90 يوماً لملاحقة مصادر تمويل (الإرهاب)

مهلة أميركية للسعودية قد تقود الى محنة

خطة أميركية تمتد لتسعين يوماً وضعت امام المملكة للتحرك السريع لملاحقة مصادر تمويل ما تسميه الإدارة الصهيونية الأميركية بالارهاب قبل أن تتخذ تدابير أحادية الجانب ضد المملكة ومسؤوليها. وقد ذكرت صحيفة (واشنطن بوست) في السادس والعشرين من نوفمبر الماضي أن مسؤولين اميركيين قدموا الى الرئيس جورج بوش خطة لاجبار السعودية على اتخاذ اجراءات ضد المواطنين السعوديين الذين يشتبه في تورطهم بتمويل جماعات إرهابية.

هذا ولم يقدّم المسؤولون الأميركيون تفاصيل عن طبيعة التدابير التي ستقوم بها الادارة الأميركية بعد انقضاء المهلة، فيما كان التركيز منصباً على الهدف من الحملة وهو قطع مصادر التمويل قبل اي هجوم ارهابي آخر محتمل. المثير في الامر أن المسؤولين الاميركيين أكدوا بأن الهدف من وضع الخطة هو للضغط على المملكة كي تتحرك مهما كانت قوة أو ضعف أو حتى كفاية الأدلة الموجهة ضد المشتبه بهم.

تجدر الاشارة الى أن هذه الانباء تأتي بعد انباء نشرت في مجلة (نيوزويك) في الخامس والعشرين من نوفمبر الماضي عن وجود ادلة تثبت أن زوجة الامير بندر بن سلطان سفير المملكة في واشنطن الاميرة هيفاء الفيصل قد تكون دفعت بشكل غير مباشر أموالا لارهابيين ـ حسب التعريف الأميركي ـ شاركوا في هجمات 11 سبتمبر 2001. ورغم نفي هذه الاتهامات في بادىء الامر، الا أن المتحدث باسم ولي العهد عادل جبير عاد وأخرج القصة بطريقة تبرئ ساحة الاميرة، وهي طريقة لم تكن مقنعة بالنسبة للمسئولين في الادارة الأميركية.

وفيما يتواصل الجدل الاعلامي حول إعلان الحكومة السعودية الموافقة على تنفيذ المطالب الأميركية، بدأت الاجهزة الأمنية السعودية بالتحرك لملاحقة الاعضاء المتهمين بالانتماء القاعدة. فقد اكدت السلطات السعودية في الثامن عشر من نوفمبر الماضي إصابة شخص ملاحق بتهمة الارهاب إثر تبادل لاطلاق النار مع عناصر من الشرطة كانوا يحاولون اعتقاله. ونقلت وكالة الانباء السعودية عن مصدر مسؤول في وزارة الداخلية قوله: (عند القاء القبض على المدعو محمد السحيم المطلوب في قضية أمنية والذي كان متواجدا في احدى الاستراحات العامة في مدينة الرياض، حاول المذكور الهرب والمقاومة واطلاق النار على رجال الامن الذين تمكنوا من القبض عليه بعد إصابته في رجله اليمنى، ولم يتعرض احد من رجال الأمن الى أي اصابة).

مصادر سعودية مستقلة ذكرت بأن نحو ثمانية عناصر من الشرطة قد أصيبوا في الهجوم، وهو ما نفاه وزير الداخلية الامير نايف بن عبد العزيز وقال (تم القبض على شخص سعودي مطلوب وقد اصيب عندما حاول أن يدافع عن نفسه بالسلاح ولم يصب اي عنصر من رجال الامن). وتؤكد هذه المصادر اشتراك نحو 15 مقاتلا سعوديا سابقا في افغانستان كانوا بين الاشخاص الخمسين الذين اشتبكوا مع عناصر الشرطة السعوديين الموجودين في مكان الحادث، وأن خمسة من هؤلاء الاشخاص، بينهم الشخص الذي اصيب بجروح واعتقل بعد نفاذ ذخيرته، كانوا ملاحقين من السلطات السعودية. نشير هنا الى أن مصادر رسمية سعودية أعلنت عن القاء القبض على مائة من اعضاء تنظيم القاعدة، وحققت مع نحو 700 شخص.

من جهة اخرى يحاول الامير نايف وباصرار نفي وجود الخلايا النائمة لشبكة القاعدة داخل المملكة والتي ثبت لاحقاً انها في كامل صحوتها، حيث نفى أن يكون محمد السحيم عضواً في جماعة القاعدة. ففي رده على على سؤال للاذاعة التابعة لتلفزيون الشرق الاوسط السعودي (ام بي سي) حول ما اذا كان (الشخص المطلوب ملاحقاً في قضايا ارهاب)، قال الوزير السعودي (نعم) مؤكداً انه كان شخصاً واحداً فحسب. واعتبر الانباء التي تحدثت عن وجود آلاف ممن وصفوا بـ (الجهاديين) امراً (فيه مبالغات) مؤكداً (أن هناك سعوديين غرر بهم ذهبوا الى أفغانستان ومنهم من عاد ومنهم من لم يعد حتى الآن، لكن هذه الاعداد مبالغ فيها). نشير الى أن ما قاله الامير حول وجود سعوديين (غرر بهم) دون الاشارة الى الجهة المسئولة يشكل إدانة ضمنية لمؤسسات حكومية وشبه حكومية كانت تضطلع بتنظيم حملات الجهاد الافغاني من داخل السعودية، بالتزامن مع حملة التبرعات المالية للجهاد ضد الاجتياح الروسي لافغانستان.

