ابن سلمان ذو الرأس الحامي.. بحاجة الى ترويض أميركي

اعداد: محمد شمس

نشرت مجلة (بوليتيكو) الأميركية في 29 يونيو الماضي، مقالة مشتركاً لآرون ميلر، وهو أحد موظفي الأمن القومي السابقين ومحلل في شؤون الأمن القومي بعد التقاعد، وريتشارد سوكولوسكي، عضو سابق في مكتب تخطيط السياسة التابع لوزارة الخارجية الأميركية في الفترة ما بين 2005 ـ 2015، وعضو في معهد كارنيجي لاحقاً. المقالة تنطوي على نصائح لإدارة ترامب في طريقة التعامل مع المملكة السعودية بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد.

كان الرئيس دونالد ترامب، مثله مثل مراهق وقع في عشق نجم سينمائي أو غنائي، فراح «يلمّع» العاهل السعودي الملك سلمان وابنه البالغ من العمر 31 عاماً، ولي العهد الجديد محمد بن سلمان، المعروف لدى الدبلوماسيين الامريكيين بـ «MBS». منذ فرانكلين روزفلت، فإن الرؤساء الأميركيين كانوا ولهين بالملوك السعوديين، ولكن في الحالة الترامبية فقد يكون الافتتان خطير تماماً. ذلك ان الأمير الشاب الذي سيكون ملكاً، قد يوقع بلده في أكوام من المتاعب، وقد يجر معه الولايات المتحدة نحو القاع.

باعتباره مهندس رؤیة السعودية 2030، وهي خطة طموحة لتحوّل الاقتصاد السعودي وتنویعه، یُنظر لإبن سلمان علی أنه ملك محدّث سياسياً، وديناميكي ومهيأ للمخاطر، وانه فارق التقلیدية حذرة التخوف من المخاطر قياساً بالملوك السعودیین. لكن من يدري ما إذا كان الملك الشاب سوف يكون قادراً على الوفاء بالتوقعات على المستوى المحلي؟. فالقوى والتحديات قد تحد من آفاقه. ولكن هناك شيء واحد واضح بالفعل عندما يتعلق الأمر بمعالجته للسياسة الخارجية: ففي عامين، وكولي لولي العهد ووزير دفاع، دفع ابن سلمان المملكة إلى سلسلة من الأخطاء الملكية في اليمن وقطر وإيران، ومن المحتمل أن يكون قد وعد بما تستطيع المملكة السعودية القيام به على جبهة صنع السلام الإسرائيلية الفلسطينية.

وبعيداً عن إظهار الحكم والخبرة، فقد أثبت بأنه متهور وطائش، مع القليل من الشعور بكيفية ربط التكتيكات والاستراتيجية. ومما يؤسف له أنه تمكن من توريط وسحب إدارة ترامب الجديدة في بعض هذه الأخطاء أيضاً.

نحن لا نلوم ولي العهد، فهذا كله تقريبا خطأ البيت الأبيض الذي بدا ساذجاً في اعتقاده بأن الرياض، والتحالف الخليجي السنّي، أمران حاسمان لمساعدة الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها الرئيسية الثلاثة: (تدمير داعش، وتراجع إيران، الوصول الى سلام عربي اسرائيلي).

استنادا إلى السلوك السعودي منذ وصول الملك سلمان وإبنه محمد إلى السلطة في عام 2015، فإنه ليس من الواضح على الإطلاق أن الرياض يمكن أن تحقق أي من هذه الأهداف. والواقع أنه إذا لم تضع واشنطن بعض القواعد وتبتعد بنفسها عن المغامرات السعودية الخاطئة، فإنها ستجد أهدافها أكثر بعداً عن التحقق.

ثلاثة اعتبارات تحتاج إدارة ترامب للتفكير فيها قبل أن تصبح سياستها في الشرق الأوسط، شركة فرعية مملوكة بالكامل للمملكة السعودية:

هل يستطيع السعوديون تجنب المزيد من الأخطاء الفادحة؟ لدى محمد بن سلمان عكس لمسة الملك ميداس (في الميثولوجيا اليونانية أن الملك ميداس عنوان للحظ والفأل الحسن فكل شيء تمسّه يداه يحيل الى ذهب)، فابن سلمان لديه لمسة في الاتجاه المعاكس: تحولت كل مبادرة قادها إلى فوضى عارمة. فبالنسبة له وهو يدير الحرب ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، قام السعوديون مع بعض حلفائهم العرب الخليجيين بحملة جوية وحشية لا هوادة فيها تسببت في كارثة إنسانية، ما أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين، وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية المدنية، وتفاقمت المجاعة المستمرة.

