المقال العار!

تركي الفيصل في «هآرتس»: مرحباً بالاسرائيليين

تركي الفيصل: (بمقدور الاسرائيليين زيارة موطن أجدادي في الدرعية، التي عانت على
يدي ابراهيم باشا ذات المصير الذي عانت منه القدس على يد نبوخذ نصر والرومان)

إعداد: هاشم عبد الستار

خلف تسويق المقترح الممجوج بحل الدولتين في فلسطين المحتلة، يخفي تركي الفيصل قبح وبشاعة التطبيع الذي مافتئ يروج له ويديره. خطوات أو بالاحرى خطة التطبيع تبدو معدّة سلفاً وتسير وفق ما تقرر لها، فبعد اللقاءات السريّة بينه وبين حاخامات وأكاديميين اسرائيليين، ثم لقاءات الصدفة! التي جمعته مع مسؤولين في الخارجية الاسرائيلية واخرى في الموساد، وصولاً الى الحديث الودي والحميمي بينه وبين وزيرة العدل الاسرائيلية تسيبي ليفني في مؤتمر الأمن في ميونيخ في 2 فبراير الماضي، بلغت الوقاحة أقصاها بكتابته مقالة في صحيفة (هآرتس) في 7 يوليو الجاري بعنوان (السلام ممكن مع المبادرة العربية Peace would be possible with the Arab Peace Initiative at its core) في وقت تتساقط الصواريخ على أبناء غزة وترتكب المجازر وتدمر المنازل.

مقالة تركي الفيصل مليئة بكل ما هو قبيح وتطبيعي وانبطاحي. ومقالة الفيصل لها مناسبة وهي بمثابة تأييد لـ «المؤتمر الإسرائيلي للسلام» الذي عقد هذا الشهر بإشراف الجريدة، حيث قال الفيصل: (الآن هو الوقت المناسب لفرض السلام الذي يتمناه جميع الناس، أهل النيات الحسنة، أكثر من أي وقت مضى). مصيبة آل سعود تكمن في حديثهم بإسم الامة، التي لا تجد أثراً لها سوى في مخيلتهم، ويعتقدون زوراً بأن جميع الناس يتمنون سلاماً ذليلاً كالذي يقترحونه عبر مبادراتهم البائسة بدءاً من مبادرة فهد في 1981 وبعدها مبادرة عبد الله في 2002.

الفيصل مع ليفني: دوام المحبة!

من قبائح هذا الأمير الفاجر في انصياعه لرهان الاستسلام، أنه أسرف في التودّد للاسرائيليين وراح يذكّر بما فعله أعمامه من قبل الذين زاروا فلسطين المحتلة تحت الحكم الاسرائيلي وقدموا شهادات إطراء مازالت السجلات الاسرائيلية تحتفظ بنسخها الأصلية. يقول تركي الفيصل بأنه يرغب في زيارة المتحف الاسرائيلي «ياد فاشيم» وحائط المبكى، وأخبر أنه زار متحف المحرقة في واشنطن.

لم يساعد نفاق آل سعود إبنهم بكل الفجور المختزن فيه بأن يذكر ولو عن طريق الخطأ مأساة غزة التي تقع تحت وطأة القصف الاجرامي الاسرائيلي. تعاسة ال سعود أنهم في القضية الأم للعرب والمسلمين وهي القضية الفلسطينية تنكشف حقيقتهم عارية، الى حد أن الخارجية الاسرائيلية تقوم بإعادة نشر مقالات كتّابهم المدّبجة بكل ما هو قبيح وشائن وعار.

تركي الفيصل وجّه دعوة الى الاسرائيليين لزيارته في الرياض، وقال ان (بمقدورهم زيارة موطن أجدادي في الدرعية، التي عانت على يدي ابراهيم باشا ذات المصير الذي عانت منه القدس على يد نبوخذ نصر والرومان). هنيئاً لمثل هذه المقارنة البائسة، هل نسي ما فعله آباؤه وأجداده من جرائم وفظائع في المناطق التي خضعت تحت سلطانهم بالقوة، وهل تقارن الدرعية بالقدس يا أمير الغفلة والتطبيع؟.

وعلى طريقة شيمون بيريز، رئيس إسرائيل السابق، في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) الذي صدر العام 1993 وحديثه عن دمج اسرائيل في سوق مشتركة شرق أوسطية، والذي تحوّل الى مقترح في المؤتمر الاقتصادي حول الشرق الأوسط في الدار البيضاء عام 1994، يمرر تركي الفيصل ما يعتبره ايجابيات ستجنيها الشعوب العربية والشعب الاسرائيلي من (تطور التجارة والطب والعلوم والفنون والثقافة)؛ وهي نفس المقترحات التي وردت في كتاب بيريز سالف الذكر.

