تقويض العصبة السديرية

الملك يدير لعبته بهدوء

د. فؤاد ابراهيم


صحيفة الأخبار اللبنانية، 16ـ17/5/2014

منذ تتويجه ملكاً في 2 أغسطس 2005، خلفاً لأخيه غير الشقيق فهد بن عبد العزيز (توفي في 31 يوليو 2005) رسم لنفسه سياسة تقوم على أساس تغيير معادلة السلطة، وقرر وضع قواعد جديدة لانتقال الحكم تنطلق من خلفية شبه واضحة في كونها غير منسجمة مع توجّهات الجناح السديري المنافس الرئيس له.

ملك الموت وتخطيط التويجري يدمّران العصبة السديريّة

وكان التقليد السائد منذ أيام الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة السعودية، باستحداث منصب (نائب ثانٍ) عنه، حيث أصدر أمراً ملكياً سنة 1941 بتعيين نجله سعود ولياً للعهد ومن بعده فيصل، حيث سرى التقليد في العهود السابقة، فكان خالد بن عبد العزيز نائب ثان للملك سعود، ولكن بعد تولي فيصل العرش وانشاء مجلس الوزراء، بات منصب النائب الثاني ينطبق على ولاية العهد ومجلس الوزراء، منذ توحيد منصب الملك ورئاسة مجلس الوزراء في عهد الملك فيصل سنة 1964، فكان فهد أول نائب ثانٍ لرئيس مجلس الوزراء.

ولكن بقي منصب النائب الثاني في عهد الملك عبد الله شاغراً لأربع سنوات، وكان السبب واضحاً أن الملك لم يشأ اختيار شخصية من الجناح السديري بما يمكّنه من بسط سيطرته على مفاصل الدولة في المرحلة المقبلة بما يشكل تهديداً مستقبلياً لجناحه، بعد موته.

توصل مستشارو الملك الى فكرة ذكية، وتحمل بشارة الى الاجنحة الأخرى المهمّشة داخل العائلة المالكة، وهي الاعلان عن تشكيل هيئة البيعة في 20 أكتوبر 2006 برئاسة الأمير مشعل بن عبد العزيز، والتي أريد منها تأجيل البت في مسألة تعيين النائب الثاني، وتفويض الهيئة باختياره ولكن بعد موت الملك. وفكرة الهيئة تقوم على بناء تحالف داخل العائلة المالكة ضد الجناح السديري وإشراك الأطراف الأخرى التي كانت مهمّشة أو التي قررت بمحض إرادتها وبسبب تبدّل قواعد اللعبة في العائلة المالكة الا أن تخوض صراعات السلطة بأن تعود الى الحلبة وأن تشارك على الأقل في دعم هذا الجناح أو ذاك.

صدر الأمر الملكي في 10 ديسمبر 2007 بتكوين هيئة البيعة من أبناء عبد العزيز وأحفاده وعددهم 35 أميراً، وبرئاسة الأمير مشعل بن عبد العزيز. وأوضح البيان الصادر عن الديوان الملكي الخاص بالأمر الملكي بأن نظام هيئة البيعة لا يسري على الملك وولي العهد الحاليين.

وبحسب اللائحة التنفيذية التي تحدد آليات تطبيق نظام هيئة البيعة بعد عام من إصداره، فإن مدة عضوية الأمراء المعيّنين أربع سنوات غير قابلة للتجديد إلا إذا اتفق إخوة العضو المنتهية ولايته على ذلك، وبموافقة الملك.

وبحسب اللائحة، يقترح الملك على هيئة البيعة، إسماً أو إسمين أو ثلاثة أسماء لمنصب ولي العهد. ويمكن للجنة أن ترفض هذه الأسماء وتعيّن مرشحاً لم يقترحه الملك. وفي حال لم يحظ مرشح الهيئة بموافقة الملك فإن (هيئة البيعة) تحسم الامر بأغلبية الاصوات بعملية تصويت يشارك فيها مرشحها ومرشح يعينه الملك وذلك في غضون شهر.

