صدام: قراءة في الموقف الوجداني من الإعدام

تقديس المجرم ومنحه الغفران يعني إعطاء الجريمة شرعيةاستمرار وتوالد. إن هذا يعني صناعة عالم من القيم اللاإنسانية. يعني صناعة قيم تستهين بالإنسان، قيم لا وجود لها إلا في عالم العصابات، حيث القيمة لمن يمتلك أكبر رصيد من الضحايا

محمد بن علي المحمود

ما إن هوى جسد الديكتاتور العراقي السابق مشنوقا من على منصة الإعدام، صبيحة عيد الأضحى المبارك؛ حتى تبارت الفضائيات الإخبارية في نقل الحدث بكثافة غير معهودة؛ بوصفه حدثا تاريخيا كبيرا، لا يمكن أن تظفر بمثله إلا في فلتات التاريخ التي لا تتكرر إلا على نطاق محدود. حدث عادي، ولكنه غير عادي في سياق الراهن العراقي والقومي المشدود بسخونة الراهن والآني، عن التاريخي الذي يجعل من الحدث حدثاً عابراً، بل وتافها.

جرى تكثيف الحدث؛ كإجراء إعلامي محض، لا يدل على أهمية الحدث ذاته؛ بقدر ما يدل على موقعه من قلب وعقل المشاهد الذي سيبقى مشدودا إلى الحدث الذي يعده نوعيا في الكيفية والتوقيت والرمز والترميز. الاهتمام لم يكن بصدام، بل بالشارع الذي تحوّل فيه صدام إلى حركة وجدان. ومن الطبيعي أن تستغل الآلة الإعلامية - أيا كانت وظيفتها - هذا المشاهد الذي تقتات على طفرة مشاعره؛ بعرضها الحدث، كحدث تاريخي هام.

إذن، لم تأت أهمية الحدث من حيث وقوعه المجرد؛ بوصفه تنفيذا لحكم الإعدام في مجرم مدان، وإنما في الموقف الجماهيري الذي يعبر عنه هذا الحدث. لكن، غفلة الجماهيري - أو استغفاله - تجعل من هذا الاهتمام المبرر - إعلاميا - بالحدث، اهتماما بشخصية المجرم، وإعطائها أبعادا ترميزية؛ لم تكن لها بحال.

ليس هذا المقال قراءة في حكم الإعدام ـ فقد كتبت عنه مقالا خاصا قبل شهرين من الآن ـ ولا في تنفيذه، وإنما هو قراءة في ردود الفعل على هذا التنفيذ؛ حدثا، وتوقيتا، وكيفية. ردود الفعل - الإيجابية والسلبية - إما أن تكشف عن موقف متسق مع الرؤية العامة التي يتعامل بها المراقب مع الأحداث والتاريخ، وإما أن تكشف عن اضطراب في الرؤية، وحيرة في الوجدان، وارتباط بسخونة الأحداث العابرة؛ دون ربطها بالسياق والتاريخ.

الموقف المؤيد لحكم الإعدام، ولتنفيذه، ولكيفية التنفيذ وتوقيته، موقف له اتساقه الظاهر. وهو أن صدام مجرد مجرم، جرى فيه تنفيذ الحكم؛ كغيره من ملايين المجرمين في العالم. ومن ثم، فلا اعتراض؛ إلا لمن يعترض على حكم الإعدام أصلا. أما الأخطاء التي حدثت في كيفية التنفيذ، فيجب أن تدان بحد ذاتها، ولا يجعل منها مبررا لإدانة الحدث (الإعدام) ذاته. وهذا الموقف هو الموقف العام للحكومة العراقية، ولمعظم الحكومات العربية والإسلامية، وللنخب غير المؤدلجة.

هذا الموقف المؤيد ليس غريبا، ولا متناقضا مع نفسه، من حيث كونه موقفا ينطلق من مبدأ العدالة التي لا بد أن تتحقق، وأن يجري تنفيذها على الجميع، وإلا فلا مبرر لتطبيقها من أساس، بل ولا عدالة أصلا. إجرام صدام، وديكتاتوريته الطاغية، وسحقه لملايين الأبرياء، أصبحت من البدهيات المتواترة التي يعرفها الجميع، ولا ينكرها حتى أقرب المقربين منه، وإن كانوا يحاولون تبريرها. ومن ثم، فلا مجال لاستنكار الحكم أو التنفيذ من حيث المبدأ، في رأي هؤلاء الذي يرون المسألة، مجرد جرم وعقاب.

