(2-2)

المملكة ومعركة التحديث

الاصلاح السياسي

ثمة مقاربة لموضوع التحديث تنحو بإتجاه اكتشاف منتوجاته السياسية والثقافية، أي بما يحدثه من تغييرات في البنى الفوقية. وكانت الجهود الرسمية مكرّسة بصورة كبيرة من أجل تحييد الابعاد السياسية والايديولوجية لمشروع التحديث، وهناك تصريح مشهور لأحد المسؤولين في الحكومة بأننا نجحنا في إستيعاب التكنولوجيا بدون أيديولوجيا، وهو تصريح يلخّص بصورة مكثفة الاستهداف المركزي من عملية التحديث في أجهزة الدولة.

وعلى أية حال، فإن التطورات الاقتصادية وتحديداً ارتفاع الموارد المالية عن طريق بيع النفط، وقدوم أعداد كبيرة من العمال الأجانب لغرض تأسيس النبى التحتية للدولة والمساهمة في المشاريع التنموية بصورة عامة، وهكذا التطورات السياسية الإقليمية وتحديداً: القضية الفلسطينية ودور المعلمين الفلسطينيين في المدارس السعودية في صناعة الوعي بالقضية المركزية للعرب والمسلمين، وتصاعد التيار القومي الناصري في الخمسينيات والستينيات ودوره في خلق تيار سياسي مناصر لقضايا التحرر والديمقراطية والحريات، ومن ثم الثورة الايرانية والاجتياح السوفيتي لأفغانستان ودورهما في إشاعة أجواء دينية وسط تيار واسع من الشباب وانطلاق ما يعرف بالحركات الجهادية.

يتفق كثير من الباحثين على أن التحديث في مؤديّاته النهائية خلق طبقة سياسية واسعة تناضل من أجل الانخراط في جهاز الدولة ولكن بعد إحداث تغييرات جوهرية فيه. هنا سنحاول قراءة التجاذبات الداخلية بين قوى التغيير والحكومة سعياً وراء توسيع إطار المشاركة السياسية وتقليص هيمنة العائلة المالكة على المجال السياسي.

ابتداءً يلزم القول بأن الحركة المطلبية في السعودية ليست حديثة العهد، وإنما تمتد بعمر الدولة، فهي حركة ملتحمة بنشأة الدولة وسيرورتها. فالصراع السياسي بين قوى المعارضة الشعبية والحكومة السعودية كان يتمحور تاريخياً حول المطلب التغييري والاصلاحي في هياكل الحكم ووظائفه، وهذا الصراع حافظ على فورته منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز وانتهاءً بعهد الملك فهد، وكانت المراهنة دائماً على كسر إرادة قوى التغيير هذه أو إحتوائها عن طريق إطلاق الوعود.

غالباً ما ينظر الى الحركة السياسية في عهد الملك سعود من زاوية الدور الكبير الذي لعبه العمال العرب وتحديداً الشاميين في شركة أرامكو لبلورة إتجاه سياسي مناهض للولايات المتحدة ويحمل ميولاً يسارية وقومية، وقد أثمر هذا الدور في ظهور إتجاه قومي اعتراضي لعب دوراً سياسياً مؤثراً في مناهضة وجود قواعد عسكرية أميركية في الظهران، وهكذا تنظيم مظاهرات بإسم جمال عبد الناصر وضد الحكومة والولايات المتحدة. وقد ساهم النشاط القومي الناصري في إختراق حصن العائلة المالكة، حيث وقع خلاف حاد داخل العائلة المالكة ودخل الجناحان المتصارعان ممثلين في الملك سعود وولي عهده الأمير فيصل في أتون معركة سياسية مصيرية، كان المحرّك الحقيقي والحاسم فيها وجود تيار سياسي متصاعد متأثر بالتيار القومي الناصري، مما حدا بالملك سعود ان يطلق وعداً في شهر مارس عام 1958م يعلن فيه عزم الحكومة السعودية على وضع دستور للبلاد ونظام للمقاطعات وانشاء مجلس للشورى. ثم بعد تصاعد وتيرة الصراع داخل الاسرة المالكة ودخول اطراف اخرى في الصراع السياسي، وتشكل حركة معارضة من داخل الاسرة المالكة باسم (الامراء الاحرار) ممثلين في الامير طلال، أعاد الملك سعود تأكيد وعده السابق في ديسمبر 1960م، وبعد تزايد الضغوطات الداخلية شكل الملك سعود لجنة لاعداد مشروع دستور تضمنه كراس للامير طلال بعنوان (رسالة الى مواطن). وقد أعلن ولي عهد الملك سعود، الامير فيصل، في 16 نوفمبر 1962 ''تعتقد حكومة صاحب الجلالة بأن الوقت حان لإصدار نظام أساسي مستمداً من كتاب الله وسنّة رسوله وسيرة الراشدين، حيث يضع في وضوح كامل المبادئ الأساسية للحكم وعلاقة الحاكم بالمحكوم، وينظم سلطات الدولة المختلفة، وعلاقة كل جهة بالاخرى، وينص على الحقوق الاساسية للمواطنين، ومنها حقه في التعبير عن رأيه في حدود العقيدة الاسلامية والنظام العام، وقد شرعت الوزارة السابقة في تطوير مجلس الشورى ليقوم بدوره كسلطة تنظيمية للبلاد، وستكون هذه الدراسة، مع ما يطرأ عليها من إضافات وتعديلات، جزء من النظام الاساسي للحكم الذي لن يتأخر صدوره إن شاء الله''.