وصف الأمر الملكي حينذاك بأنه يأتي استجابة لتحديات تطوير نظام الحكم السعودي، وحماية للوحدة الوطنية، وأن نظام هيئة البيعة يأتي ليستكمل الانظمة الثلاثة: نظام الحكم، نظام مجلس الشورى، نظام مجلس المناطق. وأمام توصيفات من هذا القبيل يصبح الكلام عن صراع على السلطة أو نزوع نحو استبعاد جناح من معادلة الحكم في المستقبل أمراً غير وارد، طالما أن الأهداف السامية هي المحرّك الرئيس ورراء تشكيل الهيئة. والحال، أن الطرفين المتصارعين: الملك والجناح السديري يعلمان علم اليقين أن الهيئة لم تتشكل الا من أجل تفادي وصول عضو سديري الى ولاية العهد وبذلك تصبح الدولة سديرية بامتياز.

بقي منصب النائب الثاني شاغراً من بعد تأسيس الهيئة لنحو سنتين. وفي حقيقة الأمر، أن الاحتفالية التي رافقت الاعلان عن هيئة البيعة كانت مفتعلة، وربما شعر بذلك أولئك الذين انغمسوا في تلك الاحتفالية مدحاً واطراءً بصورة مبالغة لقرار تشكيل هيئة البيعة ثم وجدوا أنفسهم مضطرين لأن يستخدموا الأسلوب ذاته في المديح والإطراء لقرار يتناقض مع بنود الهيئة بتعيين الأمير نايف نائب ثان، فيما ظهر لاحقاً أن عملية تسويّة شاملة تجري في الخفاء بين الملك عبد الله والأمير نايف.

وجد أعضاء هيئة البيعة أنفسهم إما في وضعية شهود زور أو في وضعية التقاعد المبكر، فقد فقدت الهيئة وظيفتها في مرحلة مبكرة، وبدا أنها لم تتأسس على قناعة من الملك أو من أي من الأمراء الكبار، بل كانت أداة لمهمة محددة ولمدة محدّدة، وربما سوف تبقى كذلك كلما اندلع نزاع داخل العائلة المالكة، وقد تكون بمثابة بديل عن مجلس العائلة الذي لم يكتسب صفة قانونية، ما يجعل الهيئة بديلاً عن المجلس ويتحوّل الى ما يشبه هيئة لفض المنازعات داخل العائلة المالكة.

بعد الإستئثار بالسلطة.. لن يكون صوت طلال النافر الوحيد

مهما يكن، فإن أول ضربة وجهّها الملك عبد الله لهيئة البيعة كان في 27 مارس 2009، بإصداره أمراً ملكياً بتعيين الأمير نايف بن عبد العزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، واحتفاظه بمنصبه وزيراً للداخلية. كانت هذه الخطوة كافية لأن تضع نهاية للدور المنوط المعلن بهيئة البيعة، لأن مجرد تعيين نائب ثاني للملك يعني لا دور منتظر من الهيئة بتعيين ولي العهد في حال موت الملك، فقد تثبّت مكان ولي العهد المقبل، وهذا ما حصل لاحقاً.

لم يكن تعيين نايف في هذا المنصب مجانياً، أو دون مقابل، فقد عقد الملك ونايف صفقة تقوم على تقاسم المناصب بين أبنائهما، وفي الوقت نفسه نزع بعضها الآخر من الجناح السديري، كما سوف يظهر ذلك في وقت لاحق.

لابد من الإشارة هنا الى أن الصفقة لم تتم الا بعد أن بات معلوماً لدى الملك والجناح السديري بأن ولي العهد آنذاك، أي الأمير سلطان يقضي أيامه الأخيرة بعد أن تمكّن السرطان ن جسده، وصار منغمساً في رحلات العلاج والاستجمام طيلة تلك الفترة ما أبعده عن شؤون السلطة بصورة شبه كاملة.

وفي 22 أكتوبر 2011 أعلن الديوان الملكي عن وفاة الأمير سلطان، ولي العهد ووزير الدفاع، وصدر أمر ملكي بعد إشعار من رئيس وأعضاء هيئة البيعة باختيار الأميرر نايف ولياً للعهد وتعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزير للداخلية. واستند البيان الصادر عن الديوان الملكي على النظام الأساسي للحكم ونظام هيئة البيعة، ثم أعقب ذلك: وبعد أن أشعرنا سمو رئيس وأعضاء هيئة البيعة، فقد اخترنا صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد وأمرنا بتعيين سموه نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للداخلية .

