كيف نشتكي من التخلف، ونحن نستميت في صناعته؟!

لا تنسوني في السجن!!*

د. محمد الأحمري

فؤاد فرحان في سجون آل سعود: جريمة الكتابة!

هذه الكلمة من الرسالة العاصفة التي أرسلها فؤاد فرحان الغامدي قبل سجنه، ينادي ذوي المروءة في كل مكان ألا ينسوه في السجن، فتحرك المدونون في العالم يطالبون من كل جهة، حتى بلغ الأمر مستوى الخارجية الأمريكية، وقناة الحرة، وجريدة نيويورك تايمز وجريدة واشنطن بوست، والهيرالد تريبون والإندبندنت البريطانية، وقناة سي إن إن، وموقع بي بي سي، ثبّت خبره على الصفحة الأولى وغيرها مما لا يحصى. موقف مشرّف أحدثه الذين طالبوا بالحرية، ومثلهم الشرفاء من المدونين الذين ساهموا في هذه الحملات المقدسة لنصرة المظلومين، إن سجن فؤاد وعلي القرني تاج على رؤوسهما، وعيب على الذين يصمتون ولا يتفوهون بحق مساجين كلمة الحق.

فرحت بأن تعالت الأصوات من أرجاء العالم تطالب بإخراجه، وهو الأجدر بالحرية، لأنه فقدها بسبب مطالبته بحقوق المحرومين منها، وهو ممن يسهرون على فكاك الآخرين، فجريمته أنه كتب عن المسجونين بلا سبب، أو أنه كتب عن صديقه سعود مختار وعن بعض المظلومين الآخرين، جريمته أنه رفع عن نفسه عيب الصمت المخذّل.

علي القرني سجين ولا يعلم إلا الله أي تقرير قضى على حريته!! قيل بأنه كتب في الإنترنت أو ربما اتهم بأنه طالب بإطلاق دعاة حقوق الإنسان!

ولكن للقرني مشكلة أكبر، وهو ألا معرفة له في الخارج تسانده، ولا تتحدث عن الظلم الذي وقع عليه!!

وكم نفرح عندما تتقدم وسائل الاتصال الحديث طريقة جديدة تخفف بها عن مظلوم، أو تساعد مقهور، أو تساعد في تطوير الثقافة والمعرفة.

لا شك كانت مفاجأة للذين لم يعرفوا المدونات وأهميتها ودورها في التقدم والتنمية والإصلاح.

فهل ستحرم بعد اليوم؟

أي منا لا يشكر ذوي المروءة من الصحفيين والمدونين في العالم الذين رفعوا أصواتهم لتحرير المقهورين في السجون العربية، لقد أصبح الإعلام الرسمي العربي قبرا للمروءة، كما هو قبر للحمية والعزة؛ فشكرا للإعلام البديل!!

علينا أن نشكر الرجال والنساء من شتى أقطار العالم، الذين يعملون على حريتنا، فهل أصبحوا أملنا! لقد أدوا ما عليهم، واحترموا إنسانيتهم، وكرامتهم. إن الصمت القاتل الذي نمارسه ضد المظلومين من المساجين إنما نساعد بهذا الصمت في نشر بذور الإرهاب، وفي نشر الرعب والخوف والذل، وننشر التمرد والفساد.

فؤاد فرحان الغامدي، أحد الإعلاميين المشاهير والموهوبين، ورائد للمدونين الذين لهم فضل كبير على حركة الصحافة الاليكترونية في العالم الإسلامي وخارجه.

أحزنني جدا أن أجد رجال الكونجرس يحررون السياسيين السوريين من سجن بشار، وأن تستخرج هيلاري عفوا عمن تشاء، ورجالنا أعين تحملق، وألسن لا تتحرك، وقلوب لا تتألم لأسر مهدمة، وبيوت موحشة، وقبور شاسعة من السجون تبنى لتقتل فيها الأرواح والأبدان.

إن الصامتين على سجن المظلومين هم حقا من يهدم الدول، ويخذل الحكم، ويضعف المجتمع، ويدمر الإنسان، وينشر السوء، هم الشياطين الخرس، فلتحذرهم الحكومات، كنا نود لو وجدنا قائمة بالمشايخ وأعضاء مجالس الشورى، والبرلمانات والصحفيين والدعاة الذين يطالبون بالإفراج عن المساجين، حتى نثق أن الوضع جيد، وأن كلمة الحق بلغت، وأن هناك مجتمع حي كريم شهم، وأن الناس عندنا يترفعون على شهواتهم الصغيرة، ويرقون للمعالي ويضحون بشيء من بالزلفى للمصالح العامة.

ما دامت وجوه المجتمع تقبر حيّة في السجون، والصمت يعم، والخوف يقتل الأرواح، وشهوات الوجاهة والمناصب والمال متحكمة، فإنكم لا توعدون إلا بالهوان، وما هو أهون منه.