وفي واقع الأمر، أن التغييرات التحتية التي صنعها التحديث، كانت بطبيعة الحال ستؤدي الى تغييرات فوية، ولذلك فإن قضية الاصلاح السياسي كان يسير جنباً الى جنب وفي تواصل مع مشروع التحديث، ولذلك ظلت هذه القضية حاضرة وتزداد رسوخاً بمرور الوقت، إذ كان ثمة شعور لدى الطبقة الحاكمة بأن توسعة الجهاز البيروقراطي للدولة تبقى غير متوازنة مالم ترفقها إصلاحات سياسية. فالحاجة تفرض على الدولة ضرورة وهي تحدّث أجهزتها أن يصاحب ذلك تحديثاً سياسياً، مترجماً في تطوير أجهزة الحكم وتوسيع المشاركة السياسة.

ولذلك تواصلت التصريحات الرسمية حول ''نوايا'' الحكومة بإحداث إصلاحات سياسية. ففي عهد الملك فيصل وبتاريخ 1/1/1974م صرح وزير الداخلية الأمير فهد ـ الملك الحالي ـ بأن الحكومة متجهة لانشاء، مجلس شورى ونظام أساسي للحكم وان الحكومة بصدد تنقيح النظام الاساسي المقترح، فيما صرّح الامير عبدالله في مقابلة مع جريدة (الأنوار) اللبنانية في 1/5/1974 ''نحن لا نضيق بحرية الرأي.. لم يعد بالامكان في العصر الراهن معالجة القضايا بمعزل عن أبنائها''.

إستشعار الحاجة للاجابة على متطلبات الدولة كدولة يقتضي قيامها واستمرارها وتوسعها خلق أجهزة مؤهّلة ووضع سياسات نشطة قادرة على إستيعاب المتغيرات الداخلية والخارجية، وهكذا الاجابة على التيار الشعبي الاصلاحي، كان ـ أي هذا الاستشعار ألزم تقريباً كل الملوك السعوديين منذ عهد الملك سعود وحتى الملك فهد ببدء عهدهم بوعد بإجراء تغيرات في جهاز الحكم. وفيما تعززت قضية الإصلاح السياسي على المستوى الشعبي والرسمي، لجأ كل من الملك خالد والملك فهد الى تكثيف التصريحات الواعدة بإحداث إصلاحات سياسية.

