الغلاف الذي خدع المطبّلين

إبن سلمان يجعل «السعودية» عظيمة!

إعداد: يحي مفتي

وقع المدّاحون الحمقى في المطب، بعد أن خدعهم عنوان مجلة (نيوزويك) حين استخدم شعار ترمب "Make America Great Again"، حيث استبدلته بعنوان تهكمي "Make Arabia Great Again"، فسارع المطبّلون الى تلقّف العنوان، وإعادة تعميمه، اعتقاداً منهم بأن المجلة باتت جزءاً من الماكينة التطبيلية لابن سلمان.

 
نيوزويك ـ غلافها فضح جهالة مروجيها

من أوائل من وقع في مصيدة المقال، كان الأمير منصور بن سعد آل سعود، الحاصل على ماجستير إدارة من بريطانيا، وقد أعاد نشر المقالة بزهو، ولكنه اكتشف لاحقاً أنها مليئة بالنقد والسخرية لابن سلمان، فقرر حذف تغريدته.

سلمان الأنصاري، رئيس اللوبي السعودي في واشنطن، وقبل أن يقرأ المقال نشره على الفور، ولحقه موقع «موجز الأخبار» وهو موقع تطبيلي آخر فانهال عليه المغرّدون سخرية واستهزاء به، فكتب أحدهم:

«ياثور! الظاهر إنك ما تعرف تقرأ انجليزي»، وكتب آخر: «ألعن أبو الحمار اللي وظّفك، يا ثور: تعرف وش اللي مكتوب بالمقال؟، كله سبّ وتسفيه بمعزبك يالخبل، الله لا يرفع عنك ويبليك بزود»، وعلّق ثالث: «ياغبي! اقرأ المقال اللي فيه شتم قبل ما تروّج له». وكتب رابع:» ياثور ياثور! انت من حاطّك تغرد؟ تراك جايب العيد في الدب الداشر.. ترى التعليم زين. تعلّم أو حط لك مترجم ينفعك، بدال ما تفضح نفسك.. مشكله لما الذباب يكون جاهل».

ومن حيث لا يعلم المطبلون، أضافوا أهمية على المقالة وحرّكوا فضول كثيرين للتعرّف على محتوياتها.

من بين موضوعات الغلاف، مقالة لجوناثان برودر، حيث ينطلق في مقالته المنشورة في مجلة «نيوزويك» في 30 أغسطس الماضي، من سؤال جوهري: لماذا يحتاج دونالد ترامب ومحمد بن سلمان إلى بعضهما البعض، حتى في ظل توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية؟ ثم ينتقل الى الاضاءة على توتّر العلاقات السعودية الكندية.

يقول الكاتب بأن من النادر أن تخوض أوتاوا مشاجرة دولية. القضية: احتجاز السعودية لعدة ناشطات بارزات في مجال حقوق المرأة. وكانت وزارة الخارجية الكندية قد نشرت تغريدة على حسابها في تويتر تحث على الإفراج عن الناشطات وعلى الفور، وقد تلقفّتها الرياض على نحو سيء، حيث اتهمت الأخيرة كندا «بالتدخل الصارخ في الشؤون الداخلية للمملكة». تفاصيل الاجراءات السعودية كما يذكرها الكاتب، باتت معروفة وليس من داع لإعادة ذكرها، ولكنه يلفت الى أن رد الفعل العنيف هذا يحمل جميع بصمات ولي العهد محمد بن سلمان. وعلى الرغم من أن التجارة بين كندا والمملكة ضئيلة، يقول الخبراء أن رسالة الأمير كانت واضحة وموجهّة إلى جمهور أكبر بكثير: «إذا انتقدتَ المملكة السعودية، فسيكون هنالك ثمن يجب دفعه»، كما يقول بروس ريدل، محلل الشرق الأوسط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية.