ثم وجّه الملك الأمراء بمبايعة نايف ولياً للعهد، فيما أدّى الأمير عبد الله بن فيصل بن تركي الأول بن عبد العزيز والأمير بندر بن مساعد بن عبد العزيز القسم كعضوين جديدين في هيئة البيعة. وكان في ذلك لفتة الى ضرورة حشد أكبر عدد من الأصوات الداعمة لقرار الملك عبر هيئة البيعة.

ربما كان الأمير طلال بن عبد العزيز، الصوت النافر في الهيئة وفي العائلة المالكة، وهو من جهر بمعارضته بالاستمرار في أن يكون مجرد أداة في صراع الأجنحة أو ختم للمصادقة على قرارات الملك، ولذلك قدّم استقالته في 16 نوفمبر 2011، أي بعد مرور ثلاثة أسابيع على تعيين نايف ولياً للعهد. وكان طلال قد اعترض على تعيين نايف نائباً ثانياً في عام 2009 وقال بأنه كان ينبغي استشارة الهيئة قبل اتخاذ هذا القرار، وقال في بيان أرسله بالفاكس لرويترز في 2009 أنه يدعو الديوان الملكي الى توضيح ماذا يعني بهذا التعيين وانه لا يعني أن الامير نايف سيصبح ولي العهد.

ولكن بعد تعيين الأمير نايف ولياً للعهد، ما يحسبه الأمير طلال تجاوزاً آخر لدور الهيئة قرر المجاهرة باعتراضه عن طريق تقديم استقالته بصورة علنية. وذكرت هيئة البيعة في موقعها على الانترنت ان الأمير طلال استقال من الهيئة.

كان من الواضح أن صفقة جرت بين الملك عبد الله والأمير نايف تقضي بتقاسم المناصب بينهما ونقل بعضها الى الأبناء. وسوف نجد كيف أن الملك حصل على امتيازات له ولجناحه في مقابل تنازلات كبرى قدّمها الجناح السديري كثمن حصول نايف على ولاية العهد.

فمن جانب الأمير نايف، صدر أمر ملكي في 3 يوليو 2011 بتعيين نجله سعود مستشاراً له بمرتبة وزير. وصدرأمر ملكي آخر في 6 نوفمبر2011 بتعيينه رئيساً لديوان ولي العهد ومستشاراً خاصاً له بمرتبة وزير. وفي المقابل، أعلن في اليوم نفسه عن سلسلة أومر ملكية باسناد رئاسة عدد من المجالس واللجان الى رئاسة مجلس الوزراء، أي الملك، ونيابة ولي العهد، أي نايف.

خالد التويجري مستشار الملك ومهندس اللعبة

ومن بين الأوامر الملكية، إعفاء الإمير عبد الرحمن بن عبد العزيز من منصبه نائباً لوزير الدفاع وتعيين الأمير سلمان وزيراً للدفاع والأمير خالد بن سلطان نائباً له.

من جهة ثانية أضيفت سلطات جديدة للملك ونائبه، فأصبح رئيس الوزراء، أي الملك، يتولى:

ـ رئاسة اللجنة الوزارية للتنظيم الاداري ويكون نائب رئيس مجلس الوزراء نائباً لرئيس اللجنة.

ـ يكون رئيس مجلس الوزراء رئيساً لبرنامج الخزن الاستراتيجي ويكون نائب رئيس مجلس الوزراء نائباً للرئيس.

ـ يكون ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء نائباً لرئيس مجلس الأمن الوطني ويكون وزير الدفاع عضواً في المجلس.

ـ يكون ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيساً للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

ـ يكون نائب رئيس مجلس الوزراء نائباً لرئيس المجلس الاقتصادي الأعلى.

ـ يكون نائب رئيس مجلس الوزراء نائباً لرئيس المجلس الأعلى لمدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة.

ـ يكون نائب رئيس مجلس الوزراء نائباً لرئيس مجلس الخدمة العسكرية ويكون وزير الدفاع عضواً في المجلس.

ـ يكون ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيساً للجانب السعودي في مجلس التنسيق السعودي القطري ويكون وزير الدفاع نائباً لرئيس الجانب السعودي في المجلس.