لكن، الرافضون للحكم وللتنفيذ، يبررون هذا الموقف بمبررات كثيرة، تختلف من طرف لآخر؛ حسب الوجهة الإيديولوجية التي يميلون إليها، بل وحسب البراجماتية التي يمارسونها في سياق توظيف الحدث والموقف. وبما أنني أنتمي فكرا ووجدانا - كما ظهر جليا في مقالي السابق - إلى التأييد النسبي للموقف المؤيد للحكم وللتنفيذ؛ فمن الواجب علي أن أرد بوضوح على المبررات والاعتراضات التي ساقها الرافضون لإعدام صدام.

المعترضون على تنفيذ الحكم، يقيمون اعتراضهم على مبررات عديدة. يختلفون فيما بينهم في بعضها. لكنهم، يجعلون منها - في الغالب - مبررا لاستنكار الحدث ذاته. ولأنها مواقف متباينة، وتختلف في نوعها ودرجتها، فسأقف عندها بالتفصيل؛ وفق النقاط التالية:

1 ـ الموقف من الحدث ذاته. وأغلب هؤلاء من ذوي التوجه القومي العروبي، أو الإسلامي المتواشج مع الطروحات العروبية. هؤلاء يعترضون على مجرد محاكمة صدام؛ لأنهم يرونه رمزا قوميا. ويزيد من تشنجهم في هذا الحدث؛ أنهم رافضون للوجود الأمريكي في العراق - أيا كان مبرره - لمجرد أن في هذا الوجود - حسب الوجدان القوموي - إهانة بالغة للأمة العربية المجيدة.

هؤلاء لا يعترضون على حكم الإعدام؛ من حيث المبدأ - كما تفعل المنظمات الإنسانية الغربية التي هي خارج هذه القراءة - فهم مؤيدون لأحكام الإعدام التي مارسها السيد الرئيس!: صدام حسين، في حق ألوف الأبرياء، وإنما اعتراضهم متوجه إلى الرمز القومي: صدام، على وجه التحديد.

الإشكالية في هؤلاء، أنهم مشدودون إلى عالم الشعارات الكبرى، من قومية عنصرية، ووحدوية، بل و(نازية عروبية) تستهين بقتل ملايين الأبرياء؛ في سبيل تقريب حلم الشعارات من عالم الواقع. يكفي - عند هؤلاء - أن ترفع شعارات قومية وجدانية، حتى تأخذ شهادة غفران قومية، تسامحك عن كل ما تقدم من ذنبك وما تأخر، بل شهادة تمنع وصف ما تقترفه بالذنب، وإنما تضعه في إطار الضرورات القومية!.

2 ـ الموقف من المحاكمة. وهؤلاء لا يعترضون على الحكم (الإعدام) من حيث مبدأ تعلقه بصدام كرمز!، وإنما هو - كما يظهرون - اعتراض على الآلية التي صنعت الحكم؛ بوصفها محاكمة في ظل الاحتلال، أو بوصفها محاكمة تتسم بالقصور في الإجرائيات القانونية التي يجب توفرها في كل محاكمة عادلة. ولهذا، فالحكم غير عادل، ومن ثم التنفيذ؛ لعدم توفر الحد الأدنى من ضمانات العدالة.

أصحاب هذا الموقف، يرون أن الحكم على صدام بالإعدام كان حكما سياسيا، ولم يكن قضائيا، وأن المحاكمة كانت صورية؛ تجري إحداثياتها، وفق مجريات الحدث السياسي في أمريكا. وبما أنه - وفق ما يرونه - حكما سياسيا، فقد فقد الحكم شرعيته، وأصبح تنفيذه في (البريء!) صدام، ظلما يجب استنكاره؛ لأنه جرى بأيد أمريكية، أو بأيد طائفية منحازة ضده. ويسوق وهؤلاء كثيرا من الشواهد لتأكيد القصور في شروط العدالة، وسياسيتها. وهي شواهد واضحة للجميع، ولا ننكرها.

