مداولات حول الثورة في السعودية

إن وقعت، فسيتغيّر وجه العالم

محمد فلالي

إعتقد الملك بأن ما اصطلح على تسميته بـ (التقديمات الاجتماعية) والتي بلغت 36 مليار دولار أميركي، سيكون كافياً لإسكات الناس الذين ارتفع سقف توقعاتهم بصورة دراماتيكية منذ انتصار الثورة الشعبية في تونس وتعزّزت بانتصار ثورة مصر، وتواصل زخمها في ضوء التحرّكات الشعبية في ليبيا واليمن والبحرين..

إعتقد الملك بأنه يتعامل مع نفس الشعب الذي رحل عنه قبل ثلاثة شهور للعلاج في الولايات المتحدة، واعتقد أيضاً بأن الجيل الذي يخشى منه هو نفس الجيل الذي كان يرفع العرائض ويطالب بطريقة ناعمة بالإصلاحات السياسية، فإن جاءت فنعمَّ هي وإن أحجم الملك فليس هناك من سبيل إلا الحوقلة والإسترجاع.

إكتشف الملك، وبطبيعة الحال معه كبار الأمراء، بأن الأمر ليس كما تخيّلوا وأن الناس تجاوزت (تقديمات) الملك بصورة عاجلة، وانتقلت الى مرحلة أخرى وطالبت بما هو أهمّ وهو تغيير بنية النظام السياسي، واعتماد صيغة (الملكية الدستورية) بما يجعل الملك مجرد رمز للدولة وليس حاكماً، وهذا ينسحب على العائلة المالكة بأسرها..

كان دون شك مفاجئاً له ولأشقائه، فقبل أسابيع كان الحال هادئاً، وكانت العائلة المالكة تتسلى بلعبة (القاعدة) التي تخوض معها معارك وهمية، وتحقق الإنتصارات المؤزّرة عبر اكتشاف المؤامرات تلو المؤامرات، وخطط الإغتيال، والتفجير..لقد تبدّل المشهد، واختفت (القاعدة) على نحو مفاجىء، وكأنها جزء من برنامج التسلية والتضليل المعدّ سلفاً..وفرض مشهد الثورة العربية الكبرى نفسه على الشاشة والشارع معاً بل وعلى العالم بأسره، وباتت السعودية في قلب الإهتمام الإعلامي، ولكن هذه المرة ليس بسبب القاعدة، ولكن بسبب ما هو أهم من ذلك كله، إنه الشعب الذي اعتقد كثيرون بأنه عاجز عن لعب دور سياسي يفضي إلى إرغام العائلة المالكة على إحداث تغيير ما.


(1) الملك الراشي

في مقالة بصحيفة (الجارديان) البريطانية في 24 فبراير الماضي، للكاتب جاك شينكر بعنوان (إتهام ملك السعودية برشوة مضّللة في محاولة لتفادي الثورة)، يقول فيه:

كشف ملك السعودية عبد الله عن حزمة تقديمات إجتماعية بعد عودته الى مطار الرياض من أميركا حيث كان يتلقى العلاج الطبي.

وقد حذّر مفكّرون كبار في السعودية من أن التقديمات المالية ليست بديلاً عن إصلاح سياسي جوهري، بعد أن كشف الملك عبد الله عن حزمة رعاية إجتماعية بقيمة 36 مليار دولار قبل مظاهرات ضد الحكومة يجري الإعداد لها الشهر القادم (مارس).

وفي بيان صادر عن مجموعة من العلماء السعوديين دعت العائلة المالكة للتعلّم من الإنتفاضات الأخيرة في الخليج وشمال أفريقيا والبدء بالإصغاء إلى أصوات الشباب المهمّشين في المملكة، حيث يخطط بعضهم لمظاهرة (يوم الغضب) في 11 آذار (مارس).

العديد من المفكرين الإسلاميين، وكذلك أكاديمية وشاعرة، كان من بين الذين أضافوا أسماءهم للبيان.

يقول شادي حامد، مدير الأبحاث في مركز بروكنز ـ الدوحة: (النظام السعودي يتعلم الدروس الخاطئة من مصر وتونس)، وأضاف: (الإحتجاجات في المنطقة ليست في الأصل إقتصادية، إنما هي حول السياسة. الاقتصاد يلعب دوراً ولكن وقائع الشهور القليلة الماضية كشفت لنا بأن العرب يتطلّعون نحو الحرية، والكرامة، والديمقراطيةـ وإذا لم تستطع القيادة السعودية رؤية ذلك، فإنها في معضلة).

ملك السعودية، البالغ من العمر 86 عاما، والذي عاد إلى الديار بعد رحلة علاج إستغرقت ثلاثة أشهر، أعلن مباشرة عن حزمة كبيرة من التدابير الرعوية بما في ذلك الإعانات التعليمية والسكنية، وتوفير 1200 فرصة عمل، ورفع مرتّبات الموظفين في القطاع الحكومي بنسبة 15 بالمئة. ولكن، يعتقد المحلّلون بأن الملك ـ الذي وعد بإصلاح سياسي واسع حين اعتلى العرش في 2005 من أجل القيام بجهد ضئيل لمعالجة الواقع السياسي القائم ـ قد أساء التعامل مع مظالم السكان.

وتبقى المملكة ملكية مطلقة مع قليل من قنوات متاحة للإحتجاج، حيث يبقى صنع السياسة العامة متركّزاً بصورة شبه كاملة في أيدي العائلة المالكة.

ويقول حامد: (نحن نرى غياب رؤية لدى القيادات السعودية الآن. فهم يحاولون إرشاء الناس لإسكاتهم. إنها مدعاة للسخرية، وقابلة للتنبوء، وليس بالضرورة أنها ستؤتي ثمارها، على الأقل في المدى البعيد ـ لا أعتقد بأن أحداً يعتقد بان السعودية ستسقط غداً، ولكن هي ليست محصّنة أمام الاحتجاجات. في الحقيقة إنه لمن المدهش تماماً أن يستغل الملك عبد الله هذه الفرصة للتحرك بصورة عاجلة في سياق الإصلاح السياسي).

ورغم الثروة النفطية الهائلة إلا أن السعودية بها ذات المشاكل التي أشعلت فتيل الثورة في الدول العربية الأخرى، فنصف عدد السكان تحت سن 18 عاما وعكس بقية دول الخليج التي لا توجد بها بطالة كبيرة فان 40 في المئة من الشباب السعودي من سن 20 الى 24 عاطل عن العمل.

كثير من الشباب ينصرفون الى مواقع الإعلام الإجتماعي لتبادل المعلومات والأفكار. وتقول مي يماني، مؤلّفة سعودية بارزة، بأن (المستوى الذي بلغه الشباب في السعودية في التواصل مع بقية العالم، وخصوصاً العالم العربي يعتبر مذهلاً).

(إن تدّفق الأفكار التي يتقاسمها هذا الجيل لا حدود لها. نفس الألم والمطالب التي يعبّر عنها الشباب العرب في أماكن أخرى تلهم الشباب في السعودية أيضاً. وفي هذا المناخ، فإن الأيام التي يتم فيها إستعمال أموال النفط لإذلال المواطنين قد انتهت).

حتى الآن (أي حتى كتابة المقالة)، فإن الإعلان في موقع (فيسبوك) عن يوم الاحتجاج الشهر القادم (11 مارس) لم يحظَ سوى بحماس قليل، في مقابل دعوات مماثلة في مصر وتونس والتي جذبت عشرات الآلاف من المؤيّدين. صفحة الموقع السعودي تتم متابعتها من قلّة من المئات من المؤيدين فحسب.

ولكن في المملكة حيث القوانين الحالية والعادات الإجتماعية مازالت تعمل لصالح الذكور السعوديين الذين يقتفون الفرع السني من الإسلام، فإن بعض المحللين يرون بأن ما يقرب من 20 مليون من أصل 27 مليون نسمة في المملكة ـ بما يشمل النساء، والمسلمين الشيعة ونحو 7.5 مليون عامل أجنبي من آسيا ـ يشعرون بالإنفصال التام عن الدولة، مما يشكل قنبلة معارضة موقوتة.

يقول حامد (كان لدى السعودية موجة احتجاجات وغضب إزاء النظام لعقود، وكانت ـ أي الاحتجاجات ـ هناك دائماً تتحرك تحت السطح. السؤال هو متى ستنفجر). وأضاف، بأن الدعوات من أجل إصلاح كامل للنظام الملكي تبقى غير راجحة: (لدينا نموذجان إقليميان في التغيير: الأول هو نموذج مصر، تونس، وليبيا في إسقاط النظام، والآخر هو النموذج المغربي والأردني بالتحوّل من ملكيّة مطلقة إلى ملكية دستورية، وهذا ينطبق أيضاً على السعودية. لا أعتقد بأن هناك رغبة جامحة لتحطيم النظام بصورة كاملة).


(2) فوّاز جرجس: إن سقطت السعودية سيتغيّر العالم

في مقابلة مع صحيفة (إنديبندنت) البريطانية في 25 شباط (فبراير) الماضي، قال الباحث الأكاديمي فوّاز جرجس من كلية الاقتصاد (إل إس إي) التابعة لجامعة لندن بأن ثمة ثورة تجري الآن في الشرق الأوسط. وأضاف بأن الشباب على درجة من الحماسة والثقة بطريقة غير مسبوقة، وما شهدناه في تونس ومصر، واليمن، والبحرين، وليبيا قد يتكرر في أي من بلدان المنطقة.

ولكن إذا كانت الثورة ستتوقف في مكان ما، فمن المحتمل أن تكون في الصحراء على أبواب البيت السعودي، وهو بيت أكبر مزوّد للنفط في العالم.

