(أبو رصاصة).. عميل صغير لترامب أمريكا

إعداد محمد السباعي

في مقالة طويلة نسبياً للكاتب دكستر فيلكينز، نشرت مجلة (ذا نيويوركر) في التاسع من إبريل الجاري بعنوان (سعي أمير سعودي لإعادة صنع الشرق الأوسط) مشبع بالمعلومات والأسرار الخاصة والتي تنشر لأول مرة، ويستحق نشر أغلب أجزائها للاطلاع عليها، لأنها تشكّل بحد ذاتها رواية أخرى مناقضة للرواية التي حاول ابن سلمان تقديمها منذ توليه منصب ولي العهد، والعلاقة الملتبسة بينه وبين ادارة ترامب.

السؤال المفتاحي في مقالة الكاتب هو: من خلال عمله مع البيت الأبيض، هل يقود محمد بن سلمان التطرف، أم يكتفي بالاستيلاء على السلطة؟

في مقدّمة تمهيدية، يوصّف الكاتب ابن سلمان على أنه، شأن حليفه جاريد كوشنر، شاب، طموح، مصمم على تغيير ميزان القوى في المنطقة. قال مسؤول سابق: «إنهم يريدون تقسيمها». بعد أيام قليلة من تنصيب دونالد ترامب، جلس جاريد كوشنر ليقرر كيفية إعادة تشكيل الشرق الأوسط. خلال الحملة، وعد ترامب بتغيير شامل للمنطقة. أخبرني ستيف بانون، كبير معاوني ومرشح ترامب في ذلك الوقت، قائلاً: «كانت خطتنا هي القضاء على خلافة داعش في العراق وسوريا - وليس الاستنزاف والإبادة - والتراجع». إن المبادرة الشرق الأوسطية، كما يقول بانون، كانت واحدة من النقاط القليلة موضع الاتفاق في البيت الأبيض المتعثّر. «كنت، جاريد وأنا، في حالة حرب على عدد من الموضوعات الأخرى، ولكن هذا ليس من بينها».

وقد كان كوشنر، صهر ترامب، مسؤولاً عن السياسة في المنطقة. لم يكن لديه خبرة في الدبلوماسية أو في السياسة الشرق أوسطية. في السادسة والثلاثين من العمر، أمضى حياته العملية في إدارة المشاريع العقارية في نيويورك، ونيوجيرسي، وإدارة نيويورك أوبزرفر، وهي صحيفة شعبية تافهة. لكن أحد مسؤولي وزارة الدفاع السابقين البارزين الذين عملوا مع كوشنر أخبرني أنه كان يعلّم نفسه بنفسه. وقال المسؤول: «انه ليس عالماً في هذه الاشياء. اكتسب معرفته من التحدّث إلى الفاعلين والهزّات السياسية في هذا الجزء من العالم. يمكنك أن تقرأ الكثير من الكتب ولكنك لا تحصل على نوع التعليم الذي تحصل عليه من التحدّث إلى «كيسنجر» و»بترايوس».

في قاعة المؤتمرات في البيت الأبيض، إلتقى كوشنر مع مساعدين من مجلس الأمن القومي. وقال المسؤول السابق في وزارة الدفاع: «لقد أخرجنا الخريطة وقيّمنا الوضع». وبمسح المنطقة، استنتجوا أن الطبقة الشمالية من الشرق الأوسط قد ضاعت أمام إيران. في لبنان، سيطر حزب الله، وهو وكيل إيراني، على الحكومة. في سوريا، ساعدت إيران على إنقاذ الرئيس بشار الأسد من الكارثة العسكرية، وهي الآن تعزّز مستقبله السياسي. في العراق، كانت الحكومة، الموالية لها إسمياً، تحت سيطرة طهران.

قال لي المسؤول: «وضعنا نوعاً ما كل ذلك جانباً. كنا نقول إذن ماذا بعد؟ كانت المراسي لدينا إسرائيل والمملكة السعودية. لا يمكننا أن ننجح في الخليج دون السعودية”. وهذا يعني عكس النهج الذي أيّده باراك أوباما، الذي، خلافاً للرئيسين السابقين، أبقى السعوديين في أقصاه، واعترض على سياساتهم الداخلية القمعية، ومعاملتهم للنساء، وموقفهم العدواني تجاه إيران. في الواقع، كان أوباما يأمل في خلق نوع من التوازن بين الرياض وطهران.

في مارس 2016، أخبر الصحفي جيفري غولدبرغ أن الوضع غير المستقر في الشرق الأوسط «يتطلب منا أن نقول لأصدقائنا، وكذلك للإيرانيين، أنهم بحاجة إلى إيجاد طريقة فعالة لمشاركة فاعلة وإقامة نوع من السلام البارد». لم يرغب ترامب وكوشنر في تحقيق مثل هذا الانفراج. «سوف نفعل كل شيء يمكننا القيام به لتعزيز علاقتنا مع السعوديين»، كما قال لي مسؤول سابق في وزارة الدفاع. وعلاوة على ذلك، كان ذلك يعني تشكيل تحالف جديد مع ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.

ترامب ـ كوشنر: صناعة (وكيل أمريكا)!

إبن سلمان، كان أحد أقوى الأشخاص في المملكة. هو ابن العاهل الحالي، ووزير الدفاع ورئيس اللجنة التي رسمت اقتصاد المملكة، والثاني في خط العرش. في بلد طويل يحكمه ملوك كبار السن، فإن مبس (محمد بن سلمان) كان شاباً وطويلًا وطموحاً وشفّافاً. أراد أن يفطم المملكة من إدمانها غير المستدام للنفط وتنويع اقتصادها. ووعد بإنهاء الترتيبات القائمة منذ زمن طويل للسياسة الداخلية السعودية، حيث اشترت العائلة المالكة وأمراءها العديد من المعارضين، ومن خلال السماح للإسلاميين الراديكاليين بنشر عقيدتهم، وحتى لتنفيذ أعمال إرهابية في الخارج.

لقد لجأ ابن سلمان الى لهجة لا هوادة فيها في السياسة الخارجية، واصفاً رجال الدين الذين يرأسون إيران على أنهم أشبه بالنازيين. كان السؤال بالنسبة للعديد من المحللين في جميع أنحاء العالم هو ما إذا كان هو يمثل إصلاحاً حقيقياً أم أنه يستخدم لغة الإصلاح فقط لتعزيز السلطة.

كما ارتطم كوشنر بتعقيدات السياسة في الشرق الأوسط، فإنه وابن سلمان بدأ التواصل عبر الهاتف والبريد الإلكتروني الى أن «أصبحا قريبين جداً بسرعة كبيرة»، بحسب مسؤول أمريكي سابق.

 
كوشنر ـ ابن سلمان: شراكة سياسية ومالية

قام كوشنر بزيارة الى الرياض، وهي أول ثلاث رحلات من هذا النوع. بقي الرجلان حتى قريب الفجر لمناقشة مستقبل بلديهما. وقد علم عن مشاركة كوشنر في خطة ابن سلمان في معركة الخلافة على العرش، برغم تحذير مسؤولين أميركيين من أنها قد تزعزع استقرار المملكة. ابن نايف كانت لديه أفكاره الخاصة حول كيفية إعادة تشكيل الشرق الأوسط. لكن، أخبرني بانون، أن الرسالة التي أراد هو وكوشنر من ترامب أن ينقلها إلى قادة المنطقة هي أن الوضع الراهن يجب أن يتغيّر، وسيكون من الأفضل ان يكون ذلك في أكثر الأماكن. قال بانون: «ترامب يقول لكم:»سنساندكم، لكننا نريد العمل، والعمل».

لم يبد أحد أكثر رغبة في سماع هذه الرسالة من ولي العهد. قال لي مسؤول سابق في وزارة الدفاع: «كنا بحاجة إلى إيجاد وكيل تغيير». «هذا هو المكان حيث نشأ محمد بن سلمان في الرياض، وعاش في مجمّع قصر مسوّر على مساحة بحجم مدينة، يتقاسم القصر مع إخوته الخمسة وأمه فهده، إحدى زوجات والده الأربع (كان لكل زوجة قصر خاص بها). وبالنسبة لمعظم طفولته، كان والده، سلمان، حاكم الرياض وملك المستقبل المحتمل. بيت العائلة يضم نحو 50 موظفاً، بما في ذلك الخدم، والبستانيين، والخادمات، والطهاة والسائقين. في كل يوم من أيام الأسبوع، كان ينقل الأمير الشاب إلى المدرسة، في أكاديمية مرموقة تسمى مدارس الرياض.