ما دام الناس يرتفعون بالتملق والنفاق، وتسقطهم كلمة الحق، من أعين الخاصة والعامة، وتضع الرجولة والجرأة من قدرهم، وتذلهم المروءة، وتعد من عيوبهم، ويرعبهم الجواسيس، وتأكل أعمارهم السجون، فإنها لحياة بئيسة، وإنسانية منقوصة.

إن لنا أمل عاجل في إطلاق المساجين السياسيين سجناء الرأي ممن لا جريمة لهم إلا المطالبة بالحقوق الإنسانية التي أمر بها الإسلام وضمنتها شرائع البشر.

قال فؤاد: 'لا تنسوني في السجنب.

إنها رسالة معبرة عن استنكاره لسلوكنا تجاه مساجين الحرية والكرامة من قبله، تجاه دعاة الإصلاح، ورجال المستقبل، من هؤلاء الأفذاذ الناصحين الكاتبين عن أهمية حرية الناس ومجتمعهم.

لا تقبروا المصلحين وتدفنوا فضائلهم لأنهم أحرجوكم أو كانوا أشجع منكم

وإذا لحقكم عيب الصمت والخذلان فكفروا عنه بذكر محاسنهم ورفع الظلم عنهم.

لكأن هؤلاء المساجين يجرون وراءهم جسدا ثقيلا متخما باردا لا يحب أن يتحرك للمعالي، أو يحب أن يتقدم دون أن يدفع لحريته أي ثمن ولو بكلمة نافعة.

نستغرب أن يسعى البعيدون لتحرير أشهر مدون، وأحد الأصوات السياسية الصادقة، ومن قدم في ميدان الإعلام الإليكتروني ما لم يقدمه أحد فيما أعرف في بلاده، وللمسلمين في مناطق كثيرة في العالم.

فؤاد؛ حق على الشرفاء ألا ينسوك، ولا ينسوا علي القرني، ولا كوكبة الأفاضل الذين أذلوا لأنهم يبتغون العزة لأنفسهم ولمجتمعهم ولأمتهم.

وقديما قالوا: ولد للعميان ولد يبصر ففقأوا عينيه من كثرة تحسسها، أو معرفتها ومراقبتها!!

إنها غنيمة العميان بل مصيبتهم، فقد خرج الصبي ببصره على الإجماع!

عشنا زمنا طويلا من الجهل والفقر، فلما خرج منا نابغون علماء وأطباء ومهندسون ومحامون وإعلاميون عالميون، فقتلناهم في السجون، أو قتلنا أرواحهم من الخوف، حتى عمّت الكآبة والحزن على الرجولة، فلا تجد أذل من أستاذ جامعة، أو أخوف من مدرس، أو أضعف من خطيب جمعة!

لماذا نحن نخاف حتى ساد فقر الفكر، ووهن الروح، وبقي الأمل فقط معقود بمنقذ أو شفيع يتحدث عن مساجيننا أو عن قضايا من ...؟

الجامعات في العالم منبر حرية، وعند العرب ثانوية خائفة متخلفة، بل ومصنعا للأمية الفكرية، وتغييب القضايا المهمة كفلسطين والعراق وأفغانستان عن جامعاتنا كما تغيب عنها العلوم والمعارف!!

تذكروا أن أقوى الأصوات السياسية الناقدة للحكومات الغربية تدرس في أرقى جامعاتها العلمية التطبيقية.

إن طلاب الجامعات في الغرب هم أول من هيج العالم لإنهاء الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وقد كانت اللوحات تغطي ميادين الجامعات بصور مانديلا وقضيته، وكنا نجهل الحملة، ونتهجى اسم الرجل وقضيته، ثم أثمرت الجهود الصادقة، واليوم جدار الفصل العنصري والنازية الصهيونية لا يهمس احد عنها في جامعاتنا ولا ندوات ولا نقاشات ولا عمل، كما يتم حتى في بعض جامعات بريطانيا فقط.

لماذا تكون الجامعات والإعلام الغربي هو معدن الحرية، وعندنا الإعلام والجامعات منبع الهوان والاستخذاء!!

ثم كيف نشتكي من التخلف، ونحن نستميت في صناعته!!

تحرروا من الخوف والهلع الموهوم، حرروا أنفسكم من التشويه العالمي، الذي يرسخ الخوف والاحتقار المتبادل، ليتحرر الجميع. أنقذوا ذويي القلوب والعقول وذوي المهارة من السجون، ومن الخوف، وسيفتح لكم باب العزة. إن ما يتم الآن مدعاة لنكس الرؤوس والشعور بالمعابة، ولا يجلب إلا مزيدا من الهوان والمذلة والسخرية والتشويه العالمي.

* عن: مجلة العصر، 6/1/2008

http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&contentid=9711

الصفحة السابقة