ـ يكون نائب رئيس مجلس الوزراء رئيساً للجانب السعودي في مجلس التنسيق السعودي اليمني.

ـ يكون نائب رئيس مجلس الوزراء رئيساً للجنة الخاصة في مجلس الوزراء.

ـ يستمر وزير الدفاع رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات الحربية.

ـ يستمر وزير الدفاع رئيساً لمجلس إدارة الهيئة العامة للمساحة.

ـ يستمر وزير الدفاع عضواً في الهيئة العليا لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.

ـ ترتبط الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة برئيس مجلس الوزراء.

ـ يكون وزير الاقتصاد والتخطيط رئيساً للجنة التوازن الاقتصادي ويعاد تشكيل اللجنة تبعاً لذلك .

ـ يكون الأمين العام للهيئة السعودية للحياة الفطرية رئيساً لمجلس إدارتها ويعاد تشكيل المجلس تبعاً لذلك .

ـ تقوم هيئة الخبراء بمجلس الوزراء - بالاشتراك مع الجهات ذات العلاقة - بمراجعة الأنظمة والتنظيمات والأوامر والقرارات التي تأثرت بما ورد في البنود السابقة واقتراح ما تراه في شأنها تمهيداً لاستكمال الإجراءات النظامية اللازمة حيال ذلك .

في حقيقة الأمر، أن هذه الأوامر تشي بعملية تفتيت للصلاحيات التي كانت منوطة بالجناح السديري والتي كان يتولاها في مرحلة سابقة سلطان ونايف، حيث جرى توزيعها بين الملك وولي العهد السابق نايف ووزير الدفاع سلمان. وقد لعب الملك عبد الله بذكاء حين أدرج تلك المهام كافة ضمن التراتبية الادارية من الملك نزولاً الى من سواه.

بدت تتضح تدريجاً معالم اللعبة التي كان يديرها الملك من خلال نقل وتوزيع وازاحة المواقع، تارة بجهد فردي وتارة بالتعاون مع ملك الموت الذي غيّب الخصوم الكبار بدءاً من المك فهد وتالياً سلطان وأخيراً نايف.

وفي حدث مفاجىء لم يكن أي من أجنحة العائلة المالكة يتوقعه، توفي الامير نايف في جنيف، خلال رحلة الاستجمام السنوية التي كان يقوم بها ويتخللها كشف روتيني. وبحسب مقطع فيديو قبل أيام من وفاته أنه كان يتناول إبرة نووية للكشف عن أي عوارض صحية غير مرئية في الفحوصات الروتينية الاعتيادية. وكان يظهر في الصورة في حال صحية جيدة، حتى أن مصدراً رسمياً أعلن قبل أيام من وفاته أن الامير استقبل في جنيف عدداً من المسؤولين السعوديين من بينهم وزير العمل عادل فقيه، ولكّن انتكاسة مفاجئة تعرّض لها أدّت الى وفاته.

وفي 16 يونيو 2012 أعلن الديوان الملكي عن وفاته (في الخارج)، وقال التلفزيون السعودي أن الامير نايف توفي خلال العلاج في جنيف بسويسرا، وسيصلى عليه بعد صلاة المغرب في الحرم المكي.

وفي 18 يونيو من العام نفسه، أي بعد يومين من وفاة الأمير نايف، صدر أمر ملكي بتعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز ولياً للعهد، والأمير احمد بن عبد العزيز وزيراً لداخلية.

مشعل بن عبدالله: السيطرة على امارة مكة

وفي اليوم نفسه، صدر أمر ملكي بتغيير اسم وزارة الدفاع والطيران والمفتشية العامة ليصبح وزارة الدفاع. وعيّن الامير فهد بن عبد الله رئيساً للهيئة العامة للطيران المدني والدكتور الصقير نائباً. ويأتي هذا القرار في سياق نقل مهمات ومسؤوليات الطيران المدني من وزارة الدفاع الى الهيئة العامة للطيران المدني، وأعيد تشكيل مجلس ادارة الهيئة العامة للطيران المدني تبعاً لهذا التغيير، وينقل تبعاً لذلك الموظفون العاملون في هذا المجال والممتلكات والوثائق والمخصصات والاعتمادات المالية المتعلقة بذلك. وتقرر تشكيل لجنة من وزارة الخدمة المدنية، ووزارة المالية ، بالاشتراك مع وزارة الدفاع والهيئة العامة للطيران المدني لوضع خطة تنفيذية لتحقيق عملية الانتقال في مدة لاتتجاوز ثلاثة أشهر.

