوامها أعضاء من مجلس الشورى، ومثقفين، وبعض المسؤولين الحكوميين، ونساء أيضاً. وفي عام 2005 تم إنشاء إدارة حكومية لحقوق الإنسان، وهي هيئة حقوق الإنسان.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2006، عندما سمحت الحكومة لـ هيومن رايتس ووتش بزيارة السعودية لإجراء أبحاث للمرة الأولى، أبدى العديد من المسؤولين الحكوميين والمثقفين ورجال الأعمال التحفظات على مفهوم حقوق الإنسان الدولية، وأعربوا عن رأيهم بأنهم يرون هذا المفهوم وسيلة للإمبريالية الغربية تستهدف الإسلام. وقالوا إن حقوق الإنسان على ما يرام طالما تُرى من المنظور الإسلامي، الشريعة. وقالوا إن حقوق الإنسان الدولية "الغربية" لا هي ضرورية ولا قابلة للتطبيق. واليوم، فإن الملتزمين بحقوق الإنسان الدولية لهم وزن أثقل، مما يركز الضوء على قابلية تطبيق حقوق الإنسان في سياق إسلامي، وجزء كبير من ترسيخ هذه الفكرة يعود إلى جهود هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. وفي عام 2010 شكل مجلس الشورى لجنة حقوق الإنسان بالمجلس، وكانت اللجنة فيما سبق لجنة فرعية عن لجنة القضاء والشؤون الإسلامية وحقوق الإنسان. وفي عام 2007 أصدرت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تقريراً عن اتفاق القوانين واللوائح السعودية مع الاتفاقيات الأساسية لحقوق الإنسان.

ولا توجد اختلافات تُذكر بين هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والنشطاء المستقلين. فالهيئة تتفادى التغطية العلنية للقضايا، وتكرس جهودها نحو إثارة الوعي بحقوق الإنسان، في المؤسسات العامة والحكومية. كما تتابع الهيئة قضايا الأفراد، لكن لا تكشف علناً عن معلومات تخص هذه الجهود أو مدى نجاحها. وقال عدة ضحايا انتهاكات حقوق إنسان لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لم يتلقوا معلومات من الهيئة عن قضاياهم، فيما قال آخرون إن الهيئة لم تتول قضاياهم التي يبدو أنها انتهاكات لحقوق الإنسان.

ومن جانبها فإن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان كتبت علناً عن مشكلات حقوق الإنسان في عامي 2007 و2009، لكنها نأت بنفسها عن التعليق على القضايا التي تُرى سياسية الطابع، مثل اعتقال مدافعين عن الإصلاح عام 2004، ثم بعد عام 2005. كما دعت إلى إلغاء نظام الكفالة الذي يُعرّض العمال لهوى الكفلاء من الأفراد، أو أصحاب العمل، ودعت لضرورة مراجعة نظام ولاية الأمر، والنظر في إساءات هيئة الأمر بالمعروف، واستنكرت انتهاكات إجراءات التقاضي السليمة التي تكفل المحاكمات العادلة، بالإضافة إلى قضايا أخرى. وحملتها الرائدة كانت التصدي لمشكلات العنف الأسري، لكنها رصدت أيضاً حالة الأشخاص الخاضعين للاحتجاز ووضعهم القانوني.

قمع المدافعين عن حقوق الإنسان

لعب النشطاء المستقلون دوراً أكبر في حشد زخم حقوق الإنسان في المملكة، فتقدموا بالالتماسات والعرائض والإعلانات على منتديات الإنترنت أو عن طريق الفيس بوك وغيرها من جماعات حقوق الإنسان على الإنترنت. رفضت الحكومة تسجيل منظمات حقوق إنسان مستقلة، مما كان ليسمح بها ككيانات تتمتع بالوضع القانوني. في عام 2003 حاولت منظمة "هيومن رايتس فيرست في السعودية" التسجيل لدى الحكومة وفشلت". وفي العام نفسه، تقدم 50 ناشطاً سعودياً من مختلف أجزاء المملكة بطلب تشكيل منظمة لحقوق الإنسان، لكن لم يتلقوا إجابة على الطلبات المتكررة المقدمة، وفيها الأوراق والبيانات المطلوبة، لوزارتي الشؤون الاجتماعية والداخلية. وفي عام 2007 تقدمت مجموعة نساء بطلب تسجيل جمعية حماية حقوق المرأة والدفاع عنها، لكن تلقت المجموعة تحذيرات حكومية بالتوقف عن المحاولة. وفي عام 2008 رفضت وزارة العمل منح تصريح بمنظمة غرضها تناول البطالة، بدعوى وجود منظمات من هذا النوع بالفعل.