 
مقالة جوناثان برودر

تلقت إدارة ترامب الرسالة السعودية. ورغم أن كندا واحدة من أقرب حلفاء وأصدقاء أمريكا، إلا أنها وجدت نفسها في البرد دون غطاء من الأصدقاء. فقد امتنعت وزارة الخارجية الأميركية عن دعم كندا او الخوض في الموضوع، ونصحت الجانبين بالعمل على حل المشكلة بنفسيهما. وقالت المتحدّثة باسم الخارجية الأميركية هيذر نوايرت خلال مؤتمر صحفي: «لا يمكننا أن نفعل ذلك من أجلهم». وأظهرت هذه الحلقة الأسلوب العضلي الذي جلبه ولي العهد محمد إلى القيادة السعودية. لقد ولّت الأيام التي كانت تدير فيها المملكة السعودية سياستها الخارجية إلى حد كبير من وراء الكواليس، متجنبة المواجهة المباشرة مع خصومها، وكانت تعتمد على تسليط قوتها بهدوء من خلال تمويل السياسيين والتابعين ووسائل الإعلام العربية والمسلمين الموالين لها. الآن، يستخدم ابن سلمان ثروة المملكة الطائلة لمعاقبة منتقديه وأعدائه، سواء في دبلوماسيته العارية أو في ساحة المعركة في اليمن. يقول النقّاد أن هذه الحادثة كشفت أيضاً عن استعداد الرئيس دونالد ترامب للتخلي عما أُسمي بـ «القيادة الأخلاقية» الأمريكية في الدفاع عن حقوق الإنسان - على الرغم من أن هذا الموضوع تخلت عنه الولايات المتحدة منذ فترة طويلة.

في عالم كانت فيه الدول الاستبدادية الوحشية وقادتها الفاسدون يُحاسبون أمام المحاكم الدولية أو لجان كشف الحقيقة، كانت المملكة السعودية دائماً الاستثناء. منذ اكتشاف احتياطياتها النفطية الهائلة في العام 1938، أجبرت القوة الفريدة للمملكة على تثبيت أو تخريب الاقتصاد العالمي أو الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وحتى الأمم المتحدة، ليس فقط في رد فعل على انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل، ولكن من خلال الدعم المالي للجماعات الإسلامية المتشددة مثل طالبان وجبهة النصرة، فرع شبكة القاعدة في سوريا.

 
مقالة الغلاف للدكتورة مضاوي الرشيد

ويضيف الكاتب، أن ثمة فوائد استراتيجية قيّمة تقدّمها المملكة السعودية للولايات المتحدة، بما في ذلك تعاونها الاستخباراتي في مكافحة الإرهاب، وحقوق تحليق الطائرات العسكرية الأمريكية في منطقة مهمة من العالم، والسوق المربحة التي توفرها للمعدّات العسكرية الأمريكية. ولذلك تمّ استثناء المملكة من سياسة العقوبات الأمريكية. يضع الدبلوماسيون السابقون هذه في الحسبان، ويقولون إن رفض الإدارة الأميركية دعم كندا في أزمتها مع المملكة السعودية أمر منطقي. وبحسب تشاس فريمان سفير أميركي سابق في الرياض «لم تكن حقوق الإنسان والقيم أبداً الاسمنت في هذه العلاقة. منذ البداية، كانت العلاقة مدفوعة دائماً بالمصالح الوطنية، سواء كانت مصالحنا أو مصالحهم.”

فقد تمّ تأسيس هذه المصالح في يوم عيد الحب في العام 1945، عندما التقى الرئيس فرانكلين دي روزفلت.. الأب المؤسس للمملكة السعودية، الملك عبد العزيز بن سعود، على متن سفينة تابعة للبحرية الأمريكية راسية في قناة السويس. في اتفاق تاريخي وضع الأساس للعلاقات الأمريكية السعودية. وافق الملك على ضمان وصول أمدادات النفط السعودي الى الولايات المتحدة بأسعار تفضيلية معقولة. وفي المقابل، تعهّد روزفلت بأن الولايات المتحدة ستحمي السعودية عسكرياً ضد الأعداء الخارجيين. ومنذ ذلك الحين، واجه هذا الإتفاق ـ بنجاح ـ إختبارات ستة حروب إسرائيلية عربية، كانت واشنطن والرياض تقفان فيها على جانبين متعارضين، بالإضافة إلى الحظر النفطي العربي لعام 1973.

