قبل وصول وزير الخارجية الأميركي الى الرياض

ملابسات قصة الشبكة الإرهابية في السعودية

فاجأت أجهزة الأمن التابعة لوزارة الداخلية وسائل الاعلام المحلية والأجنبية بالإعلان في السادس من شهر مايو عن الكشف عن شبكة إرهابية مؤلفة من 19 عشر مواطناً سعودياً إضافة الى عراقي ويماني وعدد من الجنسيات الأخرى. وقد ذكر بيان لوزارة الداخلية بهذا الشأن بأنه تم ضبط كمية كبيرة من المتفجرات والأسلحة والذخائر المعدّة للقيام بأعمال إرهابية داخل المملكة.

ورغم المتابعة الامنية الميدانية لرصد تحركات أفراد المجموعة التي كانت تتردد عل منزل يقع في حي إشبيلية بشرق الرياض الا أن الفرق الأمنية فشلت في القبض على أي منهم بعد أن فتح أفراد المجموعة النار ولاذوا بالفرار. يذكر أن حوادث أمنية عديدة شهدتها الرياض والجوف وعسير ومناطق أخرى خلال أكثر من عام فشلت فيها الاجهزة الأمنية من القبض على المتورطين فيما خسرت الأجهزة الامنية بعضاً من أفرادها نتيجة مواجهات مسلحة.

قصة الإعلان عن شبكة إرهابية في السعودية كشفت عن نتائج خطيرة، حيث أسفرت نتائج التفتيش حسب ما أعلنتها أجهزة الأمن عن ضبط عدد من القنابل اليدوية والرشاشات كما عثر على خمس حقائب حديدية كبيرة الحجم مملوءة بقوالب من مواد عجينية شديدة الانفجار وصناديق ذخيرة وكميات كبيرة من أدوات التنكر كالشعر المستعار وغيره.

وقد أعلنت وزارة الداخلية أسماء من تعتقد أنهم أفراد المجموعة بناء على ما عثرت عليه من وثائق وهويات شخصية وجدت في البيت الذي تمت مداهمته من قبل أجهزة الأمن. وقد أشار بيان الداخلية بأن ثمة أسماء أخرى سيتم الاعلان عنها 'في الوقت المناسب' حسب البيان، دون إعطاء توضيحات عن السبب في عدم الكشف عن الاسماء الأخرى ضمن القائمة سالفة الذكر، ولم يتضح حتى ذلك الوقت ما إذا كانت الاسماء الأخرى تنتمي لنفس الخلية أم لخلايا أخرى يجري مراقبتها أو ملاحقتها من قبل أجهزة الأمن.

في سياق تجميع عناصر قصة الشبكة الارهابية، وزير الداخلية الأمير نايف، وفي الوقت الذي يؤكد على أنه لم يتم القبض على أي شخص من الـ 19 المطلوبين، يصرّح في حديث لجريدة الوطن السعودية في السابع من مايو بأن 'جميع هؤلاء الشباب من الذين نشأوا في أفغانستان' وأضاف بأن 'هذه المجموعة نشأتها خارجية وقد تلقوا تدريبهم بلا شك خارج المملكة ونشأتهم حدثت هناك 'أفغانستان' وهناك من دربهم وهم يظهرون للأسف بوجه إسلامي وهم من الذين يكفرون الناس ويهددون الأمن هم بعيدون عن الإسلام'، ويوصي الأمير نايف علماء الدين وأئمة المساجد بتحمل مسؤوليتهم الدينية والاجتماعية من أجل إزالة هذه الثقافة المتطرفة من أذهان الشباب 'فعلى الدعاة وأئمة المساجد والواعون بأمور الشرع أن يبينوا لشباب هذه الأمة خطورة مثل هذه الأفكار وهذه الأعمال التي تتنافى مع الإسلام لأن مثل هذا العمل يعتبر لا إنسانياً ولا يشرفنا كسعوديين بداخل المملكة أو خارجها'.