في عطل نهاية الأسبوع، كان الخدم يرافقونه أحياناً هو وزملاءه في الصحراء، حيث ينصبوا خياماً كبيرة ويشعلوا النيران في الهواء. كان حواريوه يتجمّعون حوله ويقرأون قصائد الثناء، واصفين إياه بأنه كريم لرعاية الحفلات الفخمة.

منذ العام 1953، حكمت المملكة السعودية واحدة من آخر الممالك المطلقة على قيد الحياة في العالم، من قبل ستة أشقاء، جميعهم من أبناء الملك عبد العزيز آل سعود. عبد العزيز هو الشخصية المركزية في المملكة السعودية الحديثة، بعد أن وحّد المملكة في العام 1932، بعد سلسلة من الحروب. في الأربعينيات، فتح البلاد لإنتاج النفط على نطاق واسع من قبل الشركات الغربية، وبعد لقاء مع الرئيس فرانكلين روزفلت على مدمرة أمريكية في البحر الأحمر، أقام تحالفاً مع الولايات المتحدة. السعوديون يتكفلون بتأمين النفط للولايات المتحدة في مقابل ضمان أمن السعودية من الأعداء.

عبد العزيز كان أباً غزير الإنتاج - تفاخر «بالزواج بما لا يقل عن مائة وخمس وثلاثين إمرأة»، وأنجب ما لا يقل عن اثنين وأربعين من الأبناء وخمس وخمسين بنتاً. منذ وفاته، في العام 1953، تمّ تحديد الخلافة الملكية على مبدأ الأقدمية في العمر.

في العام 2015، عندما توفي الملك عبد الله، تولّى أخوه سلمان العرش. الآخر، الأخ الأصغر، واسمه مقرن، أصبح ولي العهد. كان مقرن، ابن خليلة يمنية، بعد أن اقترب جيل أبناء عبد العزيز من نهايته، وظهرت توترات حول من سيكون أول عضو في الجيل القادم ليصبح ملكاً. لقد حكم الملوك السعوديون، رغم أنهم يقومون بمهام السلطة، تقليدياً عبرالإجماع بين الأخوة. أبناؤهم، بدورهم، يوضعون في مناصب رئيسة في جميع مؤسسات الحكومة. أي واحد من مئات الأحفاد لعبد العزيز يمكن أن يتطلّع نحو العرش.

(أبو رصاصة).. الصعود السريع!

اكتسب سلمان خلال ثمانية وأربعين عاماً من خلال منصبه كحاكم الرياض سمعة كمدير لا يرحم. قال لي رشيد الخالدي، أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا، «لقد كان نافذاَ في العائلة – وقد أبقى الجميع في الصف، ويحتفظ بملف عن كل فرد منهم». بعد أقل من عام من توليه العرش، أزال أخاه غير الشقيق وولي عهده وأحاله إلى التقاعد، ورقّى ابن أخيه محمد بن نايف ليخلفه، وجعل ابنه، محمد بن سلمان، ولياً لولي العهد.

لسنوات، كان قد شغل محمد بن نايف منصب وزير الداخلية، وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001، كان قد أدار معركة شرسة ضد القاعدة، حيث قامت قواته الأمنية بتعذيب وقتل متمردين مشتبه بهم. في العام 2009، ردّت الجماعة بإرسال مهاجم انتحاري لقتل ابن نايف، الذي أصيب بأذى في يده وألم دائم بسبب جروحه. أنشأ ابن نايف علاقات وثيقة مع المسؤولين الأميركيين. أخبرني أحد كبار مسؤولي مكافحة الإرهاب في إدارة أوباما: «كان الشخص المسؤول عن مكافحة الإرهاب».

بالنسبة للملك سلمان، كان اختيار ابن نايف حاذقاً لسبب: أن له ابنتين، مما يعني أن صعوده سيكون أقل تهديداً للآخرين. اختيار ابن سلمان لمنصب ولي ولي العهد يؤدّي الى ضعف الاستقرار. كان في سن التاسعة والعشرين، وأصغر سناً من العديد من منافسيه، لكن لا يمكن تغافل بكونه الابن المفضل لدى الملك سلمان.

أخبرني جوزيف ويستفال، سفير الولايات المتحدة في المملكة السعودية من عام 2013 إلى عام 2017، أنه كلما قام سلمان بتقديم نجله محمد إلى شخص غريب قال، بزهو واضح، «هذا ابني». يتذكّر ويستفال مشاهدة شريط فيديو مسجّل عندما كان محمد بن سلمان في سن المراهقة، حيث زار سلمان محطة صناعية مع اثنين من أبنائه، فيصل ومحمد. تصّرف فيصل، الذي يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، بشكل سلبي، في حين أن محمد طرح الأسئلة والملاحظات دون خربشة. شاهده سلمان وعلّق: «لقد كان في اجتماعات رئيسية طوال الوقت - لا يتدخل أبداً، فقط يدوّن الملاحظات، ولكنه دائماً ما يعمل». قال ويستفال عن محمد بن سلمان: «رأيت على الفور أن هذا الرجل سيكون أكثر من مجرد مستشار صامت للملك»، وهو يعطي الانطباع بأنه مرتاح مع الأعراف الغربية. في لقاءات مع النساء الأميركيات، يصافح أيديهن وينظر إليهن في العين، وهو ما لا يفعله أي مسؤول سعودي.

 
بانون: قرارنا.. إنهاء الخلافة وليس القضاء على داعش

ذات مرة، خلال اجتماع في منزل وزير الخارجية جون كيري، لفت محمد بن سلمان بيانو كبير انتباهه وراح صوبه وبدأ بعزف سوناتا «ضوء القمر». ولعبته المفضلة الالكترونية هي Call of Duty. لكن لغته الإنجليزية متوقفة، ومن بين إخوانه - لديه تسعة - فهو مرتبط بشكل غير عادي بالمملكة السعودية. فابن سلمان، على عكس إخوانه، الذين تلقى العديد منهم تعليمهم في الغرب وكان أحدهم حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أكسفورد.

استخدم ابن سلمان وضعه لإثراء نفسه. وفي سن المراهقة، وفقاً للأشخاص الذين يعرفونه، زار سلسلة من رجال الأعمال الأثرياء، وطلب منهم وضع المال في صندوق الاستثمار الشخصي. في غضون أسابيع، جمع ثلاثين مليون دولار. «إنه ابن سلمان»، كما أخبرني صديق: «ليس هناك شخص يمكن أن يقول لا».

وفقاً لقصة تروج في الرياض، طلب محمد بن سلمان من مسؤول في السجل العقاري السعودي مساعدته في الحصول على عقار. بعد أن رفض المسؤول، تلقى ظرفاً بداخله رصاصة واحدة. القضية هذه أسبغت على محمد بن سلمان مسمى «أبو رصاصة». «وقال الصديق: «القصة حقيقية». أعتقد أن محمد بن سلمان أدرك أنه ذهب بعيداً في تصرفه إزاء بعض الاشخاص هذه الأيام، ولذلك حاول أن يجري تعديلات على طريقته. متحدث باسم السفارة السعودية نفى هذه القصة، لكنّه امتنع عن التعاون مع مراجعة الحقائق لبقية المقال، واصفاً اياها بأنها مليئة بالشائعات القديمة، وغير الصحيحة».

أخبرني جان ستيوارت، خبير اقتصاديات الطاقة في نيويورك: «إذا كنت الشخص الذي يقود الحافلة السعودية، فإن نصيحتي هي أن أخرجها بأسرع ما يمكن». وقد صرّح مسؤول سابق في وزارة الدفاع بوضوح أكثر: «في غضون خمس إلى سبع سنوات، اذا مضوا في الاتجاهات الحالية، فسوف يسقطون». من المرجّح أن تزداد الضغوط الاقتصادية على الدولة السعودية. ما يقرب من سبعين في المائة من السكان تحت سن الثلاثين. كل عام، تدفع الحكومة ما يصل إلى سبعين ألف شاب للدراسة في الولايات المتحدة. هؤلاء الطلاب يعودون إلى أوطانهم ويريدون وظائف، وغالباً ما يتطلعون للحصول على بعض الحريات التي كانوا يتمتعون بها في الغرب.

