للامير السلامة اما المملكة فأقل

تسفي بارئيل

في الذكرى الثامنة لعمليات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، ايضا لا يمكن للسعودية التي كان مواطنوها هم الاغلبية بين منفذي العمليات، الحديث عن أن الحرب ضد الارهاب قد انتهت. قبل نحو اسبوعين تلقت على ذلك تذكرة قاسية على نحو خاص. فلأول مرة، حاول ناشط اسلامي اغتيال احد ابناء الاسرة المالكة.

الخطة كانت بسيطة: عبدالله العسيري، شاب سعودي حتى قبل بضع سنوات درج على الاستماع بمتعة للموسيقى الغربية والتوجه الى النوادي الليلية في مدينة الشاطىء السعودية، جدة، دس في احد ثقوب جسده نصف كيلوغرام من المواد المتفجرة وذهب للقاء نائب وزير الداخلية، الامير محمد بن نايف. وقد بدأ العسيري طريقه في اليمن التي انتقل اليها قبل ثلاث سنوات لينضم الى اخيه النشيط في منظمة 'القاعدة من أجل الجهاد في شبه الجزيرة العربية'. وقد اجتاز بسلام الفحوصات الامنية في مطار نجران في اليمن وفي جدة. وبعد ذلك توجه الى البيت الفاخر للامير محمد.

حسب موقع الانترنت لمنظمة القاعدة في اليمن، فقد شق العسيري الطريق الى السعودية في الطائرة الخاصة للامير ـ الذي لم يكن في الطائرة ـ كجزء من مشروع أعلن عنه، لمنح عفو لكل ارهابي يعرب عن الندم ويتوب من الارهاب. وكان العسيري ضمن قائمة 85 مطلوبا للسعودية.

حسب الرواية السعودية الرسمية، فقد اتصل مساعدو الامير محمد برجل ارتباط يدعى 'تامر' في اليمن، كي يبلغوه بأن العسيري هبط بسلام. ويبدو ان هذه المكالمة كانت الاشارة لمسؤولي العسيري في التنظيم الذين اتصلوا بالهاتف الخلوي الذي شغل العبوة. العسيري، الذي امتنع عن الكلام والشراب على مدى 40 ساعة خشية الاضرار بالمادة المتفجرة في جسده، تفتت لعشرات الاشلاء. اما الامير محمد، الذي كان حقا على مقربة منه فقد خرج بسلام.

كانت هذه أول محاولة اغتيال لأمير من العائلة المالكة في السعودية وبعد التهاني التي تلقاها محمد من عمه، الملك عبدالله، لنجاته من الموت، بقيت بضع اسئلة غير محلولة. مثلا، كيف نجح العسيري في الصعود الى الطائرة الخاصة للامير والاقتراب منه في بيته دون أن تكتشف المواد المتفجرة؟ وكيف حصل ان الامير لم يصب بأذى؟ في مواقع الانترنت للقاعدة يدعون بان الحديث يدور عن اعدام مخطط له جيدا للمطلوب، وليس عن معجزة وقعت للامير. ولما كان الامير محمد بن نايف يسيطر على وسائل الاعلام السعودية، فمن الصعب تلقي معلومات موثوقة وحيادية عن تفاصيل الحدث.

ولكن رغم ذلك، فان الحقيقة الهامة واضحة: السعودية بعيدة عن نهاية المعركة ضد الارهاب الاسلامي والتي هي نفسها المشجعة الرئيسية له. فالعديد من السعوديين يقاتلون في الخارج ومسؤولون عن العمليات في العراق، في افغانستان وفي اليمن. وفي نفس الوقت تعتبر أجهزة الاستخبارات في الغرب السعودية الدولة الاكثر نجاعة في الحرب ضد الارهاب. وكدليل على ذلك، يعرض السعوديون معطيات تفيد بأن 45 مطلوبا ظهرت اسماؤهم في قائمتين سابقتين، صفوا جميعا منذ 2003. كما أن سطور القائمة الحالية، التي تتضمن 85 اسما، تتناقص. منذ تلقى عبدالله الملك مع وفاة أخيه فهد في 2005، تعمل السعودية بتعاون وثيق مع الاستخبارات الامريكية التي تؤهل وحدات سعودية خاصة لمكافحة الارهاب وجمع المعلومات الاستخبارية وكل ذلك بتمويل سعودي.