تشريح الرواية الرسمية

من خلال مقارنة الرواية الرسمية حول الشبكة الارهابية بروايات أخرى أهلية ومعلومات من عوائل المتهمين يظهر ثمة مفارقات جديرة بالاهتمام. ففي مقابلة مع والد خالد محمد الجهني مع جريدة الرياض في 7/3/1424 ذكر أنه لم يرَ إبنه منذ تسع سنوات وأنه تلقى إتصالاً هاتفياً يفيد بمقتل إبنه في الشيشان، وهكذا الحال بالنسبة لوالد عبد العزيز عيسى المقرن الذي ذكر أنه لم يرَ إبنه منذ سبعة أشهر ووالد على عبد الرحمن الفقعسي.

ثمة رواية كويتية بشأن قصة الشبكة الارهابية، فمصادر أمنية كويتية نقلت لجريدة (الوطن) السعودية أنها سلّمت معلومات طلبتها السعودية عن أفراد المجموعة. وتكمل المصادر ذاتها حسب الجريدة بالقول بأن هذه المعلومات (سهّلت القبض على بعض المطلوبين من بين الـ 19 متهماً) رغم أن الأمير نايف ينفي وقوع أي منهم في قبضة رجال الأمن.

الرواية الرسمية تقول بأن تبادلاً لإطلاق النار جرى بين دوريات الأمن مع المطلوبين قبل أن يفروا هاربين، وهذا يعني أنه لم يتم القبض عليهم، فكيف تم تحديد العدد (19) بأسمائهم وكيف تم التعرف عليهم، ومن أين جاءت الصور، وكيف تم تحديد من هو أشدهم خطراً (الدندني)، ولماذا لم يتم إستدعاء أولياء أمور المطلوبين والتحقيق معهم قبل حادث المداهمة، ثم يعقب ذلك على الفور إذاعة تفاصيل دقيقة عن المجموعة ونشاطاتها ونواياها ومخططاتها قبل مرور فترة زمنية معقولة على التحقيق والتحري والبحث.

في جوابه على سؤال عن السر وراء هروب المطلوبين وللمرة الثانية، قال الأمير بأنهم 'متدربون على الهرب' وفي ذلك إتهام مبطّن لكفاءة رجال الأمن على ضبط الأمن وتعقّب المتهمين في حوادث أمنية. أما القول بأنهم خرجوا متفرقين وأخذوا سيارتهم وهذه السيارة تعطلت كما في البيان ونزلوا وأخذوا سيارة مواطن، فكيف استطاع 19 شخصاً أن يحشروا أنفسهم في سيارة واحدة ويهربوا بها ثم يعودوا ليتكوموا مرة أخرى داخل سيارة أخرى بعد أن تعطّلت سيارتهم الأولى.

دلالات الإعلان

ثمة دلالات في قصة إكتشاف خليّة مسلحة بهذا الحجم تابعة لتنظيم القاعدة، ولعلها ترسم ملامح الوضع الأمني العام في المملكة، ولا شك أنها تعين على الكشف عن أوضاع إجتماعية واقتصادية وسياسية متردية يعيشها الشباب في المملكة.

وقبل البدء بتسليط الضوء على دلالات قصة المجموعة المسلحة، لابد أن يستوقفنا توقيت الكشف عنها، وما اذا كان هناك ما يمكن ربطه بموضوع زيارة وزير الخارجية الأميركي كولن باول الذي يحمل في حقيبته أسئلة محددة للقيادة السعودية، ولعل أهمها السؤال حول جدية الحكومة السعودية في التعاون من أجل مقاومة النشاطات الراديكالية التي تتغذى على توجيه ديني محلي أي في ما يعرف بالحرب على الارهاب. هناك إعتقاد متزايد بين كثير من المراقبين السياسيين بأن قصة الكشف عن شبكة إرهابية ماهي سوى إجابة مبكرة لأسئلة باول اللاحقة، فقد أرادت الحكومة السعودية أن تبعث برسالة مباشرة الى الإدارة الأميركية بأنها شريك جاد وكامل في محاربة الارهاب، وكجزء من محاولة ترميم السمعة المتهدمة. فآثام سبتمبر مازالت تلاحق العائلة المالكة، التي كثّفت جهودها الدبلوماسية على مدار الثلاث سنوات الماضية في إطار حملة علاقات عامة قامت بها وزارة الخارجية السعودية في الولايات المتحدة من أجل تحسين صورة المملكة ودرء الاتهامات المتزايدة حول تورط أمراء كبار من العائلة المالكة في تمويل المشاركين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر. أما حول دلالات حادث إكتشاف الشبكة، فإن أول ما يظهر هو هذا الضعف الكبير في البنية لأمنية السعودية، والتي تجعل مجموعة كبيرة الحجم نسبياً من تهريب مواد متفجرة ورشاشات كلاشينكوف روسية الصنع إضافة الى كميات من القنابل والوثائق المزوّرة دون أن تكشف عنها أجهزة الأمن التي كان يزعم وزير الداخلية بأنها اليد الضاربة والممتدة لكل الحدود.

