بعد ثورة تونس ومصر

السعوديون يخشون جيلاً جديداً من المدوّنين

عبير علام

دعا الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، خمسة سعوديين الإسبوع الماضي للإطلاع على الجهود التي تبذلها الحكومة للتعامل مع الفيضانات في مدينة جدة على البحر الاحمر. وكان مئات الأشخاص قد لقوا حتفهم في الفيضانات، فيما ترك ميناء تجاري غارقاً في مزيج من مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار، ما كشف عن عيوب كبيرة في البنية التحتية للمدينة مما أثار إتهامات بالفساد.

إن جهود الأمير خالد غير المألوفة للوصول إلى الشباب في المملكة يعكس القلق، فيما تحتاج بلدان أخرى في العالم العربي موجة غير مسبوقة من غضب الشباب ضد المؤسسات الحاكمة. ومنذ لحقت مصر، أكبر الدول العربية من حيث الحجم السكّاني، تونس في حركة الاحتجاجات الواسعة التي تطالب بإزالة حسني مبارك، الرئيس لمدة 30 عاما، والسؤال الذي أثار هلع القوى الغربية هو ما إذا كانت المملكة السعودية، المصدر الأكبر للنفط في العالم ولعب دور محوري في السياسة الغربية في الشرق الأوسط ، يمكن أن تواجه حركة مماثلة.

المملكة، أكبر اقتصاد في العالم العربي، تعاني من مشكلات مشابهة لمصر، وإن كان على نطاق أصغر: السكان الشبّان، ما يقرب من ثلثين منهم تتراوح أعمارهم بين 15 و 30 سنة؛ معدل البطالة الرسمي 10 في المائة؛ ارتفاع معدلات التضخم، وتقلص الطبقة الوسطى.

"إن العالم العربي بشكل عام يواجه الأزمة نفسها، الطغيان، الفساد والمزاوجة بين السلطة والمال" حسب قول نجيب الخنيزي، وهو كاتب ومقرّه في محافظة القطيف الشيعية في المنطقة الشرقية. ويقول المحللون الغربيون والسعوديون أن المملكة المحافظة ليست في خطر فوري من تمرد الشباب، ولكن الحكومة لا تستطيع أن تتجاهل الإحتقان المتنامي ضد الفساد والبطالة في الوقت الذي يراقب سكانها عن كثب الإنتفاضات العربية الأخرى التي تتكشف على الهواء وعلى الإنترنت.

ويقول محللون انه على العكس من مصر أو تونس، فإن الحكومة ، المغمورة بعائدات النفط، سوف تكون قادرة على زيادة الدعم من دون تأثير كبير على ميزانيتها. ومع ذلك، يمكن أن يكون النفط نعمة ونقمة لأنه يثير التوقّعات حول دولة الرفاهية الاجتماعية والحق في الحصول على الوظائف الحكومية.

السعودية التي يبلغ عدد سكانها 19 مليون نسمة هي واحدة من أفقر دول الخليج من حيث نصيب الفرد من الدخل. بينما هناك نحو نصف مليون من السعوديين العاطلين عن العمل، و9 ملايين عامل أجنبي وافد يعملون في المملكة مما أثار غضب العاطلين عن العمل.

"إنهم يقولون لنا نحن أكبر دولة النفط – إذن كيف أكون فقيراً، وكيف لا أستطيع تحمّل ايجار"، حسب نايف التميمي، وهو مدرس قاد احتجاجات نادرة في الرياض الشهر الماضي مطالبين الحكومة بوظيفة. يقول "في بلادنا يحصل الأجانب ورجال الأعمال على كل شيء".

يبقى أن السعوديين، في العموم، لا يرغبون في مظاهرات حاشدة. بينما في بلدان عربية أخرى، قام الناس باحتجاج دعماً من المصريين ويبدو أن السعوديين راضون بدعم ظاهري على (تويتر). ولم تواجه الحكومة مقاومة شعبية واسعة، بعيداً عن قلّة من المعارضين، وبعض العرائض الاصلاحية، أو تنفيس الغضب على الانترنت. وعندما نادت معارضة إسلامية مقرها في لندن بقيادة سعد الفقيه السعوديين للإحتجاج ضد الفساد بعد فيضانات جدة، تم تجاهل دعوته وتعرّض للإنتقاد. وعلاوة على ذلك، لا يوجد في المملكة أحزاب سياسية، واتحادات طلابية، ونقابات عمالية أو منظمات المجتمع المدني، ما يجعل من الصعب تنظيم حركة شعبية.

ومع ذلك ، يقول محللون إن السعوديين لا ينبغي أن ينظر إليهم على أنهم أكثر هدوءاً من جيرانهم. بدلاً من ذلك، فإن غياب معارضة شعبية إلى حد كبير هو نتيجة استغلال الهويات القبلية الراسخة. من خلال تقسيم الجزر والعصي تحت تصرفها بين القبائل، فإن الحكومة تنتقي بمهارة شيوخ القبائل والنخب في الدفاع عنها.

ويحذّر الاصلاحيون السعوديون من أن الأساليب القديمة في إدارة المجتمع لن تكون فعالة كما هو الحال دائماً، ويزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء. سعود كاتب، وهو محلل صحافي، يقول أن السعوديين اليوم أكثر وعياً من عدم وجود توزيع عادل للثروة. وتشعر الأقلية الشيعية بالتمييز، على الرغم من الجهود التي يبذلها الملك عبدالله لتحسين الأوضاع، ويشكل أيضا تحديا لنظام الحكم في السعودية.

"يواجه الشيعة التمييز، ولكن جميع السعوديين يشعرون بأنهم ليسوا جزءاً من عملية صنع القرار، ليس لديهم طريقة للاعتراض"، يقول وليد سليس، 29 عاماً، وهو ناشط. ويضيف: "هناك برلمان في البحرين والكويت، وحتى عمان لديها مجتمع مدني. والوضع لم يصل الى درجة الغليان، ولكنه سيغلي، وسوف يتدهور اذا لم نعالج هذه المظالم".

ويقول محللون إنه على الرغم من أن السعودية، مع وجود سكان بخلفية قبلية مختلفة، ومذاهب، وطبقات قد يكون من الصعب عليها التوحد حول هدف واحد، ولطالما كانت النظرة الى العائلة المالكة تقوم على أنها عامل توحيد، ولاشيء يمكن أخذه على أنه أمر مسلّم به بعد الاضطرابات في تونس ومصر: "ما قد يكون مقبولاً الآن قد لا يكون مقبولاً غداً" كما يقول الخنيزي، ويضيف: "قد تأتي السعودية في آخر المطاف، في عملية التغيير، ولكن ليس هناك دولة عربية من شأنها أن تكون في مأمن من تداعيات مصر".

عن: فايننشال تايمز، 7 فبراير 2011

الصفحة السابقة