فبعد مقتل الملك فيصل في مارس 1975 على يد إبن أخيه فيصل بن مساعد، وتولي الملك خالد الحكم، أصدر الأخير بياناً بعد تنصيبه رسمياً ملكاً للبلاد وألقاه بالنيابة ولي العهد الامير فهد بن عبد العزيز في 31 مارس 1975م جاء فيه: ''لقد حرص الراحل ـ الملك فيصل ـ أن يقدم لشعبه نظاماً أساسياً للحكم مستمداً من كتاب الله وميادين الشريعة الاسلامية، ليرسي للعدل قواعد وينظم علاقة السلطة ببعضها، وصلات الحاكم بالمحكوم، يكون من دعائمة مجلس الشورى ليضطلع بدوره التنظيمي الهام. وأعلن رحمه الله عن رغبته تلك وعمل لتحقيقها بتهيئة الجو الملائم لها وشرع في مراحل التنفيذ.. وشاءت إرادة الله أن يرحل قبل تحقيق رغبته. وتجد حكومتنا نفسها ملزمة أمام ذكرى العاهل الراحل بإتمام ما تبقى من الشوط وإبراز هذا العمل الهام ليصبح حقيقة ترسي دعائم الإستقرار وتقوي أجهزة الحكم ولكي تثبت دعائم النظام الاساسي للحكم على قواعد متينة.. فسوف تستكمل ـ ان شاء الله ـ جميع الاجراءات التنفيذية لوضع نظام المقاطعات موضع التنفيذ ليكون هو الآخر لبنة من لبنات بنائنا الشامخ''. وتكررت هذه الوعود على لسان الملك وولي عهده الأمير فهد طيلة السنوات التي حكم فيها الملك خالد (1975 ـ 1982).

وثمة تصريح مثير للجدل للملك فهد في حديث مع مراسل صحيفة الصنداي تايمز في ديسمبر 1984م قال فيه: ''خلال ثلاثة أو أربعة شهور سيؤسس مجلس للشورى، وسيبدأ عمله في وقت ما في السنة القادمة، وأن جميع أعضائه سيعيّنون مباشرة من قبل الحكومة، كما سيوضع دستور مكتوب للبلاد.. وبعد سنتين من تأسيس المجلس سيعطى الشعب حق انتخاب نصف أعضائه إنتخاباً مباشراً عن طريق مجالس المقاطعات، وفي مرحلة لاحقة سيتم انتخاب بعض أو معظم أعضاء البرلمان بالانتخاب المباشر من قبل المواطنين، وسيكون المجلس برلماناً كغيره من برلمانات العالم، إلاّ أن المجلس سوف يؤسس بخطوات تدريجية لتجنب إرتكاب الأخطاء.. نحن سنخوض التجربة تدريجياً وسنبني ببطء نظاماً متيناً''.

كان ذلك أول تحديد زمني للشروع بإجراءات إصلاحات سياسية، ولربما يفسّر جزئياً إلالحاح الداخلي على إمتصاص ردود الفعل حيال تراجع الأداء الاقتصادي، حيث بدت الحاجة الى موازنة ذلك بـ ''تنفيس'' سياسي.

ولا شك أن حادث احتلال الحرم واضطراب الاوضاع الأمنية في المنطقة الشرقية عام 1979 مثّلت تحديّاً خطيراً للدولة. فهي وإن لم تؤدٍ الى إنكسار الدولة، الا أنها أحدثت دويّاً سياسياً وتموّجاً شعبياً من حيث تنبيههما الى إمكانية ظهور حركات سياسية احتجاجية ضد الدولة، ومن قبل أفراد يافعين نشأوا وترعروا في المدارس الحكومية وكان يفترض إنغماسهم في ''نعيم'' التحديث بما ينتج زعماً ولاء للدولة الراعية. الا أن ما جرى لم يكن سوى عكس ذلك تماماً، فإن أعمار غالبية المشاركين في هذه الأحداث كانت تتراوح بين السابع عشرة والثلاثي سنة، أي من طلبة المدارس والجامعات والموظفين.

ورغم أن الحكومة نجحت في احتواء هذه الحوادث عن طريق قمع المشاركين في حركة جهيمان بإعدام الأخيرة وعدد من قادة الحركة، وهكذا اعتقال العشرات من المناصرين لها، فيما جرى تحسين جزئي للظروف المعيشية لأبناء الشيعة في المنطقة الشرقية وتخصيص مبالغ مالية لمشاريع تنموية وخدماتية، الا أن الحدثان أنتجا في وقت لاحق تيارين إحتجاجيين وسط المجتمع السلفي، ظهر في أزمة الخليج الثانية حيث إستعاد مقولات جيهمان في الدولة، وهناك تيارسياسي شيعي قادته ما يسمى بـ ''الحركة الاصلاحية'' بقيادة زعيمها الروحي الشيخ حسن الصفار.