لمعالجة هذه المخاوف، وضع ابن سلمان خطة، أسماها رؤية السعودية 2030، لإجراء تحول كبير في الاقتصاد والمجتمع السعودي. وبالعمل مع الاستشاريين من شركة ماكينزي، وضع أهدافاً قابلة للنجاح كي يتم تحقيقها في العقد القادم. يشجّع النظام الجديد روح المبادرة، والاستثمار الأجنبي، وخصخصة الصناعات المملوكة للدولة، بما في ذلك قطاع النفط. وسيتم زيادة القوى العاملة من قبل عدد متزايد من النساء، جنباً إلى جنب مع المنظمات غير الربحية والمتطوعين من ذوي التفكير المدني.

للترويج للخطة، سافر ابن سلمان إلى الصين، وروسيا، والولايات المتحدة، حيث التقى بمجموعة من أرباب التكنولوجيا، بما في ذلك مارك زوكربيرج. في تجمع ضمّ أصحاب رؤوس الأموال البارزين في فندق فيرمونت، في سان فرانسيسكو تحدّث محمد بن سلمان بصراحة عن آفاق مستقبل السعودية. وفقاً لأحد الحضور، قال: «في غضون عشرين عاماً، سوف يصل النفط إلى الصفر، ومن ثم تتولى مصادر الطاقة المتجددة. لديّ عشرون عاماً لإعادة توجيه بلدي وإطلاقه في المستقبل».

سمحت التعيينات لابن سلمان عرض طموحه الذي ليس هناك على ما يبدو ما يحول دونه من قيود. في أبريل 2016، عندما قام الرئيس أوباما بزيارته الأخيرة إلى المملكة السعودية، دخل هو والملك سلمان في مواجهة بعضهما البعض، حيث تجمّع مساعدوهما حولهما. لاحظ مستشارو أوباما أنه في كل مرّة تحدث فيها الرئيس، توقف سلمان، الذي كان في سن الثمانين، قبل أن يجيب، بينما كتب محمد بن سلمان، الذي يجلس على بعد عدة مقاعد على يساره، على جهاز آي باد. عندما انتهى ابن سلمان، قرأ الملك من جهاز iPad الخاص به، ثم ردّ على أوباما. قال لي مسؤول سابق في الأمن القومي: «إن فرص حدوث ذلك من قبيل الصدفة متدنية للغاية». وفي اجتماع آخر، قام أوباما بتوبيخ الملك سلمان لاعتقاله المدونين، وإعدام المتظاهرين الشيعة، مشيراً إلى أن هذه الممارسات جعلت من الصعب عليه أن يدافع عن السعوديين في الولايات المتحدة. وفقاً لعدد من المسؤولين الأمريكيين السابقين، فإن ابن سلمان قام فجأة من كرسيه لينقل استياءه لأوباما. فجأة، وقف وقال: «أنت لا تفهم نظامنا القضائي - يمكننا أن نقدّم لك إحاطة»، قال مسؤول الأمن القومي السابق: «كان الأمر غريباً للغاية».

عندما قام الملك سلمان بتسمية محمد بن نايف ولياً للعهد، تكهّن بعض السعوديين بأن الملك صوّره على أنه نوع من الحراسة، حيث كان يدير الحكومة. قال لي محلل سعودي بارز: «لا أعتقد أن سلمان كان ينوي في أي وقت أن يجعل ابن نايف ملكاً». «أعتقد أنه كان ينتظر اللحظة التي يكون فيها محمد بن سلمان مستعداً. ولكن ابن نايف كان شخصية مشهورة، وبتجاوزه قد أثار التمرد داخل العائلة المالكة. ظاهرياً، عمل ابن نايف وابن سلمان بسلاسة معاً. وقد التزم محمد بن سلمان بعناية بالبروتوكول الملكي، وفي اجتماعات مع قادة أجانب، طلب أحيانًا من ابن نايف الإذن بالحديث.

في العام 2016، سأل جوزيف يستفال ابن سلمان الذي ظنّ أنه سيخلف الملك سلمان. لقد قال: «لدينا ولي للعهد، وتاريخياً يصبح ولي العهد الملك». على السطح، رغم ذلك، ازدادت التوترات، حيث كان محمد بن سلمان يناور لتقليص قوة منافسه. وقد سمحت إدارته للاقتصاد والجيش بمزاولة مهام ابن نايف اليومية، باسم تسهيل عمل الحكومة، وقام بإقصاء مستشاريه وحرم ابن نايف من معظم موظفيه المحترفين.

شراكة ابن زايد وابن سلمان: انقلاب السيسي وحرب اليمن

حصل ابن سلمان على السلطة بمساعدة حليف من خارج المملكة: محمد بن زايد، من الإمارات، وهي غنية وفعّالة ومستبدة. ابن زايد هو طيّار مروحيات عسكرية سابق، له تأثير في جميع أنحاء الشرق الأوسط. قال لي ريتشارد كلارك، مستشار مكافحة الإرهاب للرئيسين جورج بوش الأب والإبن: «إذا جلست لتتحدث إلى ابن زايد، فإنه سيهمس، وسيكون شديد الاحترام ومهذباً للغاية.. عليك حقا أن تحصل على ثقته على مدى سنوات عديدة قبل أن يرفع صوته. ثم سوف يجادل معك». إنه مؤيّد لأمريكا دون خجل في منطقة تعج بالمشاعر المعادية لأمريكا. لقد اشترى ما قيمته مليارات الدولارات من الأسلحة الأمريكية وكثيراً ما تمّت دعوته لتعزيز الصلاحيات الأمريكية.

 
أوباما، الرئيس غير المحبوب سعوديا، وترامبياً!

في العام 2003، كانت الامارات قد تطوّعت لإرسال مجموعة صغيرة من القوات للمساعدة في أفغانستان، وكانت أول دولة عربية تفعل ذلك، وبعد مرور خمسة عشر عاماً، لاتزال القوات هناك. المملكة السعودية والامارات، اللتان تشتركان في الحدود، هما نظامان وراثيان يسيطر عليهما السنّة، وغالباً ما تتماشى مصالحهما. في الشؤون الخارجية، يفضل السعوديون رؤية دولة الإمارات كشريك صغير، ولكن، في كثير من النواحي، يقود محمد بن زايد هذه السياسة.

من البداية، عارض ابن زايد ترقية ابن نايف، جزئياً بسبب نزاع غير قابل للحل بين الرجلين. في برقية دبلوماسية أمريكية تعود الى العام 2003 نشرت من قبل ويكيليكس عن ابن زايد وصفه للأمير نايف بأنه قرد، مشيراً إلى أنه قدّم دليلاً على أن «داروين كان على حق». وقال لي مسؤول أمريكي سابق الذي كان على تواصل مع المنطقة: «لم يكن هناك إمكانية لأي علاقة بين ابن زايد وابن نايف». الأهم من ذلك، أن محمد بن زايد ينظر الى محمد بن سلمان بمثابة نسخة أصغر منه: ذكي، وحيوي، ومتلهّف لمواجهة الأعداء. وكلما جرى إعداد محمد بن سلمان لتولي العرش، كانت دول الخليج تشعر بخطر متزايد.

عندما اندلع الربيع العربي، في العام 2011، أرغم الحكام الدكتاتوريون في تونس ومصر وأماكن أخرى على التنحي. كان القادة في السعودية والإمارات يشعرون بالرعب من أن ملكياتهم ستتبع المصير ذاته قريباً. وأيضاً، أثار ظهور داعش مزيداً من القلق، ودعم كلاهما القتال في سوريا وليبيا. لكن تدخلهما الأكثر حسماً جاء في مصر، أكبر بلد في العالم العربي من حيث عدد السكان، حيث أطيح بالرئيس السابق حسني مبارك عبر ثورة شعبية. في يونيو 2012، سلّم الناخبون المصريون الرئاسة إلى محمد مرسي، من الإخوان المسلمين. بالنسبة للسعوديين والإماراتيين، كان ذلك كابوساً. جماعة الإخوان التي تأسست العام 1928، هي أكبر حركة إسلامية في العالم، مع مئات الملايين من الأتباع. لقد ألهمت الأحزاب السياسية الإسلامية في جميع أنحاء العالم الإسلامي السني، بما في ذلك فروع في الأردن وسوريا والبحرين.

في مصر، قامت الأجهزة الأمنية بقمع الإخوان بوحشية لعقود من الزمن. لكن بعد الربيع العربي برزوا كأكثر القوى السياسية تنظيماً في البلاد: «عندما تم انتخاب مرسي، ذهب السعوديون والإماراتيون إلى أبعد من ذلك»، كما أخبرني دبلوماسي أميركي كبير سابق. وفقاً لعدة مسؤولين أمريكيين سابقين، فإن محمد بن زايد وبندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، تآمرا مع آخرين في حكوماتهم لإزالة مرسي من السلطة. كان جنرالات مصر ينظمون بالفعل ضده.