ثم إن القول بكون المتفجرات التي كانت بحوزة المجموعة 'كمية كبيرة والنوعية خطيرة من أشد المتفجرات' ألا يضعف الاحتجاج بطول الحدود البرية، فالكمية لم تكن ضئيلة حتى يمكن تهريبها بسهولة، خصوصاً اذا ما استحضرنا القدرة التخريبية لهذه الكمية حيث قيل بأنها كافية لتدمير مدينة بكاملها. إما إذا كانت الكمية مهرّبة من مستودعات رسمية كما يلمح الى ذلك الوزير نايف فإن ذلك يعدّ مصاباً عظيماً على الأمن الوطني والجهاز المسؤول عنه.

من جهة ثانية أن التأكيد على كون أفراد المجموعة هم من الافغان العرب وكلهم عائدون من أفغانستان كان يفترض أن يرفع درجة الحساسية لدى أجهزة الأمن، سيما وأن أثمان هجمات سبتمبر مازالت باهضة ويجري تسديدها من قبل الحكومة السعودية من سمعتها الدولية وأموالها، فكيف نجحت المجموعة من تنظيم خلايا عمل وحبك خيوط مؤامرة ضد مصالح عمومية أو ضد نظام الحكم دون أن ترصدها أجهزة الأمن.

ما يلفت الانتباه هو جواب الأمير نايف على سؤال حول ما اذا كان لديه معلومات حول هذه الخلية فقال بأنه وجهاز الأمن يتابع هذه الخلية وغيرها منذ فترة طويلة، فكيف حدث كل ذلك ولم يتم القبض على أي منهم في نهاية المطاف، فضلاً عن خلايا أخرى لم يتم الكشف عنها حتى الآن وقد أشار اليها الامير نايف في مؤتمر صحافي عقب الاعلان عن الكشف عن المجموعة.

وهذا يستدعي تصريحات لدى وزير الداخلية قبل أكثر من عام حين قال بطريقة ساخرة بأنه لا يوجد في المملكة خلايا نائمة أو مستيقضة لتنظيم القاعدة أو غيره من التنظيمات، وكأنه يعبّر عن ثقة مفرطة في قدرة أجهزته الأمنية على ضبط الوضع الداخلي، أو ربما أراد أن ينفي عن بلاده أن تكون مركزاً لنشاط إرهابي محلي أو دولي.

يثير الغرابة إصرار الوزير نايف على نفي أي جذور محلية للعنف، فهو يؤكد في تصريحاته الصحافية على أن المجموعة تلقت ثقافة العنف خارج الحدود وبصورة محددة في أفغانستان، تماماً كما إعتبر الأخوان المسلمين المصدر الرئيسي لنشأة ظاهرة العنف في بلاده، ولكنه في مثل هذه القصة حاول أن يقلل من دور الخارج مع تشكيكه في الدعم المحلي وقال بأن 'الجهات الموجهة لها ـ أي للمجموعة ـ هي التي تموّلها بالمال'.