وفور سقوط الكويت تحت الاحتلال العراقي في الثاني من آب/أغسطس 1990م، شهدت المملكة نشاطاً سياسياً غير مسبوق شاركت فيه قوى التغيير من خلفيات ايديولوجية وسياسية متنوعة، وفرضت نسقاً جديداً في العلاقة بينها وبين الحكومة، فقد لجأت العائلة المالكة الى اطلاق الوعود سيما وأن ثمة شركاء داخليين وخارجيين جدد دخلوا في حلقة النقاش حول النظام السياسي في المملكة وفرص تطويره بما يسمح بمستوى مقبول من المشاركة السياسية. بل أن الشارع السعودي أصبح يموج بالأحاديث حول الاستبداد السياسي السعودي والرأي الفردي الحاكم على الشعب والذي أوصل البلاد الى حافة الكارثة.

تجددت وعود العائلة المالكة بالإصلاح السياسي، وأعلن الملك فهد للصحافة السعودية أن حكم الشورى سيدخل المملكة من بابه الواسع وأن هناك عملاً جاداً لوضع قانون أساسي للبلاد، وأن ثمة لجنة مسؤولة عن وضع اللمسات الأخيرة عليه. ولكن ما يثير الدهشة حقاً أن تصريحاً آخر للملك فهد حول التغيير والإصلاح جاء بحجم أزمة الخليج. في خطابه في 26 اكتوبر1990م، أمام جمع من المواطنين قال فيه ''أنظمتنا التي موجودة الآن في وقتها من أجمل ما يمكن، ولا تزال تسير، الاّ انها تحتاج لاعادة النظر من أولها لآخرها.. فيما يتعلق بالتعليم، وفيما يتعلق بالأمور العامة وفي الأمور الخاصة، وفي جميع الأمور كلها من أولها لآخرها''.

وحول الإصلاحات في البلاد قال ''أحب أن أؤكد للأخوة تأكيداً من جديد أن هذا محل اهتمامي الشخصي بالليل وبالنهار، وأن العمل يسير فيه بشكل جدّي، وليس أننا الآن نبتدئ... لا، عندنا الرصيد موجود، لكن ربما حصلت بعض الظروف وبعض العوائق انتهت الآن''.

لقد خلق حدث احتلال الكويت مناخاً سياسياً جديداً، ووفّر فرصة تاريخية أيضاً . فقد اضطلعت قوى التغيير المؤلفة في الغالب من نخبة التكنوقراط والاكاديميين وأفراد الطبقة الوسطى بدور سياسي شديد التأثير على المستويين الرسمي والشعبي، وبدأت تمارس ضغوطها على الحكومة من أجل البدء بالإصلاح في هياكل الحكم ومؤسسات الدولة. نشير الى أن النشاط الاصلاحي كان فيما مضى يزاول من قبل فئة محدودة من الشعب، ولكن منذ أزمة الخليج الثانية أصبح هذا النشاط ممتداً في أوساط عديدة اجتماعية وسياسية وحتى دينية، وهذا ما ظهر بوضوح إبان أزمة الخليج الاخيرة رغم محاولات جادة قام بها بعض امراء العائلة الحاكمة لطمأنة الناس سيما المثقفين بعزم الحكومة على التغيير والاصلاح للحيلولة دون إنفجار الوضع الداخلي وانفلات السيطرة من يد العائلة المالكة في ظل التهديدات الخارجية. الاّ أن هذه المحاولات لم تثن مجاميع المثقفين والشخصيات الوطنية والدينية من التعبير عن رأيها صراحة في نظام الحكم السعودي والمطالبة بعملية إصلاح شاملة في البلاد.