وبخلاف الفقر الصادم في تونس ومصر وأماكن أخرى، فإن السعوديين هم في وضع أفضل نسبياً. وبالرغم من أن هناك فقراً في السعودية، فإن الحكومة استثمرت مليارات الدولارات علىى الرفاه.

وليس ما يدعو للدهشة من أن عودة الملك عبد الله الى المملكة تزامنت مع إلإعلان بأن الحكومة قد قررت ضخ 36 مليار دولاراً إضافية في مشاريع الإنفاق العام ـ إنها بالتأكيد نتيجة التوتّر، ولكنها أيضاً طريقة مجرّبة ومختبرة لإبقاء الإحتجاج بعيداً.

إن بنية المجتمع في المملكة تجعلها أقل وهناً. إن أدوات الدولة الرئيسية، الحكومة والقادة الدينيين السنّة المحافظين، هم إلى حد كبير متّحدين. العقد الإجتماعي بين هاتين القوتين المتنافستين هو لصالح الطرفين.

النخب في كل جبهة عزّزت هذا العقد الإجتماعي في أوقات الإضطرابات، بالنظر الى أن الملك عبد الله الذي ينظر إليه على أنه إصلاحي ـ يكسب ثقة المحافظين من خلال رفضه القيام بتغييرات راديكالية في المجتمع السعودي في مقابل أن تتفادى القيادة الدينية المتطرّفين في نموذج القاعدة. لا يعني ذلك بأنه لن تكون هناك مخاطر على المؤسسة. الإنتفاضة العربية أصبحت الآن ممكنة الى حد كبير بـ (تأثير الجزيرة)، حيث يصبح الناس العاديون مدركين للفساد والجور في مجتمعاتهم عبر القنوات الإعلامية الجديدة، وأن المملكة ليست محصّنة.

إن بقية العالم يجب أن تلقي نظرة حذرة على الوضع. ففي حال سقوط السعودية، وهو سيناريو غير محتمل، فسيكون هناك زلزال عبر الاقتصاد العالمي. الشوكتان الرئيسيتان في التضخم الغربي، بحسب الذاكرة الحديثة، كانا بسبب العرض المحدود من منظمة أوبك في العام 1973 في اعتراض على تسليح الولايات المتحدة للكيان الإسرائيلي، والثانية بسبب الثورة في إيران. السعودية هي اقتصاد كبير ويحرّك عجلات بقية العالم. كثير منا يعتقد بأن السعودية أكبر من أن تسقط. وإذا ما كنا على خطأ، فإن تأثير ذلك على العالم سيكون مدمّراً.


(3) عين الغرب على النفط

يدرك الجميع ـ حكومة وشعباً وغرباً ـ بأن النفط عامل جوهري في كل ما يجري في المنطقة، وحين يطرح موضوع الاحتجاجات الشعبية في السعودية فإن أول ما يبرز للسطح هو النفط، لأن 40 بالمئة من واردات النفط في العالم يأتي من هذه المنطقة، وأن أي إضطراب في السعودية، المصدّر الأكبر للنفط في العالم، يعني أن الاقتصاد العالمي في أزمة.

ديفيد بلير وجاك فارتشي من لندن، وخافيير بلاس من واشنطن كتبوا في صحيفة (فايننشال تايمز) في 24 فبراير الماضي تقريراً بعنوان (السعوديون يسعون الى تهدئة الفزع النفطي) جاء فيه:

تحرّكت السعودية لتهدئة المخاوف العالمية المتنامية حيال أزمة تدفق النقط بعد حركة الشراء المصحوب بالهلع والتي دفعت بأسعار الخام الى الذروة خلال سنتين ونصف ووصل سعر البرميل إلى 120 دولاراً.

وفي إشارة الى استعداد المنتج الأكبر في أوبك لزيادة الإمدادات، فإن المملكة دخلت في (محادثات فاعلة) مع الشركات النفطية الأوروبية حول كيفية تعويض النقص الحاص بسبب الأزمة في ليبيا. فقد سألت السعودية (ما كمية ونوعية النفط التي تريده المصافي الأوروبية)، حسب ما أخبر مسؤول كبير بقطاع النفط السعودي لصحيفة فاينانشال تايمز.

يخشى تجار النفط بأن تعطّل صناعة النفط في ليبيا يمكن أن يترك السوق مع الحد الأدنى من العرض إذا ما أصبح منتج كبير آخر في الشرق الأوسط في أزمة (إنه الخوف من المجهول). المخاطر كلها في الإتجاه التصاعدي، حسب أحد كبار تجار النفط: (المملكة العربية السعودية بحاجة الى الرد).

وقال فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الروسي، أن ارتفاع أسعار النفط يشكّل (تهديداً خطيراً للنمو الاقتصادي في العالم)، مردداً المخاوف التي عبَّر عنها زعماء آخرون.

ويخشى إقتصاديون من أن إرتفاع الأسعار يمكن أن يحدث صدمة للمشاعر، مماثلة لأزمة العام الماضي بخصوص الديون السيادية في أوروبا. النقص الناجم بسبب ليبيا يعني أن السوق تشهد أكبر انقطاع في إمدادات النفط منذ أن دمّر إعصار كاترينا معظم إنتاج الولايات المتحدة في عام 2005.

الأسعار إنخفضت نسبياً الى 114 دولار للبرميل بعد نشر الفايننشال تايمز أحاديث السعوديين، ولكن المستثمرين لا يزال يسعون الى ملاذات آمنة للأصول مع الفرنك الفرنسي مسجّلاً رقما قياسيا مقابل الدولار فيما يقترب الذهب من مستوى قياسي مرتفع. وتشارك أيضا الحكومات في المناقشات مع العربية السعودية، وفقا لمسؤول أوروبي مطلّع على المحادثات (وهذا يتجاوز إمدادات الشركات، فإنه يتعلق بالحكومات القلقة بشأن أمن الإمدادات).

السعودية تدرس خيارين، وفقا لمسؤول سعودي:

الأول، وهو زيادة الإنتاج وإرسال مزيد من النفط الخام عبر خط الأنابيب بين الشرق والغرب، وربط أكبر حقول النفط في البلاد في محافظة الشرقية مع ميناء ينبع على البحر الاحمر، للشحن الى أوروبا.

الإحتمال الآخر سيكون ترتيب مبادلة، حيث يتم توجيه نفط غرب أفريقيا المعدّ للمشترين الآسيويين إلى أوروبا، فيما تقوم السعودية بتزويد آسيا بالنفط.

(في الوقت الراهن، هناك مباحثات نشطة من أجل تنفيذ ما هو مطلوب)، حسب مسؤول سعودي. وشدّد على أن المملكة تحتفظ بقدرة انتاجية فائضة تصل الى نحو 4 ملايين برميل يومياً، وهي كمية تفوق ضعف حجم إنتاج ليبيا والتي بلغت 1.58 مليون بميل يومياً في يناير الماضي، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.

وقال المسؤول أن السعودية لم تقرر بعد ما اذا كانت ستزيد الإنتاج اذا ثبت ضرورة إنتاج المزيد، (ثم إن هذا سيحدث، وليس هناك مشكلة على الاطلاق).

وقالت أوستان جولسبي، مديرة مجلس البيت الأبيض للمستشارين الاقتصاديين، أن الولايات المتحدة كانت تراقب التطورات في الشرق الأوسط إلا أن الاقتصاد قد أصبح أقل حساسية لإشعال الأسعار.

الطاقة المستخدمة لكل دولار من الناتج الإجمالي المحلي في الولايات المتحدة الحقيقي إنخفضت إلى النصف منذ السبعينات من القرن الماضي، ولكن كثافة الطاقة أعلى بكثير في الاقتصادات الناشئة.


(4) الإقتصاد العالمي يتوقف على (ثورة) ضد آل سعود

كتب جيرمي ورنر من صحيفة (دايلي تلغراف) البريطانية مقالاً في 24 شباط (فبراير) يستعرض فيه طبيعة المخاوف التي تنتاب الحكومات الغربية من أي تطوّرات سياسية غير محسوبة من شانها أن تترك تأثيراً فورياً على الاقتصاد العالمي. ولذلك، يرى بأن تمرّد السكان في السعودية يعني أن العالم بات في ورطة، لأن مصير الإنتعاش العالمي يعتمد على الأحداث في الرياض، حسب قوله. يقول جيرمي في مقاله:

كن حذرا مما ترغب فيه. بعد بداية غامضة، رحب قادة الدول الغربية على نطاق واسع بموجة الاحتجاج والثورات التي تجتاح شمال أفريقيا وأجزاء من الشرق الأوسط. ولكن تحت كلمات التشجيع للناس الذي يقررون مصيرهم بأنفسهم، هناك قلق متزايد ومتفاعل - أمن إمدادات نفطنا والغاز.

تواطؤ الغرب في دعم الأنظمة الاستبدادية التي تُميِّز العديد من الدول المصدرة للنفط الكبيرة هو في جزء منه واضح في حقيقة أنه مهما كانت خطاياهم، فإنهم فعلوا، على الأقل، ما يبدو أنه توفير الاستقرار في أسواق الطاقة. وذلك الإستقرار، مع ذلك، جرى القذف به في الهواء بواسطة موجة الإحتجاجات التي تجتاح المنطقة.

في البداية، كان ثمة إعتقاد بأن ثمة فرقاً بين الدول العربية الفقيرة بالنفط مثل تونس ومصر، حيث كانت الإنتفاضات في كثير من فصولها تدور حول مستويات المعيشة أكثر من أي شيء آخر، والدول الخليجية الأكثر ثراء. وقد ثبت على وجه السرعة بأن تلك النظرية خاطئة.