ورغم عدم الاعتراف القانوني، فإن النشطاء المستقلين تناولوا مشكلات حقوقية أساسية في السعودية. على سبيل المثال دعت نساء سعوديات إلى الحصول على الحق في القيادة، وجمعهن 1100 توقيع في طلب أُرسل إلى الملك عبد الله، وطالبن بنهاية ولاية الرجل على المرأة، بما في ذلك عبر التنظيم للاحتجاج أمام السفارة السعودية في واشنطن، في يونيو/حزيران 2010. وطعن نشطاء آخرون في الحظر غير المُدوّن على المسيرات العامة، والقيود على التعبير الحر، وعدم الإنصاف في المحاكم، وعدم احترام هيئات إنفاذ القانون للقانون السعودي وحقوق المواطنين، عبر تقديم الالتماسات والعرائض إلى وزارة الداخلية للمطالبة بعقد مظاهرات عامة، وعبر الكتابة على مواقع غير خاضعة للمراقبة على الإنترنت، ومقاضاة وزارة الداخلية. وفي 12 يونيو/حزيران أصدرت جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (جمعية غير مسجلة)، بياناً ورد فيه أن وزارة الداخلية رفض السماح  لها بعقد تظاهرة عامة تضامناً مع أسطول الحرية. وفي 2010، قاضى مخلف بن دهّام الشمري، الناشط الحقوقي، وزارة الداخلية على الاعتقال التعسفي قبل عامين، وسمحت المحكمة الإدارية بفتح القضية.

ومنذ عامي 2008 و2009 شكلت مجموعات من النشطاء منظمات غير رسمية ذات حضور افتراضي على الإنترنت، مثل صوت المرأة السعودية، وهو موقع ينشر مقالات على صلة بحقوق المرأة، والجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية، وهي مجموعة من مثقفي القصيم ونجد تحمل لواء الإصلاح الدستوري، وشبكة نشطاء حقوق الإنسان، التي تدير موقعاً يعرض المقالات المتعلقة بحقوق الإنسان وتساعد على تدريب النشطاء الشبان على مفاهيم حقوق الإنسان و"رصد حقوق الإنسان في السعودية"، وهي مجموعة على الفيس بوك تراقب انتهاكات حقوق الإنسان، وتشمل حقوق السجناء السياسيين والمتابعة القانونية لفيضانات جدة نوفمبر/تشرين الثاني 2009 التي أودت بحياة أكثر من 120 شخصاً. وهناك مخططات لإنشاء مركز قضائي لمراقبة حقوق الإنسان وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، في عام 2010، على أن يكون مجموعة على الإنترنت  تكرس جهودها لرصد المضايقات بحق نشطاء حقوق الإنسان.

وفي الوقت نفسه، فحقيقة أن المواقع الخاصة بهذه المجموعات غير الرسمية ما زالت محجوبة في السعودية، وأن الحكومة عرضت بعض النشطاء للمضايقات والتهديدات من مصادر مجهولة، تعكس القيود المفروضة على الاشتغال بحقوق الإنسان. وفي مايو/أيار 2008 قبضت الشرطة السرية على متروك الفالح، واحتجزته دون نسب اتهامات إليه لأكثر من سبعة أشهر، على وصفه عبر رسالة إلكترونية لأوضاع الاكتظاظ في السجن أثناء زيارة لسجن البريدة العام، والذي قارنه بـ "عش الدجاج". في يوليو/تموز 2009، احتجز المسؤولون لفترة قصيرة وليد أبو الخير، بعد أن اتهم المباحث بالمعاملة السيئة لموكله سعود الهاشمي، والذي تعرض للحبس الانفرادي منذ القبض عليه في فبراير/شباط 2007 بصحبة مجموعة من نشطاء الإصلاح.

