تحجيم العائلة المالكة

ما يمكن أن يتعلمه إبن سلمان من اليزابيث الثانية

إعداد سعدالدين منصوري

في مقالة مشتركة بين الصحافي جمال خاشقجي الذي يعيش في المنفى الأميركي، والكاتب البريطاني روبرت ليسي (مؤلف كتاب المملكة من الداخل)، نشر في صحيفة (واشنطن بوست) في 2 مارس الجاري حول ما يمكن أن يتعلمه ولي العهد محمد بن سلمان من ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية.

 
العائلة المالكة.. عشرات الألوف من الأمراء يتنازعون على السلطة

ابتداءً، لا يمكن قبول المقالة كما هي لأن الكاتبين أدمنا تدبيج المدائح في العوائل الملكية، فقد كان خاشقجي من زوّار القصور وندماء الأمراء، وكذلك الحال بالنسبة لروبرت ليسي الذي يغرق في الولاء للقصر الملكي في بريطانيا حتى اكتسب صفة الكاتب الملكي. ولذلك، ارتأينا عدم ترجمة مقالتهما بصورة كاملة، وسوف نضطر لأن نكون انتقائيين من باب «لا تبخسوا الناس أشياءهم». وما حذفناه لا يستحق الاهتمام لأنه ينطلق من إيمانهما بالنظام الملكي وبأمراء آل سعود. وننقل هنا مقتطفات من المقالة المشتركة:

هناك حديث عن أن محمد بن سلمان قد يقدم على نزع الصفة الملكية من أفراد العائلة الذين لا يرتبطون مباشرة بالملك عبد العزيز، مثل أولئك الذين ينتسبون إلى فرع سعود الكبير داخل العائلة الملكية. لو صح ذلك فإنه سيمثل أول إعادة هيكلة غير مسبوقة للعائلة الملكية.

رغم ما تعنيه كلمة «الكبير» إلا أن الأفراد الذين ينتمون إلى هذا الفرع هم الأقارب الأدنى مرتبة، إذ ينحدرون من سلالة سعود الكبير، زعيم الفرع الذي يعرف باسم «العرايف» – وهي كلمة بدوية تستخدم لوصف الإبل التي يفقدها أصحابها في الغزو ثم يستعيدونها من بعد. فهذه الإبل، التي يشك في ولائها، كانت قد تحالفت مع خصوم السعوديين العتاة، آل الرشيد، في القرن التاسع عشر الميلادي والذين اسقطوا الدولة السعودية الثانية – والتي كانت فصولها أشبه بفصول رواية شكسبيرية مسطرة بالغدر والخيانة والدماء، والتي لن تجد شيئاً من تفاصيل صراعاتها في مناهج التعليم المدرسية داخل السعودية.

هدف محمد بن سلمان واضح، فهو يريد أن يحد من تمدد العائلة الملكية وأن يحجمها هي وتوابعها لتقليص التنافس والنزاع في أوساطها. فمنذ وفاة الملك عبد العزيز في العام 1953، ورثت المملكة السعودية شراكة أسرية حاكمة، سمحت بنشأة ونمو وتكاثر مراكز النفوذ المستقلة. وهذا بدوره أدّى إلى شهية مفتوحة على الإثراء، وأطلق العنان للطمع الذي زاد من سعاره غياب المساءلة والمحاسبة. فقد احتكر الأمراء ملكية الأراضي والمشاريع التجارية في كل أنحاء المملكة، هذا رغم أنهم كانوا فوق ذلك كله يتلقون مخصصات شهرية ويحصلون على منح سخية.

لم يكن عجباً أن أدى هذا الثراء الملكي إلى توليد مشاعر الغيظ والحنق لدى عامة الناس في البلاد. يذكر في هذا السياق أن واحدة من الأساطير الموهومة عن المملكة أن كافة مواطنيها يرفلون في الثراء. والواقع أن معظمهم ليسوا كذلك. بل إن دخل الفرد في المملكة طبقاً لبيانات البنك الدولي الصادرة في العام 2016 كان أدنى من دخل الفرد في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومعظم دول الخليج الأخرى.. وبالنظر إلى نمط الحياة المترف الذي يعيشه أفراد العائلة السعودية، حيث يملك كثيرون منهم أكثر من قصر، فإن القيمة الإجمالية للفواتير المترتبة على الخدمات المقدمة لهم في هذا القطاعات، تكلفهم الكثير اذ تصل إلى مستويات خيالية.

ولذلك، حينما قام أفراد من عائلة سعود الكبير بالتظاهر، حسبما زُعم، للاحتجاج ضد إجبارهم على دفع فواتير هذه الخدمات المحلية الاعتيادية، أشاد كثير من الناس باعتقالهم. فرغم أنهم ليسوا من ذرية مؤسس البلاد الملك عبد العزيز، إلا أنهم حظوا بالكثير من الامتيازات التي تقدمها لهم الهيئات الحكومية، ومؤسسات القطاع الخاص. أحد أفراد المجموعة التي شاركت في الاحتجاج، فُصل مباشرة من موقعه في الاتحاد الرياضي السعودي، ومن المحتمل أن يقدم شخص آخر من نفس المجموعة إلى المحاكمة بتهمة الخيانة.

وأعظم درس يمكن أن يتعلمه آل سعود من آل ويندسور هو الاستماع إلى الناس، فما يمس الجميع ينبغي أن يوافق عليه الجميع. ولا أدل على ذلك من أن الملكة إليزابيث الثانية عززت من موقعها في عدة مناسبات حينما أحنت رأسها في وجه الانتقادات الشعبية، وبشكل خاص بعد وفاة الأميرة ديانا في العام 1997. اكتسبت إليزابيث لقب «الكبيرة» بسبب تواضعها للناس، وهي تفاخر بأنها تتربع على عرش مجتمع حرية الفكر والتعبير فيه مصانة ومضمونة.

بالتأكيد ليس هكذا هو الحال في المملكة السعودية. فرغم أن إلقاء القبض على الأمراء الأحد عشر بدا خبراً سعيداً.. إلا أن تساؤلاً يفرض نفسه حول ما آلت إليه أوضاع العشرات من المفكرين وعلماء الدين والصحفيين الذين لم يحظوا باهتمام دولي مكافئ، ومازالوا ينتظرون المثول أمام القضاء في المملكة السعودية منذ شهر سبتمبر الماضي، وبعضهم يحتجز منذ ذلك الوقت في حبس انفرادي، بينما تبحث الدولة دون جدوى عن تهمة تلصقها بهم وتحاكمهم عليها.

هؤلاء لم يفعلوا ما فعله الأمراء الأحد عشر، فهم لم يتظاهروا أمام قصر الحاكم، ولم يرفعوا أصواتهم مطالبين باللقاء مع الملك، ولم يقاوموا حينما تدخلت الشرطة محاولة تفريقهم، بل لم يشاركوا في أي اجتماع ولا في أي مظاهرة، وكان احتجاجهم الوحيد متمثلاً فيما لديهم من أفكار لا أكثر.

الصفحة السابقة