والأكثر إثارة في تصريح الامير نايف هو تأكيده بأن العائدين من سوح الجهاد في افغانستان سيخضعون للتحقيق موضحاً (إلا انهم يختلفون، فمنهم من انضم الى تنظيم القاعدة وهذا طبعا سيؤاخذ أكثر، ومنهم من غرر به فذهب على اساس الجهاد وذهب الى هناك وقد لا يكون انضم الى هذه المنظمة). وسيشمل التحقيق اشخاصاً غير سعوديين ايضاً، وفي مثل حالهم فـ (انهم يخضعون للتحقيق وبعدها يرحلون الى بلدانهم).

في سياق مواز تم اعتقال عبد الرحيم الناشري (وهو الاسم السري لشخص آخر يدعى محمد عمر الحرازي) المسؤول عن منطقة الخليج في تنظيم القاعدة، والمتهم بكونه المنسّق لعملية تفجير المدمّرة الأميركية كول شواطىء عدن في أكتوبر 2000 حيث اسفرت عن مقتل 17 عسكرياً اميركياً وجرح 39 آخرين. وقد نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي خبراً عن القاء القبض على عبد الرحيم الناشري اعتماداً على معلومات قدّمها الامير بندر بن سلطان سفير المملكة لدى الولايات المتحدة بالتعاون مع السلطات اليمنية.

وقد ذكرت الصحيفة أن الأمير بندر بن سلطان قال في تصريح خاص لها (أن المملكة ساهمت في اعتقال 3 من قادة القاعدة من ضمنهم عبد الرحيم الناشري في اليمن). ونقلت عن الامير بندر بأن الناشري تم التعرف عليه حين كان يسير في الشارع برفقة ضباط يمنيين، حيث تم اعتقاله ونقله الى دولة ثانية قبل أن تتسلمه قوة أمنية تابعة لجهاز الامن الفيدرالي الاميركي.

وقد أثار تصريح الامير بندر سخطاً عارماً لدى السلطات اليمنية التي رأت بأنه قد خرق الاتفاق السري بينهما والذي يفرض تمرير المعلومات دون الاشارة الى مصدرها للحيلولة دون ردود فعل انتقامية من تنظيم القاعدة أو من القبيلة التي ينتمي اليها الناشري.

وقد اضطر الامير بندر كعادته الى نفي ما ورد في الصحيفة، وقال في تصريح لوكالة الانباء السعودية في الثلاثين من نوفمبر (أن لا علم له بما ذكر عن لسانه في الصحيفة الصادرة يوم الأربعاء 27 نوفمبر عن كيفية إلقاء القبض على عبدالرحيم الناشرى). وأضاف بانه (لم يكن يعرف عن التفاصيل التي ذكرت عن هذا الموضوع في المقال).

وكمحاولة تصحيح مفتعلة لغلطة دبلوماسية محرجة وشديدة الخطورة، اضطرت وسائل إعلام مقربة من الحكومة السعودية الى فبركة قصة مخففة حول الطريقة التي تم بها اعتقال عبد الرحيم الناشري، حيث ذكرت شبكة إيلاف الالكترونية خبراً في الثلاثين من نوفمبر الماضي مفاده بأن المكان الذي تم اعتقال عبد الرحيم الناشري فيه كان في دولة الإمارات العربية المتحدة. ونقلت ايلاف عن مصادرها أن القبض على الناشري ـ محمد عمر الحرازي ـ تم بالتعاون بين السلطات الامنية في دولة الامارات والسي آي أيه استناداً الى معلومات استخباراتية قدمتها المملكة العربية السعودية.

هذا التعاون الأمني بين واشنطن والرياض لا يكفي في نظر الادارة الأميركية، إذ مازال النقد يتصاعد ضد الرياض بخصوص عدم استجابتها الكاملة للمطالب الأميركية. يقال بأن الاميركيين تقدموا بقائمة من الأسماء تشمل الكبار في الاسرة المالكة لتقديم كشف بحساباتهم المالية يتضمن قائمة المصروفات، وهو طلب تسبب في ازعاج افراد الاسرة حيث ولأول مرة يصنفون في سابقة خطيرة كمتهمين ويطلب منهم تقديم أدلة براءتهم.

وعلى أية حال، فإن الادارة الأميركية تلوّح بهذه القائمة وقوائم اخرى للضغط على الاسرة المالكة لابداء المزيد من التعاون، وقد يؤدي الرفض الى فتح القائمة لاستيعاب شخصيات اخرى في العائلة المالكة. وفي واقع الأمر، أن الادارة الأميركية تمتلك من أوراق الضغط على الاسرة المالكة ما يفتح الخيارات على أفق واسع، أمنية وسياسية واقتصادية.

إطبع الصفحة الصفحة السابقة