في الخارج.. حزم أم ضياع؟

إنتصارات سلمان الوهمية

اعداد: هاشم عبدالستار

كتب بروس ريدل في 20 يونيو الماضي بأن الملك سلمان أضحى أكثر طموحاً من أي وقت مضى، ويقول بأن فترة العام والنصف التي تربّع خلالها سلمان على العرش، تميّزت «بسياسة خارجيّة حيويّة، وديناميّة بشكل لم يسبق لها مثيل، أدّت إلى توسيع نفوذ المملكة». ويوضح بأن الرياض أبدت خلال عهده «استعداداً أكبر للمجازفة في الخيارات المتعلّقة بالأمن القوميّ مقارنة بالعقود الماضية»، ما أكسبها نفوذاً استراتيجياً أكبر.

ويرصد ريدل بعض تلك المكاسب، من بينها: (استعادة السعوديّة جزيرتي تيران وصنافير غير المأهولتين في خليج العقبة، والاستحواذ عليهما من مصر). بالنسبة لريدل، فإن الضجة التي أثارها قرار الضم وألحقت ضرراً بصورة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كونه تخلى عن جزء من بلده، لم تغيّر من حقيقة أن سلمان كسب الجولة، فقد قبض ثمن المساعدات والاستثمارات الضخمة التي قامت بها السعوديّة في مصر منذ مساعدتها على تنفيذ الانقلاب على السيسي سنة 2013. وأن عملية الضم جعلت من السعودية «القوّة المهيمنة في ما يتعلّق بالسيطرة على مدخل خليج العقبة وميناء إيلات في إسرائيل وميناء العقبة في الأردن».

 
أحمد المغسل وناصر السعيد، اختطفتهما الرياض من بيروت

أشار ريدل الى أمر يمثل سر الصفقة المصرية السعودية، حين قال بما نصّه: «تعهّدت الرياض بتوفير منفذ مجانيّ» لخليج العقبة. ما كشفت عنه مصادر إسرائيلية وأميركية من حقائق وأسرار وأبعاد الاتفاق المصري السعودي، يجعل الكلام عن مكسب وانتصار سعودي، مجرد دعوى بلا دليل. فالاتفاق كان رباعياً أميركياً اسرائيلياً سعودياً مصرياً، وإن عملية الانتقال تمّت على قاعدة اتفاقية تعاون تقضي بتسهيل مرور السفن الاسرائيلية من مضيق تيران، كما تشمل تعاوناً بحرياً بين السعودية والكيان الاسرائيلي.

إن القول بأن سلمان حقّق ما لم يحققه الملوك السابقون، بمن فيهم الملك عبد العزيز نفسه، مجرد قطع مع سياق تاريخي في العلاقة بين الرياض وتل أبيب، وبين الرياض والقاهرة، فبالتأكيد لن يكون بمقدور غير شخص مثل السيسي فعل ذلك.

ويقول ريدل بأن حرب سلمان على اليمن، أمنّت للمملكة السعوديّة «سيطرة فعليّة على مضيق باب المندب بين آسيا وإفريقيا من جهة اليمن». ويشرح ذلك «لقد سيطر السعوديّون على ميناء عدن على مدخل البحر الأحمر قبل سنة، وعلى جزيرة ميون الاستراتيجيّة في باب المندب في أكتوبر الماضي. ويسيطر حلفاؤهم اليمنيّون أيضاً على جزيرة سقطرى في خليج عدن. وتمكّنت القوّات السعوديّة والإماراتيّة هذا الربيع من السيطرة على المكلا، عاصمة محافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن، بعيداً عن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة. والمكلا هي خامس أكبر مدينة في اليمن، وهي تؤمّن للسعوديّين منفذاً برياً عبر صحراء الربع الخالي إلى المحيط الهنديّ».