بندر وابن زايد تواصلا مع وزير الدفاع، الجنرال عبد الفتاح السيسي، ووعدا بتقديم عشرين مليار دولار كمساعدات اقتصادية إذا تمّ خلع مرسي (لم ترد السفارة الإماراتية على طلبات للتعليق). كما بدأا بتمويل حركة مناهضة للحكومة في القاهرة، تمّ تشكيلها حول مجموعة شبابية مستقلة ظاهرياً تدعى تمرد.

مع بدء الانقلاب، استخدم بندر والسيسي ومحمد دحلان لنقل الرسائل والأموال إلى المتعاونين في الجيش المصري. وقال الدبلوماسي السابق إن الدعم الأجنبي كان ذا أهمية حاسمة للانقلاب: «لكي يتحرك السيسي على هذا النحو، كان يحتاج إلى وعد بإنجاحه».

في يوليو 2013، أجبر الجيش المصري مرسي على التنحي عن السلطة. وتمّ تنظيم حملة قمع منسقة ضد أنصار الإخوان المشتبه فيهم، حيث اعتقل ما لا يقل عن أربعين ألف شخص. قال لي الدبلوماسي: «كان الأمر رهيباً، فظيعاً». «ما فعله السعوديون والإماراتيون كان لا يغتفر». اكتسب ابن زايد نفوذاً في المملكة، وبنى علاقة وثيقة مع ابن سلمان. قال لي كلارك: «إنهم يتحدّثون على الهاتف طوال اليوم مع بعضهما البعض». يتقاسمان وجهة نظر جيوسياسية. وقد أشار محمد بن سلمان إلى جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها على أنهم «قوى الشر»، وهو يعتبر، مثل محمد بن زايد، إيران العدو الأكبر لبلاده.

في السنوات الأخيرة، كان المسؤولون السعوديون والإماراتيون يدقون ناقوس الخطر، حيث أن النظام في إيران أسّس وجوداً نافذاً بشكل متزايد في جميع أنحاء المنطقة. أخبرني ثامر السبهان، الوزير السعودي لشؤون الخليج، أن «النازيين والنظام الإيراني متشابهان أيديولوجياً للغاية». وقال إن الإيرانيين كانوا يحشدون «جيشاً إسلامياً جديداً يعتمد على الفوضى والعدوان، إنهم لا يريدون إضعاف المملكة السعودية - إنهم يريدون الاستيلاء على المنطقة بالكامل. إن كابح السرعة الوحيد هو المملكة».

في العام 2009، بدأ أوباما التفاوض مع الإيرانيين للحد من برنامجهم النووي. نظر القادة السعوديون والإماراتيون إلى أي تواصل مع إيران على أنه أمر خطير. يذكر مسؤول أمن قومي أمريكي أنه زار الإمارات في العام 2011 للاجتماع مع محمد بن زايد وأنه تلقّى تعليمات بالانتظار على رصيف على الخليج الفارسي. في النهاية وصل ابن زايد في زورق سريع، وكان يرتدي سروالاً قصيراً، ونعالاً وقبعة. أخبرني ابن زايد حسب المسؤول: «أننا كنا ساذجين بشأن الإيرانيين، وأننا كنا نسلّم المنطقة بأكملها لهم. كان ذلك دائماً ما قاله الإماراتيون والسعوديون - كنا ساذجين. كنا نظن أنهم كانوا متهورين».

بعد تعيين ابن سلمان وزيراً للدفاع، تزايد التوتر مع إدارة أوباما، ولا سيما على خلفية اندلاع صراع آخر مع إيران - في اليمن. اليمن بلد فقير وعلى مدى ثلاثة عقود أنفقت المملكة السعودية ملايين الدولارات سنوياً لدعم زعماء القبائل هناك، من أجل شراء ولائهم.

في مارس 2015، أبلغ السعوديون والإماراتيون البيت الأبيض أنهم كانوا يعدّون لتدخل عسكري في اليمن. قال لنا مسؤول سابق في وزارة الخارجية أن محمد بن سلمان: «أخبرنا أنه يريدنا معهم، لكنهم كانوا في طريقهم». لسنوات، كانت إدارة أوباما تقول للسعوديين إن عليهم أن يحملوا وزناً أكبر في المنطقة. الآن، على ما يبدو رفضت الإدارة أن تنضم مباشرة إلى الحملة، ولكن، بعد وقت قصير من بدء الحرب، طار توني بلينكن، نائب وزير الخارجية، إلى الرياض للاجتماع مع محمد بن سلمان وقال بلينكن: «أخبرني أن هدفه هو القضاء على كل النفوذ الإيراني في اليمن». لقد فوجئ بالقول أن تطهير المتعاطفين مع إيران من البلاد يتطلب حمام دم. «قلت له، يمكنك القيام بالكثير من الأشياء لتقليل أو تقليص النفوذ الإيراني. لكن القضاء عليه؟» بعد ذلك أرسل محمد بن سلمان القوات السعودية إلى اليمن، حيث بدا على نحو صارم. كلما زادت الحرب من مستوى نفوذ ابن سلمان في المملكة السعودية، بدأ الدفع بقوة كيما يصبح ولي العهد.

ابن سلمان وابن زايد يطيحان بإبن نايف
 
محمد بن سلمان كان يوجّه والده بالآي باد حين كان يتحدث مع أوباما

في صيف العام 2015، تمّ إرسال عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، إلى نانتوكيت لرؤية وزير الخارجية كيري، الذي كان يقضي إجازته في منزله هناك. أراد الجبير معرفة ما إذا كان كيري سيدعم ابن سلمان إذا ما أزاح ابن نايف جانباً، وفقاً لمسؤول سابق في إدارة أوباما تم إطلاعه على الاجتماع. «كان ابن سلمان يحاول اللعب مع كيري» حسب المسوؤل. «أردنا أن نكون إلى جانبه»، وقال كيري أن الإدارة لن تنحاز إلى جانب أحد. في نفس الوقت تقريباً، قال لي المسؤول، كان ابن نايف يتواصل مع جون برينان، الذي كان آنذاك رئيس وكالة المخابرات المركزية، لطلب الدعم ضد ابن سلمان في داخل ادارة أوباما، وتزايدت المخاوف من أن الصراع من أجل الخلافة سوف يتحوّل إلى عنف.

وكوزير دفاع كان يسيطر ابن سلمان على الجيش، فيما كان ابن نايف كوزير للداخلية يسيطر على قوات الأمن الداخلي المنتشرة في البلاد. وقال المسؤول السابق في واشنطن: «كان هناك إمكانية أن يخوض الأمراء الحرب مع بعضهم البعض، مع وجود الدبابات في الشوارع». قمت بحملة للمساعدة في تأهيل ابن سلمان كيما يكون الملك السعودي القادم. أخبرني بن رودز، نائب مستشار الأمن القومي لأوباما: «السعوديون والإماراتيون لديهم أكثر حملات الضغط فعالية في واشنطن.. أود أن أقول إنهم مسؤولون أكثر عن صورة أوباما على أنه ضعيف في الشرق الأوسط أكثر من أي شخص آخر. لقد ألقوا بنا في جميع أنحاء المدينة». وصف رودز، يوسف العتيبة، سفير الامارات المتحدة لدى الولايات المتحدة، بأنه نافذ الى حد كبير. يلتقي العتيبة، وهو رجل مهذب ذو رأس حليق، وخزانة ملابس من بدلات مصممة بطريقة لائقة، في كثير من الأحيان مع النخبة المالية والسياسية الأمريكية، التي تصل أحياناً بطائرة خاصة.

العتيبة كان يمجّد ابن سلمان ويطريه أمام مجموعة من المسؤولين السابقين الأقوياء، بما فيهم ديفيد بترايوس، الجنرال السابق الذي يعمل الآن في شركة الاستثمار كوهلبرغ كرافيس روبرتس، وتوم دونيلون، الذي كان مستشاراً للأمن القومي للرئيس أوباما. في مناقشات مع أعضاء إدارة أوباما، وصف موكله بعبارات رسولية.. ونقل أحد كبار المسؤولين السابقين في البيت الأبيض عن ابن سلمان قوله: «سوف أكون ملكاً لمدة خمسين عاماً».