السعوديون عالقون في مستنقع اليمن

الحملة العسكرية، حتى بعد مضاعفتها فشلت في طرد الحوثيين وحلفائهم من العاصمة أو السيطرة على الجزء الشمالي من البلاد. وليس لديهم استراتيجية دبلوماسية قابلة للحياة لإنهاء الحرب. وبمساعدة وتحريض السعوديين في اليمن، تمكنت الولايات المتحدة من تمكين القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتعزيز النفوذ الإيراني في اليمن، وتقويض الأمن السعودي، وجعلت اليمن أقرب إلى حافة الانهيار. وقد دفع السعوديون أنفسهم - والولايات المتحدة - إلى خندق عميق في البلاد. انهم بحاجة الى وقف الحفر للخروج.

كما أن بصمات ولي العهد واضحة أيضا في جميع أنحاء القرار السعودي لتمزق علاقاتها مع قطر. (كما في اليمن، شجعت المملكة أيضا بعض حلفائها العرب السنة على المضي قدماً والركوب معهم في مركبهم الغارق). هذه الأزمة، التي تفاقمت من خلال احتضان ترامب المفتوح للموقف السعودي، وجّه ضربة خطيرة للدبلوماسية الأمريكية في الخليج. تأمل إدارة ترامب في بناء تحالف عربي سني قوي وموحد لتحقيق أهدافها في الشرق الأوسط؛ وبدلاً من ذلك، فإن القتال الذي لا داعي له الذي اختاره السعوديون مع قطر قد حطم هذا الائتلاف.

ولا داعي للخطأ: لقد قام ولي العهد بتصنيع هذا النزاع ليس لمعاقبة قطر على تمويلها للإرهاب (تعليق نفاقي من مواطنين سعوديين قدموا تمويلاً للمتطرفين على مر السنين)، وإنما لإنهاء السياسة الخارجية المستقلة لدولة قطر، وخاصة دعمها لجماعة الإخوان المسلمين وعلاقاتها مع إيران. ببساطة، يريد السعوديون تحويل قطر إلى دولة ملحقة وتابعة، كما فعلوا مع البحرين، كجزء من خطتهم الرامية إلى هيمنة السعودية على الخليج بأكمله.

لكن طموح ولي العهد المتعاظم والشوفينية الوطنية، وضعت المملكة على مسار تصادمي مع إيران. إن الولايات المتحدة، بدعمها المفتوح وغير الخاضع للنقد للمملكة السعودية، وموقفها العضلي مرة أخرى ضد ايران، قد يؤول الى الخلاف. وعلاوة على ذلك، فإن الخطاب الملتهب والموقف المتشدد من طهران لا يؤجج سوى الصراع الطائفي الذي يمزق المنطقة.

قرار إدارة ترامب جنباً إلى جنب مع السعودية في صراعها مع قطر واليمن، هو أقرب إلى صب البنزين على النار. وعلى واشنطن أن تقوم بكل ما في وسعها لإخماد النيران.

السعودية والصلح مع اسرائيل

هل يمكن للمملكة السعودية أن تقود عملية السلام مع اسرائيل؟ ليس هناك شك في أن التهديدات المزدوجة لإيران والجماعات الجهادية السنية مثل داعش والقاعدة، بالإضافة إلى الاجهاد العربي من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي لا ينتهي، قد خلق فرصة أكبر للمصالح بين دول الخليج وإسرائيل أكثر من أي وقت مضى. السؤال الذي لا يزال غير وارد هو ما إذا كانت هذه المحاذاة الجديدة يمكن تحويلها إلى عملة قابلة للاستخدام لتسهيل ودعم المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية مما يؤدي إلى «اتفاق نهائي» بحسب رغبة ترامب. قد يكون من بين السعوديين من هو على استعداد للقيام أكثر مما كانوا عليه في الماضي، ولا سيما فيما يتعلق بمنح حقوق التحليق والاتصالات السلكية واللاسلكية والعلاقات التجارية مع إسرائيل.

ولكن ـ والتأهيل هنا هو أمر حاسم هنا ـ لن يحدث ذلك إلا إذا كانت واشنطن مستعدة للقيام بدورها. لا توجد وجبات غذاء مجانية هنا. والدفعة الأولى، من وجهة النظر السعودية، تنطوي على استعداد إدارة ترامب لتكثيف جهودها ليس فقط لاحتواء ـ ولكن أيضاً للحد ـ من النفوذ الإيراني في المنطقة (التي نعتقد أنها غير واقعية وربما ضارة للولايات المتحدة)، وكذلك محاولة جادة للضغط على الإسرائيليين لتقديم تنازلات كبيرة وصغيرة نيابة عن الفلسطينيين. وقد يكون السعوديون على استعداد للبدء بتقديم تنازلات صغيرة لبناء الثقة. ولكن إذا كان فريق ترامب يبحث عن خطوات كبيرة - إقامة علاقات دبلوماسية، على سبيل المثال، فإن الإدارة سوف تحتاج للضغط على الإسرائيليين لتسليم القدس وحدود حزيران 1967. ويبدو أن هذه المهمة مستحيلة مع حكومة نتنياهو.