لا يبدو أن ريدل يحسن قراءة الواقع الميداني في اليمن، وهو واقع متغيّر على أي حال، ولا ندري كيف تكون سيطرة السعودية على كل تلك المناطق ولا سيما باب المندب، وحتى عدن الذي باتت نهباً لجماعات مسلّحة وتغرق في فوضى عارمة. حتى المناطق الجنوبية ليست محسومة، فضلاً عن أن تكون للسعودية سيطرة من أي نوع عليها، والمعارك لم تحسم بعد.

وبحسب تصوير ريدل للواقع الميداني، يصبح حوار الكويت غباءً سياسياً، كذلك قرار الرياض الدخول في مفاوضات مع حركة أنصار الله على الحدود وغيرها، إذ هي في موقع إملاء الشروط، بسحب السيطرة الميدانية الافتراضية، وليس في موقع الحوار وما يفرضه من تنازلات.

في ملف الخلاف السعودي الايراني، يقول ريدل بأن سلمان قام «بتصعيد العداوة بين السعوديّة وإيران»، بل وضع مبرر الحرب على اليمن «لمنع إيران من بناء علاقات بالوكالة في شبه الجزيرة العربيّة». وهو في ذلك يتبنى الرواية السعودية، لأن ثمة رواية يمنية تقول غير ذلك، وأن الرياض خسرت نفوذها القديم في اليمن، بعد اعلان المرحلة الثانية من الثورة اليمنية في 21 سبتمبر 2014، والتي أفضت الى انهيار الامبراطورية السعودية.

إن الحرب السعودية على اليمن، وإن تذرّعت بمنع ايران من الحصول على موطىء قدم لها في الجزيرة العربية، فإنها تستهدف حرية اليمن واستقلاله التام، لأن السعودية أدمنت إخضاع اليمن وارتهانه لإرادتها وأموالها.

نعم، السعودية ترفض الانفتاح على إيران، لأن ذلك يستبطن اعترافاً بها كقوة إقليمية لابد من التعامل معها، والرياض تريد ان تتوّج نفسها عاصمة للدولة المحورية الوحيدة في الاقليم. قطعت الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران في يناير الماضي على خلفية موقف الأخيرة من إعدام الرمز الديني الناشط الشيخ نمر النمر، وأرادت توظيف التوتر لبناء تحالف عربي وإسلامي ضد ايران لجهة تعزيز دورها المحوري في المنطقة. كل ذلك صحيح، ولكن الأسئلة اللاحقة تتناسل حول مكاسب الرياض من وراء تلك الاصطفافات العابرة بل «مدفوعة الأجر»، وماذا يمكن أن تحقق على المدى البعيد، في ظل نضوب متواصل لإمكانياتها المالية.

رفضت الرياض دعوات الحوار مع طهران، وحافظت على وتيرة متصاعدة من التوتر، وبعض أسبابه واضحة، فحكّام الرياض لديهم مشكلة مع قاعدتهم الشعبية، التي جرى حقنها بكل أشكال التوتر، وتنتظر إجابات واضحة حول أسباب الانفتاح على ايران بعد شيطنة طويلة ومعقدة. كان على حكومة الرياض تبرير حوارها مع أنصار الله لجمهورها الذي أوحي اليه أن هؤلاء خصوم دائمون ولا مجال للتلاقي معهم بحال. وفي الجملة فإن توتير العلاقة مع ايران من قبل أمراء آل سعود، لا يُعدُّ مكسباً، فقوة إيران السياسية ونفوذها لازال يتعاظم او لنقل لم يتقلص، في حين ان السعودية لم توسع من نفوذها جراء هذا الإنفلات في الصراع والعداء، ولا توجد مكاسب واضحة من رفع وتيرته أكثر كما فعل تركي الفيصل مؤخراً.

 
بروس ريدل: دعم معسكر محمد بن سلمان!

لقد أطلق عهد سلمان موجات الغضب المحشورة في صدور رجال الدين الوهابيين، وراحوا يعبّرون بكلمات قاسية ضد ايران بل وكل الشيعة في العالم، الأمر الذي خلق مناخ احتقان غير مسبوق، وترك تأثيره على العلاقات الداخلية بين الشيعة وشركائهم، كما أحدث تشويهاً لصورة الدولة السعودية نفسها، بوصفها ممثلاً لفئة وطائفة وليس لشعب بمكوّناته الإجتماعية والمذهبية والمناطقية المتعدّدة.