لقد عبّرت مجموعة من الشخصيات الوطنية شملت وزراء سابقين ورجال أعمال وصحفيين وكتّاب عن قلقها من تردي الاوضاع السياسية والأمنية في البلاد، وطالبت بإصلاحات أساسية تتناول النظام السياسي والإداري، كما جاء ذلك في عريضة رفعتها هذه المجموعة الى الملك فهد والامير سلطان في عام 1991، وعقدت جلسات الحوار والمناقشة في سبيل التوصل الى صيغة مشتركة لاعداد عريضة توضح مطالب هذه المجموعة بعد ان تم الاتفاق على تقديم الحد الادنى من المطالب، فأعدت هذه المجموعة مسودة العريضة وأرسلت الى مناطق مختلفة من المملكة حتى يوقع عليها الوجهاء والشخصيات بعد مواقفهم على ما جاء فيها.

وبحسب النسخة الأصلية من العريضة، فإن ثمة مسائل صريحة ودقيقة أثارها الموقّعون تدور حول ''إشراك جمهور المواطنين في تقرير كل ما يمس حياتهم ومصيرهم ومراقبة ومحاسبة كافة الاجهزة التنفيذية التي تعمل لخدمتهم ورعاية شؤونهم حتى يلقي كل مواطن ربه وقد تحمل كافة مسؤولياته، ودون ان يدّعى انه قد حيل بينه وبين القيام بما افترضه الله عليه''. وجاء أيضاً ''ولا بد من أن نضيف هنا أن الاصلاح الجذري الشامل لم يعد فريضة شرعية وواجباً وطنياً فحسب، بل هو اليوم مطلب عالمي انساني، يتناول بالتغيير الاسرة الدولية كلها، حتى الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية... أترضون لمهبط الوحي، وقبلة المسلمين ومجتمع لا اله الا الله محمد رسول الله، ان يتخلف عن ركب الحرية والاصلاح''. وقد أكّد الموقّعون على أن ''نظم الحكم في دول الخليج تحتاج الى اصلاح جذري يتضمن تمكين المواطنين من اداء واجبهم بالمشاركة الفعالة والإسهام الايجابي في ادارة شؤون بلادهم''.

وفيما يلي إجمالي للنقاط الرئيسية التي أثارتها العريضة:

''اولاً: اصلاح شامل لنظام الحكم في البلاد وهو وعد قطعته الاسرة المالكة الكريمة على نفسها منذ البيان الوزاري الشهير عام 1379هـ (أي منذ 31 عاماً حتى تاريخ رفع العريضة)، ونعتقد أن ذلك يمكن أن يكون في الاطار التالي:

ـ تلافياً للمخاطر في المستقبل القريب والبعيد، او ضماناً للاستمرارية والاستقرار، واستعداداً لاي ظرف طارئ او قاهر، قد تتمخض عنه الاحداث في يوم من الايام، يوضع نظام للاسرة المالكة الكريمة، ويوضع نظام انتقال الملك وولاية العهد، وينشئ اسلوب للشورى واتخاذ القرارات داخل الاسرة الكريمة، ضمن مجلس أعلى للحكم، والى غير ذلك من ضرورات الحكم وولاية الامر في العصر الحديث.

ـ إقامة مجلس للشورى يضم نخبة اهل الرأي.

ـ يشكل المجلس السلطة العليا في البلاد بعد الاسرة المالكة، ويضع له نظاماً يضاهي أحدث النظم البرلمانية، بما لا يتعارض مع الشرع الحنيف.

ـ يشرف المجلس إشرافاً كاملاً على كافة شؤون البلاد التشريعية والسياسية والاقتصادية والدفاعية والتعليمية والداخلية وكافة أعمال وواجبات الاجهزة التنفيذية.

يتولى المجلس المحافظة على ثروات البلاد ومواردها المالية، بما في ذلك الثروات المعدنية والبترولية والاراضي الزراعية والصحراوية ووضع قواعد راشدة لصرفها واستثمارها وطرائق الإنتفاع بها.

ـ تقوم كافة مؤسسات الدولة وأجهزة الحكم في البلاد على مستوى المقاطعة والمدينة على اساس من الشورى والمشاركة الشعبية.

ـ تطهير الاقتصاد والنظام المالي للبلاد كله من آفة الربا وشبهاته، إتقاء لغضب الله، وتجنباً لسخطه سبحانه، وإقامة نظام اقتصادي ومالي شرعي يقدّم للعالم كله أنموذجاً إسلامياً فريداً.