ولكن التعاون ليس أمرا مسلما به. خلافا للملك، فإن وزير الداخلية الامير نايف الذي هو ايضا والد نائب وزير الداخلية، الامير محمد، يعارض التعاون الوثيق مع الاستخبارات الامريكية. لموقفه اهمية كونه بشكل رسمي هو المسؤول عن الامن الداخلي. كما أنه ادعى في الماضي بأن ليس السعوديون هم الذين نفذوا عمليات 11 ايلول (سبتمبر)، بل محافل ارادت تشويه سمعة الاسلام. ووقف على رأس لجنة الانتفاضة الفلسطينية، التي تبرعت بمبالغ طائلة لعائلات المخربين الانتحاريين، وهو غير متحمس للافكار الديمقراطية التي تتطلع الولايات المتحدة الى تسويقها. وفي المقابلة قال ان (من الافضل تعيين اعضاء الحكومة... وعدم ادخالهم الى الانتخابات إذ هكذا يمكن ضمان ان يتولى الاشخاص الاكثر كفاءة هذه المناصب).

الأمير نايف هو شخص مريض، ومعظم صلاحياته نقلها الى ابنه الامير محمد، الذي أخذ على عاتقه المهمة المعقدة في مكافحة الارهاب. وتقوم خطته على قدمين اثنتين: مطاردة لا هوادة فيها لمنظمات المتطرفين وعمل تربوي يتضمن مساعدات مالية لمن يبدي الاستعداد لوضع سلاحه والانقطاع عن المنظمات. وهو يتعاون بشكل وثيق مع قادة الـ اف.بي.اي والـ سي.اي.ايه، يوظف مبالغ طائلة في البنى التحتية الاستخبارية وفي تأهيل المقاتلين ضد الارهاب ورجاله يشرفون على المناهج التعليمية في المدارس وعلى مواعظ وخطب رجال الدين.

ولكن هذا صراع طويل وعنيد. تكفي مراجعة الطوبغرافيا السعودية والحدود الطويلة والفالتة لها مع اليمين والعراق كي نفهم الصعوبة في منع الحركة في الاتجاهين للارهابيين من السعودية واليها. 28 مليون مواطن في المملكة ليسوا بالضرورة مؤيدين متحمسين للاسرة المالكة وليسوا جميعهم متفقين مع الحكم على مكافحة الارهاب او التعاون مع الولايات المتحدة. رجل استخبارات سعودي اقتبست عنه الـ سي.ان.ان يشرح تعقيدات الصراع: (نحن نربي شبابنا على الكفاح في سبيل الاسلام في افغانستان، الشيشان والبوسنة، ولكن حين يصل هذا الى العراق نقول لهم انه ممنوع عنهم الكفاح هناك في سبيل الاسلام).

ومع ذلك، فان السعودية، مثل مصر، هي الطراز الذي تتطلع الولايات المتحدة الى اقامته في افغانستان، باكستان وسورية: دول الحكم فيها يأخذ على عاتقه دون تحفظ مهمة الحرب ضد الارهاب المحلي. ولهذا السبب فان الولايات المتحدة تمتنع عن انتقاد السعودية رغم أن العديد من الارهابيين السعوديين يجتازون حدودها بنجاح. في دول اخرى لا نجدها تحقق نجاحا كبيرا: في باكستان ليس واضحا كم هي الحكومة، ولا سيما الجيش، مستعدة حقا للقتال ضد طالبان، في افغانستان الحكومة لا تسيطر على الاطلاق في مناطق الطالبان وسورية لا ترى في الكفاح ضد الارهاب الخارجي هدفا وطنيا.

عن: هآرتس، 14/9/2009

الصفحة السابقة