الصحوية والصحويون

كثيراً ما يواجهني سؤال مفاده. لماذا تنتقد بحدة الصحوة والفكر الصحوي؟

مباشرة، ودونما أية مجاملة أو مواربة، أو عبارات اعتذارية كما جرت العادة عند التعرض لمثل هذه القضايا ذات الأبعاد الحساسة، أقول: السبب أنني أرى أن هذا الفكر الطارئ، أو (الفرقة) التي قامت وانتشرت مؤخراً، وتسمت بهذا الاسم، تفترض أن ثمة (نقطة) تاريخية فاصلة بين الماضي القريب وبين الراهن الحالي، فما قبل هذه النقطة، كان المسلمون في (غفوة)، أو إن شئت: في سبات عميق، وحينما جاءت هذه (الفرقة)، أيقظتهم، فعم الإسلام كل أرجاء البلاد الإسلامية!.. يقول الدكتور سفر الحوالي ـ مثلاً ـ وهو من كبار الصحويين في دفاعه عن الصحوة: (الصحوة الإسلامية هي توبة إلى الله سبحانه وتعالى، أمة كانت ضالة، شاردة ، بعيدة عن أمر الله ، ثم اهتدت إلى طريق الله وإلى كتابه وإلى سنة رسوله، فما الشذوذ وما الغرابة من هذه الصحوة؟) وهذا ما هو مرفوض من حيث المبدأ بالنسبة لنا.. معنى ذلك أن أبي وأباك، وربما جدي وجدك، فضلاً عنا جميعاً (كنا) نعيش في (مجتمع ضال)، (شارد) وبعيد عن (أمر الله) ـ كما يقول الحوالي ـ حتى جاء الصحويون فأوقظونا من سباتنا وغفوتنا! فهل ثمة طفل ناهيك عن عاقل يقبل بمثل هذه المعادلة؟..

ولأن (فكرة التنظيم السياسي) هي أساس (الصحوة)، فإن الراصد المتتبع لخطاب ناشطيهم ودعاتهم، يجد أنهم يدافعون عن تنظيماتهم ويتعاملون مع خصومهم، ويصفون الذين هم ضد اختزال الإسلام في (تنظيم) أو حركة، بأنه (علماني) بالضرورة.

وهم بذلك ـ ربما دون أن يشعروا ـ يفترضون أن في الإسلام (سلكاً كهنوتياً)، وأن الذين يعترضون على تسلطهم، ويختلفون مع خطابهم، هم ضد الإسلام بينما هم في الواقع ضد أن يكون في الإسلام (سلك كهنوتي)، أو (تنظيم مؤسساتي صحوي)، لأن الإسلام من حيث المنطلق، ومن ثوابته الأساسية، والتي لا يختلف عليها اثنان من أهل السنة والجماعة على وجه الخصوص، لا يقبل بالفكرة الكهنوتية فلم يقم هذا الدين ـ أبداً ـ على (مؤسسة دينية)، أو على رجال دين، أو كنيسة، وإنما على علماء وفقهاء، أو (أهل ذكر) كما وصفهم القرآن الكريم في الآية: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).

ولعل (البيانات) التي يصدرها بعض طلبة العلم السعوديين هذه الأيام تصب دون أن يعوا في إثبات ما أقول: فمثل هذه البيانات التي لم يكن لها سابقة في التاريخ الإسلامي، أراد منها (أساطين الصحوة) - على ما يبدو - تكريس فكرة (الكهنوت) في الإسلام في أذهان مريديهم، وترويجها، وإذعان الناس لسطوتها وسلطتها للانتهاء بهذا الدين العظيم إلى أن يكون له (سلك كهنوتي)، أو (مرجعية دينية) واجبة الطاعة والانصياع لقراراتها، يتولى (الصحويون) منها محل القيادة. تماماً كما كانت الكنيسة في أوروبا، وهنا مكمن خطورة هذا الفكر.

ولا يغرنك قول بعضهم إن علاقتنا (كصحويين) بالإرهاب وأساطينه علاقة يدعيها المناوئون بينما أن الواقع يثبت خلاف ذلك. فها هو أحد كبار وقادة (القاعدة) الإرهابي الصحوي (يوسف العييري)، الذي هلك في إحدى مواجهات القاعدة مع قوى الأمن في المملكة يقول في رسالة أرسلها إلى الشيخ الصحوي سلمان العودة يعاتبه على (نكوصه)، وجنوحه إلى (التخلي) عن أهم أساسيات الصحوة: (فنحن نعلم يقيناً أن صحوتنا المباركة بصوتكم سُمع نداؤها وبمجهودكم غيرت الواقع، وبفكركم وتوجيهكم اتزن نهجها، فلكم الفضل بعد الله فوق فضل غيركم من العلماء والدعاة فيما حققته هذه الصحوة، علماً أنا ما تعلمنا المنهج إلا من فضيلتكم).

محمد بن عبداللطيف آل الشيخ ـ الجزيرة 20/6/2006

الصفحة السابقة