يضيف ريدل الى إنجازات سلمان ما يجري في سوريا، مع أنه لا يذكر منجزاً فعلياً بقدر ما هو تطلّع «يأمل السعوديّون أن تؤدّي هزيمة حكومة الرئيس بشار الأسد إلى القضاء على موقع حزب الله وإيران في المشرق العربي». وهذا الأمل ليس إبن عهد الملك سلمان، فقد عمل السعوديون عليه منذ صيف 2012 حتى اليوم، منذ كان رئيس الاستخبارات العامة السابق بندر بن سلطان يمسك بملف سوريا الى جانب أخيه غير الشقيق الأمير سلمان بن سلطان، وكانت حظوظ إسقاط بشار أكبر بكثير من الآن، وإن مجرد التلويح بأحلاف كارتونية مثل التحالف العسكري الاسلامي الذي اعلن عنه في منتصف ديسمبر 2015، فهذا لم يتجاوز مجرد المناورات العسكرية في حفر الباطن.

ليس هناك من استعداد فعلي لدى أي من الدول المحيطة بسوريا للانخراط في عملية برية، لا سيما تركيا والاردن اللتين تواجهان خطر إرهاب داعش، الذي بات يضرب بشراسة داخل هاتين الدولتين، فيما يتم تداول معلومات جديّة حول مراجعات تجريها أنقره وعمّان في علاقاتهما مع دمشق، بعد أن أصبح داعش خطراً مشتركاً، وقد يضرب في عمق العواصم العربية والاسلامية.. إن محاولات الرياض تشكيل معارضة تديرها لم تنجح في تغيير مسار الأمور، وإن نجاحها يقتصر على مجرد إعاقة الحل لبعض الوقت، ولكن حين تنضج ظروفه سوف تكون معارضة الرياض مجرد ورقة زائدة.

من بين المنجزات أيضاً، كما يراها ريدل، هي القاء الاستخبارات السعودية القبض على أحمد المغسل بعد نزوله من رحلة من طهران الى بيروت. بطبيعة الحال، فإن العملية لم تكن سعودية بالكامل، إذ كانت الجهّة المنفّذة هي فرع المعلومات اللباني، الأقرب الى السعودية، وتوأم استخباراتها. وبحسب رواية مصادر لبنانية قريبة من الفرع، فإنه لم يكن يُعلم هوية الشخص المراد إلقاء القيض عليه، ولم تنكشف هويته الا بعد إرساله على متن طائرة خاصة الى السعودية، وحديث الصحافة عنه. وكان فرع المعلومات يخشى من ردود فعل داخلية إزاء العملية، التي لم تتطلب عملاً معقّداً بعد أن كشف المغسّل نفسه هويته واختلاطه مع الناس وتردّده على لبنان لزيارته عائلته وآخرها بهدف حضور حفل زفاف إبنه الذي كان فيه اعتقاله، بعد أن تواصل مع زوجته وإبلاغها بموعد وصوله.

على أية حال، فإن توصيف تسليم المغسل «الإنجاز الأكثر جرأة الذي حقّقته الاستخبارات السعوديّة على الإطلاق».. غير دقيق، فليست المرة الأولى التي يتم اختطاف معارضين من لبنان وتسليمهم الى السعودية، وقد سبق أن تعرض المعارض المعروف ناصر السعيد للاختطاف في 17 ديسمبر 1979 من قبل القيادي الفلسطيني في حركة فتح، عطا الله عطا الله المعروف بابو الزعيم، عميل المخابرات الاردنية، اختطافه من بيروت الغربية، وتم تسليمه الى الحكومة السعودية، مقابل 10 مليون دولاراً، دفعتها الاستخبارات السعودية باشراف الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات العامة سابقاً والمسؤول المباشر عن خطف ونقل ناصر السعيد الى الرياض، بالتنسيق مع علي الشاعر السفير السعودي في لبنان آنئذ.

