التغيير في السعودية.. بلا مفاجآت وبالتدريج!

في سياق متابعة ما تكتبه الصحافة الاجنبية عن المملكة السعودية، التي باتت مركز جذب استثنائي لوسائل الاعلام في الآونة الأخيرة، يبدو أن هناك اجماعاً على أن التغيير في هذا البلد بات حتمياً، ولكن الاختلاف يكمن في وتيرته وطبيعته. مجلة فورين بوليسي نشرت في 19 فبراير الماضي مقالة للكاتب مايكل ستيفنز بعنوان (مملكة بلا مفاجئات). هنا نصه.

ملوك السعودية: ولاء ثابت لواشنطن والغرب

بقدر ما تتغير الأشياء في المملكة السعودية، بقدر ما تبقى الحقائق هي نفسها. بعد عامين من محاولة توجيه مسار الربيع العربي، انغلقت المملكة السعودية على نفسها. فقد فتح الملك الثمانيني، عبدالله، الطريق، في العام الماضي، لجيل جديد من الأمراء الأصغر سناً ليحلوا بسرعة محل أعضاء الأسرة الحاكمة المسنين والأقل أهلية وقدرة. وفي الواقع، ليست آثار وتداعيات موجة الانتفاضات في منطقة الشرق الأوسط هي التي تشغل بال المراقبين السعوديين هذه الأيام، ولكن ما يهمهم أكثر هو إدارة انتقال السلطة من أبناء إلى أحفاد ابن سعود، مؤسس المملكة.

التغيير قادم إلى المملكة السعودية، ولكن مع ذلك، فإن المتوقع أن تظل بعض الحقائق الأساسية حول المملكة كما هي. فالعربية السعودية لا تزال حليفا قويا للغرب، وسوف تُبقي على تدفق النفط، وربما الأهم من ذلك، ستبقى بمنأى عن الانتفاضات التي انتشرت في أنحاء العالم العربي. وبينما رأى محلل وكالة المخابرات المركزية السابق، بروس ريدل، أن (الثورة في المملكة العربية السعودية ما عادت أمراً غير وارد)، فإنه في حقيقة الأمر، وبالنسبة للغالبية العظمى من السعوديين، لا تزال الثورة حدثاً مبهماً تقريباً. ويهدف نهج العائلة الحاكمة في عملية الاستخلاف إلى إبقائه على هذا النحو.

ومن المرجح، ظاهرياً، أن الأمير مقرن بن عبد العزيز، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السعودي الأجنبية، وهو في 67 من عمره، ويعتبر في سن الشباب مقارنة بإخوته، يتولى السلطة في السنوات المقبلة، بعد وفاة أخويه عبد الله وولي العهد الأمير سلمان. لقد تم تعيين مقرن نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء هذا الشهر/ فبراير، وهو ما يعني تقليدياً أنه سيكون الثالث في ترتيب العرش. وأما هل سيصبح ملكا في غضون خمسة أشهر أو خمس سنوات، فهذا يعتمد على صحة الملك وولي العهد.

ولكن هذا ليس كل شيء. ربما كان أكثر أهمية من تعيين مقرن هو تمكين الملك عبد الله للأمراء الأصغر سنا من أدوار بارزة داخل المملكة. وترقيتهم تعني تحسين الحكم مع تعزيز الدعم الخارجي، بما يسمح للمملكة السعودية مواصلة الإصلاح الداخلي بوتيرة خاصة بها. ويجب على واشنطن ولندن وحلفاء المملكة السعودية التقليديين الآخرين، بشكل خاص، أن لا يقلقوا من هذا الانتقال. إذ لا تزال ضمانات دفاع الولايات المتحدة وبريطانيا تعززان موقف الردع للمملكة، وخاصة بالنظر إلى التهديد المفترض من إيران وبرنامجها النووي.

بغض النظر عن الطريقة التي تُدار بها معركة الخلافة بين جيل الشباب، فليس هناك ببساطة اتجاه داخل بيت آل سعود لتقويض أركان سياستها المملكة الخارجية. قد لا تكون السعودية الحليف الأكثر قبولاً للبعض في الغرب، ذلك أن معاملتها للنساء والأقليات تخلّت عن كثير مما هو مطلوب. ولكن أولئك الذين يعرفون المملكة، يعلمون أن السعوديين، وفي جميع مناحي الحياة، يتحركون ببطء إلى الأمام بثبات، سواء أكان ذلك في مناقصة عقود البناء، أم الإصلاح السياسي أم التغيير الاجتماعي.

