المزيد من التسليح

هل تصحّح السعودية استراتيجيتها تجاه سوريا؟!

عمر المالكي

نشر موقع (ستراتفور) مقالة في 26 فبراير الماضي حول التحوّل في الاستراتيجية السعودية تجاه سوريا عقب استبعاد بندر بن سلطان من إدارة المف ونقله الى وزير الداخلية محمد بن نايف.

السعودية تحث الخطى نحو المصاعب في استراتيجية لإضعاف ايران من خلال دعم المتمرّدين الذين يسعون الى إطاحة النظام السوري. وتعمل الرياض على تطوير مبدأ في السياسة الخارجية أكثر استقلالية بعد أن مال أكبر حليف لها، الولايات المتحدة، الى عدم الانخراط في عمل عسكري ضد سوريا وأجرى محادثات مع أكبر عدو للمملكة، ايران. وبين افتقار المتمرّدين السوريين لقدر كاف من الدعم الدولي وحقيقة أن سوريا أصبحت محطة رئيسية للجهاديين من مختلف الايديولوجيات، فإن الرياض سوف تجد صعوبة في تحقيق أهدافها في سوريا.

وفي التحليل، فإن السعودية تبحث عن وسيلة بديلة لازالة النظام السوري، عقب التباين في المصالح السعودية والاميركية المتعلقة ببلاد الشام. من وجهة نظر واشنطن، فإن إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد لا يستأهل كلفة دعم المتمرّدين الجهاديين السلفيين. كما تعمل الولايات المتحدة إزاء اتفاق مع الداعم الرئيسي للأسد، أي ايران. من وجهة نظر سعودية، هذا وضع غير مقبول.

ولكن قبل أن تستطيع السعودية تشخيص وجهة الولايات المتحدة في الملف السوري أو دعم ايران لنظام الأسد، فإن على الرياض أن تتعامل مع المشكلة الأكثر مبدئية وهي أن الكثير من المتمرّدين هم في الغالب جهاديون، وكثير منهم أعداء للمملكة. ولهذا السبب، فإن الرياض كانت تدعم تحالفاً من المجموعات الجهادية السلفية الوطنية والمعتدلة نسبياً تحت راية الجبهة الإسلامية.

السعوديون بحاجة الى كيانات مثل الجبهة الاسلامية في سبيل مواجهة العناصر الأكثر راديكالية مثل القاعدة، وجبهة النصرة، والدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام، في مشهد تمرد يخضع تحت هيمنة مقاتلين دينيين. ولكن هناك سبب يدفع الرياض لعدم الاعتماد كثيراً على الجبهة الاسلامية.

إنه صعوبة إدارة الجهاديين السلفيين المتحالفين مع الرياض والمعارضين للقاعدة، بالنظر الى الايديولوجية التي يعتنقونها. دافع هؤلاء في محاربة نظام الأسد مفيد بالنسبة للرياض في الوقت الراهن، ولكن في المدى البعيد فإن هذه الجماعات قد تكون مشكلة. السعوديون لطالما ساعدوا القوميين، والجيش السوري الحر، والائتلاف الوطني السوري كأحد طرق مواجهة الجهاديين السلفيين. وتحاول الرياض تقوية الجيش السوري الحر في الميدان، وفي الوقت نفسه تنظر الى زيادة حضور وسمعة الائتلاف الوطني السوري، حيث يستطيع أن يبرز كقوة سياسية مسؤولة وحكومة بديلة في المستقبل.

السعودية بحاجة أيضاً الى أن تعثر علىى جماعات أكثر اعتدالاً كي تدعمها في سوريا لأن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي غير مرتاحين للدعم السعودي للجبهة الاسلامية. واشنطن بحثت عن معتدلين من بين الجهاديين السلفيين ولكن بدون أن تحقق نجاحاً يذكر. وإذا كان عليهم إحياء الدعم الاميركي والدولي لجهود اسقاط النظام السورين فإن السعوديين بحااجة الى أن يثبتوا بأن التمرّدين يشكلون تحالفاً واسعاً من القطاعين الاسلامي والعلماني.

ولكن اذا لم تقدر القاعدة على السيطرة على الدولة الاسلامية في العراق والشام، القوة الجهادية فوق القومية والأكبر في المنطقة، وعليها أن تعزل نفسها عن هذه المجموعة، فإن لدى السعودية فرصة أقل في السيطرة على هذه المجموعات. يتوصل السعوديون بأن الجهاديين من جنسيات متعددة في سوريا لم يضعفوا إيران، ولكنهم يصبحون مصدر تهديد أكبر للسعودية وللعالم العربي الأكبر ولابد أن يتم التعامل معهم قبل أن يصبح الوضع أكثر سوءاً.

تحرّكات لكسب الدعم الدولي

كل ذلك يحدث فيما تتفاوض الولايات المتحدة مع ايران. وتستعمل طهران الفرصة لسحب واشنطن بعيداً من فكرة تغيير النظام في سوريا وباتجاه تسوية تقوم على الحوار. يعارض السعوديون بصورة كاملة مثل هذه النتيجة لأنهم يعلمون بأن ايران وحلفاءها الشيعة العرب يفيدون ـ خصوصاً في ظل معارضة سنيّة مبعثرة.

