مقالان ممنوعان

خدعونا فقالوا!

(كان يفترض أن ينشر في جريدة المدينة في زاوية الكاتب د. عبدالله الطاير ـ التفكير بصوت مسموع ـ يوم 25/8 الماضي ولكن الرقابة رفضته). النص:

عندنا أكبر مطار، وأضخم أسطول جوي، وأنظف مرافق، وأوسع وأرتب شوارع، وأحدث مبان. الأمن والإيمان يرفرف علينا، فنحن (مجتمع ملائكي) أكثر منه إنساني. كلنا طبّلنا، وكلنا سنطبل لأي منتج وطني، فلقد كان النقد وما زال قدحا في المواطنة، ونكرانا لما تحقق من معجزات. كنا ومازلنا نقف أمام المسؤول وفرائصنا ترتعد من الخوف، نتكلم معه همساً وإن علا ضجيجه، نتبسم له وإن تجهم في وجوهنا، نلين له جانب الحديث وإن أغلظ علينا، إذا صفعنا بعبارة جارحة قلنا له أحسنت، فأنت المسؤول وترى ما لا نرى، وإن رأينا مواطنا (مشاغبا) اعتذرنا بكل عبارات الاستجداء نيابة عنه، فهو جاهل لا يحترم المسؤولين! فأدمن الموظفون استضعاف هذا المواطن الصالح الذي (يدربي) رأسه مهرولا بين موظف وآخر. واستنبتنا تقليد (المعاريض) بما فيها من عبارات الرجاء والاستعطاف، فتحولنا إلى قطعان من الناس تجيد التقليد وتتوحش من الإبداع خشية أن يكون ضربا من الابتداع.

وفجأة اكتشفنا أن الكثير من إنجازاتنا لم تكن سوى سراب بقيعة. وفشلت إدارات التخطيط لأنها لم تجد من يتحداها في خططها ويختبر مصداقيتها وصلاحيتها للمستقبل، وفشلت أجهزتنا الرقابية عندما تعطلت عملياتها وترهلت إجراءاتها، فتفشى الفساد وأصبح جزءا من الخصوصية. تجاوزنا العالم من حولنا ونحن مازلنا نتحدث عن إنجازات أسطورية، هي في الواقع بقايا من الماضي نذرف عليها دموع الذكريات. شوارعنا ضاقت بسياراتنا لأن الذي خطط لشوارعنا لم يكن يعرف شيئا اسمه المستقبل، وتحولت الأنظمة البيروقراطية إلى نصوص شرعية غير قابلة للتغير أو التأويل. وامتزج الدين بالعادات والتقاليد، فضاق هامش الاختيار، وانطفأ التنوع، وتضخم الممنوع إلى درجة صادرت حريات الناس التي كفلها الدين قبل صهره في بوتقة الخصوصية.

واكتشفنا أن مطاراتنا عاجزة عن المنافسة، وأن طائراتنا متخلفة مقارنة بغيرها، وأن أنظمتنا بالية، وأن جرأتنا في تطبيق النظام قد نال منها الوهن ما نال، فتفشت الجرائم وتنوعت، وتقنن (النصب)، وسمي (النصابون) بأسماء استثمارية، من شركات توظيف الأموال، إلى هوامير الأسهم الذين مارسوا أكبر سرقة في تاريخ البشرية، إلى شركات العقارات الوهمية، يسرقون قوت المواطن ومدخراته، يحلقون به في فضاءات الأحلام، وفجأة يكتشف الحقيقة ثم لا يجد له نصيرا، فيكون هو الخاسر والملوم.

نقف أمام نقاط التفتيش على الطرقات وفي المطارات نتصبب عرقا، مع أننا والله أبرياء، لكننا نخشى تقلب المزاج. ونصطف مؤدبين أمام كاونترات الخدمة والموظف يغازل بجواله والواسطات تتساقط عليه من كل جانب. تخرج من بلدك حزينا بسبب سوء التوديع، وتعود إليه منكسرا بسبب سوء الاستقبال، وكيف لمواطن هذا حاله أن يقود التنمية أو أن يسهم في البناء.

