تجاهلوها.. وذلك حسن

خيراً فعل الإسلاميون في السعودية وخارجها أن التزموا الصمت تجاه أحداث مومباي. فعلى غير العادة، تجاوزوا هذه المرة أعنف حادثة في العام ألفين وثمانية بلا تعليق أو تهليل، رغم اكتمال العناصر الضرورية في قصة أي جهاد معاصر.

فهناك إسلاميون مسلحون وأجانب أوروبيون وأميركيون وإسرائيليون ومركز يهودي، وهذه العناصر نادراً ما تلتقي جميعها في حالة واحدة داخل سجلات العمل الإسلامي المسلح، إن كان ممثلاً بتنظيم القاعدة أو غيره.

قد يقول قائل إن المكان الجغرافي للحادثة غير حاضر في الذهنية الإسلامية سلفاً. وذلك ليس صحيحاً دائماً، فالتعبئة النفسية في حالة كشمير لا تغيب طويلاً عن خطاب القاعدة أو التنظيمات المسلحة الأخرى في باكستان، أو حتى أئمة المساجد، الذين يدعون لنصرتها منذ عقدين، ولم يكلوا بعد، من دون أن نعرف النتيجة المطلوبة: استقلالها أم ضمها إلى باكستان؟

فالمواقع الإلكترونية تعاطت القصة بخجل، فلا متابعة ولا تبريكات ولا اهتمام باحتجاز ثلاثين رهينة في مركز يهودي، ولا بعشرات الاسرائيليين وبقية الأجانب في الفندقين. ولا حتى حسرة على عدم قتل اليهود والاسرائيليين المحتجزين.

وتجاهل الحادثة، رغم أنها فرضت نفسها على وسائل الإعلام إلى يومنا هذا، لم يكن قاصراً على الإسلاميين السعوديين، بل لدى أنصار (الجهاد) عالمياً، الممثل اليوم بتنظيم (القاعدة).

هذا الصمت (الجهادي) قد يكون ترقباً لتعليق يصدره الدكتور أيمن الظواهري، نائب قائد القاعدة، يتناول فيه ما جرى، إما بتأييد الفعل أو السطو عليه، ومن ثم تسجيله في دفتر نشاط التنظيم، وكثيراً ما فعلها وورط أطرافاً أخرى بشبهة الارتباط به.

ومما سبق من حوادث وقصص، فدائماً ما تكون هناك مسافة زمنية، هي نحو الخمسة عشر يوماً بين أي حدث وصدور تعليق من نائب قائد القاعدة. وهذه حسبة بسيطة يمكن ملاحظتها في جل خطاباته، التي تتناول الأحداث الطارئة؛ فوز أوباما، حرب الصيف في لبنان، وغيرهما الكثير.

فما إذا اختطف الظواهري الحادثة بنسبها إلى تنظيمه، أو مجرد باركها بتأييده، فقد يكون ذلك دافعاً لالتفاتة سريعة تجاه مومباي، ليبدأ أنصاره في التشجيع واستحضار بطولة المسلحين العشرة وما فعلوه. ولا أعلم إن كانت الظروف تسمح لهم في اختلاق روايات تحكي عن كرامات ظهرت خلال معركة الأيام الثلاثة، أو التقول على شهود العيان بابتسامات (المجاهدين) بعد (استشهادهم). يمكن إعادتهم إلى كتاب شيخهم عبدالله عزام، واسقاط بعض قصص الأفغان على ما جرى، فالخيال في الكتاب كان أوسع مما ابدعته أعمال شكسبير.

فارس بن حزام

الرياض، 2/12/2008

الصفحة السابقة