يسترسل تركي الفيصل في تقاربه وتودّده للجانب الاسرائيلي ويعرب في مقالته الفضيحة عن أمله في حضور «المؤتمر الإسرائيلي للسلام» وقال: (أتطلع إلى اليوم الذي أتمكن فيه من حضور مثل هذا المؤتمر، بل وأتطلع حقا إلى العمل مع أولئك الإسرائيليين الذين سيأتون قادمين إلى الرياض للمشاركة في مؤتمرات حول كيفية العمل معاً لمعالجة عدد من المشكلات الملحة الأخرى التي تشكل تحدياً لنا في المنطقة وحلّها).

سوف يتوسل تركي الفيصل بنفس المنطق القبيح الذي توسل به السادات حين زار الكنيست ووصفه بسلام الشجعان، وقال حينذاك بأنه أوصل كلمته للاسرائيليين في عقر دارهم، وها هو ابن فيصل يعتمد ذات المنطق بأنه يكتب رأيه الشجاع للاسرائيليين ويوصله بكل وضوح. هو نفس المنطق الانبطاحي والاستسلامي الذي سوف يؤول الى التطبيع، والا اذا كان الأمر على هذا النحو ماذا جنت مصر منه، وماذا جنى أصحاب المشاريع الاستسلامية؟

السؤال: تصريحات ومقابلات تركي الفيصل المتكررة مع الإسرائيليين، الا تعبّر عن الرأي الرسمي السعودي؟ ان كان الجواب بلا، فلم يترك يتحدث وكأنه ممثل للبلاد خارجياً؟

نص المقال

في بعض الأحيان وفي أحلك اللحظات، ما يدعو إلى الاهتمام هو ألا يقتصر الشجعان من الرجال والنساء ممن لديهم سعة في الأفق على التمسك بفكرة السلام، بل أيضاً محاولة تصور ما قد يبدو عليه هذا السلام.

ويتجلى ذلك في أوضح صوره في الشرق الأوسط، فهناك شعبان: الفلسطيني والإسرائيلي، كل منهما يسعى إلى تحقيق حلمه في إقامة دولة له. إن حل الدولتين هو الحل الوحيد الذي يمكن أن يجسد هذا الحلم، ويلبّي طموحات الشعبين الوطنية. مثل هذا الحل كان في صميم الرؤية التي وضعتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة في قرار التقسيم عام 1947م، الذي فشل المجتمع الدولي في تنفيذه في ذلك الحين، كما تلاه أيضاً فشل في عدد من عمليات السلام الرامية إلى جلب السلام إلى حيز الوجود منذ ذلك الحين.

والنتيجة هي مأساة إنسانية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي الظالم، وأيضاً للإسرائيليين المحاصرين في وضع سيزيد مع مرور الوقت من عزلتهم الدولية. فمع توقف جهود وزير الخارجية كيري في الوقت الراهن، وخيبة الأمل المتزايدة نتيجة الإخفاق في دبلوماسية الولايات المتحدة مؤخراً، فإن الوقت، الآن، هو الوقت المناسب لفرض السلام الذي يتمناه جميع الناس، أهل النيات الحسنة، أكثر من أي وقت مضى.

إن مبادرة السلام العربية، التي كان خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله ملك المملكة العربية السعودية أول من اقترحها، والتي أقرتها جامعة الدول العربية في عام 2002م، لا تزال توفر إطاراً للسلام، وصيغة للتوصل إلى حل عادل وشامل للصراع الإسرائيلي، ليس مع الفلسطينيين فقط، بل مع العالم العربي كله أيضاً، وبقناعة تامة بأنه لا يمكن للحل العسكري أن يمنح دول المنطقة السلام والأمن اللذين ينشدونهما جميعاً.

وتعترف مبادرة السلام العربية أن جميع الدول العربية ستقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل بمجرد انسحابها من الأراضي التي احتلتها في حرب يونيو/ حزيران 1967م، وقبولها بدولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية. ويجب، بطبيعة الحال، أن يتم الاتفاق على مسألة الحدود الفعلية، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في المفاوضات، وفقاً للمبادئ الدولية. وفي لبنان، يمكن تسليم الأراضي التي تحتلها إسرائيل للأمم المتحدة إلى حين وجود حكومة لبنانية قادرة لاستعادتها؛ وفي سوريا، كذلك، يمكن وضع هضبة الجولان المحتلة تحت إدارة الأمم المتحدة إلى أن يتم تشكيل حكومة جديدة يمكن أن تتسلمها. فمع حسن النيات، وبدعم من الولايات المتحدة، وجامعة الدول العربية، لا شيء مستحيل.

