الحجاز في أول الكلام

قد يوّلد عنوان المجلة انطباعات متضاربة تبعاً للانشدادات الفكرية والسياسية والانتماءات الايديولوجية المتباينة للقراء الكرام. ولعل من ابرز الانطباعات المتوقعة هو ما يُستند فيها على النظر الى المجلة من زاوية التمثيل المناطقي بايحاءاته الانقسامية. وهذه النظرة غالباً ما تتعزز في ظل دول تحتضن جماعات متعددة من حيث انتماءاتها الجغرافية واصولها الاجتماعية وموروثها التاريخي والثقافي، وقد تتسع النظرة الى حد اعتبار المجلة كصوت ناشز في الدائرة الوطنية. هذه الهواجس مهما بلغ حجمها لا يمكن تبديدها غالباً بادعاءات سبقية أو مزاعم نظرية قبل خوض امتحان التجربة.

واذا أمكن لنا هنا أن نوجز بكلمات قلائل الغاية المركزية من المجلة فنقول بأنها مرآة للارث الثقافي والديني والتاريخي والاجتماعي لمنطقة الحجاز، هذا الارث الذي تراكم طيلة قرون. وهذه المرآة تمثل إحدى المرايا السائدة في شبه الجزيرة العربية، وهي بالتالي تندرج ضمن حركة الاثراء الادبي والثقافي المنعكسة في اصدارات عديدة داخل هذا البلد. وهي بلا شك تؤكد أهمية جزء عزيز على هذا البلد وشعبه، دع عنك ما تمثله بالنسبة لأهلنا في الحجاز.

فعملية الاثراء الثقافي أو بكلمة اخرى المثاقفة المتصلة تنبع من تنشيط مجمل المجهودات الفكرية والادبية المتراكمة في فضاءات مغلقة نسبياً، وتعميمها عبر ما يعرف بالاثراء التواصلي. فالجزيرة العربية بمناطقها المتعددة احتضنت ومازالت جماعات عديدة مستقرة ومترحلة تركت بصماتها الواضحة على الخارطة الثقافية العربية والاسلامية، وباتت مسئولية استعلان هذه المجهودات مؤكدة على أبناء هذا البلد. إنها حقاً مسئولية تاريخية ودينية يلزم على الجميع الاضطلاع بها من أجل حفظ الامانة ورعاية لحرمة الاجيال السابقة ممن صنعوا لنا مجداً وأوصلوا لنا معه رسالة للاجيال اللاحقة.

فالتوق الى تأكيد هوية، وتاريخ، وثقافة، وآثار، وأدب وشعر الحجاز هو، إذن، مشروعُ وواجب في آن بصرف النظر عن التوجسات النفسية التي يمكن ان تخلقها المجلة لدى بعض المتهاجسين من بروز ما يحسبونه افتئاتاً عليهم، فكيف اذا كانت البلد تكتظ بمنتوجات اعلامية ذات توجهات خاصة اقليمية ودينية واجتماعية. فلن يقال عن ''الحجاز'' بما يمثل من ثقل تاريخي واسلامي عظيم انه قد خرج عن الاجماع الوطني حين يقرر ترك بصمته في مجمل الاسهامات الثقافية في هذا البلد.

فـ ''الحجاز'' ببساطة ترنو الى ان تكون اضافة ثقافية جديدة، من خلال نشر النتاجات الفكرية والادبية والتاريخية لمنطقة الحجاز وتسليط الضوء على معالمها وآثارها ومناشطها الثقافية والادبية وتالياً استقطاب الاقلام التي لم تسنح لها فرصة الكتابة والنشر وتحفيز الطاقات الكامنة سواء الادبية منها او الثقافية للانطلاق عبر صفحات هذه المجلة.

كما تطمح المجلة لنقل المخزون الثقافي والتاريخي والأثري لمنطقة الحجاز وتعريف القراء الكرام عليه، سيما ذلك المخزون الذي لم يتسن لكثيرين الاطلاع عليه او القراءة عنه. فإن الأمل يحدونا لتقديم مادة غنية تبدأ من الخبر ولا تقف عند حد السرد التاريخي، بل تشكيلة ثقافية وأدبية متنوعة اضافة الى استيعاب المناشط الاجتماعية والدينية التي تزخر بها منطقة الحجاز.

واذا كانت المجلة قد قررت الانضمام الى قائمة الاصدارات الاعلامية في الخارج فإنها لن تحيد عن ثوابتها في الالتزام بالوحدة الوطنية والاجماع الوطني ونبذ كافة اشكال التفرقة والتطرف والعصبية سواء على قاعدة دينية او قبلية او مناطقية، وستؤكد دائماً على مبدأ التعايش وحق كافة الجماعات في التعبير عن ذاتها ثقافياً وسياسياً واجتماعياً دون احالة هذا الحق الى سلاح للتعريض بالوحدة الوطنية.

إطبع الصفحة الصفحة السابقة