وفي واقع الأمر، أن هذا القرار ينطوي على نيّة تقليص سلطة وزير الدفاع، من الجناح السديري، في قطاع حيوي لطالما جرى التحّكم به والاستفادة منه الى حد التحكم في حركة الطيران المدني بكل تفاصيلها. ما يجدر ذكره أن الأمر الملكي نصّ على أن المؤسسة العامة للخطوط العربية السعودية ترتبط تنظيمياً برئيس مجلس الوزراء، أي بالملك، وهذا يعني انتزاع الأخير جزءاً من صلاحيات خصومه، ومن وزارة الدفاع المنافس النوعي للحرس الوطني.

وفي اليوم نفسه صدر أمر ملكي بتعيين الأمير فهد بن عبدالله بن محمد آل سعود رئيساً للهيئة العامة للطيران المدني بمرتبة وزير وتعيين الدكتور فيصل بن حمد الصقير نائباً لرئيس الهيئة العامة للطيران المدني بالمرتبة الممتازة. ومن اللافت أن الامير فهد ليس من أبناء ولا أحفاد عبد العزيز. وفي اليوم نفسه أيضاً، أعفي الأمير سلمان بن عبد العزيز من منصبه أميراً على الرياض، وعيّن بدلاً منه الأمير سطام بن عبد العزيز والامير محمد بن سعد بن عبد العزيز نائبا له بمرتبة وزير، وهذا يعتبر أول خروج للجناح السديري من إمارة الرياض.

ومن بين الأوامر الملكية التي أعلن عنها في اليوم نفسه، إعفاء الأمير عبد العزيز بن فهد من منصب رئيس ديوان مجلس الوزراء وضم ديوان رئاسة مجلس الوزراء الى الديوان الملكي برئاسة مستشار الملك الشيخ خالد التويجري.

وفي 5 نوفمبر 2012 صدر أمر ملكي بإعفاء الأمير أحمد بن عبد العزيز من منصبه (بناء على طلبه) وتعيين الأمير محمد بن نايف بدلاً منه. وجاء في الأمر الملكي: (بناء على ما رفعه لنا سمو وزير الداخلية بكتابه المؤرخ في 20/12/1433هـ بطلب إعفائه من منصبه) أمر الملك بأن:

أولاً : يُعفى صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز وزير الداخلية من منصبه بناء على طلبه.

ثانياً : يُعين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وزيراً للداخلية.

ولفتت مصادر مقرّبة من الأمير أحمد بأن سوء فهم وراء قرار الاعفاء. ونقلت (القدس العربي) في 14 نوفمبر 2012 عن احد المقربين من الامير احمد بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي السابق أنه لم يطلب مطلقا الاعفاء، وان سوء فهم ادى الى اقدام الملك عبد الله مع اتخاذ قراره بعزله.

وروى المصدر أن مسؤولاً في الديوان الملكي طلب من الامير احمد أن يعيد هيكلة وزارة الداخلية واقامة ثلاثة هياكل هي الامنية والمالية وشؤون القبائل وشؤون الحج، فرد بأنه مستعد ولكن بعد انتهاء موسم الحج واستقرار الاوضاع، ولكن مسؤول الديوان قال له أن الامر مستعجل ولا بد من التنفيذ، فرد الامير أحمد بأنه يريد اعفاءه من مسؤولية اتخاذ القرار قاصداً أنه يريد ان يأتي الأمر من الملك، ولكن قيل للملك أن الامير أحمد يريد إعفاءه من وزارة الداخلية برمتها، الامر الذي دفع بالملك الى أن يعفيه تلبية لرغبته. وعبّر الأمير أحمد عن اعتراضه على قرار الاعفاء بالاعتكاف في منزله في الرياض.

مهما تكن خلفية قرار الاعفاء، إلا أن ذلك لا يغيّر من حقيقة كون الملك عبد الله يميل الى تحجيم سلطة الجناح السديري وأن إعفاء الأمير أحمد سواء فهم بصورة صحيحة أو خاطئة فإنه يلتقى مع الهدف الذي عمل على تحقيقه الملك منذ اعتلائه العرش.