كما يبدو أن العتيبه ساعد في تنظيم سلسلة من المقالات الإفتتاحية التي تروّج لـ «مبس»، والتي أظهر فيها نفوذاً غير عادي على شخصيات بارزة في واشنطن. «أنا أعلم أن لديك شركة علاقات عامة»، كتبت فرانسيس تاونسند، مستشارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش لمكافحة الإرهاب، إلى العتيبة، حيث اقترحت مقالاً مناسباً لابن سلمان، اسمحوا لي أن أعرف ما إذا كان هناك شخص يمكنني العمل معه قد يقدّم مسودة لي للبدء منها».

قال مسؤول أمريكي سابق كان على اتصال بالمنطقة أن عمل العتيبة كان جزءاً من جهد أكبر، واستأجر الإماراتيون جماعات الضغط بالنيابة لصالح ابن سلمان (نفى العتيبة ذلك). وقال المسؤول في إدارة اوباما: «كل شركات العلاقات العامة هذه كانت تروّج لـ» مبس». واضاف: «لقد دفعت أبو ظبي أموالاً في الولايات المتحدة. إبن نايف إنزعج مما شاهده على أنه تدخل أجنبي، وكتب إلى الملك سلمان لتحذيره». (الرسالة أعطيت لي من قبل المسؤول الأمريكي السابق). «لقد واجهنا مؤامرة خطيرة»، حسبما كتب. «تمّ الكشف عن مؤامرة إماراتية للمساعدة في تفاقم الخلافات داخل الديوان الملكي». وأضاف: «ينوي ابن زايد حاليا استخدام علاقته القوية مع رئيس الولايات المتحدة لتحقيق نواياه».

في ديسمبر من العام 2016، طار ابن زايد إلى نيويورك للإجتماع مع الرئيس المنتخب ترامب، وكوشنر، وبانون، ومايكل تي فلين، الذي عُيّن مستشاراً للأمن القومي. من المعتاد بالنسبة للزعماء الأجانب إخطار الحكومة الأمريكية عندما يسافرون إلى الولايات المتحدة، لكن ابن زايد لم يفعل ذلك. ومنذ ذلك الحين، استحوذ الاجتماع على اهتمام روبرت مولر، المحامي الخاص الذي يحقّق في تدخل روسيا في انتخابات عام 2016، والذي ينظر في مزاعم بأن جماعات الضغط الإماراتية قد صرفت ملايين الدولارات إلى مانحين حملة ترامب.

وصل ابن زايد إلى الاجتماع في بنتهاوس الواقع في برج ترامب، مع حاشية من حوالي ثلاثين شخصاً. كان يرتدي أحذية قتالية وجينز، وكان بعض رجاله مسلحين. خلال الساعة الأولى، دخل هو ومساعدو ترامب في مناقشة تقليدية نسبياً حول السياسة في الشرق الأوسط، ولكن النقاش أصبح أكثر حيوية حيث أدرك الجانبان أنهما يشتركان في عدو مشترك هو إيران. وقد تطوَّر الاجتماع إلى جلسة تخطيط حول كيفية مواجهة إدارة ترامب النظام الإيراني في الخليج. وبعد بضعة أسابيع، مباشرة بعد تنصيبه، بدأ كوشنر تلبية دعوة إلى زيارة المملكة السعودية. في خطته، كان سيزور ترامب الرياض لحضور قمة تضم خمسة وخمسين دولة ذات غالبية مسلمة. وقال مسؤول سابق في وزارة الدفاع: «كان جاريد المحرّك لكل هذا». في اجتماع واحد، يمكن أن يستعرض ترامب نفسه للعالم الإسلامي، وإعادة تأسيس علاقة أمريكا مع السعودية، ووضع إيران في الزاوية، والتواصل مع جميع الحاضرين حول ما شعرت به الإدارة إزاء ابن سلمان.

وقال مسؤول سابق في وزارة الدفاع: «المؤسسة بأكملها عارضت ذلك، الدولة، ووزارة الدفاع، ووزارة الخزانة، الجميع تقريباً». كانت هناك مخاوف بشأن تأييد ابن سلمان وتمزيق العلاقة مع ابن نايف. «كان الخوف: لا يمكنك التفاعل مع ابن سلمان. لا يمكنك فعل هذه الأشياء، لأن ذلك سيؤدي إلى إرباك الأمور. قد تظهر المحسوبية. لدينا شريك. دعونا نتمسك بالاستقرار. «في اجتماع، أثار المساعدون تحفظات بشأن القمة. وقال المسؤول: (كنا نذرع الغرفة لمدة ساعة أو نحو ذلك. وقف جاريد وقال: «حسناً - أنا أفهم أن هذا طموح. ولكننا لن نعرف ما إذا كان السعوديون سيقدمون ما لم نختبرهم حقاً).

كانت القمة، في مايو 2017، أول رحلة لترامب للخارج كرئيس. وقد عامله السعوديون كملك، وأنفقوا ما يقدّر بنحو ثمانية وستين مليون دولار على الاحتفالات، بما في ذلك احتفال رقص فيه ترامب ومجموعة من أفراد العائلة المالكة، مع السيوف في الأيدي والعرضه. في الاجتماعات، أخبرني بانون، كان ترامب صريحاً حول الأهداف الأمريكية: «أولاً قال ترامب: عليكم وقف تمويل الإرهاب الإسلامي. وفي تلك القمة، وعد السعوديون والقطريون وآخرون بمكافحة التطرف، واتفق السعوديون على دفع ثمن مركز لمكافحة الإرهاب. أعلنت الولايات المتحدة أنها ستبيع الأسلحة للسعوديين بعدة مئات مليارات الدولارات. وقال مسؤول في البنتاغون في وقت لاحق: عند الانتهاء، ستكون أكبر صفقة سلاح في التاريخ الأمريكي». مثل التعهد بمكافحة الإرهاب، كانت هذه الاتفاقيات غير ملزمة، لكن بانون أكد أن ترامب قد أحدث تغييراً حاسماً في السياسة السعودية.

غزو قطر غاية ابن سلمان وابن زايد
 
ابن زايد أعان ابن سلمان في التخلص من ابن نايف!

أعلن ترامب أن الولايات المتحدة ستنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس الشرقية، وهو أمر لم يحاول أي رئيس أمريكي القيام به منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967. قفز ابن سلمان فوق ابن نايف ليصبح ولي العهد. ودخلت ممالك الخليج، بقيادة المملكة السعودية في مواجهة مفتوحة مع قطر.

الأهم من ذلك، أن قطر هي موقع القاعدة الجوية في العُديد، وهي القاعدة الأمامية الرئيسية للجيش الأمريكي في المنطقة، والتي تضم حوالي 11 ألف جندي عسكري ومئات الطائرات المقاتلة. قام القطريون بتمويل بناء القاعدة والاستمرار في دفع معظم تكاليف التشغيل. وقد أخبرني وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن: «كل هذه الأمور، قمنا بها بناء على طلب من الأمريكيين أو بالتعاون معهم، ومع ذلك، بعد بدء الحصار، قام الرئيس ترامب بالتغريد ضد قطر».

في رحلتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، ذكرت أنه لم يعد من الممكن تمويل الأيديولوجية الراديكالية. أشار القادة إلى قطر - أنظروا! (أشار دبلوماسي أمريكي سابق إلى أن حماسه كان مدفوعاً جزئياً بالجهل: «أنا مقتنع بأن ترامب لم يكن يعلم أن لدينا قاعدة عسكرية في قطر. ليس لديه أي فكرة»..). كان وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس في رحلة إلى أستراليا عندما اندلعت الأزمة، وقد أخذا على حين غرة.

قال لي مسؤول رفيع في وزارة الخارجية: «كان تيلرسون مستاءً للغاية. لم يصدق أن السعوديين والآخرين سيحاولون القيام بشيء من هذا القبيل». بدأ تيلرسون العمل على تخفيف حدة التوتر. دعا ماتيس السعوديين وحثهم على إنهاء الأزمة.

قال لي مسؤول سابق في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون): «ماتيس قال لابن سلمان: إنه ليس وقت الحرب. لم تكن المكالمة الهاتفية على ما يرام». أصبح المسؤولون الأمريكيون قلقين للغاية من احتمال وقوع اشتباك عسكري، حيث أرسلوا طائرة بدون طيار لمراقبة الحدود. في الأيام التي تلت ذلك، فرض السعوديون وحلفاؤهم أوضاعاً يبدو أنها مصممة لتخفيض قطر إلى دولة تابعة من أجل رفع الحصار، وأن تغلق قناة (الجزيرة) وتقطع العلاقات مع إيران، من بين أمور أخرى.