ويعود جوناثان برودر ليذكر بأحداث سبتمبر ٢٠٠١، فيقول بأن صفقة النفط مقابل الأمن نجت من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، والتي كان معظم الخاطفين فيها مواطنين سعوديين، كما نجت من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 - وهو نزاع توقع السعوديون أنه خطأ استراتيجي لا يؤدي إلا إلى تقوية إيران، و شحذ قدراتها التنافسية الخاصة.

لقد نجت السعودية من اختبار حاسم آخر عندما قام الرئيس جورج بوش الأب بتطبيق تعهد روزفلت وحمى المملكة من القوات العراقية في حرب الخليج العام 1991. وكان اجتماع 1945 أيضا بداية لحماية الولايات المتحدة للنظام الملكي الشمولي في السعودية وممارساتها الاجتماعية والدينية، وبعضها، مثل قطع الرؤوس، بما يشتمل على انتهاك للمعايير الغربية للديمقراطية.

 
سليمان الأنصاري، رئيس لوبي السعودية في أمريكا روج لنيوزويك ظنا منه ان محتواه دعائي سعودي كما يحدث عادة

منذ ذلك الحين، كما يقول المؤرّخون، أحجمت كل إدارة أمريكية عن التعليق علناً ​​على أداء المملكة في مجال حقوق الإنسان، مفضّلة عند الضرورة معالجة القضية خلف الأبواب المغلقة. في مناسبتين فقط في العلاقة الـ 73 سنة، أقنع الرؤساء الأمريكيون الملوك السعوديين بتحسين الأوضاع، كما يقول ريدل، وهو الآن خبير في الشرق الأوسط في معهد بروكينغز ومؤلف كتاب «الملوك والرؤساء»: المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة منذ روزفلت.

كانت المناسبة الأولى في العام 1962، عندما أقنع الرئيس جون كينيدي ولي العهد الأمير فيصل بإنهاء ممارسة العبودية. والثانية كانت في العام 2015، عندما أقنع الرئيس باراك أوباما الملك سلمان بتأجيل عقوبة ثانية علنية ضد المعتقل رائف بدوي. وكان بدوي، المحكوم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات وألف جلدة بسبب ما أسماه محكمة «إهانة الإسلام» على مدونته، قد تلقّى بالفعل أول 50 جلدة.

ومعلوم أن جيمي كارتر، كان أول رئيس جعل حقوق الإنسان أولوية قصوى في سياسته الخارجية. وفي العام 1977، بدأت وزارة الخارجية بإصدار تقارير قُطرِيّة سنوّية. لكن رايدل يقول إنه لم يثر أي من الرئيس كارتر، أو أي رئيس منذ ذلك الوقت، النتائج التي توصلت إليها تقارير حول أوضاع حقوق الانسان في السعودية مع أي ملك. يشير التقرير الأخير لوزارة الخارجية الامريكية إلى الاعتقالات التعسفية واحتجاز المحامين ونشطاء حقوق الإنسان، والمعارضين السياسيين. وهناك مزاعم ذات مصداقية بشأن التعذيب، وعمليات الإعدام تتم دون مراعاة الأصول القانونية، واستمرار للقيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع السلمي والدين.. وبموجب الشريعة الصارمة في المملكة، يتم قطع الرؤوس بشكل علني، وفي بعض الحالات، يتم ذلك كتحذير للجمهور.

وقد وقعت في عهد ترامب أكثر من حادثة انتهاك لحقوق الانسان، ولكن لم يصدر أي تعليق علناً. وصوله إلى الرياض في مايو 2017 – كأول رحلة رئاسية له الى الخارج – جعل منه أول زعيم أمريكي يعلن علانية أن حقوق الإنسان خارج جدول أعماله الدبلوماسي. قال ترامب لمضيفيه السعوديين: «لسنا هنا لإلقاء محاضرة». «نحن لسنا هنا لنخبر الآخرين كيف نعيش، ماذا نفعل، من نكون أو كيف نتعبّد».

