التدخل السعودي بين رجال الدولة والمغامرين

احمد صالح الفقيه

احمد صالح الفقيه

العلاقات اليمنية السعودية موضوع معقد رغم الوضوح والبساطة التي تفترض في أي علاقة بين دولتين جارتين تنظم علاقتهما المواثيق والأعراف الدولية التي مكنت معظم دول العالم من التعايش مع جيرانها في وئام وهدوء. تجاور الفقر مع الثراء الأسطوري خلق علاقة يختلط ويتقابل فيها الحسد والجشع مع الخوف والكبر والعنجهية، والمقارنات الصامتة والجهيرة مع ما يرافقها من مشاعر سلبية وعقد نفسية، وهو ما قد يرى البعض انه يصدق حتى على هذا المقال.

نقاط القوة والضعف السعودية:

للسعودية نقاط قوة وتفوق على نظيراتها من الدول العربية التي ابتليت بالانقلابات العسكرية تتمثل في تواصل الخبرة في مؤسساتها السياسية مقابل عمليات التطهير السياسية الطابع التي قطعت تراكم الخبرة في الأخرى، بالإضافة إلى الركون إلى الغرب وموالاته بحيث لم تتعرض إلى الغزو والمؤامرات التي دمرت المكتسبات المادية في الأخرى، ومكنها من الاستفادة من علاقاتها بأجهزة الغرب السياسية والاستخباراتية وان من موقع التابع.

الهاجس الأكبر للدولة السعودية هو بطبيعة الحال الحفاظ على استمرارية حكم العائلة الحاكمة، وهي عائلة ذات طابع قروسطي فيما يتعلق بعلاقتها بالحكم والدولة.

قليلون هم الذين يعرفون العدد الحقيقي لأفراد الأسرة . فهو يعامل كما لو كان سرا من أسرار الدولة. ويقدر بعض المطلعين عدد أفرادها اليوم بسبعة عشر ألفا، بينهم سبعة آلاف ذكر والباقي إناث. وهم يشكلون شريحة اجتماعية مميزة ، لها قوة مالية هائلة وتعيش حياة باذخة على حساب الدولة، ويسيطر الأمراء على كل مؤسسات الدولة والكثير من المؤسسات والعمليات المالية والاقتصادية.

وتشكل الأسرة عقب أخيل الدولة السعودية ونقطة ضعفها الكبرى. ويقال أن الملك عبد العزيز كان قد طلب من الأمراء الابتعاد عن الأعمال ونصحهم بقوله: "لا تنافسوا التجار في ميدانهم ، وإلا نافسوكم في ميدان السياسة" ولكن أحدا لم يأخذ بهذه النصيحة.

وبعد مقتل الملك فيصل الذي كان يُشكل آخر عقبة أمام إقبال الأمراء على الأعمال والصفقات، انغمس كل الأمراء، في الأعمال والفعاليات التجارية، فتكاثرت الشركات التجارية التي تحمل أسماءهم صراحة أو أسماء وسطاء مزورة.

ومثل هذا النشاط التجاري يمكن أن يكون مجزياً دون أن يسبب أي مخاطر لصاحبه. وما على الأمير إلا أن (يُعير) اسمه وشبكة علاقاته العائلية. ومن النادر أن يُساهم بشيء من ماله الخاص، إذ يُصار إلى استدانة المال اللازم من المصارف المحلية، بفوائد رمزية لا تُذكر وهي قرض كثيرا ما لا يتم تسديدها. ويملك الكثير من الأمراء إقطاعيات منحت لهم بدون مقابل، وهكذا، فان أحد أنجال الملك له الحق في أن تكون له الكلمة الأخيرة في كل ما يتعلق بالمنشآت، سواء من حيث البناء أو الصيانة. ويملك ابن آخر للملك السابق شركة تحتكر حق المراقبة الفنية على المركبات جميعها.

وليس سرا أن بعض الأمراء لا يتحرجون من استخدام أساليب مريبة تحقق لهم الإثراء الفاحش السريع. وهناك الكثير من الوقائع والتي تربط أسماء بعض الأمراء بتهريب الممنوعات، إذ يحق لهم، بالإضافة إلى الدبلوماسيين. أن يستوردوا شاحنات ضخمة ، دون التعرض إلى مضايقات مصلحة الجمارك .

ومن جهة أخرى كانت صحيفة الغارديان اليومية البريطانية ومحطة تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) قد فاجأتا العالم بنشرهما تفاصيل الرشاوى والعمولات التي تلقاها الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي السابق في واشنطن، وأمين عام مجلس الأمن القومي السعودي في اطار صفقة أسلحة اليمامة التي اشترتها الحكومة السعودية من بريطانيا وبلغت قيمتها 43 مليار جنيه إسترليني أي ما يعادل ثمانين مليار دولار وتضمنت شراء طائرات تورنيدو و هوك .والعمولا ت والرشوات الكبرى منتشرة في الدولة السعودية حتى أنها أصبحت بمثابة العرف السائد الذي لا يقاوم أو يستنكر.

