الثورة المتصاعدة في المملكة العربية السعودية

جيس هيل

في (يوم الغضب) الذي كان متوقعا في السعودية العام الماضي، قاد مرافقون حكوميون طاقم بي بي سي إلى وسط العاصمة الرياض، لتصوير برنامج (ما لا يقال)، فقامت عناصر الشرطة بإغلاق شوارع العاصمة على ثقة منهم بأن لن يتجمهر أحد.

لك أن تتخيل الصدمة عندما تقدم خالد الجهني، معلم وأب لخمسة أطفال، لطاقم البي بي سي وقال: (العائلة المالكة لا تملكنا! لنا الحق في التعبير). قام المرافقون الحكوميون بتضييق الخناق على الطاقم لتتصاعد تصريحاته: (إذا تحدثت، سيتم إيداعك السجن بعد خمس دقائق). عندما سأله مراسل البي بي سي ماذا سيحل به؟ أجاب: (سأذهب إلى السجن بابتسامة عريضة، لأني فعلياً في سجن). الجهني تم اعتقاله في ذلك اليوم وبقى قابعاً في السجن منذ مارس 2011. مثل أمام القضاء في محكمة مغلقة في 22 فبراير ولم يعلن عن محكوميته على الملأ. كان الجهني صريحاً، لكنه لا يعدا أن يكون رجلاً واحداً.

المجتمع الاستثماري العالمي تنفس الصعداء. لماذا نحن قلقون جداً حيال (يوم الغضب)؟ إذ أن السعوديين لا يتظاهرون، الغالبية العظمى منهم مرتاحون، كما أن الأمن الداخلي فعال جداً. الربيع العربي لن يسير نحو المملكة العربية السعودية.

لكنهم مخطئون. السعوديون يتظاهرون. ما زالوا يتظاهرون قرابة العام. أعدادهم في إزدياد وليس هناك أي إشارات تنبئ أنهم سيتوقفون.

هذا ما يحدث في السعودية - المنطقة الشرقية، التي تضم أغلب المواطنين من الأقلية الشيعية في المملكة والتي تحتوي على 90% من احتياطي النفط. سبعة أشخاص قضوا نحبهم برصاص قوى الأمن منذ أكتوبر 2011، إثنان في الشهر الماضي وحده. وزارة الداخلية السعودية تقول أن حالات الوفاة كانت نتيجة تبادل إطلاق النار بين المتظاهرين والشرطة. لكن كل مقاطع الفيديو المصورة من قبل الهواة التي تظهر تعرض المتظاهرين لإطلاق النار تبين أنه لا يوجد دليل على أن المتظاهرين تبادلوا إطلاق النار.

هنالك مشاهد ملحوظة من التمرد. واحدة من الصور أخذت في العاشر من فبراير هذا العام، تعرض شاب يقوم بإلقاء تمثال لولي العهد الأمير نايف على صف من الدبابات المدرعة لمكافحة الشغب. إنه استفزاز غير اعتيادي. الأمير نايف ليس فقط وزير الداخلية، هو أيضاً وريث العرش.

ليست مجرد أعداد قليلة من الناس التي تتحدى الأمير. في الثالث عشر من فبراير، في جنازة الشهيد الأخير، زهير آل سعيد، 21 عاماً، جاب عشرات الآلآف من الناس الطرقات وهم يرددون (لا سنية، لا شيعية، وحدة وحدة اسلامية)!، (أهتف وما أنا خايف، يسقط.. يسقط نايف)، (أنت الإرهابي، أنت الاجرامي، أنت السفاح، يا نايف). (لن نركع) (ابن سعود اسمع الصوت، لن نستسلم حتى الموت).

الأمير نايف رد بالوعيد والتنكيل. في العشرين من فبراير، الناطق الرسمي لوزارة الداخلية صرح بأن هؤلاء المتظاهرين هم (الإرهاب الجديد) الذين تم التلاعب بهم من الخارج (إيران). واضاف بأن الوزارة ستضربهم (بيد من حديد)، على حد تعبيره، كما فعلت وتنظيم القاعدة.

توبي جونز، مختص في الشأن السعودي بجامعة روتجرز، يقول أن هذا التصريح عبارة عن رمزية أسلوب الأمير نايف في إدارته للحكم. (الأمير نايف متطرف، هو يؤمن باستخدام القمع، كما أنه طائفي وضد الشيعة ايديولوجياً)؛ أما الملك عبد الله، الحاكم الحالي: (عملي ولديه القابلية للحديث مع الشيعة).