استنتج المسؤولون الأمريكيون أن ابن سلمان وابن زايد كانا يستعدان للإطاحة بحكومة قطر. قال لي الدبلوماسي الأمريكي السابق: «لقد أوضحا، بشكل خاص وعلني، أن نيتهما هي استبدال الأمير». «أعتقد أنهما سيذهبان للغزو». قدّمت قطر هدفاً لا يمكن مقاومته تقريباً: على الرغم من أن عدد سكانها بالكاد يبلغ ثلاثمائة ألف، فإنها تسيطر على واحد من أكبر حقول الغاز الطبيعي في العالم، ولديها صندوق ثروة سيادي تبلغ قيمته نحو ثلاثمائة مليار دولار. وقال الدبلوماسي: «إذا نظرت إليها من منظور مالي، فإن غزو قطر له مغزى كبير».

أرسلت الحكومة التركية، التي لديها قاعدة عسكرية في العاصمة، مفرزة جديدة من الجنود: «نحن نبذل كل ما في وسعنا لجعله مرتاحاً، دون ارتداء الملابس كأطباء ذكور». خلف الكواليس، كانت هناك مؤشرات على أن الخطة قد تمّت الموافقة عليها في قمة الرياض.

مع بدء الحصار، تلقى مسؤول أميركي كبير مكالمة هاتفية قبيل منتصف الليل من يوسف العتيبة، السفير الإماراتي، وأخبره بما كان يحدث. قال لي المسؤول: «كنت غاضباً للغاية». «لقد حاولت أن أتحدث معه عن ذلك». عندما اشتكى المسؤول من أن وزارة الخارجية لم تلق أي إخطار، اقترح العتيبة أنه أعلن بالفعل: «لقد أبلغت البيت الأبيض». أخبرني مسؤول مخابرات أمريكي سابق أنه من غير المتصور أن السعوديين أو الإماراتيين تصرفوا بدون موافقة من الولايات المتحدة. قال لي المسؤول: «أعتقد أنه من المفهوم تماماً أن البيت الأبيض أعطى الضوء الأخضر». (نفى مسؤول كبير في الإدارة ذلك). لم يعرف الدبلوماسيون الأميركيون أي شيء تقريباً حول ما كان يحدث بين البيت الأبيض وممالك الخليج. بعد مرور أكثر من عام على فترة رئاسة ترامب، لم يعيّن بعد سفيراً للسعودية. قال لي الدبلوماسي الأمريكي السابق: «لا أحد يعرف ما حدث في الرياض، لأنه لم يكن هناك دبلوماسيون في الغرفة».

في خطاب بعد عدة أشهر من اندلاع الأزمة مع قطر، قال بانون أمام جمهور أمريكي: «لا أعتقد أنه كان من قبيل الصدفة أنه بعد أسبوعين من تلك القمة، رأينا الحصار». ويعتقد بعض القطريين أن كوشنر أيّد الحصار جزئياً بسبب الإحباط على خلفية صفقة فاشلة مع شركة عقارات عائلته. في أبريل ٢٠١٧، أي قبل شهر من القمة، سافر وزير المالية القطري علي شريف العمادي إلى نيويورك لدراسة الفرص الاستثمارية الجديدة. استأجر هو وحاشيته جناحاً في فندق سانت ريجيس، وأزالوا معظم الأثاث، والتقوا مع مجموعة من رجال الأعمال الأمريكيين الذين كانوا يبحثون عن التمويل.

ووفقًا لأحد المحللين الماليين الذين لديهم معرفة بالإجتماع، كان من بين الطامعين والد كوشنر، تشارلز، وشقيقته نيكول. لقد جاءوا بحثاً عن المال لإنقاذ أملاك عائلة كوشنر في وسط مانهاتن. وقد أكّد شارلز كوشنر أنه طلب اجتماعاً مع القطريين، لكنّه كان شديد الحذر من تضارب المصالح لقبول التمويل. ومع ذلك، قال المحلل المالي إن كوشنر قام بترميم ضخم للممتلكات، والذي شمل جلب متاجر التجزئة وتحويل المكاتب إلى مساكن، واستضاف اجتماع متابعة في اليوم التالي في شارع 666. قال لي: «لقد طلب أقل من مليار دولار». تراجع القطريون مستشهدين بمنطق الأعمال المريب.

وقال المحلل: «كان بإمكانهم شراء المبنى، صدقوني، لديهم المال». لم يظنوا أن الأمر سيؤتي ثماره على الإطلاق. وكان المحلل قلقاً من أن رفض الصفقة كان له تكلفة سياسية. «إليك سؤال لك: إذا أعطوا كوشنر المال، فهل كان هناك حصار؟ لا أعتقد ذلك».

 
ابن نايف.. تخلّت عنه السي آي أيه لصالح الداشر!

ومع اندلاع الصراع، ظلّ كتّاب الرأي والعاملين في وسائل الإتصال الإجتماعي يصرخون ضد قطر. جاء الكثير منهم من مصدر غريب: مجموعة SCL، الشركة الأم لشركة الأبحاث السياسية Cambridge Analytica. (قبل الانتخابات، كان بانون نائب رئيس شركة كامبريدج أناليتيكا، التي تمّ تمويلها من قبل روبرت ميرسر، المستثمر الملياردير والمؤيد لترامب). شركة إس سي ال مملوكة من قبل الحكومة الإماراتية. لم يكن هذا معروفاً في ذلك الوقت، لأن الشركة لم تعلن لحكومة الولايات المتحدة أنها كانت تعمل لصالح الامارات. حتى الشهر التالي، قرّر محللو الاستخبارات الأمريكيين أن القطريين كانوا يقولون الحقيقة: إن التصريحات المتلفزة التي نُسبت إلى الامير تميم قد اختلقها متسللون استأجرتهم الإمارات. قال لي محمد بن عبد الرحمن، وزير الخارجية القطري: «إن القرصنة كانت ذريعة لكي نتعرّض للهجوم». ظهرت مؤشرات أخرى على أن الأزمة كانت متعمّدة.

في الصيف الماضي، تمّ اختراق رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالسفير يوسف العتيبة. وأظهرت المستندات المالية التي وجدت أن المسؤولين الإماراتيين قاموا، من خلال بنك في لوكسمبورغ، بشن حرب مالية تهدف إلى التسبب في انهيار الريال القطري. ولا تزال قطر تحت الحصار من قبل الدول الحليفة في الخليج. لقد ألحق الحصار خسائر فادحة بالاقتصاد، وأجبر القادة القطريين على إيجاد مصادر بديلة للأغذية والسلع الاستهلاكية. لكن القطريين أغنياء بما يكفي لتحملهم الكثير من الصعوبات.

في يونيو، وافقت شركة ماتيس على صفقة لبيع مقاتلات من طراز إف 15 لقطر. في اجتماع لاحق، طمأن تيلرسون المسؤولين الإقليميين بأن قطر «شريك قوي وصديق قديم للولايات المتحدة».

ابن سلمان يسحق الخصوم وينتصر!

في مساء يوم 21 يونيو ٢٠١٧، لاحظ مشاهدو قناة (العربية) الإخبارية الحكومية السعودية مشهداً سريالياً: «ابن سلمان يضع على رأسه شماغاً باللونين الأحمر والأبيض، وتوجّه إلى منافسه ابن نايف، وقبّل يده بطريقة مسرحية، ونزل على ركبتيه يريد تقبيلها. قبل ان يفسّر ابن سلمان ذلك، أعلن ابن نايف إخلاصه لابن عمه: «أبايعك على السمعة والطاعة في المنشط والمكره». وقف، وهزّ يد ابن نايف بشدة، وقدّم تأكيداً خاصاً به: «سنسعى دائماً للحصول على إرشادك». وكان القصد من مقطع الفيلم، الذي يبلغ طوله أربعا وعشرين ثانية، الإعلان عن أن ابن سلمان نجح في ابعاد ابن نايف بسلام، وأصبح ملكاً على المملكة السعودية.