في المملكة السعودية، وحتى القرار المذعور لدى الملك عبد الله بأمر صرف حزمة تقديمات بمليارات الدولارت على التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية قد لا تكون كافية لشراء المعارضة. يبدو أن الناس يريدون شيئا أثمن من المال: الحرية.

مهما حدث، فإن التكهّنات حول احتمال وقوع انقطاعات رئيسية في إمدادات النفط دفع بسعر النفط الى الأعلى..

وهذا جعل واضعي السياسات يقفزون بالتأكيد. ناهيك عن التأثير على التضخم، الذي ازداد بالفعل، ويترتّب على ذلك أسعار الفائدة -- من خلال إستيعاب الأموال التي من شأنها عادة أن تنفق على أمور أخرى، ولارتفاع أسعار النفط عواقب سلبية قوية على الطلب.

وقد ركّز الجميع على دعم النظام المصرفي لمكافحة كارثة يبدو أنهم قد تناسوها وهي قوة استمرار النفط التي يلزم صدّها..وقد إصطفَّ المحللون في معسكرين متمايزين: المحذّرون (المتشائمون)، والمتفائلون على نطاق واسع، مع مجال للجدل بينهما.

بالنسبة لأصحاب الموقف التفاؤلي فإنهم يشيرون إلى حقيقة أنه على الرغم من أن ليبيا منتج مهم، فإنها لا تمثل سوى أقل من 2 في المائة من الإنتاج العالمي. وحتى لو توقف كل إنتاجه فجأة، فإن السعوديين ومنتجين آخرين ينبغي عليهم أن يكون قادرين على ملء الفجوة من احتياطياتهم الوافرة من الطاقة الإنتاجية الفائضة.

هذا، بطبيعة الحال، يفترض أن السعوديين لا يمتلكون بالفعل طاقة إنتاجية فائضة من هذا القبيل (ويعتقد الكثيرون أنهم لايملكون ذلك بالفعل)، وأنها لا تزال بمنأى عن الاضطرابات. فإذا ما سقطت السعودية، فإن سعر النفط سيخترق السقف، وربما يبقى هناك لفترة طويلة من الوقت. هذا هو سيناريو المحذّرين (المتشائمين) - ويبدو أكثر احتمالاً يوماً بعد يوم.

منذ صدمات أسعار النفط في السبعينيات من القرن الماضي، فإن الإقتصاديات الغربية قد خفَّضت إلى حدِ كبير جداً (كثافة الطاقة) الخاصة بهم، وهي كمية الطاقة التي يستخدمونها لأية وحدة معينة من الناتج الإقتصادي. وهذا، بدوره، قلّص من تعرّضها لصدمات أسعار النفط.

أثر إيجابي وحيد من ارتفاع الأسعار هو أنه يشجع هذه العملية. بعد كل ركود، يعود مستهلكو الغاز بكميات كبيرة في نهاية المطاف إلى الطرق السريعة في الولايات المتحدة الأميركية، ولكن دائما بأعداد أقل من ذي قبل. معظم الدول تتخذ أيضاً خطوات لتحصين نفسها من هذه الصدمات عن طريق تطوير مصادر بديلة للطاقة. إذا كان استهلاك النفط للفرد الواحد في الولايات المتحدة هو ليس بنفس القدر على الصعيد الأوروبي، فمن شأن ذلك أن يخفض الطلب العالمي بكمية متساوية تقريباً للكمية المستخرجة بأكملها في السعودية.

ولكن هذه الأمور تستغرق وقتا. وعلى الرغم من تراجع الاعتماد على الطاقة في الغرب، فإنه في حال ارتفاع في العالم النامي. نقل التكنولوجيا يجب أن يعني أن الأسواق الناشئة مثل الصين سوف تصل إلى أعلى مستوى إعتماد على الطاقة في مرحلة مبكرة من تطورها في مقابل روّاد الصناعة في الغرب ـ ولكن مع ذلك، لا تزال الذروة بعيدة لبعض العقود من الزمن، وفي هذه الأثناء، سوف يحافظ الطلب على نموّه.

معظم النماذج التي يتوقع تأثير ارتفاع أسعار النفط على الناتج الاقتصادي فيها قد أحدثت صدمة لي كونها بلا معنى إلى حد ما. أن نقول بأن زيادة عشرة دولارات في الأسعار، يحصل تراجع في الناتج المحلي العالمي بنسبة 0.5 بالمئة، لا تخبرنا شيئاً كثيراً - ما يهم هو السرعة التي تؤدي إلى رفع الأسعار والوقت الذي تبقى فيه كذلك على هذا النحو. إن الضرر الذي يصيب الثقة بسبب الإرتفاع السريع لسعر النفط يميل إلى أن يكون له تأثير أكبر على الطلب، لا سيما في الولايات المتحدة، حيث يكون سعر البنزين هو أحد المحددات الرئيسية للإنفاق العام.

بعد كل زيادة سريعة جداً، من النوع الذي شهدنا في العام الماضي، هناك نقطة حين يقرر المستهلكون بشكل جماعي الإضراب والتوقف عن الإنفاق. ونحن، أخشى، أن نكون قريبين من تلك النقطة الحاسمة. وفي ظل إقتصاديات متقدّمة لا تزال تكافح للخروج من الأزمة المالية، فإن ما لا نرغب فيه الآن هو صدمة أسعار نفط أخرى. حتى الآن، كل شيء يعتمد على المملكة العربية السعودية.

وإذا ما استسلمت للعدوى، أو فشلت في التعويض عن الإنتاج المفقود من ليبيا عن طريق زيادة إنتاجها، قد يتعين، من ثم، علينا أن نلوّح بالوداع للإنتعاش الإقتصادي العالمي.


(5) هل تقع ثورة الشرق الأوسط القادمة في السعودية؟

في مقالة للكاتبة راشيل برونسون نشرت في صحيفة (واشنطن بوست) في 25 شباط (فبراير) الماضي، أوردت قائمة الدول التي شهدت انتفاضة شعبية بعضها بلغ حتى الآن مرحلة فصل رأس الدولة كما في تونس ومصر، وأخرى مازالت في مرحلة المخاض كما في ليبيا واليمن والبحرين. بعد ذلك، طرحت برونسون السؤال التالي: هل تكون السعودية تالية؟

وراشيل برونسون هي مؤلفة كتاب بعنوان: (أثمن من النفط: أميركا الشراكة غير المريحة مع السعودية)، وتشغل برونسون منصب نائب الرئيس للبرامج والدراسات في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية.

في مقالة برونسون ثمة نقاط جديرة بالإهتمام والتأمل، فهي تبدأ من فرضية أن مفهوم الثورة في المملكة السعودية يبدو غير وارد حتى الآن. ولكنها في الوقت نفسه تبقي الباب مفتوحاً على احتمالات غير مستبعدة، خصوصاً بعد أن لحظت إرهاصات لمعطى ثوري، حيث وجدت على صفحة فيسبوك حملة تدعو إلى (يوم غضب) في 11 مارس. كما ذكرت أيضاً قيام شخصيات سعودية بالمطالبة بإصلاحات سياسية وإجتماعية. أما العاهل الكهل، الملك عبد الله، فقد أعلن عن مساعدة اقتصادية جديدة للسكان، وربما كخطوة استباقية لأي اضطرابات. ونترك روبنسون تجيب عن السؤال الكبير:

هل النظام السعودي غير القابل للتزحزح، والذي يلعب دوراً محورياً في المصالح الأمنية الأميركية في المنطقة، قابلاً في الواقع للزحزحة؟

الثورات معدية في الشرق الأوسط - وليس فقط في الأسابيع القليلة الماضية. في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما وصل جمال عبد الناصر إلى سدّة السلطة في مصر، اشتعلت احتجاجات قومية في جميع أرجاء المنطقة، مما شكّل تحدياً للقيادة في الأردن وسوريا والسعودية، وفي نهاية المطاف في ليبيا ومابعدها.

العائلة المالكة في السعودية المصدومة راقبت بلا حول ولا قوة أحد أعضائها، وفي خط التوارث مباشرة ليصبح ملكاً محتملاً، وأعلن التضامن مع الثورة، واتّخذ مصر مكاناً للإقامة لبضع سنوات. إنه الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود، إبن مؤسس المملكة، والأخ غير الشقيق للملك ـ عبد الله ـ، الذي أعيد دمجه في النخبة السعودية – وفي ذلك تذكير للنظام الملكي بأنه غير محصّن ضد الثورات الإقليمية (ما لم يتم حل المشاكل التي تواجه العربية السعودية، فإن ما حدث وما زال يحدث في بعض البلدان العربية، بما في ذلك البحرين، يمكن أن ينتشر الى العربية السعودية، وأسوأ من ذلك)، حسب تصريحات الأمير طلال لهيئة الاذاعة البريطانية مؤخراً.

الإضطّرابات في مصر والبحرين والأردن واليمن (أي غرب وشرق وجنوب المملكة) يلعب على الخوف الأعظم لدى السعوديين: التطويق. السعوديون منحازون إلى جانب الولايات المتحدة بدلاً من بريطانيا الإستعمارية في أوائل القرن العشرين في جزء منه للدفاع ضد الهيمنة البريطانية الزاحفة. خلال الحرب الباردة وقف النظام الملكي باستمرار ضد جيرانه المدعومين من السوفييت خوفاً من أن تحيط بها الأنظمة الشيوعية. ومنذ نهاية الحرب الباردة، كان الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية السعودية هو مواجهة انتشار النفوذ الايراني في كل الإتجاهات - أفغانستان والعراق ولبنان والاراضي الفلسطينية واليمن.