لكن، عدم عدالة الآلية، لا يعني - بالضرورة - عدم عدالة الحكم. لا أظن أن أحدا يرتاب في استحقاق صدام للإعدام، بل ولما هو أشد من الإعدام، لما هو معلن - فضلا عن غير المعلن - من جرائمه على امتداد ثلاثة عقود في حق شعبه وجيرانه. في رأيي أن الحكم عادل، وكذلك التنفيذ؛ وإن لم تكن المحاكمة عادلة، ولا بريئة من التسييس.

لا تضاد في هذا ولا تناقض. ولا أظن أن الإرهابي أو المعلن بحرب، ذلك الذي يخرج علينا شاهرا سلاحه الخفيف أو الثقيل، ويبدأ بقتلنا واحدا تلو الآخر، حتى نضطر إلى إطلاق رصاصة الموت عليه، يمكن أن يشك أحد في استحقاقه هذه الرصاصة القاتلة، حتى وإن لم تجر محاكمته؛ لأن الجرم مشهود بالتواتر هنا، وحكم الإعدام عليه من البدهيات.

صحيح أن قيام محاكمة عادلة من حق أي أحد، وصحيح أن الخطأ لا يبرر الخطأ. لكن، كثير ممن يتكلمون عن عدالة المحاكمة، لا يتكلمون عن عدالة محاكم صدام التي سحق بها الألوف، بل ولا عن من قتل من شعبه، دون أي محاكمة، ولا عن المقابر الجماعية التي ردمها بألوف القتلى على الهوية. لقد توفر لصدام محاكمة لم يكن يوفر لضحاياه جزءا من ألف مما تم توفيره له في هذه المحاكمة؛ رغم بعض ما فيها، مما يراه البعض قصورا في اشتراطات العدالة.

من يطالب بمحاكمة عادلة لرجل مثل صدام، ويتهم الآخرين (قوات التحالف) بالتآمر عليه، بل ويرى في قتله تآمرا على العروبة والإسلام، ينسى، أو يتناسى، أن طبيعة المحاكم التي تجري في (حالة حرب)، لا تخرج عن هذا السياق، وأن المقصود ليس العرب كجنس، ولا الإسلام كدين، وإنما هي طبيعة المحاكمات التي تجري في مثل هذه الظروف. ومن تأمل المحاكمات التي جرت بعد نهاية الحرب العالمية الأولى للقادة النازيين (مسيحيون ألمان، وليسوا عربا ولا مسلمين!)، عرف أن هذا الإجراء المعترض عليه، إنما هو في سياقه الطبيعي.

3 ـ بعض المتعاطفين مع صدام، والمستنكرين لإعدامه، يستشهدون بنطقه للشهادتين لحظة تنفيذ الحكم. ولا أدري ما علاقة هذا بالحكم أو بالتنفيذ. هم يذكرون هذا الموقف منه، وكأنه شهادة براءة له. ومرة أخرى، لا أدري براءة من ماذا؟! من الكفر، أم من الجريمة؟! صدام لم يحكم عليه بالإعدام لإدانته بالردة أو الكفر الأصلي؛ حتى يمكن اعتبار نطقه بالشهادتين طعنا في حيثيات الحكم، وإنما حكم عليه؛ بسبب جرائم ارتكبها. ونطقه بالشهادتين، لا تعني براءته مما نسب إليه من جرائم.

ومع أن المنطق السلفي لا يعتبر مجرد النطق بالشهادتين دليلا على عدم الكفر، وإنما له اشتراطات أخرى، ويعد من يكتفي بمجرد الشهادتين من غلاة المرجئة، إلا أننا وجدنا كثيرا منهم يكتفون بذلك في حالة صدام خاصة؛ نتيجة موقف طائفي، أكثر مما هو عقائدي خالص. بل، ومن التناقص عن هؤلاء، أنهم يكفرون الطائفة الأخرى؛ رغم نطقها بالشهادتين، لنواقض أخرى، يعتبرونها في السياق السلفي. ومن الإنصاف للسلفية، أن بعضهم اتسق مع منطق المنظومة، واعترض على هذا التعاطف مع صدام، ومحاولة تبرئته.