كريستوفر ويلكي

مراقبة حقوق الإنسان

أدت زيادة الوعي بحقوق الإنسان أيضاً إلى زيادة رصد انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النشطاء المستقلين. الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية و"مراقبة حقوق الإنسان السعودية" تصدران بانتظام بيانات عن الاعتقالات التعسفية بحق النشطاء الحقوقيين، أو ترسلان تحديثات عن قضاياهم الخاصة بالتوقيف التعسفي المرفوعة ضد وزارة الداخلية. وفي يناير/كانون الثاني 2010، نشرت جمعية الدفاع عن حقوق المرأة في السعودية تقريرها الأول عن حقوق المرأة في المملكة. انتعاش هذه المجموعات وهؤلاء الناشطين هو برهان على مرحلة جديدة من ازدهار المجتمع المدني، لم تكن موجودة من قبل.

كما قامت بعض المؤسسات الإعلامية في السعودية بتبني قضايا حقوق الإنسان وساعدت على نشر معلومات عن انتهاكات حقوق الإنسان. د. صالح الخثلان، نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، قال لصحيفة الحياة في يونيو/حزيران أن "الانفتاح الإعلامي... أهم تغير في المجتمع السعودي"، وأنه كان له "أثر إيجابي" مما يعني تجاوز اللقب الممنوح للدولة قبل ذلك وهو "مملكة الصمت". ولا يكاد يمر يوم أو أسبوع دون أن تغطي الصحف المحلية الكبرى (من قبيل الرياض والوطن وعكاظ واليوم والمدينة)، أو الطبعات السعودية من الصحف اليومية العربية (الحياة والشرق الأوسط) حقوق الإنسان في المملكة.

مفهوم حماية الأفراد للحقوق يضرب بجذوره عميقاً في الإسلام، لكن فكرة محاسبة من ينتهكون الحقوق ما زالت جديدة على المجتمع السعودي. فقد كتب محمد الأحيدب في عكاظ يقول إن المواطنين لا يعرفون كيف يطالبون بحقوقهم، وأن كثيراً ما يكون رد الهيئات الحكومية أنها "غير مختصة بالنظر في هذا الموضوع، ويجب أن تنظر فيه الهيئة ذات الاختصاص السليم" على القضية. وفي يونيو/حزيران، أعدت وزارة الداخلية خطاً ساخناً لـ "حقوق الإنسان"، من ثلاثة أرقام فقط 989، مشابه لأرقام طوارئ الشرطة والإسعاف. ويُدعى المتصلين إلى عرض شكاواهم أو تعليقهم على الأجهزة الأمنية. لكن جهود مقاضاة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في المحاكم ما زالت حتى الآن غير ناجحة.

إلا أن حقوق الإنسان شغلت مساحة محورية في الحوار حول الإصلاحات السعودية فأعادت تعريف دور المرأة والتسامح مع تعددية الآراء، والترويج للتسامح مع الأقليات المسلمة، وزيادة نزاهة القضاء. أحمد بن باز هو ابن المفتي الراحل عبد العزيز بن باز، الصوت الغالب والبارز في المؤسسة الوهابية منذ عقود قبل وفاته في عام 1999، وهو نفسه عالم إسلامي متأهل. بدأ أحمد يشكك في الحظر الذي فرضه أبوه على قيادة النساء واختلاط الرجال بالنساء، ودعى إلى تجديد المناهج التعليمية، وشجع على التعددية في تفسير الشريعة الإسلامية. مخلف الشمري، الناشط الحقوقي السني، فند آراء السنة المتشددين ضد الشيعة في مقالات نشرها مؤخراً.