الدلالة الثانية أن أفراد المجموعة هم من الشباب و'في مقتبل العمر' حسب الأمير نايف، وهذا يستحضر بدوره مشكلات الشباب الراهنة وتحديداً البطالة والفقر، فمع تزايد نسبة البطالة والتي تصل حسب مصادر رسمية الى 32 بالمئة، من الطبيعي الحديث عن إضطرابات أمنية وجرائم قتل وسرقات مسلحة واستطراداً تنظيمات عسكرية. الأمير نايف نفى أن يكون للبطالة أو الفقر 'أي علاقة' رافضاً تحديد العوامل الضالعة في نشوء ظاهرة الشبكات الارهابية الشبابية.

لعبة اللوم: الداخل والخارج

المفتي العام للملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، حمّل جماعة التكفير والهجرة (المنشقة عن جماعة الإخوان المسلمين والتي حاربتها الجماعة بشراسة) مسئولية نشوء ظاهرة التطرف الشبابية المنفلتة من التوجيهات الروحية للعلماء والمنتقصة من قدرهم. وإعتبر أن هذه الظاهرة تتغذى على ما ينشر في 'بعض المواقع على الإنترنت'، دون أن يوضح هوية هذه المواقع ونوع الأفكار المبثوثة عبرها، الا أنه أكد على تأثير جماعة التكفير والهجرة كمنهج سلكه كثير من الشباب الناقمين على حكوماتهم، شاهرين سلاح التكفير ضد الحكّام والعلماء والمجتمع. من جهة ثانية، أعاد الأمير نايف الاتهامات السابقة ضد جماعة الاخوان المسلمين معتبراً إياها مسؤولة عن نشأة الافكار الارهابية رغم أنه لم يؤكد تأثير المجموعة بما يسمى (الفكر الاخواني).

وفيما كان المفتي مشغولاً بتوجيه النصح للشباب بعد الخوض في أعراض العلماء والتعرض لهم والحط من قدرهم، حمّل متابعون للظاهرة الدينية المتشددة في شكلها العنفي داخل السعودية المسؤولية مصادر التوجيه الديني المحلي. فقد اعتبر محمد عبد الله ناب (وهو إسم مستعار لخبير في شؤون التيار الديني السلفي) في مقال له بصحيفة إيلاف الالكترونية في الثامن من مايو الحل الأمني وحده غير قادر على إجتثاث الارهاب ما لم تعضده وتواكبه 'مواجهة ثقافية وإعلامية منظمة ومكثفة وقوية تسعى إلى تتبع جذور هذا الفكر والعمل على اقتلاعها ومنعها من إفراز الفكر التكفيري المسلح'.

وعلى ضد من تصريحات الأمير نايف والمفتي العام الرامية الى ربط الظاهرة الارهابية في السعودية بجذور خارجية، حمّل ناب الداخل المسؤولية كاملة عن هذه الظاهرة بما نصه 'في المدارس السعودية، وبالذات في مدارس المراحل المتوسطة والثانوية، وفي بعض جمعيات تحفيظ القرآن التابعة للمساجد، في المملكة، تبدأ مرحلة تجنيد الشباب في أعمار مبكرة لتجهيزهم ثقافياً ونفسياً وعَـقدياً للالتحاق بالركب التكفيري المتأسلم'.

ويحاول ناب أن يطوّر الفكرة التي قدّمها الناقد المعروف د. حمزة المزيني في مقالة بعنوان (ثقافة الموت في مدارسنا) المنشور في صحيفة الوطن في 27 مارس الماضي، حيث يحلل المزيني الطريقة الوعظية السائدة في المناهج التعليمية الرسمية والقائمة على أساس التخويف بالموت وما تحمل في طياتها من أغراض أخرى خطيرة تتجاوز المقصد الديني المحض. وحسب د.المزيني 'فتشبُّع الشباب بفكرة الموت يزهدهم في الدنيا ويجعلهم أكثر قبولاً للانخراط في النشاطات الدينية التي يمكن أن يديرها أناس لهم أغراض خفية. والخطوة قصيرة جدا بين التشبع بفكرة الزهد في الحياة والتكيف مع فكرة الموت واقتناعِ الشاب بأنه ما دام أنه ميت لا محالة فلتكن هذه الميتة 'في سبيل الله'. وهذا ما يجعل كثيراً من الشباب يقعون ضحية لبعض المتطرفين الذين يستخدمونهم في تنفيذ بعض الأعمال التي يزينونها لهم بأنها 'جهادية'.