الحروب السعودية:

لم يخض الجيش السعودي أي حرب صغيرة و كبيرة منذ أكثر من خمسة وسبعين عاما، عندما هاجم اليمن في أبريل من العام 1934م. وقد أنهزم الجيش السعودي في تلك الحرب على جبهة صعدة- نجران بالذات التي كان الجيش اليمني قد سيطر عليها بقيادة ولي العهد اليمني آنذاك والإمام فيما بعد الناصر لدين الله رب العالمين الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين.

ففي الخامس من أبريل 1934م، وبينما كانت المحادثات جارية بين ابن سعود والإمام يحيى حميد الدين قامت القوات السعودية المزودة بأعداد ضخمة من السيارات الإنجليزية بغزو اليمن على محورين، محور باتجاه المناطق الساحلية عبر جيزان، وتمكنوا من الوصول إلى الحديدة، المرفأ اليمني الرئيسي آنذاك، خلال ثلاثة أسابيع من بدء الغزو) ومحور آخر في اتجاه المناطق الجبلية، وقد تمكن السيف أحمد من هزيمة الأمير سعود بن عبدالعزيز في هذا المحور وسيطر على نجران والمناطق التابعة لها، ولكن والده الإمام يحيى أمره بالانسحاب من نجران مقابل انسحاب السعوديين من الحديدة والمناطق التهامية التابعة لها. وفي العشرين من مايو 1934 عقدت معاهدة بين الجانبين أنهت حالة الحرب وأبقت السيطرة السعودية على الأراضي اليمنية في جيزان ونجران وعسير والربع الخالي وهي الأراضي التي تصل شمالا إلى ميناء الليث، الواقع على بعد 80 كيلومترا جنوب مكة المكرمة، وقد نصت المادة 22على صلاحية المعاهدة لمدة عشرين سنة قمرية تامة على أن تجدد أو تعدل بعد ذلك.

وقد ظل أمر هذه المعاهدة هاجسا لدى السعوديين حتى قام الرئيس الحالي علي عبدالله صالح، والذي عمل السعوديون على إيصاله إلى سدة الحكم بعد تدبيرهم لجريمة اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، بتوقيع معاهدة العام2000التي اعترف بموجبها بملكية السعودية للأراضي اليمنية موضوع المعاهدة والتي تبلغ مساحتها مساحة أربعين دولة مثل لبنان.

التدخل في صعدة:

وها هو الجيش السعودي الذي هزم على يد سيف الإسلام أحمد في محور صعده جيزان عام 1934 يواجه اليوم بعد خمسة وسبعين عاما قائدا فذا من نفس الأرومة هو السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي وفي جبهة صعده بالذات، وقد حصدت أولى معاركها ولما يمض عليها إلا يومان ثمانية قتلى و 120 جريحا سعوديا من العسكريين.

علق مواطن يمني من مأرب على الجندي السعودي قائلا: إنه لا يركب آلية أو دبابة إلا وفيها جهاز تكييف وبلاي ستيشن وهو تعليق ساخر في محله.

فالجيش السعودي الذي يتكون من عشرات الألوية يتكون بالكامل من أغرار لا يمتلكون أي خبرة قتالية على الإطلاق. وقد أعتاد السعوديون على استئجار البريطانيين والفرنسيين وغيرهم حتى في العمليات الأمنية كما حدث في حادثة جهيمان في الحرم المكي ، وفي الحرب الثلاثينية على العراق.

وخلال تلك الحرب استقدم السعوديون ألوية باكستانية ونشروها في قواعد على حدودهم مع اليمن. أما اليوم فالجميع مشغولون وكما يقول المثل (يا الله كل جمل يقوم بحمله).

وسيواجه الأغرار السعوديون مقاتلي صعده الأشداء المتمرسين إضافة إلى قوة عقيدتهم وإصرارهم على الموت دفاعا عن عقيدتهم وأرضهم ونسائهم وأطفالهم.

آفاق وتوقعات:

في حال استمرار السعودية في تدخلها هذا في صعدة فان كثيرا من اليمنيين سيرون أنها فرصة لتصفية حساب مرير طالت قائمته كثيرا، والذين يعتقدون أن معاناة اليمنيين وآلامهم تقف وراءها السياسة السعودية السادية التي لم تدع لليمنيين حرمة إلا انتهكتها. فقد أصاب النظام السعودي روح الشعب اليمني بالشلل بدءا من حرب 1934 ومرورا بحرب السنوات الست التي مولت فيها السعودية وسلحت جهود وأد الثورة في الستينات، وانتهاء باستخدام الرشوة في البلاد وصولا إلى اغتيال الرئيس الحمدي وإنشاء نظام يحقق لها مراميها.

ففيما يتعلق باليمن فضلت السعودية وبشكل أساسي ما يوصف بالنزاعات منخفضة الحدة. وهي تعني حد تعبير المسرحي البريطاني الشهير هارولد بنتر القيام بتلويث قلب هذا البلد ، والتأسيس لمرض خبيث ينهش هذا القلب، ثم تظل ترقب انتشار الغنغرينا وازدهارها فيه.