عندما عاد الملك عبدالله الى العربية السعودية بعد ثلاثة أشهر من النقاهة في الولايات المتحدة والمغرب، فإن من أوائل الاجتماعات التي عقدها كانت مع حليفه الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين لمناقشة الإضطرابات في بلاده صغيرة. البحرين التي يحكمها السنة، أقل من 20 ميلاً من المنطقة الشرقية الشيعية والغنية بالنفط في السعودية، كانت تتسلّم لفترة طويلة مساعدات السعودية. كانت أيضا محور المصالح الايرانية. وكان الإجتماع بمثابة إشارة واضحة لدعم الملك في البحرين، وإشارة إلى أن القيادة السعودية تشعرق بقلق حيال الأحداث الجارية في البحرين وجميع أنحاء المنطقة.

وما يؤكّد القلق بصورة أكبر، كان القادة السعوديون غاضبين، حسبما أفيد، بأن إدارة أوباما دعمت في نهاية المطاف تغيير النظام في مصر، نظراً لأن ذلك قد يشكّل سابقة. قبل أن يغادر الرئيس المصري حسني مبارك منصبه، عرض السعوديون تعويض نظامه المتعثر عن أي انسحاب من المساعدات الاقتصادية الأمريكية - بهدف تقويض نفوذ واشنطن في مصر والحد من نفوذها.

وحيثما نظر القادة السعوديون في أرجاء المنطقة، فإن لديهم سبباً للإعتقاد بأنهم لن يجدوا أنفسهم في مواجهة الثوار في عقر دارهم. إن الثورة في مصر وليبيا والبحرين وغيرها مدفوعة بالنفور الشعبي من القيادة المتصلّبة الفاسدة. هذه البلدان ليس لديها خطط واضحة للخلافة. لديهم حركات معارضة منظّمة، سواء في داخل أو خارج حدودها، تستغل وسائل وتقنيات جديدة لتحدي الحكومات..

هذه الظروف تبدو حاضرة في السعودية أيضاً، ولكن البلاد تختلف في بعض النواحي الهامة. أولاً، الوضع الاقتصادي أفضل بكثير. نصيب الفرد في مصر من الناتج المحلي الإجمالي هو أكثر بقليل من 6000 دولار، وتونس هي أقرب إلى 9000 دولار. بالنسبة للسعودية فنصيب الفرد هو حوالي 24000 دولاراً ومازال في حال تصاعد (من 9000 دولاراً وأكثر من ذلك بقليل منذ عقد من الزمان). النظام السعودي لديه أيضاً موارد للإنفاق على شعبها. أسعار النفط مرتفعة وهي في حال تصاعد. أعلن الملك عن تقديمات اجتماعية واسعة النطاق يبلغ مجموعها أكثر من 35 مليار دولار، ويشمل أيضاً تخفيف البطالة، وإعانات الإسكان، وصناديق لدعم الدراسة في الخارج، ومجموعة من فرص العمل الجديدة التي تم إنشاؤها من قبل الدولة. من الواضح أن الملك متوتّر، ولكن لديه أشياء جيدة لتوزيعها حوله.

الفقر حقيقي في السعودية، ولكن ارتفاع أسعار النفط والسياسات الاقتصادية المتحررة ببطء تساعد في إضفاء قناع عليه ـ أي على الفقر. عندما التقيت ولي العهد آنذاك الأمير عبد الله في عام 1999، أخبر بعضنا بأن البطالة كانت (المشكلة رقم واحد للأمن الوطني التي تواجهها السعودية). وكان على حق آنذاك، ولا يزال في الوقت الراهن. ووفقاً لتحليل من البنك السعودي الفرنسي فإن البطالة بين السعوديين الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة كانت تراوح عند 30 بالمئة في العام 2009. ومع ذلك، فإن العديد من قرارات الملك المتعلّقة بالسياسات – الإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية، إقامة مدن جديدة بقيم أكثر ليبرالية، تعزيز التعليم وخاصة الدراسة في الخارج ـ كانت تهدف إلى معالجة تلك المشاكل. قد تكون البلاد على مسار بطيء جداً نحو التحديث، لكنها لا تنزلق الى الوراء مثل آخرين كثيرين في الشرق الأوسط.

ثمة فرق آخر بين السعودية وجيرانها هو أن المعارضة قد تمَّ إلى حد كبير تحييدها أو تم تدميرها. على مدى السنوات العشر الماضية، تعقّبت الحكومة السعودية بصورة منظَّمة خلايا تنظيم القاعدة على أراضيها، واجتثت أنصار يشتبه في تغلغهم في الجيش والحرس الوطني، وخصوصا بعد سلسلة من الهجمات في 2003. وقد جلبت أبرز رجال الدين المعارضين تحت جناح النظام. وقد شمل ذلك بعض تملق للأشخاص التافهين، ولكن التهديد من طرف راديكالي هو أقل الآن مما كان عليه في الماضي القريب. وكان السعوديون أذكياء تماماً بإقناع النخب الليبرالية في البلاد بأن النظام هو أملهم الأفضل من أجل مستقبل ناجح.

إن ولاء الاجهزة الأمنية هو دائما مؤشر مهم على استقرار النظام، وهنا السعوديون مرة أخرى لديهم سبب لبعض الثقة. كبار أعضاء العائلة المالكة وأبناؤهم يسيطرون على جميع قوات الأمن - الجيش والحرس الوطني والشرطة الدينية. فإما البقاء على قيد الحياة أو السقوط معاً. لايمكن أن يكون هناك ما يعادل المؤسسة العسكرية المصرية التي يمكنها تولي الموقع باعتبارها مؤسسة مستقلة وذات مصداقية. في السعودية، الحكومة لديها احتكار العنف. والواقع أن السعوديين لا يستغلون الفرص وقاموا باعتقال الأشخاص الذين يحاولون تأسيس حزب سياسي جديد يدعو إلى مزيد من الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان.

وأخيراً، أصبح هناك خطة للخلافة. وكان هناك خمسة ملوك للسعودية في العقود الستة الماضية، منذ وفاة مؤسسها. لم يكن هناك فراغ خلافة كما كان في مصر وتونس.وهناك كثير من السعوديين قد لا يحبون الأمير نايف، وزير الداخلية، ولكنهم يعرفون أنه من المرجَّح أن يعقب الملك عبدالله وولي العهد الأمير سلطان على العرش. وهناك عملية، وإن مبهمة بعض الشيء، لاختيار الملك من بعده.

الولايات المتحدة لديها الكثير على المحك في السعودية، على الرغم من أن الأمريكيين ينظرون في كثير من الأحيان بنفور للسعوديين. وحسبما قال لي مسؤول رفيع في الحكومة السعودية ذات مرة : (ماذا يجمع الولايات المتحدة وبلد لا تستطيع المرأة فيه من قيادة السيارة، والقرآن هو الدستور، وقطع الرؤوس شائع؟) إنها مسألة صعبة، ولكن الجواب، بكل بساطة، هو الجغرافيا السياسية - والتي نعرفها، ومثل النخب الليبرالية السعودية التي تلقّت تعليمها في الولايات المتحدة.

السعوديون كانوا عوناً لنا. هم رجال شجعان مسالمون بشكل معقول. إنهم لا يهاجمون جيرانهم، على الرغم من أنهم يسعون للتأثير عليهم، وغالبا عن طريق تمويل الحلفاء في التجاذبات المحلية على السلطة. إنهم ملتزمون بالمحافظة على أسعار نفط معقولة. على سبيل المثال، وبالرغم من أن نفطهم ليس بديلاً مباشراً عن الخام الحلو الليبي ققد عرض السعوديون زيادة الإمدادات لتعويض أي خفض في الإنتاج الليبي بسبب أعمال العنف هناك. نحن نعمل عن كثب معهم بشأن عمليات مكافحة الإرهاب. والسعودية تعتبر طرفاً موازناً لإيران. نختلف حول القضية الاسرائيلية الفلسطينية، لكننا لا نسمح لها بأن تعترض طريق المصالح الرئيسية الأخرى.

واشنطن لا تريد للنظام الملكي السعودي بالسقوط. وإن إدارة أوباما تريد أن يتغيّر هذا النظام بمرور الوقت وينبغي تشجيع أفضل نظام حكم مع مزيد من التمثيل وسياسات ليبرالية وقوانين. لكن الثورات لن تساعد بالضرورة أولئك الذين نتمنى أن ينتصرون.

ومن الأعمال الخطرة التنبؤ بالأحداث في الشرق الأوسط، وخاصة في أوقات الأزمات الإقليمية. إنه من الصعب حجب ذكريات الماضي من بيان رأس السنة للرئيس جيمي كارتر الجديد 1977 بأن إيران في عهد الشاه كانت جزيرة استقرار في منطقة مضطربة - أشهر فقط قبل أن يتحطّم الاستقرار. ومع ذلك، فإن المكوّنات الرئيسية للتغيير السريع، والهائل، والثوري ليست موجودة في السعودية. على الأقل، ليس بعد.