الإصلاح قادم إلى المملكة السعودية، وإن كان ببطء. ومن ذلك تعيين 30 امرأة خلال يناير الماضي في مجلس الشورى، وهو مجلس استشاري من 150 عضواً مع القدرة على صياغة القوانين، الذي طال انتظاره، ولكن مع ذلك يعتبر خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة للمملكة، وخاصة أنه صدر بعد أقل من ستة أشهر من السماح للرياضيات السعوديات للمرة الأولى بالتنافس في دورة الألعاب الاولمبية. وكلا هذين التحركين يمثلان خطوة إيجابية إلى الأمام بالنسبة لهذا البلد، وسوف يكون لهما آثار دائمة وأساسية على النسيج الاجتماعي في المملكة السعودية.

الخطوات التي اتخذها الملك عبد الله على محمل الجد، واعتماداً على قوة شخصيته، تشير الى أن العاهل الكهل (الملك عبد الله) أزال الكثير من العقبات في طريقه، فالمستشارون والشيوخ المحافظون المعطلون الذين اعترضوا على هذه الإصلاحات الاجتماعية هي شهادة على عزم الملك. ولكن سواء حسنّت السعودية من سجّلها ووضعها الداخلي أم لا، فإنها ستظل حليفاً إقليمياً لا غنى عنه للولايات المتحدة وحلفائها. ويرتبط مصيرها بمصالح العديد من الدول الغربية، وخاصة قدرة المملكة على إنتاجها المستمر لحوالي 9,250,000 برميل من النفط يومياً. وهي تدعي أيضا أنها قادرة على إضافة 1 مليون برميل إلى السوق العالمية في وقت قصير، إلى جانب أكثر من 3 مليون إضافي مع مرور الوقت، مما يجعلها الدولة المنتجة الحقيقية في العالم التي لا بديل عنها، والقادرة على الحفاظ على تدفق النفط حال تعطله في مكان آخر.

وعلاوة على ذلك، فقد وجدت الدول الغربية والمملكة السعودية عدواً مشتركاً ممثلاً في تنظيم القاعدة، الأمر الذي عزّز التعاون بينهما بشأن القضايا الاستخبارية ومكافحة الإرهاب. وفي هذا الشهر (أي فبراير الماضي)، انكشف أمر وجود قاعدة أميركية للطائرات من دون طيار في المملكة، وقد استُخدمت لتوجيه الضربات الجوية القاتلة ضد تنظيم القاعدة في اليمن. وكان تبادل المعلومات مفيداً أيضاً في تحديد العديد من التهديدات للدول الغربية. ومما يدل على أهمية المملكة السعودية في جهود مكافحة الإرهاب، لقاء وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف بأعلى الدوائر في زياراته إلى العواصم الغربية، مما لا يُتاح إلا نادراً لنظرائه من الدول الأخرى.

وللسعوديين الكثير من النفوذ في جميع أنحاء الشرق الأوسط بما يضمن عدم معاداتها للمصالح الغربية. لنأخذ البحرين، على سبيل المثال، والتي بدأت حاليا جولة أخرى من الحوار الوطني، لتضميد الجراح الطائفية التي نكأتها انتفاضة فبراير 2011، حيث إن المساعدة السعودية - المالية منها والعسكرية - تعتبر أداة حيوية وفعالة بالنسبة لنظام حكم عائلة آل خليفة في سعيها لتأمين مملكتها الصغيرة. وحتى حزب المعارضة الشيعي «جمعية الوفاق» يُقرّ بالدور المركزي الذي على المملكة السعودية أن تضطلع به لإقناع المتشددين من الموالين للحكومة من أجل التوصل إلى اتفاق معقول. شئنا أم أبينا، لا يمكن إجراء أي اتفاق سياسي في البحرين من دون بعض موافقة المملكة السعودية.

