الفتوى.. من القول الفصل الى (نكتة)!

برأيي أن واحداً من أكبر إخفاقات التيار الإسلاموي على صعيد معركته الاجتماعية مع التيارات الأخرى هو أنه انتهى إلى تحوِّل أداته الأهم في التأثير، وهي الفتوى، إلى مثار للتندر والسخرية الاجتماعية المريرة. والمتدبر في أحوال النسق الشعبي يرى بوضوح أن الفتوى، في أحسن الأحوال، خرجت من إطار (القول الفصل) ودخلت في رماديات الجدل العام. وتدخَّل العقل والهوى بشكل كبير في مسألة قبولها أو رفضها بعد أن كان ذلك خارج سلطات العقل الجمعي أصلاً. أما في أسوأ الأحوال، فقد تحوّلت الفتوى إلى مادة خصبة للإثارة الإعلامية، وكسب الجولات، وجمع المآخذ، واستفزاز الخصوم، وتأليب القوى، وتحريك الراكد. وبين الأحسن والأسوأ، يمكن أن نختصر القول بأن الفتوى لم تعد فتوى، بل تحولت إلى (بيان) تياري ذي أهداف محددة..

فقدان الفتوى فاعليتها وقدرتها على التأثير يرجع في مجمله إلى ظروف المجتمع وتحولاته الفكرية. وحتى في العصور السابقة كان للإفتاء سطوة متغيرة، تزيد كلما زاد المجتمع تجانساً واتفاقاً على المرجعيات، وتنقص كلما هبت رياح التغيير من جهات متفرقة واضطرم الجدل الفكري. الشيء الذي لا يتغير هو أنه كلما تحوّل النص المقدس من حكمة خام وحرة إلى أداة تأثير موجهة فقد الكثير من روحانيته الدينية، وتلوث بأهداف أيديولوجية. عندما يحول المفتون فتاواهم إلى أسلحة تيارية بعد أن كانت نبعاً روحياً، فإن هذه الأسلحة لا تلبث أن تنقلب عليهم سريعاً بعد أن تتحقق لهم مكاسب سلطوية قصيرة قبل أن تتحول الفتوى إلى نكتة، ويناضل بعدها العلماء ليس لإنقاذ فتاواهم السابقة من السخرية الاجتماعية بل لإنقاذ مكانتهم شخصياً من التطاول الذي لم يجربوه من قبل. ولعل هذا كان واضحاً في مشهدنا المحلي عندما تحول تعليق أحد المفتين على واحدة من فتاواه المثيرة للجدل من دفاع علمي وجدلي عن فتواه إلى مقالة طويلة في مديح الذات وتذكير الناس بمسيرته ومكانته. هذا المفتي لم يعد يهتم بسلاحه الذي سقط (فتواه)، بل بقلعته التي تصدعت (رمزيته العلمية).

محمد حسن علوان

الوطن، 12/2/2009

الصفحة السابقة