جنود الإرهاب في مزادات الجريمة!!

يوسف الكويليت

في مزادات سوق الإرهاب صار أبناؤنا أقناناً في يد النخاسة، وقد وصل ثمن الفرد الواحد من صادرات الإرهابيين ثلاثة آلاف دولار، هذا ما أعلنت عنه أحداث نهر البارد.

أما في العراق فربما المبلغ أقل، وربما يأتي البيع والشراء من خلال محترفين عرفوا كيف يدخلون الأسواق النظيفة من خلال غسيل الأموال، وحتى إباحة أثمان المخدرات بالزراعة والتصدير والبيع ربما يبررها الفقه الإرهابي بالتحليل، لكن ما هو خطير في هذا الأمر كيف وصلنا إلى رؤية أبنائنا يعيدون سيرة الأرِقّاء، وهم لم يكونوا أسرى حرب بيد دولة أخرى، وإنما أسرى فكر وذهنية استطاعا أن يحولا أبناء أسر ليست فقيرة ولا معدمة، بل وبعضها يعيش حياة ممتازة إلى أرقاء باسم الجهاد ومحاربة الكفار.

كيف تحول أبناؤنا إلى وقود في خصومات مذهبية حتى إن معظم الانتحاريين ممن يقودون السيارات المفخخة هم من هذا الوطن، ولماذا انتهت المناعة الذهنية إلى القبول بغسل الأدمغة وتصدير الإرهابيين بأقل من ثمن الحيوانات النادرة التي تباع بأسواقنا؟ هل رخص الإنسان لدرجة الامتهان والمتاجرة به كأي بضاعة رديئة، وأن هذا الإنسان (القن) بتلك المواصفات لا يصلح إلا للموت المباشر؟

لو حدث أن تم الحراج على أحد أبناء الأسر، أو أفخاذ القبائل لربما دخلنا حرباً خطيرة، لكن أن يحدث هذا المشهد، ومن خلال إقرار من غرر بهم، بأنه تم بيعهم في صفقة دنيئة، ومن أجل الفوز بالفردوس الأعلى، ليكتشف أن الاتجاه إلى العراق يمر عبر نهر البارد، حتى الجغرافيا اختلطت على أولئك الشبان، لكن إذا كانت هذه الحالات جزءاً من واقع نراه بأعيننا، فمن المتسبب في كل ما جرى، ويجري؟

التزوير بالجوازات عملية سهلة، وسماسرة التصدير موجودون، لأنهم الداعم بالتلقين، ودفع التكاليف، والتنسيق مع مستلم البضاعة، والتوجه إلى مغارات الموت، وإذا كانت الأسر تفاجأ بالغياب دون أن ترصد التغيرات على أبنائها وسلوكهم، فإن هذه الثقة سذاجة مركبة، وحتى أجهزة الدولة أمام حدود مفتوحة لا تستطيع أن تراقب غير المنافذ الرسمية، وحتى في حالات الترحال الطويل للأسر في الصيف وغيره، فإن هروب الأبناء، مثلما يحدث مع الخادمات سهل إذا ما وقعوا في مصيدة من رسم خطط السفر، والاتجاه إلى المجهول.

القضية معقدة وخطيرة، وحتى لو ظلت الأعداد متوسطة، أو تقع بالنسب التي لا ترتفع إلى الأعلى، ولا تهبط إلى الآحاد أو العشرات، فإن هذه الظاهرة مكلفة اجتماعياً ونفسياً، لأننا لم نتعود أن نكون جزءاً من تنظيمات عالمية سرية تحترف الموت باسم قضايا رفضها العلماء والمفكرون، وطاردتها الدول، وجندت إمكاناتها من أجل إيقاف حوافز الترهيب والإرهاب.

هل نحن المجتمع الساذج الذي يُخترق بوسائل سهلة لاصطياد شبابه وأطفاله يجندون في خدمة الإرهاب؟ وما هي الأسباب؟ هل هي اجتماعية، أم اقتصادية، ثقافية أم جهل عام بمدركات الحياة، بأن نذهب إلى التطوع في خدمة الآخرين، تسلب إرادتنا بالوعيد والترهيب، والضياع بين الطرق المؤدية للحياة ونبلغ من الثقة ببعض محترفي الإرهاب بإيداع أبنائنا إلى من يذهب بهم إلى المجهول لنفاجأ بصور نعوشهم، أو رسائلهم من سجون خارجية، ونبدأ رحلة أخرى مع الرأي العام العالمي الذي لا يرى فينا إلا الجانب السلبي المتمثل بجنود الإرهاب؟

لا يمكننا التحكم بما يجري إلا بعمليات كبيرة تتعاون فيها كل الأطراف، لكن أن نرى أبناءنا في مزادات الجريمة، فهذا شيء لا يصدق.

الرياض، 22/7/07

الصفحة السابقة