في سياق خطة تشتيت الجناح السديري، كان الملك يتحيّن الفرصة المناسبة لاعفاء أو إقالة أعضاء هذا الجناح واستبدالهم بآخرين من خارجه أو ضمن صفقة ما مع أحد من أمراء هذا الجناح.

وفي 21 إبريل 2013 صدر أمر ملكي بإعفاء الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز نائب وزير الدفاع من منصبه، وتعيين الأميرفهد بن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن آل سعود نائباً لوزير الدفاع بمرتبة وزير. والأخير كان يتولي رئاسة الهيئة العامة للطيران المدني. ويأتي قرار إعفاء خالد بن سلطان بعد نحو سنة ونصف على تعيينه في هذا المنصب.

هل تتم الإطاحة بسعود الفيصل لصالح ابن الملك عبدالعزيز؟

وقد لفت الأمر الملكي الى عبارة (وبناء على ما عرضه علينا ولي العهد نائب رئيس المجلس الوزراء وزير الدفاع كتابة) في إشارة فهم منها أن ثمة خلافات بين الأمير سلمان وإبن أخيه الأمير خالد بن سلطان في العلاقة التراتبية داخل وزارة الدفاع، ما رجح أن يكون الإعفاء بطلب من الأمير سلمان. وقد شعرخالد بن سلطان بأن ثمة استهدافاً له شخصياً بعد تعيين أبناء عمومته في مناصب عليا مثل تعيين محمد بن نايف وزيراً للداخلية، ومتعب بن عبد الله وزيراً للحرس الوطني، ومنصور بن متعب بن عبد العزيزفي منصب وزير الشؤون البلدية والقروية.

وفي 7 يوليو 2011 صدر أمر ملكي بتعيين الأمير سلمان بن سلطان مساعداً لأمين عام مجلس الأمن الوطني للشؤون الأمنية والاستخبارية بالمرتبة الممتازة. وفي 7 أغسطس 2013، صدر أمر ملكي بتعيين الأمير سلمان بن سلطان نائباً لوزير الدفاع خلفاً للأمير فهد بن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن آل سعود. وقد أعفي سلمان بن سلطان من منصبه مساعد الأمين العام لمجلس الأمن الوطني. وقد عمل الأمير سلمان بن سلطان في السفارة السعودية في واشنطن وهذا ما جعله مقرّباً من الأمير بندر بن سلطان الذي خصّه بالاهتمام والتفاوض بخصوص المناصب الممنوحة لآل سلطان.

وثمة من يرى في تعيين سلمان بن سلطان في هذا المنصب بمثابة ترضية لأخواله العجمان المتحالفين مع جناح الملك عبد الله. ونشير هنا أيضاً الى الدور الذي لعبه سلمان بن سلطان في إدارة الملف السوري، حيث كان يتولى الى جانب أخيه غير الشقيق بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات العامة السابق، تسيير شؤون النزاع المسلّح الدائر في سوريا وتقديم كل أشكال الدعم للجماعات المسلّحة.

وفي 22 يوليو 2011 صدر أمر ملكي بتعيين الأمير عبد العزيز بن عبد الله، نجل الملك، نائباً لوزير الخارجية بمرتبة وزير، ويعد ذلك قراراً جريئاً سوف يمهد لوصول نجل الملك للوصول الى وزراة سيادية أخرى الى جانب الحرس الوطني.

وبعد غياب طويل نسبياً عن المشهد السياسي، ظهر بندر بن سلطان بصحبة مدير وكالة الاستخبارات المركزية سي آي أيه ديفيد بترايوس وكانا في لقاء مع الملك عبد الله في جدة، حيث صدر بعد يومين من اللقاء قرار في 20 يوليو 2012 بإعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة، وتعيين بندر بديلاً عنه إضافة الى منصبه أميناً عاماً لمجلس الأمن الوطني بمرتبة وزير، وتعيين مقرن مستشاراً ومبعوثاً خاصاً لملك، بمرتبة وزير.