الملك البالغ من العمر السابعة والثمانون يحظى بإعجاب الكثيرين، حتى من قبل المعارضين، ولكنه هرم ومريض. يتوقع أن الأمير نايف سيرث العرش قريباً. أما نايف (فهو رجل مخيف، وتحركاته تتجه نحو سحق المجتمعات لتترك بصمتة الأثر الواضح عليها ككل) كما يعبر جونز. لا أحد في العائلة المالكة يعتقد أن ما يفعله خطوة ذكية.

هل هذا ينبئ عن كيفية إدارة نايف للحكم في السعودية؟ إذا كان الأمر كذلك، قد تكون المعركة في المنطقة الشرقية قد بدأت للتوّ.

القطيف منطقة ساحلية في شرق المملكة، كما أنها العصب المركزي لحركة الاحتجاجات في المملكة العربية السعودية. 95% من القطيف، هم من الشيعة - أعلى تمركز في المملكة التي يحكمها الوهابيون. كما أنها تبعد عن دولة البحرين فقط ساعة بالسيارة. (شعب القطيف لديه الكثير من القواسم المشتركة مع البحرينيين أكثر من أي مدينة سعودية أخرى)، كما يعبر محمد، 28 عاماً. ويضيف بأن القطيفيين يحاولون رفع مستوى وعي المتظاهرين عبر التواصل الإلكتروني. عندما تحدثت معه عبر سكايبي، أخبرني: (إنهم إلى حد كبير نفس الشعب، نفس أسماء العوائل، نفس اللهجة).

بعد احتلال القوات السعودية للبحرين في مارس العام الماضي، تظاهر القطيفيون تضامناً مع البحرين. يقول القطيفي محمد: (عندما دخلت القوات السعودية البحرين، كانوا يظهرون علامات النصر. الناس هنا كانوا غاضبين. المظاهرة الأولى التي حدثت فيما بعد كانت تطالب القوات بمغادرة البحرين).

قد تكون الانتفاضة في القطيف مستوحاة من البحرين، ولكن المطالب مختلفة. المجتمعات الشيعية في السعودية تعاني من التمييز على نطاق واسع، والإذلال العلني - فهم ممنوعون من تدريس عقائدهم في المدارس، كما يمنعون من ممارسة شعائرهم في الأماكن العامة، وهم محرومون من تولي مناصب رفيعة في المؤسسات الحكومية بما فيها السلطة القضائية.

التمييز ضد الشيعة في السعودية يغذى من قبل رجال الدين الوهابيين ذوي النفوذ القوي في المملكة. الوهابية هو الدين الرسمي في السعودية مذهب متطرف ورجعي ومنحاز بضراوة ضد الشيعة. ويتهم رجال الدين الوهابيين الشيعة بالزندقة ويسمونهم بالروافض، كما أصدروا الفتاوى ضد الاختلاط معهم.

هذا الأسبوع كاتب سعودي موال للحكومة كتب في أحد أعمدة الصحف المحلية (صحيفة الإقتصادية) أن إذا لم يتوقف الشيعة في القرية القطيفية في العوامية عن التظاهر، من المفروض أن يفنوا. علاوة على الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الشيعة، يعتبر الوهابيون أن معارضة الحاكم (بدعة)، وهذا يعلل إلى حد كبير لماذا يتمتع رجال الدين الوهابيون بالكثير من الدعم من قبل الملكية السعودية.

وليد سليس الناشط في مجال حقوق الأنسان في القطيف، يقول: هذا النوع من خطابات الكراهية يعكس الأفعال التي تقوم بها شرطة مكافحة الشغب الذين قتلوا المتظاهرين هناك: (الذين يعملون في شرطة مكافحة الشغب ليس بينهم شيعي واحد. عندما يهاجموننا، فإنهم يهاجموننا كما لو كان جهاداً). ويضيف سليس: (هم يقولون أننا كفار. هؤلاء الناس من أين أخذوا هذا الاعتقاد؟ من رجال الدين السلفيين).

كل هذا يثير سؤالا آخر: لماذا لم يتم سحق هذه الانتفاضة؟

يقول توبي جونز: مجرد القيادة بالسيارة بعض الكيلومترات باتجاه شمال القطيف، قد تجد الإجابة: (هنالك المجمعات البترو صناعية مترامية الأطراف - هي مرافق وشبكة ضخمة من خطوط الأنابيب. تقريبا كل نفط السعودية يمر من هناك؛ كما انها معرضة للهجوم ليس فقط من الإرهابيين، ولكن من قبل من يقطن تلك المنطقة). وأضاف: (إذا تعطل عمل هذه الأنابيب فسيكون الأمر مأساوياً للنظام، ومشكلة لصناعة النفط العالمي). خشية النظام على صناعة النفط، عامل أساس في حماية المتظاهرين من العنف الأعمى. يقول محمد: (أعتقد أن مصدر القوة الرئيسي لدى المتظاهرين هو النفط. إذا حدث هذا الشيء في منطقة شيعية أخرى لا يوجد فيها النفط، هناك ستتضعضع مقاومتهم بالكامل خلال أيام قليلة. لكن إذا تدهورت الأمور في القطيف، أنا أراهن على أسعار النفط التي ستتعدى سقفها).