وإعتبر أن وزارة المعارف 'مسؤولة مسؤولية مباشرة عن استمرار مثل هذه الممارسات'. وفي تحليل تداعيات هذه الممارسات على المستوى الاجتماعي والامني يرى زيني بأن مثل هذه الممارسات 'ربما ينتج عنها نتائج ليست بعيدة عن تلك التي جعلتنا الآن وجعلت الإسلام والمسلمين جميعا موضع شبهة في العالم كله'.

هذا التحليل الجريء للتوجيه الثقافي والتعليمي للتطرف والمسؤول عما أسماه د.زيني بإنتشار 'ثقافة الموت' يطيح بكل محاولات التنصل من المسؤولية وتبرئة الذات من كل ما يتفجر من ظواهر عنفية محلية، فهذا التحليل يشير ضمنياً الى أن مناهج تعليمنا مولّدة للارهاب كما أن مدارسنا أصبحت مرشحة لتفريخ جماعات إرهابية نتيجة مناهج تعليمية موّجهة ونشاطات مدرسية غير خاضعة للقيم التربوية المحايدة وطواقم مدرسين من ذوي الاغراض الخاصة، كلها قابلة لانتاج التطرف والارهاب.

لقد أثارت المقالة فزعاً في الوسط الديني الامر الذي عرّض الكاتب لحملة دعاية مضادة نالت من سمعته ومقامه العلمي اضافة الى العداء المصبوغ دينياً، كما إمتدت أيدي التكفيريين الى أبنائه في مدارسهم، هذه المدارس التي شهدت زحفاً تكفيرياً واسع النطاق في كل أرجاء المملكة خلال العقد الأخير.

وكما أشار ناب في مقالته المؤمى اليه سابقاً، فإن مسألة التصحيح الديني من أشد المسائل حساسية لدى الحكومة، فإصلاح المناهج التعليمية وتخفيف الجرعة الدينية بداخل التعليم الرسمي يمثل أحد جبهات المواجهة بين الحكومة والمجتمع الديني الرسمي، رغم قناعة الحكومة بضرورة تنقيح المناهج، وخصوصاً مع سيل الدراسات النقدية والتقويمية التي قدّمها متخصصون في التربية والتعليم سواء في الداخل أو الخارج والتي تكشف عما تحمله مواد التعليم الديني من توجيهات محددة تبعث على الكراهية والتطرف وبالتالي على العنف، الا أن الحكومة مازالت مترددة في الاقدام على إتخاذ قرار صارم في موضوع تصحيح المناهج الدراسية، رغم أنها تُعتبر المسؤولة عن زرع مفاهيم دينية متشددة وعن تغذية ميول التطرف لدى بعض الجماعات.

دفاعاً عن أفراد الشبكة

في تحدٍ سافر أصدر علماء سعوديون مناصرون للجماعة المطلوب القبض عليها بياناً وصف بأنه رد على وزارة الداخلية، وهو في ذات الوقت يؤكد على أن ثمة مصادر توجيه محلية لمثل هذه الجماعات. والعلماء هم: علي بن خضير الخضير، ناصر بن حمد الفهد، أحمد بن حمود الخالدي.

البيان بدأ بلغة دفاعية عن المجموعة، أو لا أقل عن بعضها، وشدّد أصحاب البيان على الصلة التي تربطهم بأفراد المجموعة، بل إن البيان تضمّن معلومات شبه دقيقة عن نشاطهم وتاريخهم الجهادي في أفغانستان. فبحسب البيان :'وهم من خيرة المجاهدين في سبيل الله، من الأتقياء الصالحين، نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحداً، وهم ممن بذل نفسه وماله ودمه لله تعالى ، فشاركوا في جهاد الصليبيين الحاقدين في أفغانستان، وقد سطروا آيات الشجاعة والبطولة في معارك جبال (تورا بورا) ، وما نقم منهم الناقمون إلا أنهم حاربوا أعداء الله'.