وهنا يبدأ فصل جديد في تقاسم السلطة بين الملك وولي عهده، سلمان، حيث تتوزع المناصب بناء على صفقة ثنائية.

ففي 22 ديسبمر 2013، صدر أمر ملكي بإعفاء الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، من منصبه وتعيينه وزيراً للتربية واالتعليم خلفاً للأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود، الذي أعفي من منصبه (بناء على طلبه)، وصدر أمر ملكي بإعفاء الأمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز من منصبه كأمير لمنطقة نجران، وتعيينه أميراً لمنطقة مكة المكرمة بمرتبة وزير.

وفي 14 يناير 2013 صدر أمران ملكيان الأول يقضي بإعفاء الأمير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية من منصبه (بناء على طلبه) وتعيين الأمير سعود بن نايف بديلاً عنه. وصدر أمر ملكي آخر بإعفاء الأمير عبد العزيز بن ماجد بن عبد العزيز، أمير منطقة المدينة المنورة من منصبه (بناء على طلبه) وتعيين الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز بديلاً عنه.

وكانت أهم لعبة خاضها الملك عبد الله في صراعه مع الجناح السديري هي في تعبيد الطريق لنجله الأكبر متعب كيما يصل الى العرش من خلال تحويل مؤسسة الحرس الوطني الى وزارة.

وبدأت القصة بتقديم نائب رئيس الحرس الوطني الأمير بدر بن عبد العزيز طلب إعفاء من منصبه. وكتب في 17 نوفمبر 2010 خطاباً الى الملك جاء فيه: أخي وشقيقي وسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز..سيدي: تعلمون - حفظكم الله - بأنني أفنيت عمري طاعة لله ثم لكم، خدمة لديني ثم مليكي ووطني. وإنني تشرفت بأن أكون ساعدك الأيمن في رئاسة الحرس الوطني، وهو شرف اعتز وأفخر به، فبالله ثم بكم وبمكارم أخلاقكم وقيادتكم الحكيمة - يا سيدي - سرت على نهجكم طوال فترة عملي كنائب لكم في الحرس الوطني، وأرجو الله أن أكون قد أديتُ عملي بما يرضي الله ثم مقامكم الكريم، فإن أصبتُ فمن الله - جل جلاله -، وإن أخطأت فمن نفسي. واليوم يا سيدي - حفظكم الله - وبكل الحب الذي يجمعنا استعطف مقامكم الكريم إعفائي من منصبي لظروفي الصحية التي تعلمونها. ولتعلم يا سيدي وشقيقي ومليكي بأنني خادمك بالأمس وخادمك اليوم ما حييت..).

وفي اليوم نفسه صدر أمر ملكي ينص على:

أولا: يعفى الأمير بدر بن عبدالعزيز آل سعود نائب رئيس الحرس الوطني من منصبه (بناء على طلب سموه).

ثانيا: يعين الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وزير دولة وعضوا في مجلس الوزراء ورئيسا للحرس الوطني.

كانت تلك الخطوة التمهيدية الأولى، التي أعقبتها الخطوة الكبرى في 27 مايو 2013 بتحويل رئااسة الحرس الوطني الى وزراة، وتعيين الأمير متعب وزيراً عليها. وأصدر الملك أمراً ملكياً بتحويل رئاسة الحرس الوطني الى وزارة باسم (وزارة الحرس الوطني)، وأن رئيس الحرس الوطني يصبح وزير الحرس الوطني.

في ضربة مباغته، أصدر الملك عبد الله أمراً ملكياً بإقالة بندر بن سلطان من رئاسة الاستخبارات العامة. وفي 15 إبريل 2014 صدر الأمر الملكي القاضي بإعفاء بندر بن سلطان (بناء على طلبه)، وتكليف الفريق أول ركن يوسف بن علي الأدريسي نائب رئيس الاستخبارات العامة بمهام رئاسة الاستخبارات العامة.

وفي 25 إبريل 2014، صدر أمر ملكي بتعيين الأمير محمد بن سلمان وزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء، وإعفاء الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء من منصبه (بناءً على طلبه).

وبإعفاء الاخير يكون آل فهد بالكامل خارج المعادلة، فيما لم يتبق من آل سلطان سوى سلمان بن سلطان الذي لا يزال يحتفظ بمنصبه كنائب لوزير الدفاع.