جامعاتنا تحولت إلى مدارس ثانوية أو هي أدنى، لأن الأمور وليت إلى غير أهلها وفقا لمتلازمة: مَن يعرفُ مَن؟ ومَن يخدمُ مَن؟ ومن يصاهرُ من؟ وغلبت الثقة وغابت الكفاءة عن المناصب، فعقم النظام الإداري عن تطوير نفسه أو المحافظة على حد أدنى من الكفاءة. لدينا كل شيء على الورق جميل ومبهر، لكنه في الواقع معضلة. ولدينا كل شيء ممكن بالواسطة، وبدونها يكتوي الناس بنيران الحاجة. ولدينا نوايا للإصلاح، ولكنها توأد بسهولة والمجالس البلدية خير مثال.

لا أريد منزلا، فقد تبت عن هذا الحلم، ولا أريد أن أسدد ديوني فقد تأقلمت على هم الليل وذل النهار، أريد فقط مؤسسات تصون كرامتي وتحترم آدميتي. تلك صرخة يقولها الكثيرون، فهل تجد من يحولها إلى نظام قابل للتطبيق.

لحس وزير النفط!

(مقال لصالح الشيحي في الشهر الماضي، نشر في الوطن ولكن عوقب بالمنع لبضعة أيام)

هناك حب لمصلحة، وهناك حب لقرابة، وهناك حب لله.. أنا أحب معالي وزير البترول والثروة المعدنية علي النعيمي، لله وبالله.. الحب لله هو أعلى أنواع الحب. ولكون المثل يقول (إذا صار حبيبك عسل لا تلحسه كله)، فأنا أعمد إلى (لحس) معاليه بين فترة وأخرى (لحسات) خفيفة. اليوم سنلحس معاليه قليلاً .. قلت لك يا وزير ـ بحق الإله ـ لا تخبرونا عندما تكتشفون حقولا جديدة للزيت والغاز. قرأت قبل فترة إعلان معاليك عن اكتشاف حقل جديد للزيت العربي الخفيف الممتاز في المنطقة الوسطى.. وكيف أن الغاز أيضاً تدفّق من البئر نفسها بمعدل 3 ملايين قدم مكعبة قياسية يومياً.. وكيف أن معاليكم قد توقع أن تتحقق معدلات إنتاج أعلى تحت ظروف الإنتاج الاعتيادية.

ـ اسمع مني فأنا أحبك يا وزير لا لمنفعة أرجوها: ضربت لك مثلاً مرتين، قلت لك إن الناس يستسقون الله بغية المطر، ويفرحون بهطوله وبأخباره، فقط لأنهم متيقنون أن ذلك سيعود عليهم بالنفع.. لكن طالما أن تلك الاكتشافات البترولية لا تنعكس على حياة الناس بشكل إيجابي وطالما أن كل شيء في البلد في ارتفاع محموم فإن حديثكم هذا عن اكتشافاتكم ماله داعي من أصله. صدقني ـ صاحب المعالي ـ أنت كمن يتحدث على مسمع مجموعة من الجياع عن امتلاكه في ثلاجة منزله أصنافاً شهيّة من الطعام مما لذ وطاب.. يسيل لعابهم على لا شيء. الطريف أن بقية الخبر تقول: (يقدر الاحتياطي المثبت للمملكة حالياً بنحو 261 مليار برميل. ولدى المملكة طاقة إنتاجية تتجاوز 11.5 مليون برميل يومياً). أعلم أنك لا تملك قرار تخفيض الأسعار، لكن بيدك أن تحجم عن ذكر اكتشافاتكم العظيمة تلك، احتراما لمشاعر الفقراء والمحتاجين والعاطلين.. تلك التي لا ينالهم منها سوى لعابهم الهادر.

الصفحة السابقة