وبحسب ريدل: «كل رئيس أمريكي، منذ روزفلت، وضع النفط والشؤون الاستراتيجية قبل حقوق الإنسان عند التعامل مع الملوك السعوديين في سياق الخوف من تعطّل العلاقات الثنائية. لكن ترامب اتخذ هذا الإلغاء للمساءلة إلى مستوى جديد من الإهمال». لقد أقام آل سعود وآل ترامب علاقات وثيقة على مدى السنوات الثلاث الماضية، وبدأ محمد بن سلمان وترامب صداقة شخصية. وتطوّر هذا الأمر خلال حملة ترامب الرئاسية وتوسع منذ انتخابات عام 2016، بناء على رفض متبادل لاتفاق أوباما النووي مع إيران ورؤيته للشرق الأوسط، والذي شجع السعودية على «مشاركة» المنطقة مع إيران. وقال منافس إيران الرئيسي، أي محمد بن سلمان، إنه ليس لديه نيّة لإرضاء طموحات إيران، بعد شهرين من تعيينه وزيراً للدفاع في يناير 2015، وقاد تحالفاً عسكرياً عربياً ضد المتمرّدين المدعومين من إيران في اليمن، وهي حملة دعمها أوباما على مضض مع الولايات المتحدة.

 
روزفلت وابن سعود.. تأسيس شراكة النفط السعودية، والحماية الأمريكية

حافظ ترمب على دور واشنطن وراء الكواليس في النزاع. وقد أشاد الغرب في الغالب بحركات ولي العهد الأولى، وقد اعتبره البعض ثورياً: لفطم السعودية من اعتمادها على النفط، وتنويع اقتصادها من خلال فتح المملكة للاستثمار الأجنبي، وإقامة إصلاحات اجتماعية.

لكن دعم ترامب ذهب أبعد من أي زعيم غربي آخر. على عكس نقاد ابن سلمان، فإنه لم يدن حملات ولي العهد الوحشيّة ضد المنافسين في الداخل والخارج. بالإضافة إلى حملته العسكرية المأزومة في اليمن، أقام ابن سلمان تحالفاً لمقاطعة قطر المجاورة بهدف معاقبتها على علاقاتها الوثيقة المزعومة مع طهران والإرهابيين. كما أجبر لفترة وجيزة رئيس الوزراء السني في لبنان على الاستقالة في العام الماضي، إحتجاجاً على حزب الله المدعوم من إيران والحزب السياسي الذي يحافظ على توازن القوى في البرلمان اللبناني. وقد التزم ترامب الصمت أيضاً بشأن مكافحة الفساد خارج القضاء. حيث قام باحتجاز مئات رجال الأعمال السعوديون الأثرياء، بما في ذلك اثني عشر من الأمراء البارزين، في فندق ريتز كارلتون الفاخر في الرياض حتى قاموا بتسليم 100 مليار دولار.. ووفقاً لثلاثة مصادر استخبارية، تمّ تعذيب بعضهم لارغامهم على الامتثال لمطالبه. ومنذ سبتمبر 2017، قام بسجن حوالي 2000 سجين سياسي فيما يقول المحللون إنها محاولة لسحق كل معارضة لحكمه.

ولكن على الرغم من العلاقة الودية بين عائلات ترامب وآل سعود، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية، بدأت في التآكل بحسب الخبراء. ويعزون هذا الانهيار إلى فك الارتباط الأمريكي عن الشرق الأوسط الكبير، والذي بدأ في عهد أوباما. وتحركات ولي العهد لصياغة دور أكثر حزماً للمملكة السعودية في المنطقة: «على مدى السنوات العشر الماضية، هناك جدل يجري في هذا البلد، أن الولايات المتحدة لا ترغب في المزيد من الانخراط في شؤون (الشرق الأوسط)، إذ لا يزال هناك تداعيات لحربي العراق وأفغانستان»، بحسب يوسف العتيبة، سفير الإمارات لدى واشنطن، في منتدى أسبن للأمن في كولورادو في يوليو الماضي. ويضيف: «نظر إليّ أحد كبار الضباط (الأمريكيين) ذات مرّة وقال لي إنه لا يوجد اتفاق في الولايات المتحدة، لأننا نفعل المزيد في الشرق الأوسط. عندما نسمع ذلك، فهذا يعني أننا بحاجة إلى القيام بأشياء بمفردنا». ولكن بعض هذه الأشياء تضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة.