وبعد إن يتم إخضاع الشعب أو تدميره حتى الموت- وكلا الأمرين سواء- تقوم بتنصيب أصدقائك في الجيش والمؤسسات الاقتصادية الكبرى بكل راحة في سدة السلطة.

فهي توزع رواتب على المشايخ وموظفي الدولة الكبار والكبار جدا وتستزلمهم كما عبر عنه شاعر اليمن العظيم البردوني وهو يخاطب أمير النفط:

ومسؤولون في صنعاء/ وفراشون في بابك

وهي التي أقامت على رأس اليمن قيادة رأت أنها طيعة لها بعد أن عملت على اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، وحولت اليمن إلى مستعمرة سعودية ليس لها من مظاهر الاستقلال الوطني إلا المظاهر والأناشيد.

وهي التي ظلت تضغط على الرئيس في شأن الأراضي اليمنية حتى حاول التفلت من سيطرتها طوال عقد الثمانينات من خلال تحالفه مع صدام حسين. إلا أنها تمكنت من إعادته إلى بيت الطاعة بعد سنوات من الحصار والتضييق الشديد، عقب هزيمة الأخير بعد مغامرته الطائشة في الكويت.

وبعد مؤامرات معقدة استخدمت فيها إتباعها من رجال الدين السلفيين وأتباعهم العائدين من أفغانستان، والكوادر العسكرية والمدنية اليمنية التي تتسلم رواتب منها لاغتيال كوادر الحزب الاشتراكي، حتى حدث الشرخ بين شريكي الوحدة اليمنية، عادت لتحرض علي سالم البيض على الانفصال، وقدمت له المساعدات والوعود لتؤدي إلى حرب العام 1994 التي قضت على قوة الحزب الاشتراكي، الذي كان دائما العقبة الأبرز أمام المطامع السعودية في الأراضي اليمنية.

وأخيرا حققت مآربها في المعاهدة الحدودية لعام 2000. ويبدو أنها أدخلت في رأس الرئيس أحلام التوريث من خلال إنشاء مملكة وهابية لأسرته في اليمن ، وهي الأحلام التي أدت الممارسات الناشئة عنها إلى ظهور الحراك الجنوبي والتمرد الحوثي . وقد منعت السعودية اليمنيين من العمل في أرضها وعاملتهم معاملة العبيد والمجرمين.

ومن الأمثلة الفاضحة لمؤامرات السعوديين لنيل بغيتهم في الأراضي اليمنية بدايات عهد الرئيس الحالي من خلال العمل على تأبيد معاهدة الطائف وإضافة فصل جديد من الخزي إليها يخص الأراضي الجنوبية في شرورة و الوديعة والربع الخالي، ما قاله اللواء يحيى مصلح مهدي في مذكراته الموسومة (شاهد عل الحركة الوطنية):

"عندما تولينا منصب محافظ صعده عام 1983 قمت بزيارة إلى المناطق الحدودية فجاءني إلي صعدة الشيخ فنيس أحد مشائخ وائلة وابنه أحمد فاستضفتهما. وبعد الغداء فتح حوارا معي حول جبال الفنجان التي هي خارج البقع في اتجاه نجران، وطلب مني أن أصدق على ورقه كان قد كتبها له مبخوت المشرقي الحاشدي مدير جمارك البقع معترفا فيها بان الجبل ملك للسعودية. وفتح فنيس شنطة مملوءة بنقود سعودية من فئات عالية القيمة فقلت له إنني لست مستعدا لبيع حفنه من تراب بلدي بأموال وكنوز الدنيا". انتهى.

وقد سلم الرئيس للسعودية فيما سلمه في معاهدة الرياض جبال الفنجان المذكورة.

وهذا كله يؤكد أن هناك رغم كل شيء رجال دولة في السعودية يتابعون المخططات والأهداف بينما ابتليت اليمن بحفنة من المغامرين.

وختاما:

الشعب اليمني رغم فقرة شعب أبي مارد شرس، وقد بعث الحوثيون بعلم أو بدون علم هذه القضايا وأنعشوها من مرقدها فأصبحوا رمزا لقوى الشعب الحية التي لا تهزم ولا تندحر و لا تتراجع، وصاروا صخرة تحطم كبرياء الطغيان بصلابتها وقوتها وصمودها.

لن يظل اليمنيون الوقت طويل ممزقين عاجزين عن القيام بالواجب، في امتلاك مصيرهم وصياغة حياة حرة عزيزة كريمة لهم. ولربما كانت هذه المحن الطويلة التي عانت منها صعدة وأهلها مقدمة لانبعاث يأتي من حديد يعيد الروح إلى وطن عمل آل سعود وأعوانهم على إخماد روح المقاومة ومشاعر العزة والإباء والكرامة فيه.

الصفحة السابقة