وقبل أن يقدر السعوديون على تحقيق تقدّم ضد نظام الأسد، وراعيه، ايران، فإنهم بحاجة الى إحياء دعم الولايات المتحدة للمتمرّدين السوريين. وهذا سوف يكون الموضوع الرئيس في المباحثات حين يجلس رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما مع الملك السعودي عبد الله في الرياض خلال أسابيع قليلة. ولكن من أجل الحصول على دعم الولايات المتحدة، فإن الرياض بحاجة للتعامل مع المشكلة وهي أن معظم المتمرّدين لديهم أيديولوجيات راديكالية. لهذا السبب، فإن الرياض بدأت مراجعة شاملة لسياستها في سوريا.

وكخطوة خطيرة في هذه العملية، فإن الحكومة السعودية قامت بنقل المسؤولية من الأمير بندر، رئيس الاستخبارات ومجلس الأمن الوطني، الى وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف. كانت النظرة الى بندر بكونه طائش. وقد اعتبر مسؤولاً عن فشل الجهود السعودية في سوريا وعن حقيقة أن القاعدة والجهاديين من جنسيات المختلفة على شاكلتها اختفطوا جهودالرياض في إطاحة الأسد وإضعاف ايران.

اختيار الأمير محمد يحمل دلالة. فقد حارب وزير الداخلية بنجاح القاعدة في المملكة عبر تدابير مكافحة الإرهاب الصارمة، وبالتعاون مع الولايات المتحدة، وحملة مناهضة التطرف وبرنامج نزع الردكلة. التعيين يعني أن السعوديين يعرفون أن عليهم أولاً التعامل مع القاعدة إذا ما أرادوا تحقيق أهدافهم في سوريا. في غضون ذلك، تحتاج الرياض الى خلق جيش تمرّد نظامي. إنها تعمل لتحقيق هذا الهدف مع باكستان، من بين دول أخرى.

العمل مع باكستان لإدارة المتمرّدين السوريين

في أواخر العام الماضي، ظهرت تقارير بأن السعودية كانت تبحث عن مساعدة باكستانية لتدريب متمرّدين في الأردن، وتركيا بهدف خلق قوة عسكرية نظامية يمكن ان تكون أكثر فاعلية في مواجهة جيش النظام السوري. قوة كهذه سوف تكون تحت سيطرة حكومة انتقالية ثورية يقودها الائتلاف الوطني السوري. وهذا يعني أن السعودية بحاجة الى دمج الجبهة الاسلامية والجيش السوري الحر في جيش تمرّد منسجم، وأن يضم كذلك جهاديين سلفيين في التحالف السياسي ـ وكلاهما مهمتان صعبتان.

في الاسبوع الماضي حصل السعوديون على دعم باكستاني كامل لخطة تشكيل سلطة سياسية من المتمرّدين. وفي الوقت الذي تكون فيه سوريا القضية الأكثر أهمية في السياسة الخارجية لدى السعوديين، فإن العديد من المسؤولين الكبار من المملكة زاروا باكستان، وأن قائد الجيش الباكستان، راحيل شريف قام بزيارة الى السعودية ـ حدث ذلك خلال الشهرين الماضيين. وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل ونائب وزير الدفاع الأمير سلمان بن سلطان زارا باكستان في يناير الماضي، كما زار ولي العهد ووزير الدفاع سلمان بن عبد العزيز اسلام آباد لمدة ثلاثة أيام.

وبالنظر الى الطبيعة التاريخية للعلاقات السعودية الباكستانة والروابط الوثيقة لدى رئيس الوزراء الباكستاني الحالي نواز شريف بالرياض، جنباً الى جنب حاجة اسلام آباد للمال السعودي، فمن المعقول تقدير أن باكستان سوف تساعد المملكة بتزويدها بأسلحة صغيرة وتدريب المتمرّدين السوريين، على الأقل الى الحد الذي لا يؤدي الى التأثير سلباً على علاقات اسلام آباد مع واشنطن. ولكن يستطيع الباكستانون المضي فقط في دعم حلفاءهم السعوديين. لا يريدون إغضاب ايران، التي هي باتت غاضبة بأن القوى الجهادية في باكستان تقوم بهجمات ضدها انطلاقاً من الأراضي الباكستانية.

هناك الكثير من الاهتمام يمكن لباكستان أن تخصّصه لمساعدة السعوديين في سوريا. تستعد اسلام آباد للقيام بهجوم واسع ضد التمرّد الجهادي المحلي الذي يهدد بجعل الاقتصاد السياسي للبلاد أكثر سوءاً مما هو عليه الآن. باكستان سوف تواجه العناصر الجهادية التي سوف تنبعث من الجارة أفغانستان بعد أن تستكمل قوات الناتو انسحابها العسكري في نهاية هذا العام.

الصفحة السابقة