كان نقل السلطة غير ودي. في الليلة السابقة، وفقاً لمصادر سعودية وأمريكية، تمّ استدعاء ابن نايف إلى اجتماع مع الملك سلمان. في القصر، حاصره الحراس، وصادروا هاتفه، وطلبوا منه التنازل عن العرش. رفض ابن نايف في بادىء الأمر. ووفقاً لمسؤول أمريكي سابق الذي كان على اتصال بالمنطقة، أُجبر ابن نايف على الوقوف لعدة ساعات، وتسبب ذلك بألم شديد بسبب جروح طويلة من الهجوم الانتحاري. أخبرني أحد المصادر أن الحرّاس هددوا بإعلان أن ابن نايف مدمن على المسكّنات، وهو ادعاء نفاه المسؤول الأمريكي السابق: «أنا أشك فعلاً في أنه فعل أي شيء من هذا القبيل». ومع اقتراب موعد الفجر، وافق ابن نايف على تسليم منصبه.

قام ابن سلمان بتعيين وزير داخلية جديد يعتقد بأنه مخلص له. كان ابن نايف قيد الاقامة الجبرية في منزله، حيث لم يستطع أحد من الوصول اليه حتى أصدقاؤه الأمريكيون الأقوياء، بما في ذلك جورج تينيت وجون برينان. كان طريق ابن سلمان إلى العرش واضحاً تماماً.

في الأشهر التي تلت ذلك، أعلن ابن سلمان عن برنامج إصلاحي يشمل السماح للنساء بقيادة السيارة. لقد حكمت الدولة السعودية طويلاً من خلال تحالف مع دعاة الوهابية، الذين حصلوا، في مقابل ولائهم، على إذن بنشر مذهب صارم وعتيق. خفّض ابن سلمان التمويل إلى حد كبير لنشر الوهابية في الخارج، والتي يعتقد العديد من الخبراء أنها مسؤولة عن تشجيع الإرهاب والأفكار المعادية للغرب. «كل ما نفعله هو العودة إلى ما كنا عليه - إسلام معتدل منفتح على جميع الأديان ومنفتح على العالم»، كما يقول ابن سلمان.

أدّت هذه التحركات إلى إشادة واسعة النطاق، إن لم يكن بالإجماع، في الغرب. أشاد توماس فريدمان، كاتب عمود الشؤون الخارجية المؤثر في صحيفة «التايمز»، بزيارة ابن سلمان وعاد مقتنعاً بأن إصلاحاته، إذا ما نجحت ، «لن تغيّر فقط طابع المملكة السعودية بل صبغة الإسلام ورسالته في جميع أنحاء العالم». وقد أثار العمود غضب منتقدي السعودية. وقد وصفها الصحفي مهدي حسن «بالإحراج». في حديث معهد بروكينغز بعد بضعة أيام، ردّ فريدمان بفظاظة.. وقال: حسناً، «اللعنة» هي وجهة نظري، O.K؟».

في الأشهر القليلة التالية، فرضت الشرطة السعودية حملة قمعية ضد ما تبقى من الصحافة المستقلة، والمجموعات المؤيدة للإصلاح في البلاد، وتم اعتقال نشطاء حقوق الإنسان، والمؤيدين للديمقراطية، والصحفيين البارزين.

 
زيارة ترامب وكوشنر للرياض حسمت نهاية ابن نايف

حول اعتقال الامراء ورجال الأعمال في الرابع من نوفمبر 2017، تحدّث علي الشهابي، الذي يدير مؤسسة فكرية مؤيدة للسعودية في واشنطن، إلى العديد من المعتقلين في فندق الريتز كارلتون، وقال لي إن الجميع واجهوا البروتوكول نفسه:

أبلغوا بخلع ملابسهم وأُعطوا زياً عسكرياً، وخضعوا لاختبار طبي، وسُئلوا عما إذا كانوا يتناولون أي أدوية محدّدة. ثم تمّ نقلهم إلى غرف حراسة، حيث أزيلت الأبواب، إلى جانب المرايا وأي شيء آخر قد يستخدمونه لإيذاء أنفسهم.

قال لي الشهابي: «كان بإمكانهم مشاهدة التلفزيون وطلب خدمة الغرف». بعد ذلك بدأت الإستجوابات، حيث قدّم الشرطة والمحققون أدلة عن أفعالهم السيئة. وعادة ما يتم التوصل إلى تسوية بخصوص المبلغ المطلوب دفعه - تحت الإكراه - وعندما يدفع المحتجزون ويوقّعون على اتفاق عدم الإفصاح، يكون لهم مطلق الحرية في المغادرة. قال لي أحد الدبلوماسيين الغربيين: «لم يكن هناك أي إجراء من أي نوع، لا محاكم ولا قضاة ولا أوامر قضائية، ولا شيء من ذلك». العديد من السعوديين الأثرياء الذين لم يستهدفوا بحملة القمع، قاموا بتحويل أموالهم خارج البلاد بشكل محموم، بداية لهجرة رأس المال الذي بلغ مجموعه ملايين الدولارات شهرياً.

أملى ابن سلمان التقشف على مواطنيه، ولكنه لم يكن راغباً في كبح جماح نفسه. في العام 2015، بينما كان يقضي إجازة في جنوب فرنسا، اشترى اليخت، سيرين، من قطب الفودكا الروسي، مقابل خمسمائة وخمسين مليون دولار. واشترى قصر شاتو غربي باريس، مع سينما وخندق مع غرفة زجاجية مغمورة. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قيل إنه دفع أربعمائة وخمسين مليون دولار في مزاد «سالفاتور موندي»، لشراء صورة ليوناردو دافنشي عن يسوع المسيح. ونفى متحدّث باسم العائلة المالكة هذه التقارير قائلاً: إن أحد أقارب ابن سلمان اشترى اللوحة، التي كان من المفترض أن تعلّق في متحف اللوفر أبو ظبي الذي افتتح حديثاً.

في وسائل الإعلام السعودية والغربية، وصف ابن سلمان الاعتقالات بأنها حملة ضد الفساد، والتي يزعم أنها استعادت أكثر من مائة مليار دولار للدولة.. توفي أحد السعوديين البارزين على الأقل، في ظروف غامضة. ووفقاً لأحد السعوديين على علم بالأحداث، توفي علي القحطاني، وهو جنرال متقاعد في الجيش، بسبب نوبة قلبية بعد تعرضه لمعاملة قاسية أثناء استجوابه في فندق الريتز.. كما أخبر أحد المحتجزين السعوديين أن عمرو الدباغ، وهو مسؤول كبير سابق في هيئة الاستثمار، تعرض لصدمات كهربائية في الفندق. وأفاد بعض الذين كانوا داخل فندق ريتز كارلتون: أن السجّانين يتحدثون الإنجليزية إلى بعضهم البعض، مما أثار احتمال أن ابن سلمان قام بتجنيد أجانب لمساعدته.

العديد ممن تم اعتقالهم من أقارب ملوك سابقين - شبّان اعتبروا أنفسهم ورثة محتملين للعرش، أو على الأقل لبعض أجزاء من السلطة في المملكة.

في أواخر أكتوبر ٢٠١٧، قام كوشنر بزيارة غير معلنة لابن سلمان، وهي الرحلة الثالثة إلى المملكة منذ الانتخابات. على الرغم من أنه كان من المفترض تركيز كوشنر على خطة السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين، فقد قرّر أن الهدف الأكثر إلحاحاً هو توحيد المنطقة ضد إيران. بعد أن غادر كوشنر، عقد ابن سلمان لقاء مع محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، لمناقشة آفاق السلام في الشرق الأوسط.

وفقا لمسؤول سابق في إدارة أوباما، قدّم السعوديون خطة كانت مواتية بشكل جذري لإسرائيل. وسوف يعترف بمطالب إسرائيل بالقدس، ويصادق على جميع مستوطناتها تقريباً في الضفة الغربية، مما يمنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً محدوداً في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

 
ابن سلمان.. صفقة العصر الإسرائيلي

قال لي مسؤول فلسطيني كبير إن القادة العرب يمارسون ضغوطاً مكثفة على عباس، على ما يبدو في تعاون مع إدارة ترامب: «الفكرة كلها هي تسوية قضية القدس، وبالتالي يمكن للبيت الأبيض بناء جبهة موحدة ضد إيران». قال: «إذا كانت القدس على الطاولة، لن نفعل ذلك أبداً».

في الوقت نفسه تقريباً، استدعى ابن سلمان سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني، إلى الرياض. كان الحريري مواطناً سعودياً، وكانت شركته للبناء، سعودي أوجيه، غارقة في الديون، وقد نفذت مشاريع بملايين الدولارات لصالح الدولة السعودية. وقد تدهورت علاقة ابن سلمان مع الحريري بسبب حرب الوكالة المستمرة مع إيران. منذ تدخل السعوديين والإماراتيين في اليمن، قبل ما يقرب من ثلاث سنوات، سارت الأمور بشكل آخر.