هناك خطر حقيقي من أن الإدارة لديها توقعات غير واقعية ومبالغة فيما يتوقع السعوديون القيام به. ولن تعرّض الرياض نفسها لانتقادات من إيران والعالم العربي بشأن قضية مثل القدس، ما لم يتم الوفاء بالمتطلبات الفلسطينية-والعربية. وبدون إسناد إسرائيل إلى القدس، لن يكون هناك اتفاق نهائي.

هل يمكن للولايات المتحدة وقف تمكين السعوديين من وضع بعض القواعد؟ ومن الواضح أن ترامب كرئيس مقبول بحب جارفٍ من السعوديين، الذي عمل معهم تجارياً منذ سنوات، وتمّ الترحيب به واستقباله بحفاوة بالغة خلال زيارته للمملكة في وقت سابق من الشهر الماضي. كما أنه يرى أن المملكة السعودية مفتاح لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية في المنطقة، بإغماض العين عن حقوق الإنسان، ومنحها حرية واسعة لمتابعة أجندتها المناهضة لإيران دون النظر إلى مصالح أمريكا.

هل من خطوط أميركية حمراء؟

محمد بن سلمان هو المحرّك لكثير من هذه المخاطر المتهورة. وقد اجتاز ولي العهد الولايات المتحدة في مشاجراته المحلية مما خلق خطراً كبيراً على المواجهة الاميركية الايرانية المباشرة، التي يمكن ان تقوض الاتفاق النووي مع ايران، في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة تحديا نوويا اكثر خطورة من كوريا الشمالية.

لقد حان الوقت أن ترسم إدارة ترامب بعض الخطوط الحمراء مع الرياض، وهذا ممكن التطبيق. فواشنطن لديها النفوذ والسعوديون لا يزالون يعتمدون اعتمادا كبيرا على الدعم الأميركي العسكري والمخابراتي لأمنهم.

أولاً ـ في اليمن، يجب على واشنطن أن تبلغ السعوديين بأنه إذا لم يقدّموا دعمهم غير المشروط للجهود التي ترعاها الأمم المتحدة للتوسط من أجل التوصل إلى تسوية للنزاع، فإن الولايات المتحدة ستقطع الدعم العسكري والاستخباراتي واللوجيستي الذي تقدمه لهم ولقوات التحالف.

ثانياً ـ مع قطر، يجب على البيت الأبيض ووزارة الخارجية التدخل مباشرة مع السعوديين (والإمارات العربية المتحدة) للضغط على البلدين من أجل التخفيف من المطالب المتطرفة التي قدموها للتو إلى قطر لإنهاء نزاعهم.

ثالثاً ـ مع إيران، وبقدر ما قد تكون مؤلمة، يجب على الرئيس أن يأخذ صفحة من كتاب الرئيس باراك أوباما. وبدلاً من الانخراط في الخطابات التي تصعّد الصراع، يجب على الولايات المتحدة أن توضح للسعوديين، أن دعم أميركا لمؤسستها العسكرية والأمنية ليس غير مشروط، وسوف يتوقف إلى حد ما على الجهود السعودية لجعل علاقتها مع إيران الى مستوى أقل حدّة.

نحن لسنا على يقين من أن البيت الأبيض مستعد للقيام بأي من هذه الأمور. فلسنوات عديدة خلال فترة عملنا الطويلة (نحن الكاتبين للمقالة) في وزارة الخارجية، انتقدنا في مذكرة بعد أخرى الاعتماد السعودي غير الصحي على الولايات المتحدة، لحل مشاكلها الأمنية الخاصة، وفشلها في استخدام سلطتها لمعالجة التهديدات الأمنية الإقليمية. ونعرب عن أسفنا إزاء نفور المملكة المزمن من المخاطرة في صنع السلام العربي الإسرائيلي. والآن بعد أن حصلنا على ما كنا نتمناه، وهي المملكة السعودية الأكثر استقلالاً وحزماً، ربما تستطيع الولايات المتحدة توجيه بعض الاستعدادات السعودية الجديدة للمخاطر بطريقة تفيد السياسة الأمريكية.

ولكن إذا لم نضع بعض القواعد الأساسية والالتزام بها من قبل السعودية، فإن واشنطن سوف تنحبس مرة أخرى في جدول الأعمال الضيق لدى قوّة صغيرة، والتي لا تكون من مصالحنا كاملة. إنها سيئّة بما فيها الكفاية للإستخدام وسوء الاستخدام من قبل خصومنا، وخاصة روسيا وإيران؛ بل وأسوأ من ذلك ، قد تكون مدمرة لنا من قبل ما يسمون بأصدقائنا.

الصفحة السابقة