 
ترامب.. دعم غير مسبوق لوحشية ابن سلمان

على صعيد آخر، يواصل الكاتب جوناثان برودر، واجهت الغارات الجوية السعودية التي تقتل المدنيين والأطفال بشكل روتيني في اليمن إدانات عالمية، وتشمل الآن منتقدين يتّهمون الولايات المتحدة بالتواطؤ، وذلك بفعل الأسلحة، وإعادة التزوّد بالوقود الذي توفره أمريكا للتحالف الذي تقوده السعودية. يضاف الى ذلك، هناك الحصار السعودي لقطر، موطن أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط، يحظى بدعم كبير من الادارة الأميركية كما قال السفير السابق فريمان.

في مجال الطاقة، لطالما وافق السعوديون على زيادة إنتاج النفط بناء على طلب الولايات المتحدة إذا ارتفعت أسعار البنزين في الغرب بشكل كبير. في يونيو الماضي، وعندما فكّر ترامب في العقوبات التي ستأخذ الكثير من النفط الإيراني من السوق، وافق إبن سلمان على طلب الرئيس وعزّز الإنتاج بمقدار نصف مليون برميل يومياً. لكنه لم يرفع الإنتاج أكثر منذ هذه الزيادة، وقد شكّل ذلك ضربة لترامب، الذي يعتمد على المزيد من النفط السعودي لمنع أسعار الغاز من الارتفاع. ثم هناك انهيار تفاهم طويل المدى، بأن واشنطن يمكن أن تعتمد على الدعم المالي السعودي في مبادرات السياسة الخارجية الأمريكية. في الثمانينيات، على سبيل المثال، قام السعوديون بتمويل برنامج وكالة المخابرات المركزية (سي آي أيه) الذي زود أسلحة مقاتلي المجاهدين الذين يقاومون الاحتلال السوفييتي في أفغانستان.

في العام 1986، كشف النقاب عن تزويد السي آي أيه أسلحة بصورة غير قانونية الى الكونترا ـ نيكاراغوا في قضية إيران كونترا. ولكن في عهد ابن سلمان أصبح السعوديون أقل سخاءً. وفي وقت سابق من هذا العام، طلب ترامب من المملكة السعودية تقديم قوات و4 مليارات دولار للمساعدة في دفع تكاليف جهود إعادة الإعمار في شمال سوريا. وقالت وزارة الخارجية الامريكية مؤخراً ان الرياض وافقت على المساهمة بمبلغ 100 مليون دولار فقط ولكن دون قوات.

 
مجازر السعودية في اليمن مغطّاة أمريكياً

يزعم المسؤولون السعوديون أن الرد يعكس أولوياتهم لتمويل الحرب في اليمن وتوظيفها، لكن التعهّد قد ينقل حقيقة أعمق. يقول فريمان: «السعوديون لا يروننا كحامي موثوق به بعد الآن. لقد تمزّق نسيج العلاقة». لعقود من الزمان، كانت المملكة السعودية سوقاً موثوقاً للمعدات العسكرية الأمريكية، حيث اشترت أسلحة تزيد قيمتها على 100 مليار دولار خلال إدارة أوباما وحدها. وقال ترامب أن ولي العهد يريد شراء معدّات إضافية بقيمة 110 مليارات دولار كجزء من مشروع المواجهة المشتركة ضد ايران. ولكونهم لا يثقون في أوباما بسبب اتفاق نووي مع ايران، وقلقهم من عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب، فإن السعوديين يفضّلون تنويع مصادر السلاح. وفي السنوات الأربع الماضية، اشتروا من دول هي بريطانيا، وروسيا، والصين، وفنلندا، وتركيا، من بين العديد من البلدان الأخرى. يقول دبلوماسي عربي، تحدث إلى نيوزويك شريطة عدم الكشف عن هويته، إن إبن سلمان كان في البداية «مسلّياً» عندما ادّعى ترامب علناً ​​في الرياض العام الماضي أن السعودية وافقت على شراء أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار. في الواقع، لم يتم التوقيع على أي عقود.