(6) الخاسرون في الثورات العربية: آل سعود أحدهم

في مقالة مثيرة للكاتب طارق علي بعنوان (هذا عرب 1848. ولكن الهيمنة الأميركية قد تراجعت)، نشر في صحيفة (الجارديان) البريطانية في 22 شباط (فبراير) الماضي. ينطلق المقال من سؤال جوهري: مع اقتلاع الطغاة المدعومين من الغرب تغيّرت السياسة الى الأبد. ولكن إلى أي مدى يمكن أن تنتشر الثورة؟

رفض الناس تقبيل أو تجاهل القضيب الذي وبّخهم لعقود كثيرة، فقد بدأ فصل جديد في تاريخ الأمة العربية. إن فكرة المحافظين الجدد السخيفة، مع قدر كبير من التبجّج، بأن العرب أو المسلمين معادون للديمقراطية قد اختفت مثل الرق في النار.

الذين يروجون لمثل هذه الأفكار يبدون في تعاسة كبيرة وهم: إسرائيل ولوبياتها في أوروبا وأمريكا، وصناعة الأسلحة، في محاولة على عجل لبيع أكبر قدر في حين أنه (أي رئيس الوزراء البريطاني بوصفه تاجر الموت في معرض الأسلحة في أبوظبي)، والحكّام المحاصرون في السعودية، يتساءل ما إذا كان المرض سينتشر إلى مملكتهم المستبدة. حتى الآن، قدموا ملاذا لكثير من الطغاة، ولكن عندما يحين الوقت، إلى أين ستلجأ العائلة المالكة؟ ويجب أن يعلموا بأن أسيادهم سيرمونهم دون مراسيم، وسيزعمون بأنهم يفضّلون الديمقراطية دائماً.

إذا كان هناك مقارنة مع أوروبا فهي عام 1848، عندما أبقت القيامات الثورية بريطانيا واسبانيا فقط دون مساس - على الرغم من أن الملكة فيكتوريا، بالتفكير في الميثاقيين، كانت تخشى خلاف ذلك. في رسالة خطيّة إلى ابن أخيها المحاصر في العرش البلجيكي، أعربت الملكة عن تعاطفها ولكنها تساءلت ما إذا (سنكون جميعاً قتلى في أسرّتنا). الصعوبة تكمن في الرأس الذي يرتدي تاجاً مرصّعاً بالجواهر أو القبَّعات، وتخزين المليارات في البنوك الأجنبية.

مثل الأوروبيين في عام 1848 الشعب العربي يناضل ضد الهيمنة الأجنبية (82٪ من المصريين، بحسب إستطلاع حديث للرأي، لديه نظرة سلبية تجاه الولايات المتحدة)؛ ضد انتهاك حقوقهم الديمقراطية؛ ضد نخبة أصابها العمى عن طريق الثراء غير الشرعي ـ ولصالح العدالة الإقتصادية. وهذا يختلف عن الموجة الأولى من القومية العربية، التي كانت تتعلق أساساً بإخراج بقايا الإمبراطورية البريطانية من المنطقة. المصريون في عهد عبد الناصر قاموا بتأميم قناة السويس، وتعرّوا للغزو من جانب بريطانيا وفرنسا واسرائيل - بل كان ذلك من دون إذن واشنطن، وعليه اضطرت القوى الثلاث للإنسحاب.

كانت القاهرة مظفرة. والملكية المؤيّدة للبريطانيين سقطت في ثورة 1958 في العراق، واستلم المتشدّدون السلطة في دمشق، وحاول أمير سعودي كبير القيام بانقلاب قصر وهرب إلى القاهرة عندما فشل، صراعات مسلحة اندلعت في اليمن وسلطنة عمان، وكان هناك الكثير من الكلام عن أمة عربية بثلاث عواصم متزامنة. وكان أحد الآثار الجانبية: انقلاب غريب الأطوار في ليبيا والتي جلبت ضابط شاب شبه أمّي، معمر القذافي، إلى السلطة. وقد أصرَّ أعداؤه السعوديون دائماً على أن العقل المدبر للإنقلاب هو المخابرات البريطانية، تماما مثل تلك التي دفعت عيدي أمين الى السلطة في أوغندا. وكانت القومية والحداثوية والتطرّف لدى القذافي هي جميعها للإستعراض، تماماً مثل قصصه القصيرة في الخيال العلمي المخفي.

وقد عبّأت الثورات العربية، بسبب الأزمة الإقتصادية، الحركات الجماهيرية، ولكن لم يتم طرح كل جانب من جوانب الحياة في السؤال. فالحقوق الإجتماعية والسياسية والدينية أصبحت موضع جدل عنيف في تونس، ولكن ليس في أماكن أخرى حتى الآن. لم تبرز أية أحزاب سياسية جديدة، وهو مؤشِّر على أن المعارك الإنتخابية القادمة ستكون منافسات بين الليبرالية العربية والمحافظة على شاكلة الإخوان المسلمين، على غرار الإسلاميين في السلطة في تركيا وأندونيسيا، وتربوا في حضن الولايات المتحدة.

لقد تقلّصت الهيمنة الأمريكية في المنطقة ولكن لم تُدَّمر. إن النظم ما بعد المستبدة من المرجح أن تكون أكثر إستقلالية، مع نظام ديمقراطي جديد وثوري، ومن المؤمّل أن تكون هناك دساتير جديدة تضيء على الإحتياجات الإجتماعية والسياسية. ولكن الجيش في مصر وتونس لن يضمن تحقّق أي شيء بصورة عاجلة. إن القلق الكبير لدى أوروبا وأمريكا هو البحرين. فإذا ما أزيل حكّامها فسوف يكون من الصعب منع انتفاضة ديمقراطية في السعودية. هل تستطيع واشنطن تحمل حدوث ذلك؟ أم أنها سوف تقوم بنشر قوة مسلحة للحفاظ على الوهابين الفاسدين في السلطة؟


(7) الثورة ممكنة في السعودية

في مقالة للبروفسورة مضاوي الرشيد بعنوان (نعم، يمكن أن تحدث.. لماذا السعودية ناضجة للثورة؟) نشرت في مجلة (فورين بوليسي) بتاريخ 28 شباط (فبراير) الماضي، تقدّم فيه تصوّراً مدعوماً بمعطيات حول احتمالية قيام ثورة شعبية في السعودية. وفيما يلي نصّ المقال:

في عصر الثورات العربية، هل سيجرؤ السعوديون على التشرّف بقبول دعوات الفيسبوك للمظاهرات المناهضة للحكومة في يوم 11 مارس؟ هل سيعتصمون في واحدة من دوّارات جدة الرئيسية؟ أم أنهم سيبدأون في القطيف، والمنطقة الشرقية حيث غالبية شيعية كبيرة لديها خبرة أكثر في الاحتجاج الفعلي؟ هل ستبقى الرياض تنعم في عباءة البهاء والقوة، والإختباء عن الأنظار في قلاعها الرملية الجبّارة؟

السعودية ناضجة للتغيير؟ وبالرغم من صورتها كدولة ثرية بصورة ملفتة، في ظل سكّان في حال سكون وهدوء سياسي، فإن لها ظروفاً اقتصادية، وديمغرافية وسياسية كتلك السائدة في البلدان العربية المجاورة. وليس هناك من سبب للاعتقاد بان السعوديين محصّنين إزاء حمى الاحتجاج التي تجتاح المنطقة.

صحيح أن السعودية ثرية، ولكن معظم سكّانها الشباب لا يجدون وظائف في القطاعين العام والخاص. إن توسّع اقتصادها البالغ 430 مليار دولار قد أفاد قسماً كبيراً من النخبة الريادية - ولا سيما تلك المتواشجة مع العائلة الحاكمة - ولكنه فشل في خلق فرص عمل لآلاف من خريجي الجامعات كل عام. لقد قاومت هذه النخبة نفسها توظيف السعوديين المكلّفين، وساهمت في ارتفاع نسبة البطالة المحليَّة من خلال توظيف العمالة الأجنبية. إن ارتفاع أسعار النفط منذ عام 2003 والتوسّع في استثمارات الدولة في التعليم والبنية التحتية، والرعاية، أنتجت، في الوقت نفسه، إقتصاد متفجر بالرغبات.

شأن جيرانهم، يريد السعوديون وظائف، ومساكن، وتعليم، لكنّهم أيضاً يرغبون في شيء آخر. منذ سقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003، أعربوا عن مطالبهم السياسية بطريقتهم، من خلال العرائض التي وزِّعت وتمّ التوقيع عليها من قبل المئات من النشطاء والمهنيين، رجالاً ونساءً، ومن السنة والشيعة والإسماعيليين. ورفع الإصلاحيون عريضة إلى الملك عبد الله يطاالبون فيها بإنشاء مجلس شورى منتخب واستبدال مجلس الشورى المعيّن الموروث من الملك فهد ..لقد تمّ اعتقال المنظّمون السياسيون ومنع البعض من السفر حتى اليوم. )ربيع الرياض) الذي أمِلَهُ العديد من الإصلاحيين بعد اعتلاء الملك عبد الله العرش سنة 2005 جرى تجميده، فيما جرفت هطول أمطار غزيرة البنية التحتية والناس في المدن الكبرى. ودفع ارتفاع معدَّلات البطالة الشباب نحو سلوك عدائي للمجتمع، وانهيار الزيجات، وزيادة عدد العزّاب، وعدد الأشخاص تحت خط الفقر في واحدة من أغنى دول العالم العربي. اليوم، ما يقرب من 40 في المئة من السعوديين الذين تتراوح أعمارهم 20 حتى 24 عاطلون عن العمل.