في العام 2016، بعد عام من تولي ابن سلمان منصب وزير الدفاع، ألغى ثلاثة مليارات دولار من المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، وخلص إلى أنها كانت مضيعة للمال. «كان يشعر وكأن كل دولار أرسله إلى لبنان كان يدعم حزب الله»، بحسب مسؤول الأمريكي سابق. كان السعوديون يأملون أن يتمكن الحريري من مواجهة حزب الله.

شغل الحريري منصب رئيس الوزراء في الفترة من 2009 إلى 2011، عندما هرب إلى باريس، بسبب الخوف من أن حزب الله يخطط لقتله. (كانت مخاوفه لا أساس لها من الصحة). وفي العام 2016، بعد عامين من الجمود البرلماني، الذي تعمل فيه البلاد بدون رئيس دولة، عاد وتسلّم منصبه. لكن الحريري لم يكن قادرا على إضعاف حزب الله، حتى مع دفع ابن سلمان له لاتخاذ موقف أكثر صرامة. وجاءت نقطة الانهيار في أوائل نوفمبر.

وفيما استمر اطلاق الصواريخ على الحدود، توجّه علي ولايتي، وهو مسؤول إيراني بارز، إلى لبنان والتقى الحريري. ووفقاً لمسؤول أمريكي سابق، قال ولايتي إن إيران تنوي الاستمرار في التأكيد على دورها في المنطقة. بعد ذلك، تقدّم الحريري مبتسماً لالتقاط صورة معه. عندما وصلت الصورة كان ابن سلمان غاضباً. وقال المسؤول: «شعر وكأنه كان عليه أن يفعل شيئًا». وعندما استدعي الحريري للقاء ابن سلمان توقّع استقبالاً حاراً من العائلة المالكة. وبحسب أحد مساعدي الحريري «كان سعد يعتقد بأن كل مشاكله سوف تحل مع ابن سلمان. بدلاً من ذلك، استقبلته الشرطة في الرياض وقامت باحتجازه». ووفقاً لمسؤولين أمريكيين سابقين نشطين في المنطقة، فقد احتُجز لمدة 11 ساعة. قال لي أحد المسؤولين: «وضعه السعوديون على كرسي، وصفعوه مراراً وتكراراً». (نفى المتحدث باسم الحريري هذا).

وفي النهاية، وكما ظهر في شريط فيديو زعم الحريري في خطاب الاستقالة بأنه فرّ من مؤامرة إيرانية. أعلن الحريري، الذي يتحدث عادة بهدوء، «أن أيدي إيران في المنطقة ستقطع»، وهو تصريح أقنع العديد من اللبنانيين أن الخطاب كتبه شخص آخر.

أخبرني مسؤول أمريكي كبير في الشرق الأوسط، أن المؤامرة هي «أغبى شيء رأيته في حياتي». لكن كانت هناك مؤشرات على أن ابن سلمان تداول الأمر بخصوص تحركاته مع إدارة ترامب، ربما في قمة الرياض. أخبرني مسؤول استخباراتي سابق رفيع المستوى قريب من البيت الأبيض أن ابن سلمان حصل على «الضوء الأخضر» لإزالة الحريري. (نفى مسؤول كبير في الإدارة ذلك). قال لي مسؤول الاستخبارات: «إنه أمر مدمّر». «الوضع الراهن في الشرق الأوسط ليس كما يجب. لقد أراد المسؤولون الغربيون أن يفسدوا الأمر.

أصدر تيلرسون بياناً قال فيه: «إن الولايات المتحدة تدعم استقرار لبنان وتعارض أي عمل يمكن أن يهدد ذلك الاستقرار». وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرياض والتقى ابن سلمان وضغط عليه لإعادة الحريري. وفقا لدبلوماسي غربي افتتح ابن سلمان الحديث بالتهديد بقطع التجارة مع فرنسا ما لم يتوقف ماكرون عن التعامل مع إيران. أجاب ماكرون برفق بأن بلداً مثل فرنسا كان حراً في التجارة مع من يشاء.

قال لي الدبلوماسي: «تراجعت الخطة في نهاية المطاف عندما احتجّت معظم المؤسسات السياسية اللبنانية على احتجاز الحريري». بعد أسبوعين من وصوله، كان الحريري على متن طائرة، وكان أول من التقى بمسؤولين في باريس والقاهرة، ثم إلى بيروت، حيث تنعّم بالتعاطف. قال لي أحد كبار قادة حزب الله: «إن البلد كله موحّد حوله». وبعد عدة أيام من عودته، ذهبت لرؤية الحريري في بيروت. يعيش في بيت الوسط، داخل مجمع عالي الجدران من الفيلات مع إطلالة على البحر الأبيض المتوسط.

 
لم تعجبه هذه الصورة، فقرر اعتقال الحريري!

على الرغم من الأجواء المحيطة، إلا أنه بدا أقل من بطل منهك عائد من السجن: قال «لا أريد أن أتحدث عما حدث للتو»، وقد كان مستلق خلف مكتبه. «ابن سلمان كان على حق، O.K؟ ما يحاول القيام به هو الصحيح».

في مارس الماضي ٢٠١٨، بدأ ابن سلمان جولة لمدة أسبوعين في الولايات المتحدة، سافر خلالها إلى نيويورك، وبوسطن، وهيوستن، ولوس أنجلس، بحثاً عن الاستثمارات ومحاولة بناء النوايا الحسنة.

بدأت القصص الإخبارية بالانتشار حول علاقة ابن سلمان بالبيت الأبيض، بما في ذلك قصة قال فيها إن جاريد كوشنر «في جيبه». ومع ذلك، في اجتماع في البيت الأبيض، استقبله ترامب وكوشنر بحرارة. «المملكة السعودية هي أمة غنية جداً»، وقال ترامب بعد ذلك، في حديقة الورود: «وهم سيعطون الولايات المتحدة بعض هذه الثروة في شكل وظائف، وفي هيئة شراء أجود المعدات العسكرية في أي مكان في العالم». في ذلك اليوم نفسه، منع مجلس الشيوخ قراراً للحد من تورط الولايات المتحدة في الحرب في اليمن.

عن رؤيته للنظام السياسي، إن النموذج الذي يبدو أنه يتوافق بشكل أفضل مع رؤيته هو الصين، مع اقتصادها الديناميكي، والسكان المتعلّمين، والحكم الاستبدادي. يقول الخبراء في النظام السعودي، بمن فيهم أولئك الذين يعجبون بابن سلمان، إن جهوده يتم تنفيذها بهدف واحد هو الحفاظ على حكم آل سعود.

اقترب من نهاية عامه الأول كولي للعهد، بدا وضعه آمنًا. كان قد أزال أو أسكت تقريباً كل المعارضة المحتملة لحكمه. حلّ محل الجنرالات المكلّفين بالحرب في اليمن، ومضى قدماً في خططه لخصخصة صناعة النفط في المملكة السعودية. وفي الوقت نفسه، أثارت موجات الاعتقالات جوّاً من الخوف، حيث وصفت حتى الانتقادات البناءة للحكومة بأنها غير مخلصة.. ويبدو أن تطهيرها من المنافسين، خلق ما يصل إلى عبادة شخصية، مصممة لوضع عبء الحكم كله على ابن سلمان وترك مؤسسات البلد غير قابلة للإصلاح. وبدا أن مبادراته السريعة للتحديث ومكافحة الفساد، بغض النظر عن دوافعه، ستلهم جحافل من الأعداء.

ومع ذلك، يشعر مؤيدوه في كل من واشنطن والرياض أنه مهما كانت أخطاؤه، فإن البديل سيكون أسوأ. في البيت الأبيض، تضاءلت سلطة كوشنر، حيث تمّ إلغاء تصريحه الأمني وسط سلسلة من الفضائح. لكن تعيينات مايك بومبيو كوزير للخارجية وجون بولتون كمستشار للأمن القومي ينبئ بعهد أكثر تشدّداً، حيث ستكون هناك قيود قليلة على الطموحات الإقليمية لابن سلمان.

مسؤول أمريكي سابق يصف ابن سلمان بأنه مزيج من الرؤية، والغطرسة، والغرور، وكلها فاعلة الآن. ما يزعجني بخصوص ابن سلمان أنه يتعلّم من نجاحاته، وليس إخفاقاته. هذا هو الخطر.

الصفحة السابقة