ـ الأخذ بمبدأ اللامركزية الادارية في نظام الحكم، وادارة البلاد، وتسيير شؤون المواطنين من خلال مجالس للمقاطعات والمدن والقرى، على ان يتولى افراد الأسرة المالكة امارة المحافظات الرئيسية ويكون نوابهم ووكلائهم من اهل هذه المناطق.

ثانياً الاصلاح الاداري

ـ تعلمون أن الاصلاح الاداري هو حجر الزاوية في أي اصلاح يستهدف مجمل الاوضاع في أي بلد من البلدان لأن الجهاز الاداري للدولة هو اداة التنفيذ لأي برنامج إصلاحي، وليس من شك ان اللجنة العليا للاصلاح الاداري قد قامت خلال الخمسة والعشرين عاماً الماضية بوضع الكثير من أسس هذا الاصلاح وبرامجه، لكن من الواضح أن قليلاً من هذا الجهد الكبير قد انعكس على اداء الاجهزة الادارية للدولة على وجه العموم بما يجعلها اداة فعالة لتنفيذ الاصلاح، وليس عقبة كأداة في وجهه.

وهكذا فان مختلف مخططات الاصلاح ومبادئه ستظل رهناً باصلاح إداري حازم وشامل يتغلغل في كل اركان الجهاز الاداري للدولة، ويقفز بها الى مستوى العصر، ويطوّعها لخدمة وتيسير حياتهم (الخ).

وصدرت العريضة المعدّلة بحذف الفقرات السابقة من الأصل ـ والتي وقع عليها ثلاثة واربعون شخصية وطنية، في هيئة معالم مقترحة لسبل الاصلاح والتطوير تشمل مؤسسات الدولة وهياكل الحكم وتدعو الى تطبيق الشريعة الاسلامية واقرار نظام سياسي ومجلس للشورى ونظام للمقاطعات في البلاد كما تطالب بالغاء الفوارق بين عامة الشعب على اساس مناطقي او قبلي او طائفي(الوثيقة).

أعقب هذه العريضة صدور كثير من العرائض وجهها المواطنون الى الملك فهد منها عريضة وقع عليها عدد من العلماء وأساتذة الجامعات والأطباء والكتاب والأدباء والمهندسين والمعلمين وغيرهم طالبوا فيها بالاصلاح الشامل للبلاد.

التيار السلفي يطالب بالتغيير

إنخراط قطاع كبير من أفراد المؤسسة الدينية الرسمية في النشاط الاصلاحي قد أنذر بفك الارتباط مع الحليف التاريخي الممثل في العائلة المالكة، ويعد أخطر مؤشر على الساحة الداخلية، ذلك أن الجهاز الديني شكّل لفترة طويلة مصدر حماية ومشروعية نظام الحكم. من هنا كان تمرد التيار الديني على السلطة بطريقة غير مسبوقة يعد تحولاً استراتيجياً في معادلة نظام الحكم وشبكة التحالفات الداخلية.

ومن خلال قراءة الخطاب الذي وجهه اثنان وخمسون شخصية من علماء الدين والدعاة والمعلمين والقضاة ومدراء الاقسام في الجامعات والمعاهد والمراكز والمؤسسات الدينية نجد انه يحتوي على إثارات في غاية الاهمية والدقة منها أن الخطاب يتضمن اتهاماً صريحاً بفساد المؤسسات الحكومية (الداخلية والخارجية والاعلام ووزارة العدل والقضاء والجيش والبنوك..) كما أن الخطاب يسحب من الحكومة الشرعية الدينية من خلال المطالبة بعرض اللوائح والانظمة السياسية والاقتصادية وغيرها على أحكام الشريعة الاسلامية من خلال لجان شرعية موثوقة ذات صلاحية.

وهذا الحكم ينال موافقة اعضاء في اكبر سلطة دينية في الدولة السعودية (هيئة كبار العلماء) أمثال عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين والدكتور صالح بن فوزان، وعبدالله بن مسعود (عضو هيئة كبار العلماء) علاوة على تأييد القطبين البارزين في(هيئة كبار العلماء) الراحلين الشيخ عبدالعزيز بن باز بعد ان اضاف عبارة ''على اساس الشريعة الاسلامية'' والشيخ محمد بن صالح العثيمين إضافة الى تأييد مئات من العلماء والقضاة وأساتذة الجامعات والدعاة والمثقفين.