في اليمن، الحديقة الخلفية التقليدية للمملكة السعودية، سيكون من غير المعقول أن نتصور الرئيس عبد ربه منصور هادي يكسب السيطرة على كامل تراب البلد من دون مساعدة السعودية وتمويلها، أو من دون هجمات الولايات المتحدة بالطائرات من دون طيار على المتشددين من الأراضي السعودية. واضافة الى ذلك، يلعب المال السعودي أيضا دوراً هاماً في تحديد موازين القوى في سوريا والعراق ومصر، وكلّ منها يمر باضطرابات داخلية هائلة. وترى المملكة السعودية، في نهاية المطاف، في هذه الدول الثلاث أهدافاً للتوسع الإيراني، الذي تقاومه بشدة. وهذا يعني، في حالة سوريا والعراق، أنها تعارض أيضاً إمكانية استمرار التمكين الشيعي من الحكم. الاتصالات القبلية الوثيقة التي عقدها أعضاء في عائلة آل سعود الحاكمة في مناطق شرق سوريا ومحافظة الانبار العراقية، تسمح للسعوديين بتوسيع نفوذهم في تلك المناطق. على هذا النحو، يجب أن يفهم تأثيرها في مجرى الأحداث واحترامها.

وأولئك الذين يؤمنون بالرؤى، يسردون العديد من العوامل، يرون أنها تنذر بكارثة وشيكة في المملكة، ويشيرون في هذا إلى انفجار الشباب وارتفاع معدلات البطالة لما دون 35 من العمر، والمسائل الأمنية في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية، والاستهلاك الضخم للنفط بما يفوق طاقتها، وقضايا المرأة والتوتر بين الليبراليين والمحافظين، واحتمال عدم الاستقرار في الأسرة الحاكمة في عملية تسليم السلطة إلى الجيل الأصغر من الأمراء.

هذا التحليل، يفترض أن السعوديين سيسعون إلى سقوط بالجملة لمملكتهم، إلا إذا لم يتعرضوا لاضطهاد كبير من هياكل الحكم والمؤسسة الدينية المحافظة. ولكن هذا التحليل يستند لسوء فهم أساسي لما هي عليه المملكة السعودية، وكيف ينظر السعوديون لحكومتهم. أولئك الذين يعتقدون بالكارثة السعودية المقبلة غالباً ما يرصدون عدداً من العوامل الى تشير الى مأساة وشيكة ـ انهمار شبابي، بطالة واسعة بين السعوديين تحت سنة 35، قضايا الأمن في المنطقة الشرقية ذات الاغلبية الشيعية، استهلاك محلي للنفط يفوق طاقة الانتاج، تمكين نسائي إجتماعي وإقتصادي، توترات ليبرالية ـ محافظة، عدم إستقرار كامن في العائلة المالكة حيث تنتقل السلطة الى الجيل الشاب من الأمراء.

الاضطراب في المنطقة الشرقية خطير وبحاجة الى تهدئة عاجلة، ولكن هذا الموضوع طويل المدى كان محصوراً بصورة كاملة تقريباً في تلك المنطقة، ولم يسهم كقادح للهب الاحتجاج في المناطق الأخرى. أكثر من ذلك، فإن أولئك الذين يتنبئون بسقوط النظام السعودي ينسون غالباً حقيقة هامة. فخلال الخمس عشرة سنة الماضية، كانت العائلة المالكة تجابه تهديداً خطيراً ضد مشروعيتها من قوى التطرّف الاسلامي. وبإمكان المرء العودة الى عام 1979، والتي شهدت قيام المئات من المتطرّفين باقتحام الحرم المكي، ورؤية جذور القضايا التي واجهت الامن الداخلي للمملكة.

في بلد حيث الدين هو الجزء الهام الى حد كبير للحياة اليومية، ليس هناك شيء يمثل تهديداً للعائلة المالكة مثل أولئك الذين يريدون إثبات بأن المملكة قد انحرفت عن الصراط المستقيم. حقاً، فإن انتفاضة عدد محدود من معارضي القاعدة ـ تعدادهم في الغالب بأقل من الآلاف ـ قد يبدو مثل قضية بسيطة بالقياس الى مئات الآلاف من المصريين الذين تدفقوا على ميدان التحرير، أو أكثر من 60 ألف قتيل سقطوا في أعقاب الثورة ضد بشار الأسد في سوريا. ولكن الحركة الجهادية رغم ذلك مثّلت تهديداً وجودياً للمملكة لأنها تضرب صميم مشروعية النظام.

الصفحة السابقة