وتمثّل أهم خطوة معبّرة قام بها الملك عبد الله، في إعلان الديوان الملكي عن (مبايعة الأمير مقرن ولياً لولي العهد أو ملكاً في حال خلو منصبي الملك وولي العهد في وقت واحد). وأضاف: (ولا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله، أو تبديله، بأي صورة كانت من أي شخص كائناً من كان، أو تسبيب، أو تأويل، لما جاء في الوثيقة الموقعة منا ومن أخينا سمو ولي العهد رقم 19155 وتاريخ 19/5/1435هـ وما جاء في محضر هيئة البيعة رقم 1 / هـ ب وتاريخ 26 / 5 / 1435هـ المؤيد لاختيارنا واختيار سمو ولي العهد لصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز بأغلبية كبيرة تجاوزت ثلاثة أرباع عدد أعضاء هيئة البيعة).

وبخلاف الأعراف المعمول بها في المملكة في تعيين النائب الثاني، استحدث البيان عنواناً جديداً وهو (ولي ولي العهد) مبقياً على منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، ما يشي بخلاف داخل العائلة المالكة حول منصب ولي العهد بعد تولي الأمير سلمان العرش، برغم من أن هذا المنصب من اختصاص هيئة البيعة التي أنشأها الملك في العام 2005 لتفادي استحقاق منصب النائب الثاني.

ما يلفت في البيان أن (منصب ولي ولي العهد) ليس مفتوحاً ولا يأخذ مسمى القانون أو المرسوم الملكي الثابت، وإنما يقتصر على الحالتين المنوّه عنهما في البيان.

ونلحظ في ضوء الأوامر الملكية منذ اعتلاء الملك عبد الله العرش في صيف 2005 وحتى اليوم أن عملية تفتيت منظمة لقوة الجناح السديري توّجت بتعيين الأمير مقرن ولياً لولي العهد، ما يمهّد لوصول نجل الملك، أي الأمير متعب الى العرش، وبالتالي سوف تكون للجناح فرصة وحيدة لاعتلاء العرش، وهي من نصيب الأمير سلمان، في حال بقائه على قيد الحياة، ثم تكون في الاجنحة الأخرى التي قد لا تقوّض أي فرصة مقبلة للسديريين في العرش السعودي..

السؤال الأخير الذي لابد من طرحه هنا: أين الأميركيين من ذلك كله؟ خصوصاً وأن تغييرات بهذا الحجم والمنظّم والذي ينطوي على تغييرات بنيوية عميقة في نظام الحكم لابد أن تكون للحليف الأميركي وجهة نظر موافقة أو معارضة أو متحفظة. وما بات معلوماً أن الملك عبد الله حريص على كسب رضى الأميركيين في الخطوات التي يقوم بها، ويميل دائماً الى استمزاج رأي الادارة الأميركية في القرارات التي يقدم عليها. وفي واحدة من الأمثلة اللافتة بهذا الخصوص أن تعيين بندر بن سلطان في منصب رئيس الاستخبارات العامة جاء بطلب أميركي مباشر، وكذلك قرار إعفائه من منصبه، الذي جاء بعد أيام من زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الى الرياض ولقائه بالملك عبد الله في مخيمه بروضة خريم..

وبالرغم من إصرار الادارة الأميركية على عدم الدخول المباشر في صراعات العائلة المالكة، وتتمسّك بالموقف الشكلي بأن شؤون الحكم تعتبر قضية داخلية، فإن تقارير عديدة تحدّثت عن رسائل وتوصيات غير مباشرة تصل الى الملك وبعض الأمراء، خصوصاً المقرّبون من واشنطن لناحية تبني بعض وجهات النظر المرجّحة لدى الادارة.

في النتائج، فإن الملك عبد الله قاد معركة مفتوحة منذ توليه العرش لناحية تقويض العصبة السديرية، وتفتيت السلطة التي كانت بحوزتها، وتقوية جناحه عن طريق جلب أمراء آخرين الى صفه، وتعزيز المواقع الخاضعة تحت سلطته، قبل أن تحين ساعة رحيله ويتولى سلمان العرش، ما يمنحه سلطة مطلقة في تخريب كل ما بناه الملك عبد الله..

الصفحة السابقة