من ناحيتي، لا يهمني - هنا - الموقف العقائدي لصدام؛ لأن حكم الإعدام لم يكن مرتبطا به، وإنما أنا هنا أحاول في هذه القراءة العابرة لردود الأفعال، أن أؤكد على مسألة هامة، وهي: المآل الأخروي، مآل غيبي. والحكم فيه ليس إلينا، وإنما إلى الله - عز وجل - مهمتنا تقتصر على عالم الشهادة هنا. وعالم الشهادة هنا، زاخر بوقائع صدامية، تحكي عن إيغال شديد في الجريمة المنظمة، وانتهاك حقوق الإنسان في مستوياتها كافة، وصناعة المآسي والحروب التي دمرت حياة الملايين من الأبرياء؛ من بني شعبه ومن جيرانهم الأقربين.

4 ـ هناك من يتجاوز عن كل ما سبق، ويعترف بأن صدام مجرم كبير، يستحق الحكم عليه بالإعدام. لكنه يعترض على التوقيت، ويرى أن في التوقيت الذي جرى فيه التنفيذ صداما متعمدا لمشاعر المسلمين؛ كونه جرى في صبيحة عيد الأضحى المبارك، وفي الأشهر الحرم. وأن المسألة كان يمكن تجاوزها، كأي حدث، لو جرت في غير هذه المناسبة الخاصة.

في تقديري أن الاعتراض على مسألة التوقيت لا يمكن أن يقوم إلا على مقدمة منهجية، وهي: أن صدام رمز عربي أو إسلامي، وأن - في الوقت نفسه - ليس مجرد مجرم فاقدا للقيمة الاعتبارية الرمزية. إذا اتفقنا على أن صدام يشكل لنا بعدا رمزيا؛ فحينئذ، يصح الاعتراض على التوقيت. أما إذا اعتبرناه مجرد مجرم، كغيره من ملايين المجرمين المحكوم عليهم للإعدام، فلا اعتراض على هذا التوقيت؛ بدليل أن هناك من ينفذ فيه الحكم في هذا اليوم وأمثاله من الأيام على امتداد العالم، ولم نر في ذلك بأسا، بل نراها عدالة تستحق الاحتفال.

إذا اعتبرنا صداما مجرد مجرم؛ كيف يمكن أن نعد إعدامه في يوم العيد ملغيا لبهجة العيد، أو كما يقول بعضهم: خطف فرحة العيد. الأولى - وفق منطق هذا السياق - أن يكون إعدامه زيادة في بهجة العيد؛ لأن رؤية المجرم وهو ينال جزءا من جزائه الذي يستحقه، يبعث روح الابتهاج بالعدالة. ولا عدالة بغير جزاء وعقاب عادل. ومن حق ملايين الضحايا - ضحاياه - أن تفرح في هذا اليوم، بالاقتصاص ممن ظلمها.

نحن نعرف أن الأشهر الحرم يحرم فيها القتل والقتال. لكن، هذا لا يعني إيقاف الحدود، ولا عدم رد الاعتداء. يجري تنفيذ القصاص ومعاقبة المجرمين في الأشهر الحرم، وأحيانا في منطقة الحرم ذاته. والحكم الشرعي في هذا معروف للجميع. ومع أن النبي المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - كان قد تسامح مع قريش عام الفتح وأمّنهم؛ إلا أنه استثنى من هذا العفو العام أفرادا سمّاهم - لعظم جرائرهم، وأمر بقتلهم ولو وجدوا متعلقين بأستار الكعبة؛ لأن حرمة الزمان وحرمة المكان لا تعطي حصانة للمجرم الموغل في الجريمة - كصدام مثلا.

5 ـ الكيفية التي جرى بها تنفيذ الحكم. فهناك من لم يعترض إلا على الكيفية التي اقتيد بها صدام إلى حتفه، وأنه قد تلقى بعض الإهانات. ولو أننا نظرنا بمنظور القصاص، لوجدنا أن طريقة إعدامه جرت على صورة في غاية الإنسانية؛ مقارنة بالطريقة التي كان يمارسها مع ضحاياه.