وفي غضون ذلك، كشفت فضيحة تلو الأخرى مستوى الفساد والمحسوبية في مؤسسات الدولة. وعد الأمراء بإنشاء لجان للتحقيق، ولكن تركت الجناة يفلتون من العقاب. انتقاد الملك والأمراء الحكّام الكبار بقي محرّماً، فيما قامت قلّة بخرق الخط الأحمر المحيط بزمرة كبيرة مقدّسة تحتكر المناصب الحكومية من الدفاع الى الرياضة. وارتفع عدد السجناء السياسيين وسجناء الرأي في المعتقلات السعودية. تحت ذريعة الحرب على الارهاب، تمتّع النظام السعودي بيد طليقة. وقام وزير الداخلية الأمير نايف، وإبنه ونائبه، الأمير محمد، بالإلتفاف على ناشطين سلميين، ومدوّنين، ومحامين، وأكاديميين وسجنهم لفترات طويلة. ورقب السعوديون ذلك بصمت، بينما العالم الخارجي إما بقي غافلاً عن انتهاكات حقوق الإنسان أو غض الطرف من أجل مصالحه النفطية، والأسلحة، والاستثمار. (نحن لسنا تونس)،(نحن لسنا مصر)، (نحن لسنا ليبيا) (ولربما في غضون شهر، نحن لسنا العالم العربي) أصبحت لهجة يعاد تكرارها، والإعداد لها جيداً في الخطاب الرسمي السياسي السعودي في الأسابيع الأخيرة. هناك بعض الحقيقة في هذا: الجزر غالباً ما يكون عملة الولاء في البلدان الغنية بالنفط، بما في ذلك المملكة الأغنى. لكن العائلة المالكة في السعودية تستخدم الكثير من العصي أيضاً. شركات العلاقات العامة في الرياض، واشنطن، لندن تضمن بأن أخبار الجزر تسري إلى أقصى حد ممكن، وإخفاء الحقائق غير السارة في واحدة من الأنظمة الاستبدادية والأقل شفافية في معظم الخليج الفارسي. ما لا يمكن أن يخفى بعد الآن هو المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي فشل النفط حتى الآن في معالجتها.

حين كان السعوديون فقراء ومتأخرين عن العالم في مجال التعليم، والتطلّعات، والبنية التحتية، كان النفط هو البلح الذي يداوي الجروح الإجتماعية. إن موجة الإنقلابات العسكرية التي اجتاحت العالم العربي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، لم تترك انطباعاً كثيراً لدى السعوديين على الرغم من بعض الانفعالات هنا وهناك. قلة من السعوديين كانت معجبة بالوهج الثوري العربي أو حركات التحرر العربية. في ذلك الوقت، كان يفتقر معظم السعوديين للتعليم أو الميل إلى مسائلة حكومتهم، إلى جانب عدد قليل من النشطاء والمحرّضين، بمن فيهم إثنان من الأمراء. وبحلول عقد السبعينيات من القرن الماضي، كانت الثروة النفطية تطوّر ذائقتهم نحو اقتصاد استهلاكي، ومتع السيارات، والطائرات والمياه الجارية، وتكييف الهواء، والنظارات الشمسية. ولم تكن المشاركة السياسية جزءاً من الحزمة.

اليوم، لا يزال النفط وفيراً، ولكن السعوديين في وضع مختلف. يتمتّعون بمزيد من الاستهلاك، والسيولة أكثر من غيرهم في العالم العربي، ولكن أقل من مثيلاتها في دول مجاورة مثل قطر والكويت والامارات العربية المتحدة. السعوديون يبحثون اليوم عن شيء آخر. انهم شباب - شباب تحت سن 30 عاماً يقدّرون بثلثي الشعب السعودي، وهم متعلّمون، متواصلون، وواضحون. علاوة على ذلك، قبل كل شيء، فهي ملّمون بالخطاب العالمي للديمقراطية والحرية، الأهلية، والتمكين والشفافية والمساءلة، وحقوق الإنسان التي انفجرت في وجه الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي منذ يناير. يشاهدون القنوات الفضائية مثل الجزيرة ويستهلكون بشغف أخبار الانتفاضات في مختلف أرجاء المنطقة.

وحتى الان، إحتل الشباب السعودي (ميدان التحرير) الخاص بهم على الخارطة الافتراضية،. في التسعينيات من القرن الماضي، المعارضة الاسلامية في المنفى إستعملت جهاز الفاكس لقصف البلاد بالرسائل التي تشجب القيادة وتدعوة الى العودة الى الإسلام النقي. وفي وقت لاحق، فإن دوائر أكبر من الشباب السعوديين المسيّسين وغير المسيّسين دخلوا في مجموعات المحادثة على شبكة الانترنت، وغرف الدردشة، والتدوين، ومؤخراً فيسبوك وتويتر للتعبير عن أنفسهم، والتعبئة، وتبادل المظالم. وقد أصبحت هذه الفضاءات الافتراضية المنازل الطبيعية لكل من الأصوات المعارضة والدعاية الحكومية. أطلق مؤخراً سكرتير الملك الخاص ورئيس الديوان الملكي خالد التويجري، صفحة خاصة له على الفيسبوك.

يعتقد السعوديون أنهم في مأمن في عالمهم الافتراضي، ولكن النظام صمّم على تتبّع كل كلمة وهمسة تتحديان نموذجه الواقعي. وقد تمّ سجن المدونين الشباب، والكتّاب، وكتّاب المقالات لطرحهم أسئلة بسيطة مثل: من سيكون ملكاً بعد عبد الله؟ أين تذهب الثروة النفطية؟ من هو المسؤول عن فضائح الفساد المرتبطة بصفقات الأسلحة؟ لماذا يتناوب الملك وولي العهد على مغادرة البلاد؟ لماذا أحبطت ما يدعى بإصلاحات عبد الله من قبل شقيقه الأمير نايف؟ من هو الحاكم الحقيقي في السعودية؟، جميع الاسئلة دون اجابات هي من المحرمات.

في 23 فبراير، وبعد ان أمضى الملك عبد الله، 87 ونيف، ثلاثة أشهر في الخارج بعد إجراء عمليتين في نيويورك وأمضى فترة نقاهة في المغرب، أعيد الى الرياض وسط مجموعة من التقديمات الإجتماعية بقيمة 36 مليار دولار. وكانت هذه بالنسبة للجزء الاكبر محاولة واضحة لإسترضاء السكان الشباب اليافع، لابعاده عن إغراء الثورة - زيادة الرواتب في القطاع العام، وإعانات البطالة، وإعانات للسكن والتعليم، والثقافة.

في السنوات الماضية، حظيت هذه التقديمات بترحيب من السكان الذين اعتادوا على سخاء العائلة المالكة، ولكن الآن فإن اقتصاد عدم تلبية الرغبات قد رفع السقف. الملك نفسه، الكبير جداً والضعيف جداً، قد أساء قراءة مستوى الإحباط وخيبة الأمل لدى كثير من السعوديين من جميع الاتجاهات السياسية، الذين يعبّرون عن شكاواهم على شبكة الإنترنت. إن القاسم المشترك هو مطلب للإصلاح سياسي حقيقي. كل الدلائل تشير إلى أن السعوديين هم في عجلة لاغتنام هذه الفرصة غير المسبوقة للضغط من أجل تغيير سياسي جدي. والرد على تقديمات الملك على مواقع فيسبوك السعودية هو الامتناع (الإنسان لا يمكن أن يعيش بالخبز وحده).

بالطبع، ليس الليبراليون وحدهم من يطالبون بالتغيير. فقبل بضعة أسابيع من عودة الملك، أعلنت مجموعة من الأكاديميين السعوديين والمهنيين عن إنشاء حزب الأمة الإسلامية السلفي، وأطلق موقعاً على شبكة الإنترنت. الاصلاحيون السلفيون يدعون للديمقراطية، والإنتخابات، واحترام حقوق الإنسان. وضع خمسة من الأعضاء المؤسّسين في السجن مباشرة بعد الإعلان. و ظهر أخ الملك، الأمير طلال، المهمّش سياسياً ولكنه ثري للغاية، على شاشات تلفزيون بي بي سي العربي للثناء على الملك وانتقاد أمراء كبار أقوياء، أو ما يدعون بالسديريين السبعة (ويشمل ولي العهد الأمير سلطان، والأمير نايف، وزير الداخلية، والأمير سلمان، حاكم الرياض)، من دون ذكر أسمائهم. وأعاد إحياء دعوته في الستينيات من القرن الماضي للملكية الدستورية، والتي تحظى الآن بدعم بعض الناشطين في السعودية. حتى الآن، وقّع 119 من النشطاء عريضة تطالب بالملكية الدستورية. مزيد من العرائض الموقعة من قطاع واسع من المتخصصين السعوديين، والأكاديميين، والصحفيين تنتشر على شبكة الانترنت. وهناك حملة واسعة من المجتمع السعودي تطالب الآن بالتغيير السياسي.

إذا استجاب السعوديون لدعوات التظاهر وتجاوز عادة العرائض القديمة، سوف تكون الأغلبية من المفكرين الأحرار الشباب الذين لديهم ما يكفي من الاستقطاب في السعودية والانقسام الى معسكرين: ليبرالية واسلامية، مع توقف بقاء آل سعود في موقع الرئاسة على مدى اتساع الهوة بين الجانبين. انهم يريدون تمثيلاً سياسياً، وفرصاً اقتصادية. البرلمان المنتخب هو مطلب عام. حتى الآن، لا يزال الشيعة السعوديون في حالة صمت نسبياً، باستثناء إحتجاجات طفيفة في المنطقة الشرقية. بعد أن شهدوا المذبحة في دوار اللؤلؤة في البحرين في 17 فبراير، فإنها قد يتردّدون في المبادرة بمفردهم. إذا فعلوا ذلك، سيكون من السهل جداً للنظام حشد الأغلبية السنية وسحق احتجاجهم، تماما كما فعل في 1979. في الواقع، سيسدي الشيعة خدمة للنظام في لحظة حرجة حين تكون مشروعيته بين أغلبية السنة في البلاد أمراً مفروغا منه.