آمل حقاً أن ينتظم الإسرائيليون في الخط الذي قبله وفد جامعة الدول العربية في واشنطن في إبريل من العام الماضي، الذي أعلن بوضوح أن مبادرة السلام العربية ليست جامدة، بل يمكن تعديلها لتأخذ في الحسبان ما تم الاتفاق عليه بحرية بين الإسرائيليين والفلسطينيين في مفاوضاتهم.

ما زلت، مثلي مثل الآخرين في المنطقة نشعر بالأسى، كما أني حزين أيضاً، لم لا توجد هناك استجابة على الإطلاق للمبادرة العربية من قبل أي حكومة إسرائيلية، على الرغم من موافقة العالم العربي المستمرة عليها في كل قمة تعقدها جامعة الدول العربية على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، وفي كل قمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي. وقد ذهب وفد عربي إلى إسرائيل لنقل تلك المبادرة مباشرة إلى الشعب الإسرائيلي. وهناك من بين العرب من يقول، وفي عدة مناسبات: إنه لا جدوى من تلك المبادرة، بل ينبغي نبذها والتخلي عنها. لكننا متمسكون بها، ومصرّون على التمسك بها؛ فهي لا تزال مطروحة على الطاولة قطعاً.

دعونا نحلم للحظة واحدة كيف ستكون عليه هذه الأرض المضطربة، وكيف ستبدو بعد الاتفاق بين هذين الشعبين. . . اسمحوا لي أن أحلم أيضاً.

تخيل لو يكون بمقدوري أن أسافر على متن طائرة من الرياض، وأطير مباشرة إلى القدس، وأستقل حافلة أو سيارة أجرة، وأذهب إلى قبة الصخرة أو المسجد الأقصى، وأؤدي صلاة الجمعة، ثم أقوم بزيارة حائط المبكى وكنيسة القيامة. وإذا ما سنحت لي الفرصة في اليوم التالي، فبإمكاني أن أزور قبر إبراهيم في الخليل، وقبور الأنبياء الآخرين عليهم السلام جميعاً. ثم أتابع طريقي، وأزور بيت لحم، مسقط رأس السيد المسيح، وأن يكون بمقدوري أن أواصل طريقي لزيارة متحف «ياد فاشيم» كما زرت متحف المحرقة في واشنطن، عندما كنت سفيراً هناك.

ويا له من سرور أن أتمكن من توجيه الدعوة، ليس للفلسطينيين فقط، بل للإسرائيليين الذين قد ألتقي بهم أيضاً، للمجيء وزيارتي في الرياض، حيث بمقدورهم زيارة موطن أجدادي في الدرعية، التي عانت على يدي إبراهيم باشا ذات المصير الذي عانت منه القدس على يد نبوخذ نصر والرومان.

ولك أن تتخيل أيضا كيف ستتطور التجارة والطب والعلوم والفنون والثقافة بين شعبينا.

أخشى أن يكون البديل هو استمرار الصراع، بناء على الحقائق على الأرض، ولا سيما المشروع الاستيطاني المستمر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا ما يدفعنا، بصورة أقرب وأقرب، إلى اليوم الذي لن تعد فيه القضية مرهونة بمسألة تحقيق حل الدولتين، بل بالصراع وسفك الدماء، وهل سيستمر الوضع حينها على ذلك الحال ليكون هو القاعدة. هل هذا حقا ما تريده إسرائيل؟ الاستيلاء على الأراضي من قبل المستوطنين لتصبح حصريا «للإسرائيليين فقط»، والطرق السريعة على أراضي الضفة الغربية الفلسطينية تقف حائلاً أمام بقاء أمة فلسطينية متصلة جغرافياً وقابلة للحياة. وبينما تتشدق حكومة إسرائيل بحل الدولتين، إلا أنها تنتهج سياسة تفضي في المحصلة النهائية إلى دولة واحدة، وليس إلى «حل» دولة واحدة، ويستحيل، والأمر كذلك أن يقال عنها أي شيء آخر سوى أنها بامتياز «وصفة لكارثة»، في ظل انعدام المساواة في الحقوق السياسية والاقتصادية والإنسانية في فضاء تلك الدولة الواحدة.

آمل أن ينضم مؤتمر إسرائيل للسلام إلى الجهود الرامية لتصور رؤية السلام الذي سيكون ممكناً في ظل وجود مبادرة السلام العربية كحجر أساس لهذا السلام. إنني أتطلع إلى اليوم الذي أتمكن فيه من حضور مثل هذا المؤتمر، بل وأتطلع حقا إلى العمل مع أولئك الإسرائيليين الذين سيأتون قادمين إلى الرياض للمشاركة في مؤتمرات حول كيفية العمل معاً لمعالجة عدد من المشكلات الملحة الأخرى التي تشكل تحدياً لنا في المنطقة وحلّها.

الصفحة السابقة