نعم، من حيث المبدأ، لا نوافق على إهانة المجرم؛ لحظة التنفيذ، ولا على التعرض لجثته بعد موته بأي نوع من أنواع الإهانة. لكن طريقة التنفيذ لا تعني الإهانة، وإن كانت تحكي القسوة. وقسوة التنفيذ إذا كانت في صورة اقتصاص، لا ضير فيها، بل هي مبررة شرعا وعقلا. فالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عندما اقتص من العرنيين الذين قتلوا راعي إبل الصدقة بطريقة وحشية، عاملهم بالمثل، فقد قطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم، وتركهم يموتون تحت لهيب الشمس في حرة المدينة. وعندما قتل عقبة بن أبي معيط، بعد أسره في بدر، وقال له: يا محمد، من للصبية؟، قال: لهم النار.

والسلفيون المتعاطفون مع صدام - لموقف طائفي؛ لا غير - يذكرون حديث (وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة) في حال صدام، ويتناسون حادثة العرنيين، وأن إحسان القتل إنما هو فيمن وجب قتله حدا، وليس في كل مقتول أو مقتص منه. وأظن موقف هؤلاء سيختلف، لو كان جرى إعدام صدام على يد المليشيات السلفية في العراق، حتى ولو تم ذلك بوحشية ودون محاكمة!

6 ـ الاعتراض على البعد الطائفي الذي ظهر وقت تنفيذ الحكم. وهو اعتراض مبرر، ويستحق الاستنكار؛ لأن صدام أكبر جرما من أن يحصر عقابه في طائفة دون أخرى. وهذا الموقف الطائفي، يخسر به أصحابه أكثر مما يربحون؛ رغم كونهم إنما عبروا عن احتقان يمتد لعقود.

لكن، لا يجب أن نتحسس من هذا الموقف، حتى وإن ظهر في صورته الطائفية التي نعترض عليها؛ لأننا نعترض على الموقف ذاته، وليس بوصفه مسيئا للطائفة التي ينتسب إليها صدام، ولا تنتسب إليه. أنا كسني - ينتسب إلي صدام طائفيا ولا أنتسب إليه - اعتبر ما حدث خطأ، ولكنني لا أعتبره إساءة إلي؛ لأنني بريء من أية طائفة تعد صداما منها، فضلا عن أن تعده من رموزها. من يعد صداما رمزا من رموز طائفته السنية، فهو يستحق ذلك الإحساس بالإهانة، ومن لا يعتبره كذلك، فلا طائفية في الحدث من حيث المتلقي السني.

7 ـ هناك من يعترض على كون تنفيذ الإعدام؛ لكونه - حسب رأيه - سوف يؤجج روح العداء في العراق، وأنه لن يحل إشكاليات العراق الراهنة، وإنما سوف يعقدها، ويزيد من العنف الذي يراد القضاء عليه بإعدام صدام. والذي نعرفه أن القصاص، وتحقيق العدالة، ومعاقبة المجرمين، لا تزيد حالة العنف، وإنما تقضي عليها، أو تحجم منها. لو كان هذا الاعتراض صحيحا؛ لوجب أن لا يحاكم رؤساء العصابات، وزعماء المافيا؛ لأن هذه محاكمتهم وعقابهم؛ سيزيد من مستوى الجريمة!!!. أما الحديث عن شجاعة المجرم ساعة التنفيذ، فتلك من المضحكات المبكيات في عالم العرب، وما أكثرها.

وأخيرا؛ لا بد من التنبيه على أن تقديس المجرم من ناحية، ومنحه الغفران من ناحية أخرى، يعني إعطاء الجريمة شرعية استمرار وتوالد. إن هذا يعني صناعة عالم من القيم اللاإنسانية. يعني صناعة قيم تستهين بالإنسان، قيم لا وجود لها إلا في عالم العصابات، حيث القيمة لمن يمتلك اكبر رصيد من الضحايا. وبهذا، نقضي على كل إمكانية لصناعة مجتمع إنساني، مجتمع تكون القيمة العليا فيه للإنسان، ولقيم الأنسنة التي ما زلنا نحاول استنباتها في ثقافتنا العربية التي - للأسف - تخذلنا في كثير من المناسبات.

عن صحيفة الرياض، 11/1/2007

الصفحة السابقة