ربما سيتعين على الشيعة الإنتظار حتى تشكيل تحالفات قوية مع التيار العام في المجتمع السعودي لإزالة أي بعد طائفي لمطالبهم. الحجازيون على طول الساحل الغربي سيكونون حلفاء طبيعيين، حيث أن شكاواهم عن ضعف البنية التحتية لمدينتهم الرئيسية، جدة، قد تكون بمثابة حافز للضغط من أجل المزيد من الحقوق السياسية، والحكم الذاتي. الدعاية الليبرالية هناك أكثر تقبلاً للعرض منها بالنسبة للشيعة في المنطقة الشرقية. إذا توحدّت جدة والقطيف في المطالب، فإن الرياض ستبدو أكثر عزلة من أي وقت آخر. لديها العديد من المؤيدين في محيطها النجدي التاريخي، حتى وهم يغازلون الخطاب العالمي للحرية. والآن بعض السلفيين، والمفسّرين الحرفيين والمتزمتين للإسلام يدعون إلى شورى حقيقية، أي بعبارة أخرى الديمقراطية.

ويبدو أن المملكة تقف على مفترق طرق. ويجب أن تضع إما أجندة جديّة للإصلاح السياسي التي من شأنها تهدئة الشباب المتحفّز والغاضب أو مواجهة إضطرابات خطيرة خلال الشهور القادمة. للإستجابة للمطالب العامة، فإن جدول الأعمال ينبغي قبل كل شيء أن يبدأ من دستور مكتوب، والحد من سلطة الأجنحة الملكية المتعدّدة داخل الدولة، وتنظيم عملية توارث العرش، تدشين برلمان منتخب، وفتح المجال السياسي لمنظمات المجتمع المدني. إن الإختباء وراء الخطاب الإسلامي مثل (دستورنا هو القرآن) لم تعد طريقاً حيوياً للهرب. كثير من السعوديين يشعرون بالإحباط من الاسلام الرسمي والمعارض. هم يريدون نظاماً سياسياً جديداً يتطابق وتطلعاتهم، وتعليمهم، وقدراتهم، في حين يلتقي مع حقوق الإنسان الأساسية والمدنية، والسياسية الخاصة بهم.

مثل الأنظمة العربية الأخرى التي سقطت قبلهم، فإن حكم آل سعود يسعى حتما إلى تخويف السكان عن طريق التلويح بشبح القاعدة والتحذير من الانشقاقات القبلية والإقليمية والطائفية. وسوف تحاول إحباط التغيير السياسي قبل أن يبدأ. قد لا يعتقد السعوديون في إذكاء نيران المتوجسين. مراكز قيادة الثورات العربية اليوم ليست هي كهوف تورا بورا أو حي السويدي الرث في الرياض، حيث قتل الجهاديين مراسل بي بي سي فرانك جاردنر والمصور في عام 2004. إنها كمبيوترات محمولة من جيل شاب، متواصل، مطّلع، ولكنه محبط ينتفض ضد الأسر السلطوية العامة والخاصة التي سحقت الفرد في مسعى الأوهام والسيطرة.

نعم، كانت مصر مفتاح التغيير القادم، ولكن حين ينهض السعوديون فإنهم سوف يغيرون وجه العالم العربي وعلاقاتها مع الغرب إلى الأبد. الآن هو الوقت المناسب بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها أن تفهم أن المستقبل لا يكمن في الزمرة القديمة التي تسامحوا معها، ودعموها وانغمسموا معها في مقابل النفط، والأمن، والاستثمار. في وقت تحوّل الرمال العربية، إن من مصلحة أمريكا وبقية العالم الوقوف مع المستقبل وليس الماضي.


(8) الاحتجاجات تحيط السعوديين وتشعل بداخلهم نار التوتّر

في 19 شباط (فبراير) الماضي نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) مقالة للكاتب روبرت ورث، يتناول فيها طبيعة المخاوف التي تحيط بالعائلة المالكة نتيجة التغييرات الإنقلابية التي وقعت في منطقة الشرق الأوسط، والتي هزّت بعنف قلاع آل سعود. كتب ورث:

كما الإنتفاضات المؤيّدة للديمقراطية المنتشرة في الشرق الأوسط، فإن حكام المملكة السعودية - الحصن المنيع لنزعة المحافظة الدينية والسياسية في المنطقة - يشعرون بأنهم في عزلة على نحو متزايد، وقلقون من أن الولايات المتحدة قد لا تكون الداعم الموثوق بها، بحسب مسؤولين ودبلوماسيين.

المملكة السعودية هي أقل عرضة للتحرّكات الديمقراطية من بلدان أخرى في المنطقة، وذلك بفضل ثروتها النفطية الهائلة، ومؤسستها الدينية القوية وشعبية ملكها.

ولكن حكّام البلاد أصيبوا بصدمة بعد الرحيل القسري للرئيس المصري حسني مبارك، وهو حليف مقرّب له قيمته. انهم يراقبون بقلق إستمرار الإحتجاجات في البحرين المجاورة واليمن، والتي تشترك مع السعودية في حدود يسهل إختراقها تقدّر بـ 1100 ميل. هذه المخاوف تأتي على رأس مخاوف طال أمدها حول الوضع في العراق، حيث أن الإطاحة بصدام حسين مكّنت إيران، المنافس الأعظم والعدو للسعودية.

وقد عزّز مرض الملك عبد الله، 87 عاماً، الأخير وغيابة للعلاج في الولايات المتحدة والمغرب، من الشعور بانعدام الأمن.

(السعوديون مطوقون تماما بهذه المشكلة، من الأردن إلى العراق إلى البحرين إلى اليمن)، بحسب قول دبلوماسي عربي، معرباً عن رأي مفاده أنه أمر شائع في رواقات السلطة في الرياض، العاصمة: (السعودية هي آخر حليف للولايات المتحدة من الوزن الثقيل في المنطقة تواجه إيران). وتحدّث بشرط عدم الكشف عن إسمه تمشّياً مع البروتوكول الدبلوماسي.

يميل السعوديون لرؤية أي تهديد للنظام القائم في المنطقة باعتباره مكسباً لايران عدوها، وحلفائها سوريا وحزب الله. لقد إزدادت السعودية قلقاً على نحو متعاظم من أن إدارة أوباما تبتعد عن هذا المنظور، ودعم الحركات من أجل التغيير، حيث النتيجة غير مضمونة. وقد ازدادت هذه المخاوف من الأزمة في مصر، حيث شعر السعوديون بأنه كان ينبغي السماح لمبارك بالبقاء وتقديم المزيد من (خروج كريم) له، كما يقول مسؤولون سعوديون.

وكان الملك عبد الله قد أجرى على الأقل محادثتين هاتفيتين مع الرئيس أوباما لنقل مخاوفه في الأسابيع التي سبقت الإطاحة بالسيد مبارك، وكانت المحادثة الأخيرة قد انتهت على وقع خلاف حاد، وفقاً لمسؤولين مطّلعين على المكالمات.

وقد حاول المسؤولون السعوديون الظهور في شكل غير مكترث. وقد دعا الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية مجموعة من المثقفين البارزين والصحافيين في الرياض لمناقشة الاضطرابات الأخيرة. وأظهر لهجة ثقة، وقال إن السعودية (محصّنة) ضد الإحتجاجات بسبب أنها تسترشد بالحكم الديني (الشريعة) والذي لن يخضعه المواطنون للمسائلة.

(لا تقارن بيننا وبين مصر وتونس) يقول الأمير. ووفقاً لأحد الحاضرين، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لأن الإجتماع كان خاصاً وليس للنشر. لكن من حضر قال إنه والآخرين كانوا مرتابين ومشكّكين في أن الأمير كان مجرد يخفي قلقه.

وكانت وسائل الإعلام السعودية والعروبية داعمة بحذر للإنتفاضات في مصر وتونس، مع عدد من مقالات الرأي التي كانت ترحب بالدعوة للتغيير اللاعنفي. وهذا قد يتغيّر الآن حيث أن الإحتجاجات وأعمال العنف قد سيطرت على البحرين، والتي تقع فقط على بعد جسر طوله 15 ميلا من الحدود السعودية. البحرين هو احتمال بعيد أكثر تهديداً، ويرجع ذلك جزئياً للأبعاد الطائفية للإحتجاجات. سكان البحرين المضطربة هم في الغالب من الشيعة، والمتاخمة للمنطقة الشرقية من السعودية، وهي منطقة مهمّة في مجال إنتاج النفط، حيث يشكو السكان الشيعة من المعاملة غير العادلة من قبل المؤسسة الدينية المتزمّتة، ويشعرون بعلاقة حميمية مع اخوانهم الشيعة عبر مياه الخليج.

(إنتفاضة البحرين قد تعطي مزيداً من الشجاعة للشيعة في المنطقة الشرقية للإحتجاج)، قال أحد الدبلوماسيين السعوديين (وربما تتصاعد بعد ذلك إلى بقية أنحاء البلاد).

يقول معظم المحللين أن من غير المرجح أن يقع ذلك. وعلى الرغم من أن السعودية تتقاسم العديد من الظروف التي ولّدت الثورات الديمقراطية - بما في ذلك الاستبداد والفساد وعدد كبير من الشباب المتعلمين والعاطلين عن العمل الذين لم يحصلوا على وظائف مناسبة – فشعبها محمي بالثروة النفطية ومقاوم ثقافياً للتغيير.