كما تعرّض الامير سلطان بن تركي الثاني بن عبد العزيز آل سعود في يناير 2004 الى عملية اختطاف من جنيف بتخطيط وتدبير من الامير عبد العزيز بن فهد، نجل الملك حينذاك، ووزير الشؤون الاسلامية الشيخ صالح عبد العزيز آل الشيخ، حيث تم تخديره ونقله في طائرة خاصة الى الرياض (لازال الأمير عبدالعزيز وصاحبه آل الشيخ يواجهون في سويسرا دعوات قضائية على خلفية الإختطاف). وهناك قصص أخرى عن معارضين تمّ اختطافهم وتسليمهم الى السلطات السعودية.

فيما يخص تشكيل الأحلاف، (العربي أولاً) على اليمن، والمعلن عنه في أول أيام الحرب في 26 مارس 2015؛ (والإسلامي ثانياً) على الارهاب، والمعلن عنه في منتصف ديسمبر 2015.. وبرغم ما قيل عن انجاز سعودي في عهد سلمان، بأنهما حققا هدف عزل ايران في الأول والثاني؛ والعراق في الثاني.. فإن قراءة متأنية للتجربتين تبدو مطلوبة، للتعرّف أولاً على الأهداف المعلنة وغير المعلنة للتحالفين.

فالتحالف العشري (الأول) انتهى الى تحالف ثنائي سعودي إماراتي، وإن الاهداف التي أريد تحقيقها في غضون إسبوع أو إسبوعين عبر الحرب، امتدت الأخيرة لتصبح أكثر من سنة وثلاثة أشهر، ولا تزال الحرب قائمة. وبرغم الدمار الهائل الذي أحدثه العدوان السعودي في اليمن، فإن الصمود اليمني والرد المستمر والنوعي، دليل واضح على أن أهداف العدوان لم تتحقّق. أما الكلام عن عزل ايران والعراق، فإن الأيام تثبت أن السعودية وبقية الدول المشاركة في التحالف لم تربح، فالكل خاسر في المعركة تلك، بما فيها ايران والعراق. فأين هذه المكاسب التي جنتها السعودية، سوى الدمار والتخريب وإعاقة الحل، فهل تعد الإعاقة منجزاً؟ وأين يمكن صرفه؟

وعلى مستوى زيارة ابن سلمان الى الولايات المتحدة، فالمعطيات المتوافرة تؤكّد أنه كان يحمل معه عرضاً ويريد أن يكون المُلك ثمنه، فهو يريد أن يضع البلاد بكامل مقدراتها تحت تصرّف الولايات المتحدة، على أن يحظى هو بمنصب الملك وبمباركة أميركية.. بكلمات أخرى، يريد تتويجاً أميركياً له باعتلاء العرش.

هذا هو عهد سلمان، فهل وجد بروس ريدل فيه ما لم يجده المواطنون؟ إن مجرد المشاغبة لا تعني حضوراً متميّزاً، وإن الجرأة لا تعني قراراً صائباً، وإن اشعال الحروب لا يعني انتصاراً حتمياً، كما لا يعني امتلاك المال ربحاً صافياً، فالنظام السعودي في عهد سلمان يخسر أكثر من أي وقت مضى، ويكفي أنه يقامر بمصير النظام، وهو ما يدفعه لتبني المغامرات رهاناً حتمياً.

بقي أن نذكّر، بأن بروس ريدل ربما انضمّ الى جوقة السعوديين المالية والإعلامية، وإلا فإن الرجل ومنذ التسعينيات الميلادية والى وقت قريب يقول غير الذي قاله آنفاً عن الحكم السعودي، بل أنه ألف كتاباً رأى فيه انهيار حكم آل سعود وشيكاً. ولله في خلقه شؤون!

الصفحة السابقة