يقول جونز أنه بالرغم من سنوات القمع والاعتقالات التعسفية والتمييز الطائفي، فإن القطيف لم تلوّح مطلقاً بالإضرار بالمنشئات النفطية، ما اهتم به السكان المحليون (هو طريقة توزيع الثروة النفطية التي لا يحظون بها؛ لكنهم لم يستخدموه مطلقاً كمبرر للهجوم على هذه المنشآت النفطية، الأمر الذي يعتبر ملفتاً للنظر، مع أن هذه المنشآت عرضة للهجوم، كما أنهم يستطيعون الوصول لها إن أرادوا ذلك).

القطيف لها تاريخ طويل من النشاط السياسي. في الخمسينات والستينات، توافد العرب على المنطقة الشرقية للإستفادة من الطفرة النفطية. كانت تلك أيام جمال عبد الناصر في مصر، والثورة البعثية في سوريا والعراق، عموم الحركات العربية والاشتراكية اشعلت المنطقة كالنار في الهشيم. عندما جاء العمال العرب الى المنطقة النفطية، اصطحبوا معهم الأفكار الثورية للقطيف.

منذ ذلك الحين، تعرف القطيف بوعيها السياسي. فأهلها الوحيدون فقط في السعودية الذين يتظاهرون عندما يحدث أمر ما في المنطقة. هم خرجوا للطرقات عام 2001 لدعم الإنتفاضة الفسطينية الثانية؛ وفي عام 2006 خرجوا ضد الغزو الإسرائيلي للبنان؛ وفي عام 2008 خرجوا ضد الحرب على غزة. يقول محمد: (الناس هنا في العادة لا يجلسون مكتوفي الأيدي، كما لا يرضوا بالذل!).

القطيف منطقة غير اعتيادية لسبب آخر. فالكثير من السعوديين يمنعون نساءهم من العمل؛ لكن النساء القطيفيات يمكن رؤيتهن يعملن في كل مكان: في البنوك، الشركات النفطية، المؤسسات الحكومية التعليمية والصحية. في دولة تشكل العمالة الأجنبية الثلث من الكثافة السكانية، تعتبر القطيف إحدى المناطق ذات النسبة القليلة من السكان الأجانب قياساً لباقي مناطق المملكة - أكثر من مجرد 12%. خلافاً لمعظم السعوديين الذين يعتمدون على العمال الأجانب للقيام بأعمال دونية، فإن سكان القطيف لا يجدون من العيب والعار القيام بها.

هذا لا يعني أن هناك اجماعاً بين السكان على القيام بالمظاهرات. يقول محمد: (إنه موضوع حديث وجدلي، بعض الناس يقولون أن من المفروض أن لا يخرجوا، والبعض الآخر يقول يجب عليهم الخروج. بصراحة، في البداية أنا أعتقدت أنه لا بأس بالتظاهر، فالسكان هنا يريدون الخروج خصوصاً أنهم محرمون وأنهم يريدون أن يسمعوا صوتهم. ولكن بعدئذ بدأت نقاط التفتيش بالانتشار في كل مكان. هي حقاً مزعجة. الكثير من الناس أحبطوا وبدأوا يتساءلون عن جدوائية الإحتجاج. لكن اطلاق النار على المتاظهرين غيّر اللعبة كلّها حتى الآن).

لا يبدو أن الأوضاع ستهدأ. توبي جونز غير متفائل من إصلاح الحكومة للأوضاع، وهو غير متفائل من قيام حوار جاد بين الحكومة وقادة المجتمع المحليين. وفي النهاية حسب جونز: فإن (التمييز الطائفي لا يزال قائماً في أعلى مستوياته. ماذا يتوقع الشيعة في السعودية في المستقبل أكثر مما يعيشوه الآن، من زيادة عدد نقاط التفتيش، والتصريحات العدائية من قبل الحكومة المحلية والمركزية، والتعدي عليهم في الفصول الدراسية، واستمرار التمييز باختلاف أنواعه، والإذلال العلني والإضطهاد، وغياب التوزيع العادل للثروة).

وأضاف جونز: (لا أريد أن أكون واحداً من أولئك الذين يقولون بأن الإرهاب هو النتيجة المحتملة لهكذا سياسات حكومية. لكن إذا استمرت السلطات في العمل بمثل هذا الأسلوب، ما هي الخيارات الأخرى التي يملكها القطيفيون؟).

غلوبال ميل، 25/2/2012

الصفحة السابقة