وعلاوة على ذلك، يميل المحلّلون إلى الإتفاق على أن السعودية لن تسمح بإطاحة النظام الملكي البحريني. ومنذ ذلك الحين بدأت البحرين حملة قاسية على المحتجّين، قد سرت شائعات بأن السعودية قدّمت دعماً عسكرياً أو توجيهات، ولكن ليس هناك أي دليل لدعم ذلك. في الأيام الأخيرة، تحدّث نائب حاكم المنطقة الشرقية الامير سعود بن جلوي للزعماء الدينيين الشيعة وحثهم على قمع أي شعور للمتمرد، وفقا لتقارير إعلامية سعودية.

يقول توبي جونز، خبير في الشؤون السعودية في جامعة روتجرز، بأن (السعودية لم تقم ببناء جسر إلى البحرين حتى يقضي السعوديون عطلة نهاية الأسبوع، فقد تمّ تصميمه للحظات مثل هذه، من أجل إبقاء البحرين تحت السيطرة).

الانقسامات الطائفية في البحرين والسعودية يمكن أن تعمل أيضا ضد الإحتجاجات، مما يتيح للسلطات هناك لإلقاء اللوم على جدول الأعمال الطائفية من قبل إيران أو وكلائها من الشيعة عن أي احتجاجات. هذا الإتهام يعتبر سلاحاً قوياً في المنطقة، حيث التشكيك في إيران عميق. وقد أصدر المحتجّون السعوديون دعوة لمظاهرات في جميع المدن الكبرى في البلاد يوم 11 مارس، على الرغم من العديد كما يبدو يشككون في النتائج.

يقول علي الأحمد، مدير معهد شؤون الخليج في واشنطن (لا نتوقع الشيء الكثير)، والأحمد هو نفسه شيعي وكان نقدياً للنظام الملكي السعودي، ويضيف: (أعتقد ان الناس ما زالوا يتوقعون أن العاهل السعودي سيجعل الأمور أفضل).

ومع ذلك، فإن السعوديين يراقبون عن كثب إشارات الدبلوماسية الأميركية تجاه البحرين. فإن أي تردد إزاء الدعم الأميركي للنظام الملكي السني في البحرين، سوف يثير شعوراً عميقاً بالخيانة بحسب المحللين، ويمكن أن يخلق إنقساماً غير مسبوق في الشراكة مع الولايات المتحدة التي كانت من ركائز السياسة السعودية منذ عام 1945.

(العربية السعودية كان لديها دائما خوف من الحصار، سواء من الشيوعية أو من النفوذ الإيراني)، بحسب راشيل برونسون، وهي خبير في شؤون السعودية في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية: (البحرين بالنسبة لي هي نقطة التحول عندما يصبح ذلك مقلقاً حقاً).


(9) لماذا فدية الملك غير كافية للمحتجين في السعودية؟

أضاءت الباحثة والأكاديمية الحجازية مي يماني على حقيقة جوهرية حول أثر التقديمات الإجتماعية التي أعلن عنها الملك عبد الله عقب عودته من الخارج بهدف استيعاب المطالبات، بما نصّه: العرض الذي قدمه الملك عبد الله من الرشاوى للشباب المهمّشين في البلاد ليس بديلاً عن إصلاح حقيقي.

وجاء في مقالة الدكتورة يماني في صحيفة (الجارديان) البريطانية في 27 فبراير الماضي أن ليس ثمة مملكة هي جزيرة، خصوصاً حين تقع في بحر من الثورة. الملك عبد الله عاهل السعودية، مراقباً الهجوم على رجل ليبيا القوي معمر القذافي مع الرضا الملكي المعتاد، يعتقد أنه يمكن شراء الإحتجاجات مع وعد بتقديم هدايا.

بطبيعة الحال، فإن حجم الرشاوى التي عرضها الملك لجيل الشباب المقصي في البلاد ـ أي 22 مليار جنيه استرليني - هو شيء لا يقدّمه سوى ملك غني بالنفط. العاهل السعودي يتحدّث بمثابة الأب للسكان الشباب - بعد كل شيء، إنه الشيء الوحيد الذي يمكن للعائلة المالكة أن تقدّمه بإسمها لشعبها - ويتوقّع منهم الإنصياع لإسم آل سعود كما يفعلون ذلك لآبائهم الأصليين.

ولكن الملك صالح بين سلطته مع دور (الأب الكريم). في أي مكان آخر، لم يتلق الرعايا وعداً بهذا النوع من الهبات ولم يؤول إلى إحداث ردود فعل ملحوظة.

عبر الصحوة العربية التي بدأت في تونس، شاهد العاهل الكهل البالغ من العمر (86 عاما) وعدد من إخوته المسنين الاضطراب في جميع أنحاء العالم العربي واقتنعوا بأن الركائز التقليدية لسيطرتها السياسية سينظر إليها من خلال: عائدات النفط، وحماية الولايات المتحدة، والوصاية على الأماكن المقدسة.

ولكن مملكة الملك عبد الله محافظة إزاء موجات من الغضب الثوري الذي يلف القلعة: اليمن في الجنوب، والبحرين في الشرق، ومصر وتونس وليبيا في الغرب. وحتى مملكة الأردن التي عادة ما ينظر إليها على أنها منصاعة، قد شملها شبح التغيير. ملوك السعودية قد تعرّضوا، دون شك، إلى اهتزاز في الصميم من خلال تلك الإضطرابات ويشعرون بالتهديد بالثورات الزاحفة والمتعاقبة التي دفع ثمنها حلفاؤهم في القاهرة وتونس. كيف يكون ممكناً، هم يسألون، لبضع مئات من الشهداء فقط في غضون 2-3 أسابيع، إسقاط زملائهم المستبدين بهذه السرعة؟

تريد العائلة المالكة في السعودية مقاومة أو شراء المطالب من أجل التغيير السياسي. ولكن المشكلة هي أنهم لا يفهمون ما يطالب به شعبهم. الإنترنت، فيسبوك، يوتيوب، وتويتر تعتبر جميعاً غريبة على الرجال الذين نشأوا في عصر حين كان جهاز الهاتف يعتبر بدعة. إن نحو 70 % من سكّان المملكة تحت سنة الـ 30 يؤدي الى تفاقم المشكلة.

لذا، ليس من المستغرب أن يخطؤون في مطالب الناس من أجل الكرامة وصوت حقيقي في الحكومة، لذلك فإن الصرخات المشاكسة لابد من إخمادها بالرشاوي والخبز والألعاب البهلوانية.

لم يأخذ الملك وإخوته في اعتبارهم تقديم أي تنازل سياسي جدي، كما يأمل الكثيرون أنها قد تفضي إلى: إنشاء نظام ملكي دستوري، وانتخابات برلمانية، وإطلاق سراح ما يصل إلى 8000 سجين سياسي من دون محاكمة أو تمثيل قانوني، وإنهاء الفساد الملكي، وإصلاح القضاء وخفض الإمتيازات المعطاة لـ 22 ألف عضواً من أسرة آل سعود، والحد من نفوذ المؤسسة الدينية.

بدلاً من ذلك، قاموا بتقديم رشوة لتهدئة القلق والإضطراب: 15% زيادة في مرتّبات الموظفين في القطاع العام، ومساعدة للطلاب والعاطلين عن العمل، والأندية الرياضية. دعهم يركلون كرات القدم، يبدو أنه شعارٌ ملكي!

لكن التقديمات المالية ليست بديلاً عن الإصلاح الحقيقي.

المطالب التي يقدّمها الشباب الآن في البلاد هي من نوع مختلف تماماً. ما يعبّر عنه الشباب السعودي بجرأة في مواقع الإنترنت وعلى الفيسبوك هو السعي لحقوق المواطنة الحقيقية، وأن يتمَّ التعامل معهم من قبل حكومتهم بكرامة. وقد أعلن كثيرون 11 مارس باعتباره يوم (الثورة). وإذا ما أخذت شكل الإحتجاجات العامة، فإنها ستشكّل علامة تحدٍ في نهاية المطاف، لأن كل المظاهرات السياسية غير قانونية في السعودية، التي يعاقب عليها بالسجن والجلد. من حيث الواقع، فإنه في العام 1979، أطلقت القوات الجوية والأرضية النار ضد الشيعة المحتّجين في المنطقة الشرقية، وأدّت الى مقتل العشرات وجرح المئات.

الإنكار يبقى الحالة الذهنية السائدة لدى حكّام السعودية. تعتقد العائلة المالكة بأن لها مكانة خاصة في العالم العربي، وأنه لا يمكن أن تقترب الثورة منها. وإذا ما حاول أحدٌ، فإنهم سيقتفون كلمات الأمير نايف: (ما أخذناه بالسيف نحافظ عليه بالسيف).

في السعودية، ثمة إحساس عميق بتأثيرات تقنيات العولمة. عندما استيقظ الناس على هذا النحو، تبيّن أن الرأي القائل بأن التنمية الإقتصادية ستنتج تلقائياً الإستقرار السياسي بأنه كذبة من خلال الأحداث التي وقعت في تونس والقاهرة والبحرين وخصوصاً ليبيا. فلا يوجد هناك عامل إستقرار تلقائي في الرشوة الاقتصادية أو الإجتماعية التي ينخرط الملك عبد الله فيها الآن.

وفي سيبل الحفاظ على العرش، فإن على الأسرة المالكة السعودية الشروع في التطوّر السياسي بما يتناسب مع التحديث الاقتصادي المفاجىء للبلاد. الإضطرابات البدائية اليوم يمكن أن تتطوّر لجهة ملكية دستورية. الآن، هو الوقت المناسب للملك عبد الله للعمل وليس للرشوة.

الصفحة السابقة