معدل الإصلاحات الحقوقية والقيود المفروضة عليها

هناك عدة نقاط في الأجندة الإصلاحية – وضمن العيوب المتصورة للنظام الحالي – تتفق على التعاطي مع مخالفات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الشرطة الدينية. الشرطة الدينية الوهابية حصراً قاسية بشكل خاص على النساء والشيعة، وهي معروفة بعدم المحاسبة على ما ترتكب من مخالفات. وكان الإعلام السعودي المحلي مفيداً للغاية في تغطية أنشطة الشرطة الدينية، وأعرب عن استنكار بالغ في فبراير/شباط 2008 عندما قبضت هيئة الأمر بالمعروف على سيدة أعمال كانت قد ذهبت إلى مقهى ستارباكس لمقابلة شريك في العمل. وبالمثل، فإن التغطية الإعلامية للإصابات والوفيات جراء المطاردات بالسيارات، وفيها تطارد الهيئة رجال ونساء تفترض فيهم أنهم غير متزوجين وهم يحاولون الفرار بسياراتهم، أدت إلى إعلان وقف هذه الممارسة. وإثر احتجاجات في الإعلام، أعلنت الهيئة أيضاً الكف عن تفحص سجلات الهواتف النقالة للأفراد المشتبهين بالعلاقات خارج إطار الزوجية.

إلا أنه تبقى هنالك القيود المفروضة بوضوح على انتقاد هيئة الأمر بالمعروف ودورها في المجتمع السعودي. فالهيئة أكثر من مجرد جهة تنفذ معايير الأخلاق القويمة. فوجودها مرتبط بشكل ضمني بتاريخ السعودية وهويتها الإسلامية، حيث يرتبط الأفراد وحكومتهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هيئة الأمر بالمعروف نفسها هاجمت منتقديها، إذ أعلن إبراهيم الغيث، الرئيس السابق للهيئة، في أبريل 2008: (لماذا تُوجه الإهانات لمؤسسة محترمة لأن قلة من مسؤوليها ارتكبوا أخطاء في أحكامهم؟... بعض الناس سريعين في انتقاد الهيئة ويفضحون جهلهم بهذه المؤسسة النبيلة. إنهم لا يعرفون إنجازات الهيئة. ويتعمدون إلقاء الضوء على أخطاء فردية قليلة من أجل تصوير الهيئة على أنها كيان شيطاني).

وفي مايو/أيار 2009، رفعت الهيئة قضايا بتهمة "التشهير" بحق الأصوات التي تنتقدها في الإعلام. إلا أن التغير في حقوق الإنسان بدأ يطال الشرطة الدينية، والتي في يناير/كانون الثاني 2010 أنشأت شعبة حقوق الإنسان لديها بدورها. إلا أن من شكك ولو بشكل غير مباشر في دور المؤسسة الدينية فقد خرقوا منطقة ما زالت تحيط بها الخطوط الحمراء في الإعلام السعودي.

أحد الأمثلة المهمة على هذا فصل حمال خاشقجي في 15 مايو/أيار من منصب رئيس تحرير صحيفة الوطن، أكثر الصحف السعودية إثارة للانتقادات. وربما ما زال خاشقجي يرى أن الإعلام السعودية أصبح أكثر حرية في طباعة المقالات الانتقادية عن الحال قبل سبعة أعوام، عندما فُصل لأخر مرة من الوظيفة نفسها. لكن خطأ الوطن هذه المرة، كما كان حينها، هو الطعن في الأفكار الدينية التي تقوم عليها الحياة اليومية للمملكة. أغلب المعلقين ذكروا أن القشة التي قصمت ظهر البعير وأدت لفصل خاشقجي كانت مقال رأي في الوطن يصف الأسلوب السلفي في الفكر الديني الذي يصم المملكة بأنها مملكة شعب "له ثقافة تتمتع بأفكار سطحية".