ولعل الأكثر إثارة أن الخطاب المذكور انتشر بكثافة هائلة في أوساط التيار السلفي المتواجد في أغلب مناطق المملكة قبل أن يصدر جواب من الاسرة المالكة والملك فهد على وجه الخصوص.

لقد أثارت عريضة التيار السلفي مخاوف جديّة لدى الاسرة المالكة، وقررت تنظيم جهودها من أجل إجهاض ولادة تيار ديني سلفي مناوىء للاسرة المالكة. فقد دعا الأمير سلمان بن عبدالعزيز(أمير الرياض) أخوانه الى اجتماع عاجل للبت في قضية العريضة الموّجهة الى الأسرة المالكة من رموز التيار الديني السلفي. ساد الاجتماع جو من التوتر والانفعال فيما كان بعض الامراء يحاول تنقية الجو السائد في الاجتماع عن طريق توجيه الحديث الدائر نحو موضوع المواجهة ورد الفعل العملي بدلاً من تبادل الاتهامات. وكان ثمة إتفاق بين أفراد الاسرة المالكة المجتمعين بأن امكانية للحل تأتي عن طريق إشراك نفس المؤسسة الدينية في التأثير على التيار الديني المتمرد. فثمة أمل في إستخدام بقايا رهان المؤسسة الدينية الرسمية، خاصة وان العائلة المالكة تخشى من الدخول في مواجهة مباشرة مع ذلك التيار، كونه يملك رصيداً شعبياً ضخماً في مركز السلطة، أي نجد، ولذلك استعانت العائلة المالكة بـ (هيئة كبار العلماء) رغم الانقسام الواضح في داخلها.

ولقد صدر بيان لمجلس هيئة كبار العلماء عقب إنعقاد دورته الاستثنائية في الرياض في يومي 18و19/11/1411هـ في ظل غياب أربعة من اعضاء الهيئة هم: عبدالله خياط وسليمان بن عبيد وابراهيم بن محمد آل الشيخ وعبد المجيد حسين وقد ورد في البيان تحت اسم كل واحد منهم عبارة (لم يحضر لظروف صحية).

ومما جاء في البيان ''وبعد إطلاع المجلس على ما تناقلته بعض وسائل الاعلام المسموعة والمقروءة وما تداولته بعض الأيدي حول ما كتب لولي الأمر عن أمور يراد تحقيقها، فإن مجلس هيئة كبار العلماء يستنكر الطريقة التي سلكت في نشر وتوزيع ما كتب في ذلك، ويحذر من مغبة تكرار مثل ذلك مستقبلاً، ويرى ان الطريقة التي استخدمت في نشر وتوزيع ذلك لا تخدم المصلحة ولا تحقق التعاون على البر والتقوى''.

وليس ثمة شك في أن هذا البيان وفّر مسوّغاً شرعياً وسياسياً للحكومة لقمع التيار الديني الساخط. فقد تعرّض عناصر هذا التيار الى الاعتقال والتعذيب والحصار الامني فقد اعتقل ثلاثمائة عنصر من العناصر البارزة في التيار السلفي المسيّس (خطيب إمام مسجد، محاضر، أستاذ جامعة) السجون السعودية إضافة الى أن عشرات آخرين تعرضوا لعمليات إستجواب من قبل الأجهزة الأمنية، كما تم إستبعاد العشرات من أئمة المساجد، ومنع عدد من المحاضرين من إلقاء الخطب والمحاضرات.

إن القراءة الاجمالية للتجاذبات الداخلية بين قوى التغيير والسلطة والنهج الذي إتبعته العائلة المالكة في التعامل مع مطلب الاصلاح السياسي واخيراً انجذاب تيار واسع من الشعب الى الميدان السياسي من بوابة الاصلاح تنبّه الى أن الاصلاح السياسي خيار شعبي يزداد تجذراً بمرور الوقت، وأن محاولات حرف الاهتمام وإشغال قوى التغيير في معارك جانبية ومفتعلة قد يؤخّرها بعض الوقت ولكن لن يسقط خياراتها المحسومة.

إطبع الصفحة الصفحة السابقة