كما أن البيان يكشف عن تفاصيل أخرى تلمح بقوة الى 'التداخل التنظيمي الوثيق' بين أصحاب البيان والمجموعة، سيما فيما يرتبط بتفاصيل الملاحقة أول مرة من قبل الأميركيين في أفغانستان حيث فشلوا في القبض عليهم، وما لحق ذلك من نشر صورهم وأسمائهم، ثم خروجهم منها لحين وصولهم الى السعودية ومحاولة القبض عليهم ثانية في حادث الملاحقة الأخير من قبل أجهزة الأمن السعودية.

يلفت البيان أيضاً الى اللغة الناقمة بشدة على من أفاد من سمعة المجاهدين ثم تنكّر لهم بعد أن إستفرغ أغراضه منهم. فبدلاً من أن تكافأهم الحكومة السعودية 'فتحت لهم المعتقلات، وسيموا سوء العذاب، وصاروا بين مقتول، أو أسير، أو مشرد مطارد، وصار الجهاد جريمة، والمجاهد إرهابياً، فأصبحت تكال لهم التهم، ويرمون بالبهتان'.

ويوحي البيان أيضاً بمتابعة الموقعين عن كثب لتفاصيل الملاحقة محلياً، وهذا يكشف عن أن قصة الاعلان عن أسماء وصور أفراد شبكة إرهابية هي قديمة وأن الجديد فيها هو التوقيت الذي حسب الموقعين جاء 'إستجابة للمطالب الأميركية الصليبية بالقبض عليهم'. فالجهني الوارد إسمه من بين المطلوبين الـ 19 هو في الأصل مطلوب لـ FBI منذ احداث سبتمبر ولم يدخل السعودية منذ ذلك التاريخ وقد قيل انه اعتقل ونقل لغوانتانامو منذ مدة طويلة.

قبل كل ذلك، أن الاسماء والصور كانت منشورة في مراكز الأمن التابعة لوزارة الداخلية منذ وقت طويل، ولكن حين عجزت القوات عن القبض عليهم أرادت إستغلال هذه العملية كيما تكون عربوناً لزيارة باول للمملكة، كما توحي اللغة الخفية للبيان.

في البيان لغة منافحة ومناجزة، فالموقعون على البيان يقدّمون شهادة براءة علنية عن أفراد المجموعة عبر نفي إتهامات وزارة الداخلية بأن المجموعة كانت تخطط للقتل والافساد وتخريب المصالح العمومية، ومن جهة ثانية فإن الموقعين ينبذون توجيهات الداخلية للمواطنين بالتعاون للقبض على أفراد المجموعة أو تقديم معلومات حولهم، فهم يعلنون صراحة بما نصه 'يحرم تحريماً قاطعاً خذلان هؤلاء المجاهدين، أو الوقوف ضدهم، أو تشويه سمعتهم، أو الإعانة عليهم ، أو التبليغ عنهم، أو نشر صورهم، أو تتبعهم، وأن فعل ذلك هو في حقيقته إعانة للأمريكان، الذين يبذلون وسعهم للقبض عليهم، وتحقيق لأهدافهم التي عجزوا عنها، فاحذر أخي المسلم أن تكون عوناً للصليبيين ضد المجاهدين'. كما طالب الموقعون العلماء وطلبة العلم والدعاة بالاصطفاف معهم والدفاع عنهم أمام الناس امتثالاً لواجب ديني.

إن أهم درس يمكن الخروج به من قصة الإعلان عن كشف جماعة تابعة لتنظيم القاعدة أنها غير مقطوعة الصلة بما يجري من تطورات إقليمية ودولية. فإغلاق مكاتب التنظيمات الجهادية في سوريا وقصة الاعلان عن جماعة مسلحة تنوي القيام بأعمال عسكرية واسعة النطاق داخل السعودية تلتقي عند نقطة التحول السياسي الدراماتيكي في المنطقة برمتها.

الصفحة السابقة