نساء السعودية: الأصوات الانتخابية هي مفاتيح المملكة

منى الطحاوي

لقد كانت لحظة محورية في تاريخ البلاد. أشاد بها الليبراليون باعتبارها فرصة ذهبية للبدء في التغيير، ولكن المتدينين الأقوياء قاموا بتأكيد سلطتهم، وقد أصبح لزاماً على البلاد أن تستسلم وتنتظر أربع سنوات أخرى. أنا لا أتحدث عن الانتخابات الأمريكية التي جرت في نوفمبر، ولكني أقصد أول انتخابات سعودية من المقرر أن تعقد في جميع أنحاء البلاد في فبراير القادم. لقد بدأ تسجيل الناخبين في المملكة الشهر الماضي، ولكن الرجال وحدهم قاموا بملء الاستمارات.

إن قدرة النساء على المشاركة في الانتخابات كانت

إن قدرة النساء على المشاركة في الانتخابات كانت بمثابة مقياس الباروميتر لقياس رغبة الحكومة السعودية في مواجهة رجال الدين الوهابيين المتشددين الذين مارسوا الضغوط من أجل أن يجعلوا الانتخابات حقاً آخر مقصوراً على الذكور في المملكة، بينما نرى أن النساء لا يمنعن من قيادة السيارة وحسب، كما هو معروف، بل لا يمكنهن السفر أو مراجعة المستشفيات إلاّ بإذن مكتوب من محارمهن. وقد أصبح الآن لزاماً على النساء والمؤيدين لحقهن في الاقتراع أن يوجهوا أنظارهم إلى انتخابات عام 2009م، ويبدو أن الحكومة جعلت من النساء مرة أخرى كبش فداء لتؤكد لرجال الدين المتشددين بأن قبضتهم على القيم العامة مازالت قوية.

وقد جاء الإعلان عن عدم مشاركة النساء في الانتخابات، في الوقت الذي بلغت فيه أسعار النفط ارتفاعاً لم تشهده منذ عشرين عاماً، مغرقة بذلك المملكة في الدولارات النفطية، معيدة إلى الأذهان الانتعاش النفطي الذي ساد عقد السبعينيات. لقد كان الإصلاحيون في السعودية يأملون بأن يحفز تدفق هذه الأموال الحكومة للسير إلى أبعد من مجرد الوعود الكلامية بتبني التغيير. وليس في السعودية ما يسبب الألم ويستحق الإصلاح أكثر من قضايا المرأة. أنظر إلى ما حدث عندما نوقشت قضايا المرأة لأول مرة في ملتقى الحوار الوطني في يونيو 2004 كجزء من برنامج (الحوار الوطني) الذي بدأه ولي العهد. إن هذه الحوارات تمثل فرصة للنقاش والتفاكر حول الإصلاح بالنسبة للمفكرين السعوديين، بما فيهم النساء، والليبراليين، وأعضاء الأقلية الشيعية في البلاد.

لقد خرج ذلك الاجتماع الذي استمر لثلاثة أيام بتسع عشرة توصية تم رفعها إلى الأمير، وقد اشتملت هذه التوصيات على مطلب بإنشاء محاكم متخصصة في قضايا المرأة ونظام للنقل الجماعي بالنسبة للنساء. وبصرف النظر عما إذا كان سيتم قبول هذه المطالب، فإن الصورة التي ظهر بها الاجتماع هيمن عليها اتهام المدرسات اللائي تلقين تعليمهن في الخارج (بالسعي لنشر الأفكار النسائية الغربية) بين تلميذاتهن. لقد استولت هذه المكاشفة على جوهر الصراع بين الرجال المحافظين المتشددين الذين يرفضون الدعوات إلى حقوق النساء باعتبار أنها مدفوعة من الغرب، وبين جيل من النساء السعوديات الأكثر تعليماً في تاريخ بلادهن.

إن 55% من خريجي الجامعات السعودية من النساء، ولكن بسبب القيود المفروضة عليهن من حيث مكان العمل وطبيعة الأعمال التي يؤدينها، لا يشكلن غير 4.8% من القوى العاملة. وعلى الرغم من هذه القيود تمكنت النساء السعوديات من امتلاك 20 ألف منشأة اقتصادية - وحوالي 5% منهن لديهن سجلات تجارية في البلاد. ولدحض حجة الوهابيين بأن موضوع حقوق النساء مدفوع من الغرب، على النساء السعوديات أن ينظرن إلى أخواتهن في دول الخليج المجاورة، لكي يعرفن إلى أي درجة هن مختلفات عن غيرهن. ففي أكتوبر الماضي أوكل سلطان عمان حقيبة التنمية الاجتماعية إلى إمرأة، لتكون بذلك المرأة الثالثة التي تتبوأ موقعاً في مجلس الوزراء، بينما الرابعة تشغل وظيفة بدرجة وزير. وفي نوفمبر الماضي أيضاً تم تعيين إمرأة في منصب وزير الاقتصاد والتخطيط في دولة الإمارات العربية المتحدة، بالرغم من أن المرأة لا تتمتع بحق التصويت في تلك الدولة.

إن الإمارات والسعودية والكويت هي في الحقيقة الدول العربية الثلاث، دون غيرها، التي لا تتمتع فيها المرأة بحق الاقتراع. كما أن الدول الثلاث من أوثق حلفاء الولايات المتحدة، وإن إدارة بوش التي سمحت بالكثير من المشاركة للنساء في أفغانستان في الانتخابات الأخيرة، إلاّ أنها تلوذ بصمت غريب تجاه حقوق النساء بشكل عام وحقهن في الاقتراع في دول الخليج. وإن هذا الصمت يشكل سخرية، بالنظر إلى أن العراق كان أول دولة عربية منحت النساء حق الاقتراع في عام 1948م.

إن فريال المصري، التي أخفقت في أن تصبح أول مواطنة سعودية تتبوأ وظيفة بالانتخاب في الولايات المتحدة، عندما خسرت السباق نحو الالتحاق بمجلس ولاية كاليفورنيا في نوفمبر الماضي، قالت لي إن من بين الأسباب التي دفعتها إلى خوض تلك الانتخابات هو أن تعطي الأمل للنساء في بلدها الأصلي. على الحكومة السعودية أن تتوقف عن تضحيتها بالنساء في مذابح رجال الدين الوهابيين المتشددين. وعليها أن تعلن اليوم صراحة بأن النساء سيشاركن في انتخابات عام 2009م.

انترناشيونال هيرالد تربيون، 6/12/2004

الصفحة السابقة