الحوار الدولي حول الإصلاحات السعودية

فيما تتم مناقشة إصلاحات الملك عبد الله على نطاق واسع في المملكة، فهذا النقاش لم تكن عين الغرب تكاد تراه، حتى فترة قريبة. ومنذ 2008 أبدت بعض الهيئات البحثية الاهتمام بواقع الإصلاحات السعودية وقدمت عدة تقييمات. المعلقون الغربيون يميلون إلى الانقسام إلى معسكرين: من يرضيهم معدل ووتيرة الإصلاحات السعودية، وأولئك الذين يرون أن المشكلات المتبقية تُقزّم من أية إصلاحات.

أغلب المعلقين أكدوا على حقيقة الإصلاحات السعودية، رغم أنهم لا يتفقون على مداها. التغير البطيء والإيجابي هو أيضاً رسالة ينقلها المراسلون وكتاب الرأي في الولايات المتحدة فيما يكتبونه عن المجتمع السعودي، أثناء زياراتهم القصيرة وغير الدورية للمملكة. في مقال رأي بصحيفة نيويورك تايمز في مارس/آذار 2010، أشاد آيان بريمر – رئيس مجموعة أوراسيا الاستشارية لتقييم المخاطر السياسية"، أشاد بـ "التغير البطيء" في السعودية، مشيراً إلى أنه شهد على توجهات جديدة إزاء الزيجات المرتبة والتجربة الاجتماعية التي تمخضت عن جامعة الملك عبد الله. مقالات ماورين دود في صحيفة نيويورك تايمز في مارس/آذار وأبريل/نيسان ضربت على نفس الوتر، إذ ارتأت الزيادة في حرية النساء في الاختلاط بالرجال في العاصمة المحافظة، الرياض، وحرية التخلص من العباءة السوداء، التي يتعين على النساء بحكم العادة ارتداءها في المملكة.

وهناك عدد أقل من المعلقين يفضلون الرؤية السلبية للتطورات. مي يماني، الخبيرة السعودية التي حاورت المؤلف روبرت لاسي في تشاتام هاوس، أعلنت أن الإصلاحات في السعودية "تجمدت" وأن التركيز تحول إلى التعاطي مع الإساءات المستمرة. نينا شيا من مؤسسة هدسون ومفوضة الهيئة الأمريكية للحريات الدينية، اعترضت على ما أسمته "التحية المتذللة" من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للملك عبد الله على جهوده الإصلاحية بمناسبة اليوم الوطني للمملكة في سبتمبر/أيلول 2009. وكتبت أن مثل هذه التحية غير مستحقة، على ضوء الاضطهاد الديني القائم وحرمان النساء من حقوقهن. علي اليامي، الذي هاجر منذ عشرات السنين من السعودية إلى الولايات المتحدة، حيث يدير مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان في السعودية، ومقره واشنطن، ذهب إلى أبعد من ذلك في يونيو/حزيران 2010 عندما تنبأ بأن "التمرد السعودي سيقع لا محالة ما لم تقم الحكومة بإصلاحات موسعة في المؤسسات السعودية لتمهيد الطريق أمام عملية ديمقراطية شفافة وقابلة للقياس".

الإعلام الأمريكي يميل لتغطية قضايا سعودية مختارة: السياسة الخارجية والإرهاب والفضائح الفردية التي تعزز صورة الدولة الظلامية. وتحديداً فإن فضائح الفتيات اللاتي يتزوجن في سن 8 سنوات وأحكام الإعدام على متنبئ التلفزيون بتهمة "عمل السحر" تعكس إخفاقات السعودية في حماية حقوق الإنسان. لكن تغطية هذه الموضوعات وحدها دون غيرهايعني الإخفاق في تقديم الصورة الأشمل لحالة الإصلاحات محل النقاش والجدل، ممكنة التحقق إذا توفرت الإرادة السياسية الكافية.

إن الإصلاحيين السعوديين يمكنهم الاستفادة من دعم المجتمع الدولي إذا تحسن إدراكه وتصوراته عن السعودية قبل التشاور مع الملك عبد الله من أجل إحداث تغييرات مؤسسية حقيقية.

الصفحة السابقة