وخلال زيارة إبن سلمان للمكتب البيضاوي في مارس الماضي، قال الدبلوماسي أنه كان منزعجاً عندما قرّر ترامب الضغط من خلال عرض بشكل غير متوقع، صور الطائرات العسكرية والأسلحة والصواريخ التي كان يحاول بيعها. «المملكة السعودية أمّة ثرّية للغاية»، كما قال ترامب للصحفيين في صورة تبدو غير مرغوبة. وأضاف: «سيعطون الولايات المتحدة بعض تلك الثروة، ونأمل في شكل وظائف.. وشراء أرقى المعدّات العسكرية في أي مكان في العالم».

 
ريدل: رؤساء امريكا جميعا وضعوا النفط مقابل حقوق الانسان

في الواقع، يقول الكاتب، أنه حتى لو أراد إبن سلمان شراء أسلحة من الولايات المتحدة، فقد تكون خياراته قد تقلّصت. إن حوادث مثل الغارة الجوية السعودية في 9 أغسطس الماضي على حافلة مدرسية في اليمن والتي أسفرت عن مقتل 40 طفلاً تغذي المعارضة المتزايدة للتدخل الأمريكي في الحرب. وقد منع المشرّعون بيع نصف مليار دولار من الذخائر الموجّهة بدقة إلى المملكة السعودية، وينص قانون جديد على إنهاء عملية إعادة التزوّد بالوقود، ما لم يتمكن البنتاغون من إظهار أن التحالف الذي تقوده السعودية، يتّخذ خطوات للحد من الإصابات بين المدنيين وإنهاء الصراع في اليمن.

علاوة على ذلك، فإن قدرة المملكة السعودية على الترويج للمواقف السياسية الأميركية إلى بقية العالمين العربي والإسلامي تتضاءل، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الآثار المميتة من جراء الحروب في العراق وأفغانستان، وعمليات الجيش الأمريكي المستمرة في مكافحة الإرهاب في 76 دولة. يقول فريمان: «كان هناك وقت تستطيع فيه المملكة السعودية، بشرعيتها كحارس لمكة والمدينة في نظر 1.6 مليار مسلم، أن تكون محامية ومدافعة عن أمريكا في العالم الإسلامي». أما اليوم فـ «نحن مغتربون تماماً عن الإسلام».

خلال العقدين الماضيين، راقبت المملكة السعودية أيضا مصداقية أمريكا في العالم العربي وكيف أنها تتبخر مع ميل الولايات المتحدة بشكل متزايد نحو إسرائيل حول قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. في اجتماع عقد في نيويورك في مارس الماضي، أخبر ابن سلمان القادة اليهود أنه أيّد خطة سلام إسرائيلية فلسطينية لم تنشر بعد، أعدّها جزئياً كوشنر. ولكن في ذلك الوقت، كان ترمب قد اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وأمر بنقل السفارة الى تل أبيب، مما أثار الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم العربي، إلى جانب شكوك عميقة في أي خطة سلام قد تنتجها إدارته. وتقول مصادر مطلعة إن الملك سلمان، أقنع إبنه محمد بأن دعمه لخطة كوشنر كان غير حكيم، وأقنعه بالتخلي عنها.

غير أنه لا تزال هناك بعض الأجزاء المهمة في العلاقة بين الرياض وواشنطن. على الصعيد الأمني​​، لا تزال أجهزة المخابرات الأمريكية والسعودية تتعاون بشكل وثيق في مكافحة الإرهاب. وتواصل المملكة السعودية منح حقوق التحليق للطائرات العسكرية الأمريكية العابرة بين أوروبا وجنوب آسيا، وهي ميزة قيّمة تعزّز مكانة أمريكا كقوة عالمية. وتمنع العائلة المالكة المتطرفين الدينيين من التبشير في المدن المقدسة في مكة والمدينة. هذه الاجراءات تخدم المملكة السعودية، وكذلك الولايات المتحدة، وبطبيعة الحال، فإن التردّد الأمريكي في انتقاد المملكة السعودية لا يزال كذلك.

إن ما هو جديد بالفعل - يمكن أن تقول أنه غير مسبوق حتى - هو العلاقة بين القائدين، ترمب وابن سلمان، اللذين يتمتعان بشخصية قوية، ورؤى متباينة بشكل متزايد لبلديهما، ومع ذلك ما زالا بحاجة إلى ما قدمه الآخرون دائماً. هذا هو نوع التوتر الذي يثير المشاجرات الدولية.

الصفحة السابقة